بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن أول الكتب السماوية قد نزل الى ابراهيم عليه السلام،
وإذا قمنا بمراجعة الآيات القرآنية فى ما يخص الرسل الأوائل وهم نوح، هود، صالح ، ولدقة القرآن الكريم نجد أنه لم يذكر أبدا كلمة "أنزلنا" الى نوح أو هود أو صالح ، لأن الإنزال فى القرآن يخص (الكتاب) أو التعاليم الإلهية التى ستتم كتابتها وتوارثها عند البشر –والتى سنفصلها لاحقا- ذلك لأن البشرية فى عهود أولئك الرسل لم تكن تعرف الكتابة بعد.
ولذا استخدم القرآن كلمة (أوحى –أوصى- ألقى) مع نوح و هود وصالح عليهم السلام :
(أوحى ) :
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴿١٦٣النساء﴾
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ﴿109 يوسف﴾
و(ألقى الذكر) وليس إنزال الذكر :
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ- 25- القمر
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- (69)
وكلمة (أوصى) :
شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴿13 الشورى﴾
فلم يذكر القرآن الكريم كلمة (أنزل) أو (الكتاب) الى أولئك الرسل.
إذا الأقوام نوح وعاد وثمود وشعيب كانوا يتلقون التعاليم الإلهية وحيا وينشرونها شفهيا على أقوامهم ، حيث لم يعرف البشر الكتابة بعد.
التنزيل - أنزل:
كلمة أنزل تخصّ الكتاب الإلهي وهى الأوامر الإلهية التى ستتم كتابتها وتداولها :
و"الكتاب" أى المكتوب ، هو وضع رموز أو حروف مكونة لكلمات تماثل عند قراءتها للكلام الشفهى، بحيث يمكن فهمها بالقراءة أى بالنظر بالعين وليس بالسمع.
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
فأول كتاب سماوى هو الكتاب الذى (أنزل) الى ابراهيم عليه السلام فهو تاريخيا أول الرسل الذى أستخدم معه القرآن كلمة (أنزل) :
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -136-البقرة
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -84-آل عمران
والآية : صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ -19- الأعلى
ونجد أيضا ابراهيم عليه السلام يدعو الله تعالى (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ -129- البقرة
وهذا يثبت إنزال الكتاب على ابراهيم، فكيف عرف ابراهيم عليه السلام بتلاوة الآيات وتعليم "الكتاب" ؟
إذا الإنزال يخصّ الكتاب كما الآية :
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)
ومعلوم أن ابراهيم ولد بالعراق، حيث كانت هناك الكتابة المسمارية للغة السومرية التى كانت البدايات الأولي للكتابة لدى البشر كما يقول المؤرخون وعلماء الآثار، وربما كان ابراهيم عليه السلام يعرف القراءة والكتابة وربما كان أميّ، ونزل عليه الكتاب السماوي وما فيه من علوم مختلفة فكتبه هو أو كتبه غيره من قومه ممن يعرف الكتابة فى ذلك العصر (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(
تقول الآية : قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ.
فهل أنزل الله تعالى على واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كتبا سماوية؟
الإجابة كلا ، لقد أنزل الله تعالى على ابراهيم أول كتاب، وذلك الكتاب تعلّمه وإتّبعه إبناه اسماعيل واسحق وحفيده يعقوب وأبناءه الأسباط وإتخذوه مرجعا للذكر وللدعوة الى الدين الإلهي ، وبذا يكون وكأنه أنزل إليهم .
كما نقول نحن المسلمون (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ) فالقرآن لم ينزل إلينا بل نزل الى محمد (ص) ولكننا آمنا به واتبعنا تعاليمه، لذا نقول أنه أنزل إلينا.
الى أن أنتهت الآية بالقول : وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ .
أى أن أبناء ابراهيم وأحفاده والمؤمنين إتّبعوا كتاب ابراهيم الى أن أوتى موسى وعيسى وداؤود كتبهم، فلقد إختفى كتاب ابراهيم أو صحفه ولم يعد لها وجود ، الى أن أنزل الله تعالى الى موسى عليه السلام التوراة ثم الزبور الى داؤود ومن بعدهما الانجيل .
النبى شعيب عليه السلام :
شعيب عليه السلام هو من الأنبياء العرب وجاء زمنيا بعد ابراهيم ولوط عليهما السلام ، وقد ذكر فى دعوته أقوام نوح وعاد وثمود وقوم لوط ، ولم يذكر القرآن أنه "أنزل إليه" أى لم ينزل إليه كتاب، فاللغة العربية لم تكن لها كتابة بعد :
وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ
نعود الى كلمة (أنزل) مع الكتب السماوية التوراة والإنجيل :
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ-3- آل عمران
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ -44- المائدة
كلمة (آتى) أيضا مع التوراة الإنجيل والزبور :
وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ .
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖوَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا-46- المائدة
(وآتينا داؤود زبورا)
وعندما صعد موسى الى الجبل (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
ويبدو أن موسى عليه السلام كان يعلم القراءة والكتابة فلم تبدو عليه دهشة عند كتابة التوراة، كما أن موسى كان بمصر حيث عرف الناس الكتابة والقراءة أيضا، وقد كانت التوراة فى الألواح أحرفا وليست رسومات رمزية، فالتوراة نزلت بها التعاليم الإلهية الدقيقة كالصلاة وما أحل من الطعام وقوانين المواريث والزواج هذا غير بداية الخلق على كوكب الأرض.
القرآن الكريم :
رغم أن النبى محمد لم يكن يقرأ ولا يكتب إلا أن الملك جبريل قال له (إقرأ)، فهذه الكلمة تحمل البشارة له بنزول الكتاب الإلهي الأخير للبشر عليه (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
أى تلك التعاليم الإلهية التى ستتم كتابتها من قبل صحابته وتظل "ذكرا" الى قيام الساعة، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ).
والقرآن يعدّ أول كتاب يوحى أو ينزل الى نبى عربى :
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ -195- الشعراء
إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -2- يوسف
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ-1- القدر
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ -9- الحجر
وإحتجت قريش قائلة :
أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ -8- ص
وكما ذكرنا سابقا عند النبى صالح فقد قال قومه (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) ولم يقولوا أأنزل عليه الذكر من بيننا .
وأيضا سمى القرآن الكريم بالصحف :
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ -1-2- البينة
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ،فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ-14-عبس
ينبغى الإشارة الى أن القرآن أيضا استخدم كلمة (الوحى) مع ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وموسى ومحمد عليهم الصلاة و السلام، كما إستخدمها مع أول نبي وهو نوح عليه السلام:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴿١٦٣ النساء﴾
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ،عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5)
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَايَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿51 الشورى﴾
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْمِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴿51 الشورى﴾
صدق الله العظيم
من المعلوم أن أول الكتب السماوية قد نزل الى ابراهيم عليه السلام،
وإذا قمنا بمراجعة الآيات القرآنية فى ما يخص الرسل الأوائل وهم نوح، هود، صالح ، ولدقة القرآن الكريم نجد أنه لم يذكر أبدا كلمة "أنزلنا" الى نوح أو هود أو صالح ، لأن الإنزال فى القرآن يخص (الكتاب) أو التعاليم الإلهية التى ستتم كتابتها وتوارثها عند البشر –والتى سنفصلها لاحقا- ذلك لأن البشرية فى عهود أولئك الرسل لم تكن تعرف الكتابة بعد.
ولذا استخدم القرآن كلمة (أوحى –أوصى- ألقى) مع نوح و هود وصالح عليهم السلام :
(أوحى ) :
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴿١٦٣النساء﴾
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ﴿109 يوسف﴾
و(ألقى الذكر) وليس إنزال الذكر :
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ- 25- القمر
أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- (69)
وكلمة (أوصى) :
شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴿13 الشورى﴾
فلم يذكر القرآن الكريم كلمة (أنزل) أو (الكتاب) الى أولئك الرسل.
إذا الأقوام نوح وعاد وثمود وشعيب كانوا يتلقون التعاليم الإلهية وحيا وينشرونها شفهيا على أقوامهم ، حيث لم يعرف البشر الكتابة بعد.
التنزيل - أنزل:
كلمة أنزل تخصّ الكتاب الإلهي وهى الأوامر الإلهية التى ستتم كتابتها وتداولها :
و"الكتاب" أى المكتوب ، هو وضع رموز أو حروف مكونة لكلمات تماثل عند قراءتها للكلام الشفهى، بحيث يمكن فهمها بالقراءة أى بالنظر بالعين وليس بالسمع.
