أوجه بيان السُّنَّة للكتاب

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
قال الله تعالى : ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ [ النحل : 44 ] ، فالسنة مبينة للقرآن ؛ وقد قَامَ رسول الله e بذلك خير قيام : يُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ ، ويُقَيِّدُ مطلقه ، ويشرح ألفاظه ، ويُوَضِّحُ أَحْكامه ومعانيه ، فكان هذا البيان منه e هو سُنَّتَه التي بين أيدينا .
وروى أحمد وأبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ قَالَ : " أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ ، فَأَحِلُّوهُ ؛ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ ، فَحَرِّمُوهُ ؛ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ ، وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ ، وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا ؛ وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ "[SUP] [1] [/SUP].
قال الخطابي - رحمه الله - في ( معالم السنن ) : قوله : " أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " يحتمل وجهين من التأويل : أحدهما أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو ، مثل ما أعطي من الظاهر المتلو ؛ ويحتمل أن يكون معناه أنه أوتي الكتاب وحيًا يتلى ، وأوتي من البيان ، أي : أُذن له أن يبين ما في الكتاب ، ويعم ويخص ، وأن يزيد عليه ، فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر ، فيكون ذلك في وجوب الحكم ، ولزوم العمل به ، كالظاهر المتلو من القرآن[SUP] [2] [/SUP].
وقال البغوى - رحمه الله : وأراد به أنه أوتي من الوحي غير المتلو ، والسنن التي لم ينطق القرآن بنصها مثل ما أوتي من المتلو ، قال الله I : ] وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [ [ آل عمران : 164 ] ، فالكتاب : هو القرآن ، والحكمة ، قيل : هي السنة ؛ أو أوتي مثله من بيانه ، فإن بيان الكتاب إلى الرسول e ، قال الله تعالى : ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ [ النحل : 44 ] ؛ قال عمر بن الخطاب t : إنه سيأتي أناس يأخذونكم بشبهات القرآن ، فخذوهم بالسنن ؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله[SUP] [3] [/SUP].
وهذا الحديث يدل على أن ما صح ثبوته عن النبي e قولا ، أو فعلا ، فهو حجة بنفسه كالقرآن الكريم .
وروى الخطيب البغدادي عن مكحول قال : القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن[SUP] [4] [/SUP].
وروى ابن طاهر السلفي في ( الطيوريات ) عن الفَضْل بن زِياد قال : سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل ، وسُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ السُّنَّةَ قَاضِيَةٌ علَى الْكِتَابِ ؛ فقال : مَا أجْسُرُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَهُ ! وَلَكِنَّ السُّنةَ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ ، تُعَرِّفُ الْكِتابَ وَتُبيِّنُهُ [SUP][5][/SUP] ؛ وروى الدارمي والخطيب عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : السُّنَّةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ ، وَلَيْسَ الْقُرْآنُ بِقَاضٍ عَلَى السُّنَّةِ [SUP][6] .[/SUP]
قال ابن تيمية - رحمه الله - وهو يتحدث عن أن السنة تفسر القرآن وتخصه : هو مقتضى قول مكحول ويحيى بن أبي كثير أن السنة تقضى على الكتاب ، والكتاب لا يقضى على السنة ؛ وأحمد تورع عن هذا الإطلاق ، ووافق على المعنى ؛ فقال : لا أجترئ أن أقول هذا ، ولكن أقول : السنة تفسر الكتاب ، وتبينه ، وتدل عليه ، وتعبر عنه ؛ ولم يذكر العكس ، أن الكتاب يفسر السنة[SUP] [7] [/SUP]. وقال في موضع آخر : وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الدِّينِ ، أَنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ ، وَتُبَيِّنُهُ ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَتُعَبِّرُ عَنْ مُجْمَلِهِ ، وَأَنَّهَا تُفَسِّرُ مُجْمَلَ الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ[SUP] [8] [/SUP].
