د محمد الجبالي
Well-known member
أهذه الآية في حق كل عالم؟
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
هل يتحقق معنى هذه الآية في كل عالم؟
كثيرا ما ينشغل المعلمون والمؤلفون بحقوق العلماء على الناس، وواجب الناس نحوهم، وقليلا ما يلتفتون إلى حق العلم على هؤلاء العلماء.
تعودنا نحن المسلمين إجلال العلماء إجلالا عظيما، ورفعهم فوق الأعناق والرءوس، وهذا مما أمر به ديننا، وحض عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، فللعالم في الإسلام قدر ومنزلة تلي قدر ومنزلة الأنبياء، وقد جعلهم رسول الله ورثة الأنبياء، لأنهم حملة العلم الذي جاء به الأنبياء، ومصابيح الهداية للناس. هذا حق نؤمن به ونعتقد، ونجتهد في العمل به.
والسؤال هنا: أكل من حمل العلم جدير بأن يحمله الناس على الأعناق؟
أكل من حمل العلم جدير بالطاعة جدير بالاقتداء به والتأسي.
والجواب : من غير شك لا ، ليس كل من حمل العلم جديرا بالطاعة، وليس كل من حمل العلم جديرا بالاقتداء به.
إن طاعة العالم والاقتداء به يستلزم أمرين لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا بد أن يكونا خصلتين أصيلتين في العالم حتى يكون جديرا بالتأسي والاقتداء والطاعة.
أولهما: الأخلاق والأدب:
وذلك الأساس هو الذي يقوم عليه العلم، فإن خلا العالم من الأخلاق كان بلاء ونقمة لا نعمة، وكان مثال سوء وداعية على أبواب جهنم يقذف الناس فيها.
وقيل: (علم بلا أدب كنار بلا حطب ، وأدب بلا علم كجسم بلا روح).
وقال الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وقال بعض السلف: (نحن إلى قليل من الأدَب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم)
وقال ابن الجوزي: (كاد الأدب يكون ثلثي العلم).
ثانيهما: العمل:
إن وجدتَ العالم يخالف عملُه قولَه فذاك أحد دعاة جهنم،
وإذا وجدتَ العالم يقعد عما يأمر به، ويترك ما يدعو إليه، فذلك منكوس القلب، قعيد الهمة، ساقط النفس.
وإذا وجدتَ العالم يجبن عن قول الحق، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغبا أو رهبا، فإنما هو أخو الطواغيت، خادم لهم، لأن قعوده أقعد الناس وثبطهم، ولأن قعوده كان مدعاة لتغول الباطل وأهله، وكان قعوده سببا في تفشي الظلم، وتجبر الطغاة، وفجور البغاة، وسقوط العوام، وضياع الدين والدنيا كليهما معا.
وقد ضرب الله مثلا للعلماء الذين أوتوا العلم ولم يعملوا به، ضرب لهؤلاء في القرآن مثلا قبيحا، فقال فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فإن العلم إن لم يظهر في قول وعمل العالم ويترجمه واقعا حيا في مجتمعه وحياته ، فلا قيمة له، قال الحسن البصري : (كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشّعه وهديه ولسانه ويده).
وعلى هذين الشرطين فإن قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} لا ينزل على كل عالم، ولا يتحقق في كل من يوصف بالعلم، فإن تلك مكانة لا ينالها إلى من أدى للعلم حقه، وحفظ للعلم قدره، وتحلى بالعلم خلقه وأدبه، وبذل ضريبة العلم تامة، فصدع به ولم يكتمه، فإن لم يفعل العلماء ذلك ، كان علمهم حسرة عليهم، وسببا في انحطاط قدرهم إلى أسفل سافلين، قال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
فكل من كتم الحق من العلماء، ولم يصدع به ولم يدل الناس عليه، ولم يدعهم إليه، يُخْشَى عليه أن يدخل تحت قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
فإن العلماء بقدر ما يؤدون للعلم حقه يرفعهم، وبقدر ما يصونون له قَدْره يحفظهم، وبقدر ما يُعظِّمون العلم يَعْظُم شأنهم ، ويعلو قدرُهم، وتَعِزُّ في الأرض أسماؤهم.
ويل للناس إن قعد العلماء عن زجر الطغاة البغاة!
ويل للناس إن جَبُنَ العلماء عن إنكار المنكر!
ويل للناس إن لجأ العلماء إلى التَّقِيَّة واختاروا الدَّنِيَّة خوفا ورَهَبًا أو طَمَعًا ورَغَبًا!
ويل للناس إن التزم العلماء الصمت وسكتوا وسكنوا عن بغي البغاة، وفجور الطغاة، وفسق الفسقة!
اللهم ارزقنا العفو والعافية، وارزقنا الحق الذي ترتضيه، وثبتنا عليه، فإما نصر به، أو شهادة فيه.
