أوجهُ تفسير:(العذابِ الأدنَى) في قوله تعالى:(و لنذِيقَنَّهم من العذاب الأدنى...).

أبو تيمية1

New member
إنضم
03/04/2003
المشاركات
71
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم
أوجهُ تفسيرِ : (العذابِ الأدنَى) المذكُورِ في قوله تعالى:(و لنذِيقَنَّهم من العذاب الأدنى دون العذابِ الأكبرِ لعلَّهم يرجِعُونَ).

الحمدُ لله الذي قدَّر فهدى ، و صلَّى الله و سلَّم على خير مَنْ وطئ الحصى ، و على آله وصحبه أولي الفضائل و النُّهى ، أمَّا بعدُ :
فعند النظر و البحث في كتب التفاسير عن معنى قوله تعالى :(و لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) نجد أنَّ ( العذاب الأدنى ) تنوَّع تفسيره ، حتى قيل : بأنه عذاب القبر !، و هو أحدُ أوجُهِ التفسيرِ المأثورةِ عن السَّلَف.
فهل هو معنًى محتمَلٌ صَحِيحٌ ؟
و قبل الانتهاءِ إلى الإجَابَة على السُّؤال = أُبيِّنُ الأوجهَ المأثورةَ في تفسير العذابِ الأدنى ثمَّ نعرِّجُ على السؤال ، فأقول – و بالله التوفيق :
الوجه الأول : أنه المصيبات التي تصيبهم من مصائب الدنيا وأسقامها مما يبتلي الله بها العباد حتى يتوبوا ، و هذا و نحوه المأثور عن ابن عباس 1و أبي بن كعب 2 و أبي العالية 3 والحسن 4و إبراهيم النخعي5 والضحاك 6و عن غيرهم.
و الثاني : أنه الحدود ، روي هذا عن ابن عباسٍ 7 .
و الثالث : أنه القتل ، و قيده بعضهم فقال : بالسيف ، و عينه بعضهم فقال : كان ذلك يوم بدر .
وهذا المأثور عن ابن مسعود 8و أبي بن كعب9 و الحسن بن علي10 و عبد الله بن الحارث بن نوفل 11 و ا لسدي 12 و غيرهم .
و الرابع: القتل و الجوع لقريش في الدنيا ، أو سنون أصابتهم أو عذاب الدنيا.
و قد جاء هذا المعنى عن : ابن مسعود 13 و مجاهد 14 و إبراهيم15 و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم 16 ، و المعاني الثلاث متداخلة ، و بعضها أخص من بعض ، و هي أفرادٌ لمعنى عامٍ.
و الخامس : أنه عذاب القبر .
و روي هذا عن : البراء بن عازب 17أو أبي عبيدة و عن مجاهد 18 ، لكنه لا يثبت عنهما .
و قد ساقه بعضهم وجها من أوجه التفسير ،بل وجَّهه بعضهم ، كما ضعَّفه آخرون :
1 – قال القشيري :(وقيل عذاب القبر وفيه نظر لقوله:(لعلهم يرجعون)) (تفسير القرطبي 14/107).
2 – و قال الطوفي :(زعم بعضهم أن العذاب الأدنى : عذاب القبر ، و العذاب الأكبر : عذاب النار ، و هو ضعيف بل باطل ، لأنه علل إذاقتهم العذاب الأدنى برجوعهم عن كفرهم بقوله:(لعلهم يرجعون) و في القبر استحال رجوعهم إلى الدنيا ، و إنما العذاب الأدنى يشبه أن يكون السنين التي أصابتهم على عهد النبوة المذكورة في سورة الدخان) ( الإشارات الإلهية 3/125).