وقد تكلم العلماء على علاقة السنة بالقرآن وأوجه بيانها له [SUP][9] [/SUP]، فقالوا : السنة على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : يؤكد ما في القرآن ويوضحه ، فتأتي السنة موافقة للقرآن من حيث الإجمال والتفصيل ، وذلك مثل الأحاديث التي تدل على وجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج ؛ ويكون القصد من ذلك تأكيد الحكم وتقويته وتوضيحه ؛ كما في الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "[SUP] [10] )[/SUP].
وكقوله e : " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " [11] ، فإنه يوافق قوله تعالى : ] لاَتَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [ [ النساء : 29 ] ؛ وقوله e : " فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ،وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ "[12] ؛ فإنه موافق لقوله تعالى : ] وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [ [ النساء : 19 ] .
القسم الثاني : يبين ما في القرآن ، وذلك من وجوه عدة :
الأول : بيان مجمله ، ومثال ذلك قوله تعالى : ] وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [ [ البقرة : 43 ] ؛ فجاءت السنة بتفصيل ذلك ، وبيان مواقيت الصلوات الخمس ، وعدد ركعاتها ، وكيفيتها ؛ وقد قال e : " وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "[SUP] [13] [/SUP]؛ وكذلك بيان مقادير الزكاة ، وأوقاتها ، وأنواعها ؛ وبيان مناسك الحج ؛ ولذا قال : " خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ "[SUP] [14] [/SUP].

الثاني : تخصيص عامه ، كالنص على البيوع المحرمة ، وإخراجها من قوله تعالى : ] وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [ [ البقرة : 275 ] ، وكتخصيصه e الظلم في آية الأنعام بالشرك ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ] الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ e ، وَقَالُوا : أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ : ] إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ ؛ ولفظ مسلم : شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ e ، وَقَالُوا : أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ ؛ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ : ] يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ [ لقمان : 12 ] "[SUP] [15] [/SUP].

الثالث : تقييد مطلقه ، كتقييد قول الله تعالى : ] مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ [ [ النساء : 12 ] ، قيدها e بالثلث فما دون ، ففي الصحيحين من حديث عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ t قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ ، وَأَنَا ذُو مَالٍ ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : " لَا " ، فَقُلْتُ : بِالشَّطْرِ ، فَقَالَ : " لَا " ، ثُمَّ قَالَ : " الثُّلُثُ ، وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ ؛ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً ، يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ "[SUP] [16] [/SUP]؛ قال ابن حجر رحمه الله : فيه تقييد مطلق القرآن بالسنة[SUP] [17][/SUP].
وكتقييد اليد في قوله تعالى : ] فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [ [ المائدة : 38 ] ، باليمين ، وبالكوع .

الرابع : توضيح المشكل ، كتوضيح المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود ؛ روى أحمد والشيخانعن عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ t قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ] وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ [ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ ، وَالْآخَرُ أَبْيَضُ ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادِي ؛ ثُمَّ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمَا ، فَلَا تُبِينُ لِي الْأَسْوَدَ مِنْ الْأَبْيَضِ ، وَلَا الْأَبْيَضَ مِنْ الْأَسْوَدِ ؛ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ ، فَقَالَ : " إِنْ كَانَ وِسَادُكَ إِذًا لَعَرِيضٌ ! إِنَّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ النَّهَارِ ، مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ " [18].
وفي الصحيحين وغيرهما عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ e كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ " ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :] فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [، فَقَالَ : " إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ "[SUP] [19] [/SUP].

الخامس : بيان معنى لفظ أو متعلقه ، كبيان ] الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم [ باليهود ، و ] الضَّآلِّينَ [ بالنصارى ؛ روى أحمد والترمذي عن عدي بن حاتم t مرفوعًا : " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ : الْيَهُودُ، وَالضَّالِّينَ : النَّصَارَى "[SUP] ( [20] ) [/SUP]؛ وكبيان أن القوة في آية الأنفال : الرمي ؛ روى أحمد ومسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " ] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ "[SUP] [21] [/SUP].
وروى أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : " يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ ؟فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ،فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : لَا،مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌe وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [ ، وَالْوَسَطُ : الْعَدْلُ " ، قَالَ : " فَتُدْعَوْنَ فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ " قَالَ : " ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ "[SUP] [22] [/SUP]؛ والشاهد تفسير الوسط بالعدل .

