سليمان خاطر
New member
قرأت هذا المقال للكاتب الإسلامي والمفكر السياسي المعروف د.عبد الوهاب الأفندي في أحد المواقع،ولم أسمع بالدكتور/محمد فتحي عثمان فضلا عن بحوثه التي يشير إليها الكاتب في الدراسات القرآنية ويلمح إلى جدتها وطرافتها وأهميتها،فهل تعرفون شيئا عن ذلك ؟
من يعرف تلك البحوث أرجو أن يتكرم بإفادتنا بها حتى تعم الفائدة ونعرف حقيقتها.
وهذا هو المقال :
(1)
في عصر يوم السبت الماضي الموافق ثاني أيام عيد الفطر المبارك والحادي عشر من سبتمبر، ووري الثرى في ضواحي لوس انجليز في جنوب كاليفورنيا جثمان الدكتور محمد فتحي عثمان، أحد أبرز مفكري الإسلام في العصر الحديث أوائل رواد النهضة والتجديد في الفكر الإسلامي. ولكنه، وهو الأهم، كان شخصاً دمث الأخلاق، حسن المعشر، شديد التواضع، شديد الاستقامة، رحمه الله وأحسن إليه.
(2)
تعرفت على فتحي عثمان في صيف عام 1982 حين زرت مقر مجلة "أرابيا" في قلب لندن بناء على اقتراح الأخ الكريم أحمد كمال الدين الذي كان سبقني للعمل هناك لأناقش مع الناشرين العمل في تلك الدار. وكان العمل تحت قيادة فتحي عثمان ممتعاً ومدهشاً في آن معاً. فقد كان الرجل ديمقراطياً فكراً وممارسة، نادراً ما يفرض رأيه على المحررين. ولكنه كان في نفس الوقت مدافعاً شرساً عن حرية الكتاب وعن استقلالية المجلة.
(3)
في عام 1996، أقام محبي الدكتور فتحي عثمان من ماليزيا وتونس وبريطانيا وأمريكا ومصر وبلدان أخرى لقاء فكرياً على شرفه، تحدثت فيه ثلة من المفكرين عن إشكاليات الإسلام والحداثة من زوايا مختلفة. (نشرت مداولات اللقاء عام 2001 في كتاب من تحرير الفقير إلى مولاه بعنوان: إعادة التفكير في الإسلام والحداثة: مقالات على شرف فتحي عثمان). وقد كلفت حينها بتقديم نبذة تعريفية عن الدكتور ومساهماته الفكرية والعملية.
(4)
لم أتمالك نفسي من الانفجار في الضحك أثناء تقديم تلك الورقة وأنا أروي بعض وقائع المواجهة بين فتحي وناشري المجلة، ومنها تلك الحالة التي اعترض فيها الناشرون على سياسة المجلة تجاه باكستان، وانتقاداتها الحادة لدكتاتورية الجنرال ضياء الحق الذي كان الناشرون على علاقة طيبة معه. وزاد غضب الناشرين حين نشرت المجلة تحقيقاً من ست صفحات لأحد أبرز محرريها في نقد الأوضاع هناك. كان رد فتحي عثمان إن الناشرين أحرار لو أرادوا أن يكتبوا رأياً مخالفاً. وبالفعل صدر العدد التالي من "أرابيا" وهو يحملة رسالة من الناشر تنتقد بمرارة تغطية المجلة لشؤون باكستان!
(5)
كانت هذه إشارة كذلك على ديمقراطية تفكير الناشرين، واحترامهم لفتحي عثمان ومقامه. عندما توليت إدارة تحرير المجلة كنت بدوري أحافظ على الاستقلالية بدعم قوي من فتحي عثمان والناشرين، ولكنني كثيراً ما كنت أتمرد عليه وعليهم أيضاً، فكان الكل يقبل ذلك برحابة صدر. وفي إحدى المرات النادرة ألح علي في نشر مقالات ذات طابع أكاديمي كتبها أحد أصدقائه، فقلت له إنه يعرف إن مثل هذه المقالات لا تصلح للمجلة. فتساءل إن كان من الممكن اختصارها وإعادة صياغتها لتصبح صالحة، فرفضت الفكرة، ولم يصر.