3 – و قال ابنُ القيِّم و هو يسوق الآيات المثبتة لعذاب القبر : ومنها قوله تعالى:(ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) ، وقد احتج بهذه الآية جماعة منهم عبد الله بن عباس 19 على عذاب القبر ؛ وفي الاحتجاج بها شيء ؛ لأن هذا عذاب في الدنيا يستدعي به رجوعهم عن الكفر ولم يكن هذا ما يخفى على حبر الأمة و ترجمان القرآن ، لكن من فقهه في القرآن ودِقَّة فهمه فيه = فَهِمَ منها عذابَ القبر، فإنَّه سبحانه أخبر أن له فيهم عذابين : أدنى وأكبر ، فأخبر أنه يذيقهم بعض الأدنى ليرجعوا ، فدل على أنه بقي لهم من الأدنى بقية يعذبون بها بعد عذاب الدنيا ، ولهذا قال:(من العذاب الأدنى)ولم يقل : و لنذيقنهم العذاب الأدنى ، فتأمَّله.
و هذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم " فيفتح له طاقة إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها" و لم يقل : فيأتيه حرّها وسمومها ، فإن الذي وصل إليه بعض ذلك وبقي له أكثره ، والذي ذاقَه أعداءُ الله في الدنيا بعضَ العذاب وبقى لهم ما هو أعظم منه )( الروح ص 208-209).
و هذا توجيه حسنٌ ، و يفهم منه أن العذاب الأدنى أوَّلُه في الدُّنيا و آخرُه و منتهاه عذابُ القبر ، و الذي يذوقونه في الحياة الدنيا قبلَ الموت هو ذلك المبعَّضُ في الآية :(من العذاب) ، و لذا فلا اختلاف بين أولها وآخرها و هو قوله:(لعلهم يرجعون) ، لأنه عذاب قبل الموت .
لكن يبقى إشكال ؛ و هو أن العذاب البرزخي من غير جنس العذاب الدنيوي ، و يختلف عنه ، و الظاهر من قوله:(من العذاب الأدنى) أن العذاب جنسه واحد ، لأنه بعضٌ منه ، فكيف يستقيمُ هذا ؟
على أن بعضهم تأول قوله تعالى:(لعلهم يرجعون) على غير المعنى المعروف منها ، فقال : (أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله:(فارجعنا نعمل صالحاً) وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى:(إذا قمتم إلى الصلاة) ويدل عليه قراءة من قرأ يرجعون على البناء للمفعول ذكره الزمخشري )(تفسير القرطبي 14/108).
و هذا تأويل بعيد ، و الآيات الدالة على المعنى المعروفِ كثيرةٌ جدًّا ، كقوله تعالى:(ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) ، و قال تعالى:(لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) ، و قال تعالى:(أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون).
خاتمة :
الذي يظهر للمتأمل أن المعاني المذكورة – عدا المعنى الأخير - لا تضادَّ بينها ، و إنما هي أفراد للعذاب الدنيوي ، الذي أُطلِقَ ، و لم يُبيَّن ، و هذا اختيار ابن جرير إمامِ المفسرين حيث قال عن كل تلك الأقوال عدا القول القائل بأنه عذاب القبر : (.. فكل ذلك من العذاب الأدنى ، و لم يخصص الله تعالى ذكره إذْ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوعٍ من ذلك دون نوعٍ ، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال فأوفى لهم بما وعدهم ).
و أشار إلى عمومه شيخ الإسلام رحمه الله بقوله :(وكذلك قوله:(ولنذيقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) يدخُلُ في العذاب الأدنَى ما يكون بأيدي العباد - كما قد فُسِّر بوقعة بدر بعض ما وعد الله به المشركين من العذاب). ( المجموع 15/45).
و كتب أبو تيمية الميلي حامدًا و مصليًا و مسلِّمًا
ليلة الأربعاء التاسع من شوال سنة 1424من الهجرة النبوية

