أخي الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول أحد الأخوة أن الآية الكريمة (إن الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ...) تدل على أن المرتد لا يقتل، فهنا بعد أن كان مؤمنا، كفر ... وظل على كفره دون أن يجرى عليه حد الردة، مما أعطاه الفرصة للعودة للإيمان ... فمن أين استقينا من القرآن الكريم أن حد المرتد هو القتل؟؟
ليس في الآية دليلٌ على أنَّ المُرتدَّ لا يُقتَل , وكونُ حد الردَّة لم يُقَم عليه لا يلزمُ منهُ عدمُ استحقاقه إقامةَ الحدِّ عليهِ , فقد لا يكُون قُدرَ عليهِ أو عُلمَ بهِ , وينبغي عند التباحث في المسائل الشرعية أن تُتَناول آيات الموضوع الواحد كلها ولا يقتصر على بعضِها تفاديا لمثل هذا الاستنتاج الخاطئ , فلو اتخذنا هذا الاجتزاءَ منهجاً لقُلنا إنَّ قوله تعالى (
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا*يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) يؤخذ منه ألا يقام الحد على القاتل والزاني , فهل نستطيع القول بأن القتل والزنى لا حد فيهما لأنَّ الآية لم تذكر إلا العذاب الأخروي جزاءً على القتل والزنى.؟ اللهم لا..
ولا يلزَمُ من الحُدُود الشرعية أن يكُون دليلها قُرآناً , والمُسلِمُون يعتقدُون السنَّـةَ الصحيحةَ امتداداً وبياناً للقرآنِ الكريم , وهما بمنزلةٍ سواء من حيثُ الحجيَّـة , ومن أخطر اللوْثَات الفكريَّـةِ اليومَ التي بُلي بها بعضُ أبناء المُسلمينَ لفرطِ جهلِهم بالعلم الشرعي تصديقُهم لصحَّـةِ منهجِ من يجعلُ القرآن الكريمَ أوحدَ مصادر التشريع فلا يُسلَّمُ بغير الوارد فيه , وهذا هدمٌ للدين بالكلية ونقضٌ لعُرى الإسلام جُملةً واحدةً.
والحُدود الشرعية على أقسام:
* منها ما تظافرَ على الدلالة عليه القرآنُ والسنةُ كحد الزنى والسرقة وقاتل العمد والخطإ.
* ومنها ما اختصَّ به أحدُهما دون الآخر كحد شارب الخمر والمُرتدِّ والزاني المُحصن.
فحد شاربِ الخَمر وحدُّ الردَّة لم يرِدا في القُرآن وإنَّما ثبتَت بهما السنَّـةُ , وقد صحَّ من حديثِ ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
من بَدّل دينه فاقتلوه ) وفي الصحيح أنَِّ النبي صلى الله عليه وسلم قال (
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وصلّوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ) وهذا دليلٌ على أنَّ دماء النَّاس إنما يعصِمها على الإطلاق أن يدينوا لله بالإسلام , وما عدا ذلك من العواصم لدمائهم وأموالهم وأعراضهم بالعهود والذمة والجُنوح للسلم وغلبتهم على المُسلمينَ إنما هو غائيٌّ مؤقَّـتٌ.
ومن العُلماء من يرَى أنَّ حدَّ الردةِ معنيٌّ به قولُه تعالى (
وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) فقالوا إنَّ العذَاب الأليمَ المُتوعَّدَ به في الدُّنيا هو القتلُ جزاءً على ردَّتهِ.
والفُقهاءُ مُجمِعُون على قتل المُرتدِّ , وينحصرُ خلافُهم في بعضِ النواحي التطبيقية شأنهُ في ذلك شأنُ سائر الحدود , وقد استُحدث الكلامُ على حد الردة في العصر الحالي وتأول بعضُ العُلماء عدم ثبُوته بأحاديث الآحاد كالشيخ شلتوت وغيره من العُلماء رحمهم الله , وهم على جلالة أقدارهم ورسوخ أقدامهم محجوجون بإجماع السلفِ من لدن عصر النبوة إلى زمانهم , ومحجوجون بعمل الصحابة في قتل المُرتدين.
ولم يظهر الشَّـغَبُ والتشويشُ على هذه المسألة وغيرِها إلا في زمننا العاثر الذي أصبحَ حدُّ الردَّة يوضَعُ - من قِبَل بعضِ أدعياء الفكر والثقافة - قضيةَ استفتاءٍ في بعض البرامج الفضائية فتتسربَ عبرَها هذه الشكوك وتتشرَّبُها قلوب المُشاهدينَ , ولا حول ولا قوة إلا بالله.