(6)
ولد فتحي عثمان في المنيا في عام 1928، وتخرج في جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1948 (أي وهو دون العشرين). وقد انضم وهو في الجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فكان نصيبه السجن والطرد من العمل. عاد بعد ذلك إلى الحقل الأكاديمي، حيث حصل خلال فترة وجيزة على شهادة ماجستيرفي القانون من جامعة الاسكندرية (1960) وأخرى في التاريخ من جامعة القاهرة (1962). ثم ما لبث أن التحق بالأزهر كمدير لقسم البحوث والمكتبات، وساهم مع الإصلاحيين في قيادة الأزهر ووزارة الأوقاف وقتها في الجهود الرامية إلى تطوير وإصلاح الأزهر.
(7)
في نهاية الستينات انتقل فتحي عثمان إلى الجزائر حيث عمل محاضراً في جامعاتها، ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون، وعمل بعدها محاضراً بجامعة الرياض في المملكة العربية السعودية. من هناك جاء إلى لندن في عام 1981 حيث عمل رئيساً لتحرير "أرابيا" حتى توقفت عن الصدور عام 1986، فانتقل إلى لوس انجليز للعمل بالمركز الإسلامي وجامعة جنوب كاليفورنيا، وأقام في شقة متواضعة في ضاحية مونتروز بلوس انجليز مع زوجته الأستاذة عايدة عبدالرحمن وابنته غادة استاذة اللغة العربية حالياً في جامعة سان دييغو.
(8)
في عام 1961 أصدر فتحي عثمان كتابه "الفكر الإسلامي والتطور"، الذي قدم فيه لأول مرة أطروحات جريئة حول إعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يتواءم مع العصر، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق غير المسلمين. وقد كانت تلك الأطروحات غريبة وقتها، ولكن تأثر بها فيما بعض مفكرون كثر، وبنوا عليها، على رأسهم الاستاذ فهمي هويدي الذي اكد أنه اقتبس بعض أفكاره من مقالة نشرها فتحي عثمان في مجلة المسلم المعاصر.
(9)
نشر فتحي عثمان بعد ذلك أكثر من 25 كتاباً بالعربية والإنجليزية، أبرزها كتاب "مفاهيم القرآن" الصادر عام 1996 في أكثر من ألف صفحة. وقد ركز فتحي في مقالاته وكتبه ومحاضراته على القرآن وإعادة فهمه وتفسيره. حتى مقالاته في مجلة "أرابيا" كان أكثر من نصفها استشهادات بنصوص قرآنية.
(10)
في عام 1997 كنت في كاليفورنيا لإلقاء محاضرات في جامعة بيركلي بالقرب من سان فرانسسكو. ولجهلي بجغرافية المنطقة خلت لوس انجليز قريبة من هناك، فحادثت فتحي عثمان واتفقت على أن أن أزوره والاسرة. ولكنني سرعان ما اكتشفت أن الأمر يحتاج إلى سفر بالطائرة، فاعتذرت. وقد قدر لنا أن نلتفي بعد ذلك ببضع سنوات في كوالا لمبور، كان للأسف آخر العهد به.
(11)
خلف فتحي عثمان وراءه ما نرجو أن يكون صدقة جارية من عشرات الكتب ومئات، إن لم يكن آلاف، المقالات والمحاضرات، جلها حول القرآن ومحاولات استجلاء معانيه وتنزيل قيمه على واقع المسلمين اليوم. كان حتى وهو قد تجاوز الثمانين لايكل من الكتابة أو المحاضرة. ولكنه فوق ذلك خلف ذكرى طيبة عند كل من التقاه أو تعامل معه. ألا رحم الله محمد فتحي عثمان وتقبله في الصالحين، فإننا نشهد أننا ما علمنا عنه إلا خيراً.