*الهوامش :
1 أخرجه ابن جرير (21/108) و غيره بسند حسن .
2 أخرجه مسلم (2799) و غيره ولفظه (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال مصائب الدنيا والروم والبطشة أو الدخان- شعبة الشاك في البطشة أو الدخان - )و استدركه الحاكم عليهما فأخطأ.
3 أخرجه ابن جرير (21/109) و البيهقي في الشعب (9822) بسند جيِّدٍ عن أبي العالية.
4 أخرجه ابن جرير بسند صحيح و عبد الرزاق في تفسيره (2307) بسند منقطع .
5 أخرجه الثوري في تفسيره (ص 240 – رواية أبي حذيفة النهدي ) و ابن أبي شيبة ( 35396) و ابن جرير و أبو نعيم في الحلية (4/231) بسند صحيح .
6 أخرجه ابن جرير و غيره بسند يصلح مثله في باب التفسير.
7 أخرجه ابن جرير من طريق شبيب عن عكرمة عن ابن عباس ، و شبيب هو ابن بشر البجلي ، وثقه ابن معين في رواية الدوري . و قال أبو حاتم : لين الحديث حديثه حديث الشيوخ . و قال ابن حبان في الثقات : يخطئ كثيرا ، فمثله في الأصل يصلح لمثل هذا ، لكن أخشى أن يكون وهم في النقل عن ابن عباس فالرواية الأولى المتقدمة عندي أولى ، لا سيما و لها إسناد آخر تعتضد به .
8 أخرجه الثوري في تفسيره (ص 240 – رواية أبي حذيفة النهدي ) و ابن جرير و الطبراني في " الكبير " ( 9038) و الحاكم ( 4/253) و غيرهم من طرق عن الثوري عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال في الآية : يوم بدر ( دون العذاب الأكبر ) يوم القيامة ( لعلهم يرجعون) : لعل من بقي منهم أن يتوب فيرجع .و هذا سند جيِّد ، و قد رواه محمد بن كثير عن الثوري فقال : عن الأعمش بدل السدي فأخطأ ، أخرج روايته الحاكم 2/414.
9 أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن قتادة قال : كان مجاهد يحدِّث عن أبي بن كعب قال في العذاب الأدنى هو يوم بدر .قلت : فيه انقطاع في موضعين ، الأول : أن قتادة لم يسمع من مجاهد ، غير أن هذا الانقطاع لا يضر ، و ذلك لأن الواسطة معروفة ، و هي ثقة ، قال أحمد ( لم يسمع من مجاهد بينهما أبو الخليل )( المراسيل 627 للرازي ) و أبو الخليل هو صالح البصري ثقة .
و الموضع الثاني : ما بين مجاهد و أبي بن كعب ، فإنه لم يدركه ، لكن مرسلات مجاهد تصلح في مثل هذا ، ففيها قوة على غيرها كمراسيل عطاء و نحوه ، و لا أراه مخالفًا كثيرا لما ثبت أعلاه عن أبي ، فما أصاب الكفار يوم بدر من مصائب الدنيا ، فلا اختلاف ، إلا أن التعيين هنا و الإطلاق هناك فيها بعضُ اختلاف .
و قد رواه معمر عن قتادة فأرسله عن أبي دون ذكر لمجاهد . أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2306)
10 أخرجه ابن جرير بسند فيه انقطاع.
11 أخرجه ابن جرير و فيه ضعف و انقطاع.
12 انظر تفسير ابن كثير ( 3/463).
13 أخرجه النسائي في الكبرى ( 11395) و انظر التعليق رقم 16 .
14 أخرجه ابن جرير بسند صحيح عنه و لفظه (القتل و الجوع لقريش في الدنيا).
15 أخرجه ابن جرير بسند صحيح عنه و لفظه ( سنون أصابتهم ).
16 أخرجه ابن جرير بسند صحيح عنه و لفظه ( العذاب الأدنى : عذاب الدنيا ).
17 فقد أخرج هناد في " الزهد " ( 345 ) فقال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق عن البراء أو عن أبي عبيدة في قوله ( و لنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال : عذاب القبر.و أخرجه من طريقه : الآجري في الشريعة (363) و أبو نعيم في الحلية ( 4/206).
و قد اخطأ فيه شريك سندا و متنا ، و شريك ثقة لا سيما في أبي إسحاق لكنه لما ولي القضاء اختلط فمن حدث عنه قديما أو من كتابه فهو ذاك ، و الصواب ما رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص و أبي عبيدة عن ابن مسعود فقال : سنون أصابتهم .أخرجه النسائي في الكبرى ( 11395) .
18 أخرجه ابن جرير من طريق إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد ، قلت : و هذا سند إلى مجاهد : لا تقوم به الحجة ، فأبو يحيى القتات كثير المناكير عن مجاهد ، و قد أنكر الأئمة مروياته عن مجاهد من رواية إسرائيل عنه ، و البلية منه لا من إسرائيل فإسرائيل إمام ثقة ، و قد روى عن غير أبي يحى فلم ير له مثل هذا ، لكن ذكر أحمد أن رواية الثوري عن أبي يحى مقاربة ، و عليه فالأظهر أن أبا يحيى لما حدَّث الثوري كان متماسكًا ، و لما حدَّث بها إسرائيل كان قد اختلط جدًّا فكثرت جدا منه المناكير، و هذا الأثر أظنه من تخليطه فهؤلاء أثبت الناس في مجاهد كما قد سبق – ذكروا عنه خلاف ما ذكر ، بل ومن كتابه التفسير الذي رواه القاسم بن أبي بزة عنه ، و أخذه ابن أبي نجيح و غيره .
19 لم أقف عليه مسندا إلى ابن عباس ، فلا أدري أهو كذلك أم هو وهم من ابن القيِّم ؟ .
 
