أوجه ثبوت الخبر النبوي عند ابن جرير الطبري

إنضم
15/04/2003
المشاركات
1,144
مستوى التفاعل
4
النقاط
38
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
* ذكر ابن جرير الطبري - رحمه الله - في مقدمة تفسيره ( صـ63 , ط دار الفكر - الباز ) في فصل : ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محموداً علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموماً علمه بذلك . ذكر أوجه ثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل أوضحهم حجة فيما تأول وفسر , مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه :
(1) إما من وجه النقل المستفيض فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض ,
(2) وإما من وجه نقل العدول الأثبات فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض ,
(3) أو من وجه الدلالة المنصوبة على صحته ا.هـ .

* وسؤالي هنا حفظكم الله :

- ما مراد ابن جرير بالوجه الثالث وهو قوله ( أو من وجه الدلالة المنصوبة على صحته ) ؟
- وهل نجد عند المتقدمين ما يشبه هذا ويشير إليه ؟
- وهل يفيد هذا في خصوصية التعامل مع أسانيد المفسرين ؟
- وهل نجد في صنيع ابن جرير في تفسيره ما يفسر لنا عبارته ؟

أرجوا أن أجد من إخواني الفضلاء مباحثة مفيدة في هذا الموضوع , للحاجة إليه في عموم الدراسات التفسيرية , ولحاجتي إليه على وجه الخصوص .
( ورحم الله عبداً كان في حاجة أخيه المسلم ) .
 
أخي الكريم أبا بيان حفظه الله وزاده علماً وبياناً
عزا العلامة محمود شاكر - رحمه الله وغفر له – عَدَمَ فهمِ كلامِ الإمام الطبري إلى (كثرة الفصول في عبارته ، وتباعد أطراف الجمل ) فلا يسلم المعنى إلا بإعادة القراءة مرتين أو ثلاثاً. وهنا في الكلام الذي نقلته – حفظك الله – يبدو لي أن شيئاً من هذا الأمر قد اكتنفه.
فالعبارة التي نقلتَها توجد في الجزء الأول ص 93 من طبعة محمود شاكر ، وص41 من طبعة الحلبي ، وص 88-89 من تحقيق الدكتورالفاضل عبدالله التركي.
وأنا أعيد كتابة العبارة ، مع وضع بعض التعليقات بين [] ، لأبين ما فهمتُهُ منها ، وربما أستعين بالألوان إن تيسر.
(قال أبو جعفر : قد قلنا فيما مضى من كتابنا هذا في وجوه تأويل القرآن ، وأن تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة :
* أحدها : لا سبيل إلى الوصول إليه ، وهو الذي استأثر الله بعلمه...
* والوجه الثاني : ما خص الله بعلم تأويله نبيه صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته ...فلا سبيل لهم إلى علم ذلك إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم لهم تأويله.
* والثالث منها : ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن ، وذلك علم تأويل عربيته وإعرابه ، لا يوصل إلى علم ذلك إلا من قِبَلِهم).

[ثم أخذ الآن في بيان كيف يمكن التحقق من صحة الوجهين الثاني والثالث دون الأول لتعذره].
(فإذا كان ذلك كذلك ، فأحق المفسرين بإصابة الحق – في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل – أوضحهم حجةً فيما تأول وفسَّر ، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه :
- إِمَّا من جهة النقل المستفيض ، فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض.
- وإما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض).

[كأنه يشير هنا إلى ما تواتر وما صح من غير المتواتر وهو يسميه هنا المستفيض. وهنا ينتهي الحديث عن طرق وصول الوجه الثاني الذي هو النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة ، وينتهى الحديث عن الأسانيد . ثم يبدأ في بيان كيف يقبل تفسير الوجه الثالث ، وهو ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن ، الذي ذكره فقال :
(أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته.
وأصحهم برهاناً فيما ترجم وبين من ذلك مما كان مدركاً علمه من جهة اللسان :
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة

[يشير هنا إلى الشاهد الشعري وأهميته في التحقق من صحة المفردات العربية والأساليب وتفسير الطبري مليء بالشواهد الشعرية ، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً وقد بلغت 2260 شاهداً شعرياً أوردها للاستشهاد على المفردات والأساليب النحوية والبلاغية].
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة. [أي نثرهم من الأمثال والخطب وغيرها].
كائناً من كان ذلك المتأول والمفسر ، بعد أن لايكون خارجاً تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك ، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة والخلف من التابعين وعلماء الأمة.) أهـ

فمعنى الكلام بدون فواصل :
فأحق المفسرين بإصابة الحق أوضحهم حُجَّةً فيما تأول وفسَّر ، وأصحهم برهاناً فيما ترجم وبَيَّنَ من ذلك مما كان مدركاً علمه من جهة اللسان :
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.