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
فأول كتاب سماوى هو الكتاب الذى (أنزل) الى ابراهيم عليه السلام فهو تاريخيا أول الرسل الذى أستخدم معه القرآن كلمة (أنزل) :
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -136-البقرة
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -84-آل عمران
والآية : صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ -19- الأعلى
ونجد أيضا ابراهيم عليه السلام يدعو الله تعالى (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ -129- البقرة
وهذا يثبت إنزال الكتاب على ابراهيم، فكيف عرف ابراهيم عليه السلام بتلاوة الآيات وتعليم "الكتاب" ؟
إذا الإنزال يخصّ الكتاب كما الآية :
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)
ومعلوم أن ابراهيم ولد بالعراق، حيث كانت هناك الكتابة المسمارية للغة السومرية التى كانت البدايات الأولي للكتابة لدى البشر كما يقول المؤرخون وعلماء الآثار، وربما كان ابراهيم عليه السلام يعرف القراءة والكتابة وربما كان أميّ، ونزل عليه الكتاب السماوي وما فيه من علوم مختلفة فكتبه هو أو كتبه غيره من قومه ممن يعرف الكتابة فى ذلك العصر (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(
تقول الآية : قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ.
فهل أنزل الله تعالى على واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كتبا سماوية؟
الإجابة كلا ، لقد أنزل الله تعالى على ابراهيم أول كتاب، وذلك الكتاب تعلّمه وإتّبعه إبناه اسماعيل واسحق وحفيده يعقوب وأبناءه الأسباط وإتخذوه مرجعا للذكر وللدعوة الى الدين الإلهي ، وبذا يكون وكأنه أنزل إليهم .
كما نقول نحن المسلمون (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا ) فالقرآن لم ينزل إلينا بل نزل الى محمد (ص) ولكننا آمنا به واتبعنا تعاليمه، لذا نقول أنه أنزل إلينا.
الى أن أنتهت الآية بالقول : وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ .
أى أن أبناء ابراهيم وأحفاده والمؤمنين إتّبعوا كتاب ابراهيم الى أن أوتى موسى وعيسى وداؤود كتبهم، فلقد إختفى كتاب ابراهيم أو صحفه ولم يعد لها وجود ، الى أن أنزل الله تعالى الى موسى عليه السلام التوراة ثم الزبور الى داؤود ومن بعدهما الانجيل .
النبى شعيب عليه السلام :
شعيب عليه السلام هو من الأنبياء العرب وجاء زمنيا بعد ابراهيم ولوط عليهما السلام ، وقد ذكر فى دعوته أقوام نوح وعاد وثمود وقوم لوط ، ولم يذكر القرآن أنه "أنزل إليه" أى لم ينزل إليه كتاب، فاللغة العربية لم تكن لها كتابة بعد :
وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ
نعود الى كلمة (أنزل) مع الكتب السماوية التوراة والإنجيل :
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ-3- آل عمران
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ -44- المائدة
كلمة (آتى) أيضا مع التوراة الإنجيل والزبور :
وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ .
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖوَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا-46- المائدة
(وآتينا داؤود زبورا)
وعندما صعد موسى الى الجبل (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
ويبدو أن موسى عليه السلام كان يعلم القراءة والكتابة فلم تبدو عليه دهشة عند كتابة التوراة، كما أن موسى كان بمصر حيث عرف الناس الكتابة والقراءة أيضا، وقد كانت التوراة فى الألواح أحرفا وليست رسومات رمزية، فالتوراة نزلت بها التعاليم الإلهية الدقيقة كالصلاة وما أحل من الطعام وقوانين المواريث والزواج هذا غير بداية الخلق على كوكب الأرض.
القرآن الكريم :
رغم أن النبى محمد لم يكن يقرأ ولا يكتب إلا أن الملك جبريل قال له (إقرأ)، فهذه الكلمة تحمل البشارة له بنزول الكتاب الإلهي الأخير للبشر عليه (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
أى تلك التعاليم الإلهية التى ستتم كتابتها من قبل صحابته وتظل "ذكرا" الى قيام الساعة، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ).
والقرآن يعدّ أول كتاب يوحى أو ينزل الى نبى عربى :
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ -195- الشعراء
إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ -2- يوسف
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ-1- القدر
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ -9- الحجر
وإحتجت قريش قائلة :
أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ -8- ص
وكما ذكرنا سابقا عند النبى صالح فقد قال قومه (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) ولم يقولوا أأنزل عليه الذكر من بيننا .
وأيضا سمى القرآن الكريم بالصحف :
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ -1-2- البينة
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ،فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ-14-عبس
ينبغى الإشارة الى أن القرآن أيضا استخدم كلمة (الوحى) مع ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وموسى ومحمد عليهم الصلاة و السلام، كما إستخدمها مع أول نبي وهو نوح عليه السلام:
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴿١٦٣ النساء﴾
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ،عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5)
أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَايَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿51 الشورى﴾
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْمِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴿51 الشورى﴾
صدق الله العظيم