د. محمد الجبالي
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
هل يتحقق معنى هذه الآية في كل عالم؟
كثيرا ما ينشغل المعلمون والمؤلفون بحقوق العلماء على الناس، وواجب الناس نحوهم، وقليلا ما يلتفتون إلى حق العلم على هؤلاء العلماء.
تعودنا نحن المسلمين إجلال العلماء إجلالا عظيما، ورفعهم فوق الأعناق والرءوس، وهذا مما أمر به ديننا، وحض عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، فللعالم في الإسلام قدر ومنزلة تلي قدر ومنزلة الأنبياء، وقد جعلهم رسول الله ورثة الأنبياء، لأنهم حملة العلم الذي جاء به الأنبياء، ومصابيح الهداية للناس. هذا حق نؤمن به ونعتقد، ونجتهد في العمل به.
والسؤال هنا: أكل من حمل العلم جدير بأن يحمله الناس على الأعناق؟
أكل من حمل العلم جدير بالطاعة جدير بالاقتداء به والتأسي.
والجواب : من غير شك لا ، ليس كل من حمل العلم جديرا بالطاعة، وليس كل من حمل العلم جديرا بالاقتداء به.
إن طاعة العالم والاقتداء به يستلزم أمرين لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا بد أن يكونا خصلتين أصيلتين في العالم حتى يكون جديرا بالتأسي والاقتداء والطاعة.
أولهما: الأخلاق والأدب:
وذلك الأساس هو الذي يقوم عليه العلم، فإن خلا العالم من الأخلاق كان بلاء ونقمة لا نعمة، وكان مثال سوء وداعية على أبواب جهنم يقذف الناس فيها.
وقيل: (علم بلا أدب كنار بلا حطب ، وأدب بلا علم كجسم بلا روح).
وقال الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ)
وقال بعض السلف: (نحن إلى قليل من الأدَب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم)
وقال ابن الجوزي: (كاد الأدب يكون ثلثي العلم).
ثانيهما: العمل:
إن وجدتَ العالم يخالف عملُه قولَه فذاك أحد دعاة جهنم،
وإذا وجدتَ العالم يقعد عما يأمر به، ويترك ما يدعو إليه، فذلك منكوس القلب، قعيد الهمة، ساقط النفس.
وإذا وجدتَ العالم يجبن عن قول الحق، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغبا أو رهبا، فإنما هو أخو الطواغيت، خادم لهم، لأن قعوده أقعد الناس وثبطهم، ولأن قعوده كان مدعاة لتغول الباطل وأهله، وكان قعوده سببا في تفشي الظلم، وتجبر الطغاة، وفجور البغاة، وسقوط العوام، وضياع الدين والدنيا كليهما معا.
وقد ضرب الله مثلا للعلماء الذين أوتوا العلم ولم يعملوا به، ضرب لهؤلاء في القرآن مثلا قبيحا، فقال فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فإن العلم إن لم يظهر في قول وعمل العالم ويترجمه واقعا حيا في مجتمعه وحياته ، فلا قيمة له، قال الحسن البصري : (كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشّعه وهديه ولسانه ويده).
وعلى هذين الشرطين فإن قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} لا ينزل على كل عالم، ولا يتحقق في كل من يوصف بالعلم، فإن تلك مكانة لا ينالها إلى من أدى للعلم حقه، وحفظ للعلم قدره، وتحلى بالعلم خلقه وأدبه، وبذل ضريبة العلم تامة، فصدع به ولم يكتمه، فإن لم يفعل العلماء ذلك ، كان علمهم حسرة عليهم، وسببا في انحطاط قدرهم إلى أسفل سافلين، قال عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
فكل من كتم الحق من العلماء، ولم يصدع به ولم يدل الناس عليه، ولم يدعهم إليه، يُخْشَى عليه أن يدخل تحت قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}
فإن العلماء بقدر ما يؤدون للعلم حقه يرفعهم، وبقدر ما يصونون له قَدْره يحفظهم، وبقدر ما يُعظِّمون العلم يَعْظُم شأنهم ، ويعلو قدرُهم، وتَعِزُّ في الأرض أسماؤهم.
ويل للناس إن قعد العلماء عن زجر الطغاة البغاة!
ويل للناس إن جَبُنَ العلماء عن إنكار المنكر!
ويل للناس إن لجأ العلماء إلى التَّقِيَّة واختاروا الدَّنِيَّة خوفا ورَهَبًا أو طَمَعًا ورَغَبًا!
ويل للناس إن التزم العلماء الصمت وسكتوا وسكنوا عن بغي البغاة، وفجور الطغاة، وفسق الفسقة!
اللهم ارزقنا العفو والعافية، وارزقنا الحق الذي ترتضيه، وثبتنا عليه، فإما نصر به، أو شهادة فيه.
د. محمد الجبالي