فالجزء الذي سألت عنه وهو (أو من وجه الدلالة المنصوبة على صحته) يعني به الوجه الثالث ، وهو ما كان علمه عند أهل اللسان الذي نزل به القرآن ، وذلك علم تأويل عربيته وإعرابه ، لا يوصل إلى علم ذلك إلا من قِبَلِهم
وطرق التحقق منه هي التحقق من صواب ما يحتج به على معاني القرآن من كلام علماء اللغة ، وأدلتهم من شواهد الشعر ، والنثر ، والأساليب العربية الفصيحة. ولا علاقة لها بأسانيد التفسير فيما يظهر لفهمي القاصر.
وصنيع الطبري في تفسيره كله يؤكد منهجه الذي يمكنني اختصاره في أن منهجه هو (الحجة والدليل والبرهان). فحيث قام التفسير على أساس الحجة والدليل فهو منهجه.
- فإن كانت الحجة في القرآن نفسه فهو التفسير عنده.
- وإن كانت في السنة فهو التفسير.
- وإن كنت في اللغة فهو التفسير.
وقد صور في كلامه السابق هذا المنهج بكل وضوح ، وتفسيره من أوله إلى آخره تجسيد لهذا المنهج اللاحب المنير ، الذي ينادي على ما ورائه من إخلاص هذا الإمام وعلمه وصدقه في حمل العلم ، وهو شيخ المفسرين بلا منازع.
وفي ظني أنه لا بد لمن يقرأ تفسير الإمام الطبري أن يكون من ذلك النوع الممتاز في قراءة النصوص العلمية القديمة العالية – ولستُ منهم بالتأكيد - كالعلامة محمود شاكر ، وأمثاله الذين يحسنون قراءة وفهم ما يعنيه أمثال الإمام الطبري رحمه الله بكلامه ، وكلما أزداد طالب العلم رسوخاً في هذا الفن ، زاد فهمه وتعلقه بتفسير الإمام الطبري رحمه الله.
هذه مشاركة سريعة حول ما تفضلتم به أخي أبا بيان ، دعاني إليها حب التعلم منكم ، والاستفادة من تصويب مشايخي الكرام ، ولعلهم أن يتكرموا بتصويب الخطأ والزلل إن شاء الله.
 
شيخنا الفاضل عبد الرحمن الشهري , شكر الله لك سعيك , ولا أجد لك أبلغ من ( جزاك الله خيراً ) , والتوجيه الذي ذكرته وجيه وليس ببعيد , وفيه أثر مما أنعم الله به عليكم من إصابة الفهم وحسن البيان , وكنت أتمنى - ولازلت - أن أجد لهذه العبارة أثراً في المجال الإسنادي في تفسير ابن جرير وغيره , وأغلب ظني أنها بقسم الرواية ألصق منها بقسم اللغة في القسمة الثنائية التي ذكرها ابن جرير , ولا أدري هل في طبعة شاكر ترقيم أو فواصل تساعد في توجيه عبارة ابن جرير , فإنه ذو عناية بذلك , وليست عندي هذه الطبعة , ولعل الوقت يسمح بزيادة اطلاع على هذا السفر العظيم وتذوق لبيانه .
ولعلنا نجد عند إخواننا ومشايخنا زيادة فضل وبيان لهذا الكلام , ولو بسؤال المحققين من أهل العلم , وعرض هذه العبارة عليهم ؛ فإني ( في مهامه لم يرضها السير , ولا اهتدت إليها الطير ) .

وأسأل الله لشيخنا عبد الرحمن خير الجزاء , ولكل من أعان على نشر العلم ومدارسته .
 