السادس : بسط ما أوجزه ، كبسط قصة أصحاب الأخدود التي جاءت موجزة في القرآن الكريم ؛ فقد روى عبد الرزاق ومن طريقه الترمذي والطبراني عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ هَمَسَ - وَالْهَمْسُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ تَحَرُّكُ شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ - فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ هَمَسْتَ ! قَالَ : " إِنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ أُعْجِبَ بِأُمَّتِهِ فَقَالَ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلَاءِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ أَنْتَقِمَ مِنْهُمْ وَبَيْنَ أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ ! فَاخْتَارُوا النِّقْمَةَ ، فَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ ، فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا " ، قَالَ : وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، قَالَ : " كَانَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ ، وَكَانَ لِذَلِكَ الْمَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ ، فَقَالَ الْكَاهِنُ : انْظُرُوا لِي غُلَامًا فَهِمًا ، أَوْ قَالَ فَطِنًا لَقِنًا ، فَأُعَلِّمَهُ عِلْمِي هَذَا ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا الْعِلْمُ ، وَلَا يَكُونَ فِيكُمْ مَنْ يَعْلَمُهُ ؛ قَالَ : فَنَظَرُوا لَهُ عَلَى مَا وَصَفَ ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ ، وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ ، فِي صَوْمَعَةٍ "قَالَ مَعْمَرٌ : أَحْسِبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ ؛ قَالَ : " فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ ؛ قَالَ : فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ ، وَيُبْطِئُ عَنْ الْكَاهِنِ ، فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ : إِنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي ؛ فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : إِذَا قَالَ لَكَ الْكَاهِنُ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فَقُلْ : عِنْدَ أَهْلِي ؛ وَإِذَا قَالَ لَكَ أَهْلُكَ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ كُنْتَ عِنْدَ الْكَاهِنِ ، قَالَ فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ كَثِيرٍ ، قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابَّةٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ كَانَتْ أَسَدًا ، قَالَ : فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَهَا ؛ قَالَ : ثُمَّ رَمَى فَقَتَلَ الدَّابَّةَ ، فَقَالَ النَّاسُ : مَنْ قَتَلَهَا ؟ قَالُوا : الْغُلَامُ ، فَفَزِعَ النَّاسُ ، وَقَالُوا : لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ ،قَالَ:فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَرِي ، فَلَكَ كَذَا وَكَذَا ؛ قَالَ لَهُ : لَا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إِلَيْكَ بَصَرُكَ ، أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ ، فَآمَنَ الْأَعْمَى ؛ فَبَلَغَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ ، فَأُتِيَ بِهِمْ ؛ فَقَالَ : لَأَقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ ؛ فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَهُ ، وَقَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى ؛ ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ ، فَقَالَ : انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ ، جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ ، وَيَتَرَدَّوْنَ ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْغُلَامُ ؛ قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْبَحْرِ ، فَيُلْقُونَهُ فِيهِ ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ ، فَغَرَّقَ اللَّهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ ، وَأَنْجَاهُ ؛ فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ : إِنَّكَ لَا تَقْتُلُنِي حَتَّى تَصْلُبَنِي ، وَتَرْمِيَنِي ، وَتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي : بِسْمِ اللَّهِ ، رَبِّ هَذَا الْغُلَامِ ؛ قَالَ : فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ، ثُمَّ رَمَاهُ ، فَقَالَ : بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ هَذَا الْغُلَامِ ؛ قَالَ : فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ، ثُمَّ مَاتَ ؛ فَقَالَ أُنَاسٌ : لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ ، فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِرَبِّ هَذَا الْغُلَامِ ؛ قَالَ : فَقِيلَ لِلْمَلِكِ : أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ ؟ فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ ، قَالَ : فَخَدَّ أُخْدُودًا ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنَّارَ ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ ؛ فَقَالَ : مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النَّارِ ، فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُودِ ؛ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ : ] قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [ ... حَتَّى بَلَغَ : ] الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [ قَالَ : فَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ دُفِنَ ؛ فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t وَأُصْبُعُهُ عَلَى صُدْغِهِ ، كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ[SUP] [23] [/SUP].