جزاك الله خيراً أخي الكريم على هذا التفصيل والتدقيق في العلم فهو الذي ينتفع به ، وأستميحكم عذراً في تغييري لنوع الخط ، وإجراء بعض التعديلات في التنسيق ، وفقكم الله.
 
جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم
و بخصو ص الخط الذي استعملته ، فأراه مريحا للعين حالل القراءة و الله أعلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
شيخنا الفاضل : أبو تيمية ... ... وفقني الله وإياك لكل خير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فهذه مشاركة ومدارسة في تفسير هذه الآية الكريمة , كنت قد لخصت فيها بعض كلام أهل العلم مما تيسر لي الوقوف عليه . فإن يكن صواباً فالحمد لله , وإن يكن خطأً فهذا مبلغي من العلم وأرجو من جميع الأخوان التصحيح والإفادة .
وهذا أوان الشروع بإذن الله تعالى :

هذه الآية الكريمة تصلح مثالاً لأوجه العناية بالسياق القرآني والاستدلال به على صحة التفسير .
فبعض المفسرين يرجح القول الأول : المصائب والجوع , لدلالة قوله تعالى : ( لعلهم يرجعون ) .

وهذا مصير من هؤلاء المفسرين ـ رحمهم الله ـ إلى كون ضمير ( لعلهم ) و ( و لنذيقنهم ) واحـد ,
والمعنى : أن ذوقهم العذاب سبباً في رجوعهم عن الكفر , وهذا لا يتأتى إلا في المصائب والجوع ,
دون القتل فهذا لا رجوع بعده .
وقد يقال في الآية باختلاف الضميرين , وأن الراجع غير الذي يذوق العذاب , بل الذي يبقى بعده , وعليه يحمل قول من قال : القتل ونحوه . نبه على ذلك ابن عطية رحمه الله ( 13 / 39 )

بقي الإشارة إلى توجيه أبي جعفر النحاس رحمه الله في معاني القرآن ( 5 / 309 )
فقد ذكر جميع أقوال السلف في تفسير هذه الآية ـ بما فيها قول : عذاب القبر ـ ثم قال : " وهذه الأقوال ليست بمتناقضة , وهي ترجع إلى أن معنى ( الأدنى ) : ما كان قبل يوم القيامة " .