من يعرف تلك البحوث أرجو أن يتكرم بإفادتنا بها حتى تعم الفائدة ونعرف حقيقتها.
وهذا هو المقال :
(1)
في عصر يوم السبت الماضي الموافق ثاني أيام عيد الفطر المبارك والحادي عشر من سبتمبر، ووري الثرى في ضواحي لوس انجليز في جنوب كاليفورنيا جثمان الدكتور محمد فتحي عثمان، أحد أبرز مفكري الإسلام في العصر الحديث أوائل رواد النهضة والتجديد في الفكر الإسلامي. ولكنه، وهو الأهم، كان شخصاً دمث الأخلاق، حسن المعشر، شديد التواضع، شديد الاستقامة، رحمه الله وأحسن إليه.
(2)
تعرفت على فتحي عثمان في صيف عام 1982 حين زرت مقر مجلة "أرابيا" في قلب لندن بناء على اقتراح الأخ الكريم أحمد كمال الدين الذي كان سبقني للعمل هناك لأناقش مع الناشرين العمل في تلك الدار. وكان العمل تحت قيادة فتحي عثمان ممتعاً ومدهشاً في آن معاً. فقد كان الرجل ديمقراطياً فكراً وممارسة، نادراً ما يفرض رأيه على المحررين. ولكنه كان في نفس الوقت مدافعاً شرساً عن حرية الكتاب وعن استقلالية المجلة.
(3)
في عام 1996، أقام محبي الدكتور فتحي عثمان من ماليزيا وتونس وبريطانيا وأمريكا ومصر وبلدان أخرى لقاء فكرياً على شرفه، تحدثت فيه ثلة من المفكرين عن إشكاليات الإسلام والحداثة من زوايا مختلفة. (نشرت مداولات اللقاء عام 2001 في كتاب من تحرير الفقير إلى مولاه بعنوان: إعادة التفكير في الإسلام والحداثة: مقالات على شرف فتحي عثمان). وقد كلفت حينها بتقديم نبذة تعريفية عن الدكتور ومساهماته الفكرية والعملية.
(4)
لم أتمالك نفسي من الانفجار في الضحك أثناء تقديم تلك الورقة وأنا أروي بعض وقائع المواجهة بين فتحي وناشري المجلة، ومنها تلك الحالة التي اعترض فيها الناشرون على سياسة المجلة تجاه باكستان، وانتقاداتها الحادة لدكتاتورية الجنرال ضياء الحق الذي كان الناشرون على علاقة طيبة معه. وزاد غضب الناشرين حين نشرت المجلة تحقيقاً من ست صفحات لأحد أبرز محرريها في نقد الأوضاع هناك. كان رد فتحي عثمان إن الناشرين أحرار لو أرادوا أن يكتبوا رأياً مخالفاً. وبالفعل صدر العدد التالي من "أرابيا" وهو يحملة رسالة من الناشر تنتقد بمرارة تغطية المجلة لشؤون باكستان!
(5)
كانت هذه إشارة كذلك على ديمقراطية تفكير الناشرين، واحترامهم لفتحي عثمان ومقامه. عندما توليت إدارة تحرير المجلة كنت بدوري أحافظ على الاستقلالية بدعم قوي من فتحي عثمان والناشرين، ولكنني كثيراً ما كنت أتمرد عليه وعليهم أيضاً، فكان الكل يقبل ذلك برحابة صدر. وفي إحدى المرات النادرة ألح علي في نشر مقالات ذات طابع أكاديمي كتبها أحد أصدقائه، فقلت له إنه يعرف إن مثل هذه المقالات لا تصلح للمجلة. فتساءل إن كان من الممكن اختصارها وإعادة صياغتها لتصبح صالحة، فرفضت الفكرة، ولم يصر.