سأنقل كلام الطبري مع ذكر تعليقات محققه محمود شاكر بين معكوفين بلون أزرق حتى يتضح المراد :

قال الطبري : ( فإذ كان ذلك كذلك، فأحقُّ المفسرين بإصابة الحق -في تأويلِ القرآنِ الذي إلى عِلم تَأويله للعباد السبيلُ- أوضحُهم حُجة فيما تأوّل وفسَّر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته[ سياق عبارته :" أوضحهم حجة ....من أخبار رسول الله " وما بينهما فصل] من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إمَّا من جهة النقل المستفيض، فيما وُجِد فيه من ذلك عنه النقلُ المستفيض، وإمَّا من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن فيه عنه النَّقلُ المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته؛ وأصحُّهم برهانًا [في المطبوعة " وأضحهم برهاناً " وليست بشيء . وقوله : " وأصحُّهم برهانًا " معطوفة على قوله آنفاً: " أوضحُهم حُجة " . ] إلخ كلام الطبري رحمه الله من هنا

والذي يظهر لي من خلال هذا النقل أن ما ذكره أبو بيان هو الأقرب من تعلق النص المسؤول عنه بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه ، وأنها ثلاثة أقسام :
قسم ثبت بالنقل المستفيض ، وقسم أقل ثبوتاً منه ، وهم ما ثبت بنقل العدول الأثبات ، وقسم ثالث أقل من القسمين قبله ، وهو ما لم يتوفر في ناقليه شرط العدالة ، إلا أن هناك دلائل وقرائن تدل على ثبوته .

هذا ما ظهر لي ، والمسألة تحتاج تبادل وجهات نظر ، ولو كان وجد من الأعضاء متخصص في علوم الحديث وله اطلاع على منهج ابن جرير في الحديث لكان من الممكن معرفة مراد الطبري بهذه العبارة .
 
أخي الكريم أبا بيان وفقه الله
راجعت فهمي لما كنت كتبته لك ، فتبين لي أنني لم أحسن فهم عبارة الطبري ، وأن ما أشرتم إليه هو الصحيح ، فهممت بتصويب العبارة التي كتبتها ، فرأيت تعليقكم وتعليق أبي مجاهد فرأيت أن أصحح فهمي هنا.

(فإذا كان ذلك كذلك ، فأحق المفسرين بإصابة الحق – في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل – أوضحهم حجةً فيما تأول وفسَّر ، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه :
- إِمَّا من جهة النقل المستفيض ، فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض.
- وإما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض.
- أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته).

ثم يبدأ الحديث عن الوجه الثالث من هنا فيقول :
(وأصحهم برهاناً فيما ترجم وبين من ذلك مما كان مدركاً علمه من جهة اللسان :
- إما بالشواهد من أشعارهم السائرة.
- وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة.
.

والجزء الذي سألتم عنه يشير إلى الحكم على الروايات ، مما لم يتوفر له من صحة النقل ما يرقى به إلى المرتبتين الأوليين كما تفضلتم وتفضل أخي أبو مجاهد ، وهو ظاهر ، ولكن قبح الله الرأي الفطير !
والذي يبدو لي أنه يعني بقوله (أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته) ما يسميه أهل الحديث القرائن التي تحتف بالأخبار ، فترقى بها إلى درجة القبول ، كالمتابعات والشواهد ونحوها. وأحسب أن الأمثلة على ذلك كثيرة في تفسيره ، ولو ظفرت بشيء منها كتبته هنا إن شاء الله. ولعل المتخصصين في دراسة السنة كشيخنا الملثم والشيخ خالد الباتلي وفقهما الله يوضحون هذه المسألة بجلاء.
وفي الختام أقول أخي أبا بيان وأبا مجاهد كما قال بديع الزمان الهمذاني :
لا تلمني على ركاكة ذهني ***إن تيقنت أنني همذاني !
 
الحمد لله ... وبعد
فجزى الله المشايخ الأفاضل / أبو بيان الزهراني ، وأبو عبدالله الشهري ، وأبو مجاهد العبيدي ، على ماكتبوا وبينوا ، وأتمثل بقول العرب :لاعطر بعد عروس ، ولكن من باب المذاكرة والمشاركة أقول :
الذي يظهر من سياق الكلام أن ابن جرير يشير إلى ماترجم به الشيخ أبو بيان على هذا النص بقوله : (أوجه ثبوت الخبر النبوي عند ابن جرير الطبري ) ، وذلك أنه بين قبل ذلك أن التفسير على قسمين :
1. لا سبيل إلى الوصول إليه ، وهو الذي استأثر الله بعلمه ، وحجب علمه عن جميع خلقه . وهذا أمره واضح ولاكلام فيه .
2. مايمكن الوصول إلى علم تأويله . – وهذا القسم جعله قسمين ولكن دمجه أوضح –

ثم بين المنهج الصحيح في القسم الثاني ، فقال – بتصرف يظهر بمقارنة الأصل - :
فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل هو من جمع وصفين :
1. أوضحهم حجةً فيما تأول وفسَّر ، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر أمته من أخباره الثابتة عنه ، والتي يكون ثبوتها بأحد الطرق الآتية :
أ. إِمَّا من جهة النقل المستفيض ، فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض.
ب . وإما من جهة نقل العدول الأثبات ، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض .
ج. أو من وجه الدلالة المنصوبة على صحته .