السابع : توضيح المبهم كأسماء الأشخاص والأماكن والأوقات : ومن الأمثلة على ذلك ، ما رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ : أَلَا أُبَشِّرُكَ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : " طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ " ، هذا لفظ الترمذي ، ولفظ ابن ماجة عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ t قَالَ : نَظَرَ النَّبِيُّ e إِلَى طَلْحَةَ t ، فَقَالَ : " هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ "[SUP] [24] [/SUP].
وأخرجه الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - أن طَلْحَةَ t دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ e فَقَالَ : " أَنْتَ يَا طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ "[SUP] [25] .[/SUP]
ومن الأمثلة - أيضًا : قوله تعالى : ] حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [ [ البقرة : 238 ] ؛ فقد ثبت عن رسول الله e في الصحيحين وغيرهما أنها صلاة العصر[SUP][26] [/SUP].
وها هنا زيادة بيان أوردها ابن القيم - رحمه الله - في ( إعلام الموقعين ) ؛ قال : إِنَّ الْبَيَانَ مِنْ النَّبِيِّ e أَقْسَامٌ ؛ أَحَدُهَا : بَيَانُ نَفْسِ الْوَحْيِ ، بِظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَفِيًّا .
الثَّانِي : بَيَانُ مَعْنَاهُ ، وَتَفْسِيرُهُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ ؛ كَمَا بَيَّنَ أَنَّ الظُّلْمَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ : ] وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [ [ الأنعام : 82 ] ، هُوَ الشِّرْكُ ، وَأَنَّ الْحِسَابَ الْيَسِيرَ ، هُوَ الْعَرْضُ ، وَأَنَّ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ ، هُمَا بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ ، وَأَنَّ الَّذِي رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، هُوَ جِبْرِيلُ ؛ كَمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ : ] أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [ [ الأنعام : 158 ] ، أَنَّهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ؛ وَكَمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ : ] مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [ [ إبراهيم : 24 ] ، بِأَنَّهَا النَّخْلَةُ ؛ وَكَمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ : ] يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [ [ إبراهيم : 27 ] ، أَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَبْرِ ، حِينَ يُسْأَلُ : مَنْ رَبُّك ، وَمَا دِينُك ؛ وَكَمَا فَسَّرَ الرَّعْدَ بِأَنَّهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ ؛ وَكَمَا فَسَّرَ اتِّخَاذَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ، بِأَنَّ ذَلِكَ بِاسْتِحْلَالِ مَا أَحَلُّوهُ لَهُمْ مِنْ الْحَرَامِ ، وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ الْحَلَالِ ؛ وَكَمَا فَسَّرَ الْقُوَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ نُعِدَّهَا لِأَعْدَائِهِ بِالرَّمْيِ ؛ وَكَمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ : ] مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [ [ النساء : 123 ] ، بِأَنَّهُ مَا يُجْزَى بِهِ الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا مِنْ النَّصَبِ ، وَالْهَمِّ ، وَالْخَوْفِ ، وَاللَّأْوَاءِ ؛ وَكَمَا فَسَّرَ الزِّيَادَةَ بِأَنَّهَا النَّظَرُ إلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ ، وَكَمَا فَسَّرَ الدُّعَاءَ فِي قَوْلِهِ : ] وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ [ غافر : 60 ] ، بِأَنَّهُ الْعِبَادَةُ ، وَكَمَا فَسَّرَ أَدْبَارَ النُّجُومِ بِأَنَّهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ ، وَأَدْبَارَ السُّجُودِ بِالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ... وَنَظَائِرُ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : بَيَانُهُ بِالْفِعْلِ ، كَمَا بَيَّنَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِلسَّائِلِ بِفِعْلِهِ .