(6)
ولد فتحي عثمان في المنيا في عام 1928، وتخرج في جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1948 (أي وهو دون العشرين). وقد انضم وهو في الجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فكان نصيبه السجن والطرد من العمل. عاد بعد ذلك إلى الحقل الأكاديمي، حيث حصل خلال فترة وجيزة على شهادة ماجستيرفي القانون من جامعة الاسكندرية (1960) وأخرى في التاريخ من جامعة القاهرة (1962). ثم ما لبث أن التحق بالأزهر كمدير لقسم البحوث والمكتبات، وساهم مع الإصلاحيين في قيادة الأزهر ووزارة الأوقاف وقتها في الجهود الرامية إلى تطوير وإصلاح الأزهر.
(7)
في نهاية الستينات انتقل فتحي عثمان إلى الجزائر حيث عمل محاضراً في جامعاتها، ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون، وعمل بعدها محاضراً بجامعة الرياض في المملكة العربية السعودية. من هناك جاء إلى لندن في عام 1981 حيث عمل رئيساً لتحرير "أرابيا" حتى توقفت عن الصدور عام 1986، فانتقل إلى لوس انجليز للعمل بالمركز الإسلامي وجامعة جنوب كاليفورنيا، وأقام في شقة متواضعة في ضاحية مونتروز بلوس انجليز مع زوجته الأستاذة عايدة عبدالرحمن وابنته غادة استاذة اللغة العربية حالياً في جامعة سان دييغو.
(8)
في عام 1961 أصدر فتحي عثمان كتابه "الفكر الإسلامي والتطور"، الذي قدم فيه لأول مرة أطروحات جريئة حول إعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يتواءم مع العصر، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق غير المسلمين. وقد كانت تلك الأطروحات غريبة وقتها، ولكن تأثر بها فيما بعض مفكرون كثر، وبنوا عليها، على رأسهم الاستاذ فهمي هويدي الذي اكد أنه اقتبس بعض أفكاره من مقالة نشرها فتحي عثمان في مجلة المسلم المعاصر.
(9)
نشر فتحي عثمان بعد ذلك أكثر من 25 كتاباً بالعربية والإنجليزية، أبرزها كتاب "مفاهيم القرآن" الصادر عام 1996 في أكثر من ألف صفحة. وقد ركز فتحي في مقالاته وكتبه ومحاضراته على القرآن وإعادة فهمه وتفسيره. حتى مقالاته في مجلة "أرابيا" كان أكثر من نصفها استشهادات بنصوص قرآنية.
(10)
في عام 1997 كنت في كاليفورنيا لإلقاء محاضرات في جامعة بيركلي بالقرب من سان فرانسسكو. ولجهلي بجغرافية المنطقة خلت لوس انجليز قريبة من هناك، فحادثت فتحي عثمان واتفقت على أن أن أزوره والاسرة. ولكنني سرعان ما اكتشفت أن الأمر يحتاج إلى سفر بالطائرة، فاعتذرت. وقد قدر لنا أن نلتفي بعد ذلك ببضع سنوات في كوالا لمبور، كان للأسف آخر العهد به.
(11)
خلف فتحي عثمان وراءه ما نرجو أن يكون صدقة جارية من عشرات الكتب ومئات، إن لم يكن آلاف، المقالات والمحاضرات، جلها حول القرآن ومحاولات استجلاء معانيه وتنزيل قيمه على واقع المسلمين اليوم. كان حتى وهو قد تجاوز الثمانين لايكل من الكتابة أو المحاضرة. ولكنه فوق ذلك خلف ذكرى طيبة عند كل من التقاه أو تعامل معه. ألا رحم الله محمد فتحي عثمان وتقبله في الصالحين، فإننا نشهد أننا ما علمنا عنه إلا خيراً.