أهم ما يستقبل به رمضان

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر


إن أهم ما يستقبل به المسلم رمضان أمران :

الأول : توبة ينظف بها نفسه من آثار الذنوب والخطايا .

الثاني : علم يصحح به عمله ، ليكون في حيز القبول .

اعلموا - علمني الله وإياكم الخير - أن التوبة واجبة من كل ذنب ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كل بني آدم خطاء ، وأن خير الخطائين التوابون ؛ فكل بني آدم يحتاجون إلى الرجوع إلى الله تعالى ، والفرار إليه ؛ ولا يكون هذا إلا بالتغيير من حال إلى حال ، بل من نفس إلى نفس ؛ من نفس أثقلتها آثار الذنوب ، إلى نفس تخففت من ذلك بالتوبة إلى الله تعالى ، فتحوَّل حالها من نفس كانت عاصية مذنبة إلى نفس طائعة تائبة ... من نفس كانت بعيدة عن الله تعالى إلى نفس قريبة منه عز وجل ... من نفس كانت على درب الغواية إلى نفس صارت على درب الهداية .

وقد تتحول النفس الطائعة إلى نفس أكثر طاعة ، من نفس قريبة من الله تعالى ، إلى نفس أكثر قربًا ، من نفس سلكت طريق الهداية إلى نفس ثبتت في هذه الطريق وتلذذت بالجهاد على هذا الثبات ... إنه تغيير من الحسن إلى الأحسن ثم إلى الأكثر حسنًا ... فالتوبة تغيير النفس والحال ؛ والله الموفق سبحانه .... وللحديث صلة .

 
إن الحديث عن التوبة حديث يتجدد مع يوم كل مسلم ؛ إنه حديث الفهم التام لطبيعة الإنسان ، والذي نجده في قول نبي الإنسانية صلى الله عليه وسلم : " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " [SUP]رواه الترمذي ، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أنس[/SUP][SUP] رضي الله عنه[/SUP] .
والتوبة تغيير إيجابي في حياة العقلاء ، فهي تغيير إلى الأحسن ... تغيير إلى الأقوم ... تغيير إلى النجاة والفوز .
وإذا كان الله عز وجل قد دعا عباده المؤمنين إلى التوبة الصادقة النصوح في كل زمان فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [ التحريم : 8 ] ، فإن التوبة لاستقبال رمضان أولى وآكد ، لما في رمضان من الأسباب التي تعين على التوبة ، وتثبت صاحبها عليها .
فإن كان الحديث عن التوبة يحسن في كل حين ، لكن يطيب ذكره أكثر ونحن نستقبل رمضان ؛ لأنه موسم للرجوع والإنابة ، والنفوس تجد في هذا الشهر عونًا على التوبة من الأخطاء والسيئات أكثر من غيره .
والتوبة النصوح هي الخالصة الصادقة التي تقع لمحض خوف الله وخشيته والرغبة والرهبة له سبحانه ؛ الجازمة التي تلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات ؛ سئل عمر رضي الله عنه عن التوبة النصوح فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ، ثم لا يعود إليه أبدًا ؛ ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح : هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ، ويندم على ما سلف منه في الماضي ، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل ، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه .
اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا توبة ترضيك ، وتثبتنا عليها حتى نلقاك ... إنك سميع الدعاء ... آمييين .
 


الأمر الثاني : العلم الذي تصح به عبادته .

اعلموا - رحمني الله وإياكم - أن المسلم إذا وجب عليه فعل فريضة ، وجب عليه تعلم أحكامها ، إذ لا يصح المل إلا بالعلم ؛ ومثال ذلك : من بلغ ماله النصاب ، وجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة ؛ والفقير لا تجب عليه وإنما يستحب في حقه كمسلم .

وبدخول شهر رمضان وجب على كل مسلم بالغ عاقل أن يتعلم أحكام الصيام : معرفة أركانه ومفسداته ، وسننه وآدابه .

كما يجب عليه أن يتعلم كيف يكون صومه مقبولا ؛ إذ العمل غير المقبول لا يفيد صاحبه شيئا ؛ فما استفاد ممسك عن الطعام والشراب والشهوة إذا رُدَّ عليه صيامه، ولا استفاد قائم يركع ويسجد وينصب إذا رد عليه قيامه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.

وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ".

فليس غاية الصيام لله رب العالمين الامتناع عن الحلال من أكل وشرب وزوجة، ثم يُعمل الإنسان جوارحه فيما حرم الله تعالى، فلا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة والتي هي ممنوعة حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم في كل حال، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث " رواه ابن حبان والحاكم .

فالصائم أشد حرصا على ترك المعاصي من غيره، إنَّ إرادته ارتفعت حتى ترك المباح الحلال لله تعالى في هذه الأوقات، وهي له حلال في غيرها. وأما المعصية صغيرة كانت أو كبيرة، فهي حرام عليه في رمضان وفي غير رمضان، فمن ترك الحلال لأمر الله تعالى مستسلما مذعنًا، سهل عليه أن يترك الحرام لله تعالى مستسلما مذعنا، وهذه هي الغاية من الصيام: تقوى الله تعالى ؛ قال الله جل ذكره : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

ومن لم يحقق الغاية من الصوم قد لا ينفعه صومه، وقد قال بعض السلف: أهون الصيام الإمساك عن الشراب والطعام، ولله در القائل:

إذا لم يكـنْ في السمعِ مني تصاونُ ... وفي مقلتي غـضٌ وفي منطقي صَمْتُ

فحظي إذًا من صومي الجوعُ والظمأ ... وإن قلتُ إني صُمتُ يومًا فما صُمْتُ

فاحفظوا رحمكم الله أبصاركم وأسماعم وألسنتكم وجوارحكم عن الحرام، تبلغوا بذلك تقوى الله تعالى، ويكون صومكم أقرب للقبول، وفقنا الله وإياكم لصيام وقيام مقبولين، وجعلنا وإياكم في هذا الشهر من عتقائه من النار.

.
 
عودة
أعلى