أخوك : عبد العزيز الـدخـيــل
 
أحسنتم أخي الفاضل عبد العزيز ..
و ما ذكرتموه من حيث التعليل صحيح ، و الأقوال التي ذكرتها تتعلق بمعنى الرجوع ، و بالضمير المتصل في قوله لعلهم .
و لهذا قال ابن مسعود في الآية - كما نقلت آنفا - : ( يوم بدر ( دون العذاب الأكبر ) يوم القيامة ( لعلهم يرجعون) : لعل من بقي منهم أن يتوب فيرجع ).
و ذلك رفعا للتعارض بين معنى يرجعون و تأويل العذاب الأدنى بالقتل يوم بدر .
و هكذا قال أهل التاويل .
و بخصوص من فسره بعذاب القبر فهو منبني على أمرين :
الأول : أنه مأثور عن بعض السلف ،و الثاني : كون الآية تحتمله .
فأما الأول : فلم يثبت كما قد بينت .
و أما الثاني : فهو محل تجاذب و نزاع ، و الأظهر أنه غير مراد ، فليس هو العذاب الأدنى و لا بعض العذاب الأدنى ، لعدم التناسب ؛ و لأن التعليل المذكور في قوله ( لعلهم يرجعون ) لا يتحقق إذا جعلنا معناها عذاب القبر ، و لهذا لجأ من لجأ إلى تأويل آخرها بقوله ( أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله:(فارجعنا نعمل صالحاً) وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى:(إذا قمتم إلى الصلاة) ).
و ها هنا تنبيه مهم : و هو أنه كثيرا ما نقرأ في كتب التفسير و معاني القرآن و غريبه للفظ القرآني أو الجملة القرآنية معاني متعددة ، قد لا يكون بينها تضاد في الجملة - و هو الغالب - ، لكن إذا حققنا النظر وجدنا أن بعض ما ادعي فيه أنه لا تضاد أو أنه وجه من الأوجه المحتملة في تفسير الآية = ليس وجها محتملا ، و أن السياق لا يناسبه .
و للتحقق من ذلك لا بد من النظر في القواعد و القرائن المعينة على تعيين المعنى و تصحيحه أو نفيه .و منها :
أولا : التحقق من نسبة ذلك القول أو المعنى الإجمالي إلى السلف ،أو بعضهم ، و هل النسبة صحيحة أم لا ؟
ثانيا : هل هذا المعنى يحتمله اللفظ القرآني من جهة اللغة ؟
ثالثا: هل مناسبة المعنى للسياق متحققة ، أم متعسف في تحقيقها ؟
و لعلي أسوق أمثلة في وقت لاحق - إن شاء الله - و الله تعالى أعلم .
 
قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الروح :

( وقد احتج بهذه الآية جماعة - منهم عبد الله بن عباس- على عذاب القبر ؛ وفي الاحتجاج بها شيء ؛ لأن هذا عذاب في الدنيا يستدعى به رجوعهم عن الكفر . )
ثم قال رحمه الله : ( ولم يكن هذا ما يخفي على حبر الأمة وترجمان القرآن ، لكن من فقهه في القرآن ودقة فهمه فيه فهم منها عذاب القبر ؛ فإنه سبحانه أخبر أن لهم عذابين : أدنى وأكبر ، فأخبر أنه يذيقهم بعض الأدنى ليرجعوا فدل على أنه بقى لهم من الأدنى بقية يعذبون بها بعد عذاب الدنيا ؛ ولهذا قال: " من العذاب الأدنى" ولم يقل ولنذيقنهم العذاب الأدنى فتأمله .
وهذا نظير قول النبي فيفتح له طاقة إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ولم يقل فيأتيه حرها وسمومها فإن الذى وصل إليه بعض ذلك وبقى له أكثره والذى ذاقه أعداء الله في الدنيا بعض العذاب وبقى لهم ما هو أعظم منه .)
انتهى
 
أخي الفاضل أبا مجاهد وفقه الله
بارك الله فيكم
لكن ما ذكرتموه منقول أعلاه في بحثي و قد علقت عليه ، فانظر رقم 19.
و الله ينفعني و إياكم بالعلم النافع و يرزقنا العمل به . آمين
 
عودة
أعلى