د.عبدالرحمن الصالح
New member
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أجمعين وبعد:
وددت في هذا الموضوع أن أذكر بعض الأوهام التي لمست وقوع كثير من الإخوة فيها وجل من لا يهِمُ، لكن بعض تلك الأوهام يتلقاها الناس عن بعضهم أو يعدونها من المسلمات في حين أنها توهمات وقع فيها بعض العلماء القدماء فشاعت في أخلافهم،. وهذه الأوهام التي أذكرها للتحذير منها أو لجلب انتباه القارئ إليها يقع فيها "كبار" العلماء كما يقع فيها عوامّهم بله سائر الناس. والسبب أن العلماء يقعون في هذه الأوهام ويرتكبون هذه الأخطاء أو بعضها عسى أن تسنح الفرصة فنفتتح فيه موضوع نقاش آخر. فغرضنا من هذا الموضوع ذكر طائفة من الأوهام لا تتبع أسباب وقوع العلماء فيها.
الوهم الأول: ادعاء إمكان حصول التواتر عند طائفة من الأحياء من تراث معين دون بقية المسلمين، ويقع في هذا الوهم كثير من علماء الفرق المستقلة عن الأمة حيث يرددون أن الحديث الفلاني متواتر عندنا وإن لم يتواتر عند غيرنا.
يتوهمون إمكان وجود ذلك لأنهم يغفلون -أو يجهلون- أن التواتر صفة للخبر والخبر هو في أًصله حدث تاريخي (حركة بشرية) حصلت في زمان ومكان معين فأحس بها عدد من الناس (الرواة) بأسماعهم إن كانوا عمياناً وبكلا أسماعهم وأبصارهم إن كانوا مبصرين سامعين، ثم صاغوا ما أدركوه بتعابيرهم اللغوية وحدثوا بها من كان غائبا فتلقاها نصا لغويا عبر الأذن حصراً. وشرط إمكان وصف خبر من الأخبار مهما كان مصدره - فالتواتر صفة لعموم الخبر أما الحديث المتواتر فصفة لنوع خاص من الأخبار هي المتعلقة بشخص معين هو النبي صلى الله عليه وسلم- ولا تتحقق الصفة إلا بتأكد المتلقي [الحاكم على الخبر بالتواتر من عدمه] من وجود عدد من الشهود يمكن تعداد بعضهم المعروفين بأعيانهم، حدثوا عددا من المتلقين (طبقة من الرواة) حدثوا عددا آخر من الرواة (طبقة أخرى) إلى طبقة مدونة من الرواة أثبتت ذلك الخبر ، ولا بد من وجود عدد كبير يتعذر بحكم العقل (المنهج التاريخي والحس الفطري ومنطق الرواية) أن يكونوا اتفقوا على اختلاقه أو صنعه أو الزيادة فيه أو التعبير عنه بعبارة. بل لا بد من وجود هذا الشرط في كل طبقة. فإذا قُدّر لخبر من الأخبار في مرحلة تاريخية ما أن يقتصر علم الناس به على عدد لا يتعذر فيه اتفاقهم على الكذب فقد فقد هذا الخبر شرط التواتر. من هنا نعلم أن تعبير بعض الناس أن خبرا من الأخبار متواتر عندنا لا عند مخالفينا هو تعبير ليس علميا على الإطلاق.
وهنا يطرح سؤال نفسه هل يمكن أن يعاد التواتر إذا انقطع؟
لا يمكن ذلك بالتعريف لأنه إذا حصل وفقد العدد الموجود من الناس الذين يعلمون بالخبر وَهُمْ يتعذر اتفاقهم على اختلاقه او نقله عن بعضهم أي أمكن انحصاره في دائرة مغلقة او أمكن تتبع خيط المعلومة فعلم أنها تعود لمجموعة لا تحقق شرط التواتر فقد انقطع تواتره إلى قيام الساعة.
نعرف هنا وهم من زعم أن ابن الجزري رحمه الله أعاد تواتر القراءات الثلاث المتممة للعشرة. فالتعبير بـ(إعادة التواتر) ليس تعبيرا علميا لأن التواتر إذا انقطع يستحيل إعادته. فهو قد أعاد لها الاعتبار وأن تستمر التلاوة بها في المساجد وواقتنع الفقهاء أن الصلاة بها جائزة.
هل يجوز -علماً- التساهل في استخدام تواتر بقصد المعنى اللغوي للتسلسل؟
ينبغي عند أهل العلم استعمال المصطلح لما وضِع له والاقتصار على ذلك.