الرَّابِعُ : بَيَانُ مَا سُئِلَ عَنْهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِبَيَانِهَا ، كَمَا سُئِلَ عَنْ قَذْفِ الزَّوْجَةِ ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِاللِّعَانِ ... وَنَظَائِرِهِ .
الْخَامِسُ : بَيَانُ مَا سُئِلَ عَنْهُ بِالْوَحْيِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا ، كَمَا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِالْخَلُوقِ ، فَجَاءَ الْوَحْيُ بِأَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ الْجُبَّةَ ، وَيَغْسِلَ أَثَرَ الْخَلُوقِ .
السَّادِسُ : بَيَانُهُ لِلْأَحْكَامِ بِالسُّنَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ ، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ لُحُومَ الْحُمُرِ ، وَالْمُتْعَةَ ، وَصَيْدَ الْمَدِينَةِ ، وَنِكَاحَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا .. وَأَمْثَالَ ذَلِكَ .
السَّابِعُ : بَيَانُهُ لِلْأُمَّةِ جَوَازَ الشَّيْءِ بِفِعْلِهِ هُوَ لَهُ ، وَعَدَمِ نَهْيِهِمْ عَنْ التَّأَسِّي بِهِ .
الثَّامِنُ : بَيَانُهُ جَوَازَ الشَّيْءِ بِإِقْرَارِهِ لَهُمْ عَلَى فِعْلِهِ ، وَهُوَ يُشَاهِدُهُ ، أَوْ يُعَلِّمُهُمْ يَفْعَلُونَهُ .
التَّاسِعُ : بَيَانُهُ إبَاحَةَ الشَّيْءِ عَفْوًا ، بِالسُّكُوتِ عَنْ تَحْرِيمِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ نُطْقًا .
الْعَاشِرُ : أَنْ يَحْكُمَ الْقُرْآنُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ ، أَوْ تَحْرِيمِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ ، وَيَكُونُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ وَقُيُودٌ وَأَوْقَاتٌ مَخْصُوصَةٌ وَأَحْوَالٌ وَأَوْصَافٌ ، فَيُحِيلُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ فِي بَيَانِهَا ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ] وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [ [ النساء : 24] ، فَالْحِلُّ مَوْقُوفٌ عَلَى شُرُوطِ النِّكَاحِ ، وَانْتِقَاءِ مَوَانِعِهِ ، وَحُضُورِ وَقْتِهِ ، وَأَهْلِيَّةِ الْمَحَلِّ ؛ فَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِبَيَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ ، لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ مِنْهُ زَائِدًا عَلَى النَّصِّ ، فَيَكُونُ نَسْخًا لَهُ ، وَإِنْ كَانَ رَفْعًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ .
فَهَكَذَا كُلُّ حُكْمٍ مِنْهُ e زَائِدٍ عَلَى الْقُرْآنِ ، هَذَا سَبِيلُهُ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ] يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ [ [ النساء : 11 ] ، ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْكَافِرَ وَالرَّقِيقَ لَا يَرِثُ ، وَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا لِلْقُرْآنِ ، مَعَ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَيْهِ قَطْعًا ، أَعْنِي فِي مُوجِبَاتِ الْمِيرَاثِ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ أَوْجَبَهُ بِالْوِلَادَةِ وَحْدَهَا ، فَزَادَتْ السُّنَّةُ مَعَ وَصْفِ الْوِلَادَةِ اتِّحَادَ الدِّينِ ، وَعَدَمَ الرِّقِّ وَالْقَتْلِ[SUP] [27] [/SUP].

[1] - أحمد : 4 / 120 ، وأبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني .
[2] - انظر (معالم السنن ) لأبي سليمان الخطابي : 3 / 134 .
[3] - انظر ( شرح السنة ) : 1 / 202 .
[4] - الكفاية في علم الرواية ، ص : 14 .
[5] - الطيوريات ( 1342 ) ؛ وأخرجه الخطيب في ( الكفاية في علم الرواية ) ص 14، 15 .
[6] - الدارمي ( 607 ) ؛ والخطيب في ( الكفاية في علم الرواية ) ص 14 .
[7] - انظر ( المسودة في أصول الفقه ) لآل تيمية ، ص 122 ، 123 .