2. وأوضحهم برهاناً فيما ترجم وبين من ذلك مما كان مدركاً علمه من جهة اللسان ، ويكون ذلك بما يلي :
أ. إما بالشواهد من أشعارهم السائرة .
ب. وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة . أ.هـ

فكأنه يشير بالأول إلى التفسير بالمأثور ، وبالثاني إلى التفسير بالرأي .

وينبغي أن يعلم أن الحديث عند المتقدمين قسمان : صحيح وضعيف ، نعم وجد التعبير بالحسن في نتف من كلامهم ، لكن القسمة الثلاثية الاصطلاحية للحديث تعزى للإمام الخطابي ( 388 هـ ) ، وعبارة ابن جرير التي وقع عنها السؤال تشير إلى مسألة متقررة عند المحدثين وهي : تفاوت درجات الصحيح ، كما أنه ذكر ذلك لبيان الطرق التي تدل على الحديث المقبول – وهو يرادف الصحيح عند المتقدمين ، ويشمل الصحيح والحسن عند المتأخرين - .
فحاصل ماذكره أن الحديث الصحيح له ثلاث صور :
1. ماتحقق فيه النقل المستفيض ، وكأنه يشير بهذا إلى مااصطلح عليه المتأخرون بـ ( المتواتر ) ، وهذا يفيد العلم النظري .
ومن أشهر أمثلته : حديث ( من كذب علي متعمدا ..) فهذا الحديث رواه مايقارب مائة صحابي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بحيث يقطع أنه قاله ، وقد صنف الحافظ الطبراني جزءا في طرق هذا الحديث طبع محققا .

2. ماثبتت صحته بنقل العدول الأثبات على الشرط المعتبر عند أهل الحديث ، ولم يأت به النقل المستفيض كالأول .
ومن أمثلته : مارواه الشيخان وغيرهما من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .." .
فهذا حديث فرد لايعرف ثابتا بغير هذا الإسناد ، وليس له طريق ثان فضلا عن أن يكون مستفيضا متواترا ، ومع ذلك فهو حديث صحيح لأنه مروي بنقل العدول الأثبات ، واتفق الشيخان على جلالتهما على تخريجه .
والنقل المستفيض ، ونقل العدول الأثبات ؛ لاإشكال فيهما ، وقد قال الطبري عند قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65) وأشار إلى معنى المسخ في الآية وقول مجاهد في ذلك ، قال :
" ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه ؛ سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقر به ، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض ، أو أثر صحيح "
وعند قوله تعالى : ( كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ )(البقرة: من الآية113) قال :" ..وجائز أن يكونوا هم المشركين من العرب ، وجائز أن يكونوا أمة كانت قبل اليهود والنصارى ، ولا أمة أولى أن يقال هي التي عنيت بذلك من أخرى إذ لم يكن في الآية دلالة على أي من أي ، ولا خبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت حجته من جهة نقل الواحد العدل ، ولا من جهة النقل المستفيض "



3. مادلت الأدلة والقرائن المحتفة على صحة هذا الخبر .
فهو حديث غير مستفيض ، ورواته ليسوا في درجة العدول الأثبات الضابطين بحيث يصحح الخبر أصالة لذاته ، وإنما اتصف هذا الخبر بقادح تقاصر معه عن درجة الصحيح ، إما لسقط في الإسناد ، أو طعن في الراوي ، لكن هذا القادح انجبر في نظر الناقد بأي جابر معتبر ، كأن يشهد له حديث آخر ، أو يتابع الراوي الذي جرح في حفظه بمثله أو أقوى منه ، أو يعرف أن هذا الحديث المعين قد حفظه ذلك الراوي المجروح لدليل ظهر للناقد ، أو لغير ذلك مما يرقي هذا الخبر إلى درجة القبول .
وعند آية المحرمات في سورة النساء أشار رحمه الله إلى الفرق بين أم الزوجة وبنتها ( الربيبة ) فقال :" وقد روي بذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر غير أن في إسناده نظرا ، وهو ما حدثنا به المثنى قال ثنا حبان بن موسى قال أخبرنا ابن المبارك قال أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها ، دخل بالابنة أم لم يدخل ، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الابنة )
قال أبو جعفر : وهذا خبر وإن كان في إسناده ما فيه ، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره "
وفي السنة مئات بل آلاف الأحاديث كمثال على ذلك .
وعند قوله تعالى : ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) (البقرة:17) قال :
" وفي وصف الله جل ثناؤه إياهم بصفة النفاق ما ينبئ عن أن القول غير القول الذي زعمه من زعم أن القوم كانوا مؤمنين ،ثم ارتدوا إلى الكفر فأقاموا عليه ، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيمانهم الذي كانوا عليه إلى الكفر الذي هو نفاق ، وذلك قول إن قاله لم تدرك صحته إلا بخبر مستفيض ، أو ببعض المعاني الموجبة صحته " .

