بهجة الرفاعي
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى:{{{{(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) }}} }[هود:1].
* إن آيات الله هي الوحيدة و الكفيلة لتبيان المراد من كلمة أهل الكتاب من زاوية شمولية الانتساب، فكما أن كلمة أهل الكتاب في آيات الله يراد بها مراد عام فكذلك يراد بها مراد خاص، و السياق القرآني هو الذي يحكم في تبيان أي المراد من المرادين أحق و أصح في الآية، فعندما تشمل عبارة أهل الكتاب شمولية عامة فحينذاك تشمل الذين ينسبون أنفسهم إلى الإيمان بما أنزله الله على موسى عليه السلام و لكن دون ما أنزله الله على عيسى عليه السلام كاليهود مثلا، فهم يؤمنون بالتوراة ككتاب الله في حين لا يؤمنون بالإنجيل و تشمل أيضا الذين ينسبون أنفسهم إلى الايمان بما أنزله الله على موسى و عيسى عليهما السلام كالنصارى الذين يؤمنون بالتوراة و الإنجيل معا، بينما حين يراد بها مراد خاص فهي تشمل فقط الذين ينسبون أنفسهم إلى ما أنزله الله على موسى عليه السلام دون ما أنزله الله على عيسى عليه السلام أو تشمل فقط الذين ينسبون أنفسهم إلى ما أنزله الله على موسى و عيسى عليهما السلام ، و هذا التصنيف هو تصنيف من حيث ما ينتسبون إليه إيمانا.
أمثلة من شمولية لفظ أهل الكتاب من القرآن الكريم:
١.شمولية عامة: الذي ينسبون انفسهم إلى التوراة دون الإنجيل و الذين ينسبون إلى التوراة و الإنجيل.
*كقوله تعالى عز وجل:{{{یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاۤجُّونَ فِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمَاۤ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِیلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ أَفَلَا تَعۡقِلُون}}}[آل عمران:65].
تفسيرالنسفي : ﴿يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تُحاجُّونَ في إبْراهِيمَ وما أُنْـزِلَتِ التَوْراةُ والإنْجِيلُ إلا مِن بَعْدِهِ﴾ زَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ اليَهُودِ والنَصارى أنَّ إبْراهِيمَ كانَ مِنهُمْ، وجادَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ فِيهِ، فَقِيلَ: إنَّ اليَهُودِيَّةَ إنَّما حَدَثَتْ بَعْدَ نُزُولِ التَوْراةِ، والنَصْرانِيَّةَ بَعْدَ نُزُولِ الإنْجِيلِ، وبَيْنَ إبْراهِيمَ ومُوسى ألْفُ سَنَةٍ، وبَيْنَهُ وبَيْنَ عِيسى ألْفانِ، فَكَيْفَ يَكُونُ إبْراهِيمُ عَلى دِينٍ لَمْ يَحْدُثْ إلّا بَعْدَ عَهْدِهِ بِأزْمِنَةٍ مُتَطاوِلَةٍ؟! ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ حَتّى لا تُجادِلُوا مِثْلَ هَذا الجِدالِ المُحالِ.
٢. شموليةخاصة: الذين ينسبون أنفسهم إلى التوراة دون الإنجيل.
*كقوله تعالى في محكم كتابه:{{{یَسۡـَٔلُكَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَیۡهِمۡ كِتَـٰبࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِۚ فَقَدۡ سَأَلُوا۟ مُوسَىٰۤ أَكۡبَرَ مِن ذَ ٰلِكَ فَقَالُوۤا۟ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا۟ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ فَعَفَوۡنَا عَن ذَ ٰلِكَۚ وَءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینࣰا}}}[النساء:153].
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: "يسألك" يا محمد="أهل الكتاب"، يعني بذلك: أهل التوراة من اليهود="أن تنزل عليهم كتابًا من السماء". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ: سَأَلَ الْيَهُودُ رسولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى مَكْتُوبَةً.
٣. شموليةخاصة: الذين ينسبون أنفسهم إلى الإنجيل و التوراة.
*قوله سبحانه و تعالى:{{یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِیحُ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥۤ أَلۡقَىٰهَاۤ إِلَىٰ مَرۡیَمَ وَرُوحࣱ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُوا۟ ثَلَـٰثَةٌۚ ٱنتَهُوا۟ خَیۡرࣰا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ سُبۡحَـٰنَهُۥۤ أَن یَكُونَ لَهُۥ وَلَدࣱۘ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا}}[النساء:171].
تفسير بن عثيمين : قوله هنا: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ عامٌّ أريد به الخاص، والمراد بهم النصارى؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر حال اليهود فيما سبق من قوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ إلى آخره [النساء: ١٥٧]، وما قبلها أيضًا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.