فالتواتر إذن صفة للخبر وتوجد أخبار متواترة عند كل الشعوب يتلقاها كل مؤرخي العالم بالقبول، ويوجد عند المسلمين أحاديث متواترة لا يختلف عليها اثنان كتواتر عدد الصلوات وعدد الركعات والسجدات في كل صلاة، وكتواتر أسماء عدد كبير من الشخصيات الإسلامية أو كناها، وكتواتر تسلسل الأحداث في سيرة النبي وتواتر أن من خلفه صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر وتواتر أن من خلف أبا بكر هو عمر وتواتر أن أبا بكر عهد إلى عمر وأن الناس قبلوا العهد ...إلى غير ذلك مما يتعذر حصره من الأخبار في الإسلام.
ومما استوقف نظر فيلسوف الإسلام ابن رشد أن يختلف الناس في الأذان رغم أنه يتكرر على مسامع الرواة كل يوم خمس مرات.
وهذا يوحي صعوبة تواتر الخبر من حيث كونه (نصا لغويا) أما من حيث كونه واقعة تاريخية فقد تواترت الكثير من الأخبار. فهذان نوعان من الأخبار ينبغي اعتبارهما عند التفكر في مصطلح التواتر. فتواتر الوقائع بغض النظر عن التعبير اللغوي عنها موجود بكثرة مستفيض أما تواتر الخبر من حيث كونه نصا لغويا تتناقله الشفاه فهو أمر أشد صعوبة لأن الخبر (النص) يرتد إلى كونه تعبير شخص معين هو من شهد الحدث أو سمع النص ولا يمكن من الناحية الواقعية أن تكون ذاكرته حفظته كما هو بل هو إعادة صياغة من الرواوي لما فهمه من المتكلم ولا ريب، ولو أمكن نظريا أن يستطيع الرواي أي راوي أن ينقل النص اللغوي من قائله كما سمعه - لو أمكن ذلك نظريا- فإن التأكد من دقته تستلزم وجود راو آخر شهد صدور النص فرواه بنفس اللفظ الذي رواه الراوي الأول. وإن أمكن حصول ذلك في النصوص القصيرة نسبيا صعب جدا إمكان حصول ذلك في النصوص الطويلة.
لقد تفاوت الناس في موقفهم من هذا الأمر أي في إمكانية حفظ الرواي للخبر من حيث كونه نصا لغويا كما صدر عن قائله وتوصيله لآخر ثم لآخر حتى دونه المدونون. هذا الأمر يطرح الوهم الثاني وهو معنى كون الحديث صحيحاً. وهو موضوع الموضوع القادم. بإذن الله.
وددت في هذا الموضوع أن أذكر بعض الأوهام التي لمست وقوع كثير من الإخوة فيها وجل من لا يهِمُ، لكن بعض تلك الأوهام يتلقاها الناس عن بعضهم أو يعدونها من المسلمات في حين أنها توهمات وقع فيها بعض العلماء القدماء فشاعت في أخلافهم،. وهذه الأوهام التي أذكرها للتحذير منها أو لجلب انتباه القارئ إليها يقع فيها "كبار" العلماء كما يقع فيها عوامّهم بله سائر الناس. والسبب أن العلماء يقعون في هذه الأوهام ويرتكبون هذه الأخطاء أو بعضها عسى أن تسنح الفرصة فنفتتح فيه موضوع نقاش آخر. فغرضنا من هذا الموضوع ذكر طائفة من الأوهام لا تتبع أسباب وقوع العلماء فيها.
الوهم الأول: ادعاء إمكان حصول التواتر عند طائفة من الأحياء من تراث معين دون بقية المسلمين، ويقع في هذا الوهم كثير من علماء الفرق المستقلة عن الأمة حيث يرددون أن الحديث الفلاني متواتر عندنا وإن لم يتواتر عند غيرنا.
يتوهمون إمكان وجود ذلك لأنهم يغفلون -أو يجهلون- أن التواتر صفة للخبر والخبر هو في أًصله حدث تاريخي (حركة بشرية) حصلت في زمان ومكان معين فأحس بها عدد من الناس (الرواة) بأسماعهم إن كانوا عمياناً وبكلا أسماعهم وأبصارهم إن كانوا مبصرين سامعين، ثم صاغوا ما أدركوه بتعابيرهم اللغوية وحدثوا بها من كان غائبا فتلقاها نصا لغويا عبر الأذن حصراً. وشرط إمكان وصف خبر من الأخبار مهما كان مصدره - فالتواتر صفة لعموم الخبر أما الحديث المتواتر فصفة لنوع خاص من الأخبار هي المتعلقة بشخص معين هو النبي صلى الله عليه وسلم- ولا تتحقق الصفة إلا بتأكد المتلقي [الحاكم على الخبر بالتواتر من عدمه] من وجود عدد من الشهود يمكن تعداد بعضهم المعروفين بأعيانهم، حدثوا عددا من المتلقين (طبقة من الرواة) حدثوا عددا آخر من الرواة (طبقة أخرى) إلى طبقة مدونة من الرواة أثبتت ذلك الخبر ، ولا بد من وجود عدد كبير يتعذر بحكم العقل (المنهج التاريخي والحس الفطري ومنطق الرواية) أن يكونوا اتفقوا على اختلاقه أو صنعه أو الزيادة فيه أو التعبير عنه بعبارة. بل لا بد من وجود هذا الشرط في كل طبقة. فإذا قُدّر لخبر من الأخبار في مرحلة تاريخية ما أن يقتصر علم الناس به على عدد لا يتعذر فيه اتفاقهم على الكذب فقد فقد هذا الخبر شرط التواتر. من هنا نعلم أن تعبير بعض الناس أن خبرا من الأخبار متواتر عندنا لا عند مخالفينا هو تعبير ليس علميا على الإطلاق.