والإمام الطبري عالم موسوعي – إن صح هذا التعبير – ومفخرة من مفاخر هذه الأمة ، وإمامته في الحديث متقررة عند أهل العلم ، وله في ذلك – مما وجد – ( تهذيب الآثار ) ، ,وأحسب أن تفسيره اشتمل على شيء من ذلك ، ولعل من له عناية وإدمان بهذا الكتاب أن يستخرج أمثلة عليه ، ومن أمثلة إعلاله لبعض الأحاديث ماذكره عند قوله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ)(المائدة: من الآية4) قال :" ..فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثك به عمران بن بكار الكلاعي قال ثنا عبد العزيز بن موسى قال ثنا محمد بن دينار عن أبي إياس عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي عن النبي قال : ( إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل ما بقي ) .
قيل : هذا خبر في إسناده نظر ، فإن سعيدا غير معلوم له سماع من سلمان ، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ، ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي ، والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم ، كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم " .
هذا ماتيسر ، وأرجو أن يكون فيه مايفيد أخانا أبا بيان خاصة ، وسائر الإخوة عموما ، والله أعلم .
 
رأي الشيخ حاتم الشريف - حفظه الله -

رأي الشيخ حاتم الشريف - حفظه الله -

* أحسن الله إليكم مشايخنا الكرام : عبد الرحمن الشهري , وأبو مجاهد العبيدي .
وجزاك الله كل خير أخي الفاضل : خالد الباتلي , فقد استمتعت بما كتبت وأفدت .

* وقد يسر الله لي مهاتفة الشيخ الفاضل حاتم الشريف , وقرأت عليه عبارة الطبري , فقال :
تُخرج عبارة الطبري على ما يسميه المتأخرون بالحسن لغيره , وهو ما تقوى بغيره من متابعات وشواهد .. , أو يكون مراده ترجيح متن الحديث بقول صحيح في اللغة أو لبعض المفسرين .
فقلت للشيخ : بالنسبة لأسانيد المفسرين , هل لها خصوصية عن غيرها ؟
فقال : أكيد , لكني الآن خارج البيت , وهناك مقال جيد لأخينا الشيخ : مساعد الطيار , عن أسانيد التفسير أو صحيفة علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس , والمقال جيد , وصاحبه من أهل الفن ,
وعندي نصوص تدل على خصوصية أسانيد التفسير , لعلي إذا رجعت أطالعها وتهاتفني بعد ذلك . ( ولم أتمكن من مهاتفة الشيخ مرة أخرى لتأخر الوقت ) ا.هـ
وقد كان الشيخ - حفظه الله - أخبرني في ليلة الحادي عشر من ذي الحجة سنة 1423هـ بمنى أنه كتب في موضوع نسخ التفسير وأسانيده كتاباً جاهزاً للطبع , لكن الذي أخره أن أحد زملائنا في قسم الحديث تقدم بموضوع ماجستير عن النسخ التفسيرية , والشيخ هو المشرف عليه , فيقول : آثرت أن أنتظر ما سيبحثه زميلكم , وقد زودته بما يفيده مما كنت جمعته ؛ فإن خلص إلى نتيجة طيبة , أخرجت ما جمعته إن شاء الله .

* وبالنسبة لموضوعنا فإن المعنى الثاني الذي ذكره الشيخ متعلق بخصوصية تناول أسانيد المفسرين أشد تعلق , وفي مقال الشيخ مساعد المذكور بسط لهذه المسألة , وعلى ذلك يكون صنيع الطبري في تفسبره ومنهجه فيه تفسير وبيان لهذه العبارة , ولا شك أنه خير وأولى من يفسرها .