[8] - انظر ( مجموع الفتاوى ) : 17 / 432 .
[9] - انظر ( مناهل العرفان ) : 2/ 45 ، 46 ؛ والتفسير والمفسرون : 1 / 43 ، 45 .
[10] - البخاري ( 8 ) ، ومسلم ( 16 ) .
[11] - رواه أحمد : 3 / 423 عن عمرو بن يثربي ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد : 4 / 171 ) : رواه أحمد ، وابنه من زياداته أيضًا ، والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجال أحمد ثقات .ا.هـ . وهو جزء من حديث رواه أحمد : 5 / 72 ، عن حنيفة الرقاشي ، وفيه علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف ، لكن يتقوى بالذي قبله .
[12] - جزء من حديث ( حجة النبي e ) رواه مسلم ( 1218 ) عن جابر t .
[13] - جزء من حديث رواه البخاري ( 605 ، 6319 ) عن مالك بن الحويرث t .
[14] - رواه مسلم ( 1297 ) عن جابر e .
[15] - البخاري ( 6520 ) ، ومسلم ( 124 ) .
[16] - البخاري ( 1233 ) ، ومسلم ( 1628 ) .
[17] - فتح الباري : 5/ 368 .
[18] - أحمد : 4 / 377 ، والبخاري ( 1916 ، 4509 ) ، ومسلم ( 1090 ) .
[19] - أحمد في مواطن منها : 6 / 47 ، 127 ، 206 ، والبخاري في مواطن منها ( 103 ، 4939 ، 6537 ) ، ومسلم ( 2876 ) ، وأبو داود ( 3093 ) ، والترمذي ( 2426 ، 3337 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11618 ، 11659 ) ؛ وغيرهم .
[20] - أحمد : 4/ 378 ، والترمذي ( 2954 ) ، وحسنه ، ورواه الطبراني في الكبير : 17 / 99 ( 237 ) من طريق أحمد ، وقال الهيثمي في المجمع : 6 / 208 : رجاله رجال الصحيح غير عماد بن حبيش وهو ثقة .ا.هـ .
[21] - أحمد : 4 / 156 ، ومسلم ( 1917 ) ، وأبو داود ( 2514 ) ، والترمذي ( 2083 ) ، وابن ماجة ( 2813 ) وغيرهم .
[22] - أحمد : 3 / 32 ، والبخاري ( 3339 ) ، والترمذي ( 2961 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11007 ) ، وابن ماجة ( 4284 ) .
[23] - مصنف عبد الرزاق ( 9751 ) ، الترمذي ( 3340 ) وقال : حسن غريب ، والطبراني في الكبير : 8 / 41 ( 7319 ) ، وصححه الألباني في ( صحيح سنن الترمذي ) .
[24] - الترمذي ( 3740 ) ، وابن ماجة ( 126 ) ، وحسنه الألباني .
[25] - الحاكم ( 3755 ) ؛ وصححه ابن حجر في ( الفتح ) : 8 / 518 .
[26] - انظر ( صحيح البخاري ) رقم 2931 ، ومسلم رقم ( 627 ) .
[27] - إعلام الموقعين عن رب العالمين : 2 / 225 ، 226 .
 
القسم الثالث : بيان أحكام زائدة على ما جاء في القرآن الكريم ؛ فتأتي السنة بإيجاب ما سكت عنه القرآن كإيجاب زكاة الفطر ؛ أو محرِّمة لحكم سكت القرآن عنه ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، وتحريم كل ذي ناب من السباع ، ومخلب من الطير ؛ وتحريم الذهب والحرير على الرجال ، وتغريب البكر الزاني مع جلده ... وغير ذلك .
قال الشوكاني - رحمه الله : اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام ، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال ، وتحريم الحرام ، وقد ثبت عنه e أنه قال : " أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " أي : أوتيت القرآن ، وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن ؛ وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية ، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير .. وغير ذلك مما لم يأت عليه الحصر[SUP] [1] [/SUP].
[1] - ( إرشاد الفحول ) ص 33 .
 
عودة
أعلى