وهنا يطرح سؤال نفسه هل يمكن أن يعاد التواتر إذا انقطع؟
لا يمكن ذلك بالتعريف لأنه إذا حصل وفقد العدد الموجود من الناس الذين يعلمون بالخبر وَهُمْ يتعذر اتفاقهم على اختلاقه او نقله عن بعضهم أي أمكن انحصاره في دائرة مغلقة او أمكن تتبع خيط المعلومة فعلم أنها تعود لمجموعة لا تحقق شرط التواتر فقد انقطع تواتره إلى قيام الساعة.
نعرف هنا وهم من زعم أن ابن الجزري رحمه الله أعاد تواتر القراءات الثلاث المتممة للعشرة. فالتعبير بـ(إعادة التواتر) ليس تعبيرا علميا لأن التواتر إذا انقطع يستحيل إعادته. فهو قد أعاد لها الاعتبار وأن تستمر التلاوة بها في المساجد وواقتنع الفقهاء أن الصلاة بها جائزة.
هل يجوز -علماً- التساهل في استخدام تواتر بقصد المعنى اللغوي للتسلسل؟
ينبغي عند أهل العلم استعمال المصطلح لما وضِع له والاقتصار على ذلك.
فالتواتر إذن صفة للخبر وتوجد أخبار متواترة عند كل الشعوب يتلقاها كل مؤرخي العالم بالقبول، ويوجد عند المسلمين أحاديث متواترة لا يختلف عليها اثنان كتواتر عدد الصلوات وعدد الركعات والسجدات في كل صلاة، وكتواتر أسماء عدد كبير من الشخصيات الإسلامية أو كناها، وكتواتر تسلسل الأحداث في سيرة النبي وتواتر أن من خلفه صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر وتواتر أن من خلف أبا بكر هو عمر وتواتر أن أبا بكر عهد إلى عمر وأن الناس قبلوا العهد ...إلى غير ذلك مما يتعذر حصره من الأخبار في الإسلام.
ومما استوقف نظر فيلسوف الإسلام ابن رشد أن يختلف الناس في الأذان رغم أنه يتكرر على مسامع الرواة كل يوم خمس مرات.
وهذا يوحي صعوبة تواتر الخبر من حيث كونه (نصا لغويا) أما من حيث كونه واقعة تاريخية فقد تواترت الكثير من الأخبار. فهذان نوعان من الأخبار ينبغي اعتبارهما عند التفكر في مصطلح التواتر. فتواتر الوقائع بغض النظر عن التعبير اللغوي عنها موجود بكثرة مستفيض أما تواتر الخبر من حيث كونه نصا لغويا تتناقله الشفاه فهو أمر أشد صعوبة لأن الخبر (النص) يرتد إلى كونه تعبير شخص معين هو من شهد الحدث أو سمع النص ولا يمكن من الناحية الواقعية أن تكون ذاكرته حفظته كما هو بل هو إعادة صياغة من الرواوي لما فهمه من المتكلم ولا ريب، ولو أمكن نظريا أن يستطيع الرواي أي راوي أن ينقل النص اللغوي من قائله كما سمعه - لو أمكن ذلك نظريا- فإن التأكد من دقته تستلزم وجود راو آخر شهد صدور النص فرواه بنفس اللفظ الذي رواه الراوي الأول. وإن أمكن حصول ذلك في النصوص القصيرة نسبيا صعب جدا إمكان حصول ذلك في النصوص الطويلة.
لقد تفاوت الناس في موقفهم من هذا الأمر أي في إمكانية حفظ الرواي للخبر من حيث كونه نصا لغويا كما صدر عن قائله وتوصيله لآخر ثم لآخر حتى دونه المدونون. هذا الأمر يطرح الوهم الثاني وهو معنى كون الحديث صحيحاً. وهو موضوع الموضوع القادم. بإذن الله.