- وبناءً على ذلك يكون مراد الطبري - رحمه الله - بقوله : ( أو من وجه الدلالة المنصوبة على صحته ) فيما ظهر لي :
أن الدلالة المنصوبة على صحة هذا النوع من الأخبار إما أن تكون دلالة إسنادية , من قبيل المتابعات والشواهد ونحوها , وإما أن تكون دلالة متعلقة بالمتن تفيد معناه صحة وقبولاً في مجال التفسير , ودلالة صحة المتن في هذا النوع من الأخبار متنوعة , منها أقوال الصحابة وإجماع المفسرين وصحة شواهده من لسان العرب فيما له تعلق بذلك ودلالة السياق و.. و.. , وشئ آخر يعرفه المتبحر في هذا العلم , من جهابذته ونقاده وصيارفته , تماماً كما هو عند فرسان الحديث وجهابذة العلل , ومن هؤلاء باتفاق العلماء شيخ المفسرين ابن جرير ؛ ولذلك ما أجمل أن يعاد تأمل وجوه الترجيح وأسبابه عند ابن جرير وأوجه قبول الأخبار , وأسباب ردها عنده .

وبعد فهذا رأي فطير لمّا يختمر , ويبقى بعد ذلك مجال مفتوح للنظر في أثر هذه العبارة وأبعادها , ولازلنا بانتظار مدارسة مباركة للموضوع , وبالله تعالى التوفيق , وهو المسؤول أن يعيننا على السير في أقوم طريق .
 
مشايخنا الأفاضل .......... سلمكم الله ورعاكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
هذه أول مشاركة لي في هذا المنتدى الفريد في بابه , العظيم بإشرافه , المتميز بأعضائه .
أسأل الله أن يكون فيها الفائدة للجميع .

عقد الطبري ـ رحمه الله ـ مبحثاً بعنوان : القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن .
وذكر فيه أنواع هذه الوجوه ومنها :ـ
1 ـ ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذكر أمثلة لذلك ,
ثم قال : "وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتأويله ,
بنصٍ منه عليه , أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله " أ.هـ
ففي هذا النص من كلام الطبري ـ رحمه الله ـ إشارة إلى أنواع بيان النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ في تأويل القرآن , وذلك على نوعين هما :
أ ـ بيان مباشر, وهو ما نص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تأويله .
ب ـ بيان غير مباشر ( غير منصوص عليه ) , وهو الدلائل المنصوبة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم و الدالة أمته على تأويل ما لم ينص عليه .

وقد كرر الطبري رحمه الله هذا المعنى في فصل عقده لذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويله القرآن بالرأي .
حيث قال : " وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا : من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم , أو بنصبه الدلالة عليه , فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه.."


إذا تأملنا ما قرره الطبري رحمه الله في هذين الموضعين , فيمكن من خلاله فهم كلام الطبري الذي وقع عليه السؤال على النحو الآتي :

قال الطبري : ( فإذ كان ذلك كذلك، فأحقُّ المفسرين بإصابة الحق -في تأويلِ القرآنِ الذي إلى عِلم تَأويله للعباد السبيلُ- أوضحُهم حُجة فيما تأوّل وفسَّر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه:
1ـ إمَّا من جهة النقل المستفيض، فيما وُجِد فيه من ذلك عنه النقلُ المستفيض , وإمَّا من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن فيه عنه النَّقلُ المستفيض .
2ـ أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته .... ) .
فالذي يظهر والله أعلم أن الوجه الأول الذي يشترط فيه صحة الخبر بالنقل المستفيض أو نقل العدول إنما هو في التأويل الذي نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
ويبقى القسم الثاني ـ من التأويل الذي لا يوصل إليه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ـ : والذي هو من جهة الدلائل المنصوبة في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم على صحة التأويل .

هذا فهم أحببت أن أضيفه في فهم عبارة الإمام الطبري رحمه الله , فإن يكن صواباً فالحمد لله , وإن يكن خطأً فالتصويب هو الذي أريد .
بقي أنه حتى على هذا الفهم الذي أوردته تبقى عبارة الطبري تحتاج إلى شرحٍ من حيث ما هي تلك الدلائل
المنصوبة في السنة لصحة التأويل ؟

أخوكم / عبد العزيز الدخيل
 
عودة
أعلى