أهداف ترجمات القرآن وأنماطها عبر التاريخ (*)

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,318
مستوى التفاعل
127
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

[align=left]د.محمود الربداوي[/align]
يعتقد بعض الناس أن ترجمة القرآن ظاهرة متأخرة، ويحسبون أنها ظاهرة عرفها المفكرون والتراجمة في القرون الأخيرة، وحقيقة الأمر أنّ ترجمة القرآن قديمة موغلة في القدم، يعود بعضها إلى حقبة نزول القرآن نفسه، نقرّر ذلك مستشهدين بالخبر الذي يروى عن الصحابي سلمان الفارسي، خلاصته أن بعض قومه من الفرس الذين لا يعرفون العربيّة، طلبوا منه أن يترجم لهم بعض الآي إلى لغتهم الفارسية، فاستجاب لطلبهم وترجم لهم البسملة وسورة الفاتحة، وظلوا يقرؤونها في صلواتهم بالفارسية حتّى لانت ألسنتهم للعربية.‏

ومع أن المسلمين، الأوائل من الأعاجم كانوا يرغبون بالفهم الدقيق لمعاني القرآن الكريم، ولا يتم لهم ذلك إلا إذا تُرجم إلى لغتهم التي حذقوا دلالتها، إلا أنهم تساموا بأنفسهم، وصعَّدوا قدراتهم اللغوية إلى تعلّم اللغة العربية نفسها التي نزل بها القرآن، فاعتكفوا على تعلّمها، وكان لهم ذلك، ويمكن إرجاع كل حركة التأليف والتدوين التي انطلقت في القرون الأولى للإسلام، وبزوغ الفكر العلمي اللغوي إلى تعامل العجم مع القرآن وتفاعلهم معه، ومع كل ذلك ظلّت الحاجة ملحّة لتقديم أفكار القرآن ومعانيه إلى الجماهير الغفيرة من أمم شتى التي أخذت تدخل في الإسلام أفواجاً دون أن تتمكن من فهم العربية، فنشأت حاجة ملحّة لترجمة الفكر العربي الإسلامي الجديد، وعلى رأس هذا الفكر الناشئ القرآن الكريم بأفكاره ومعانيه وما يتضمنه من تنظيم سياسي واجتماعي وتربوي وأخلاقي فنشأت ثلاثة أنماط من الترجمة:‏

النمط الأول: الترجمات الشرقية، ونقصد به ترجمات القرآن إلى لغات الأمم الشرقية كالفارسية والتركية والأوردية والجاويّة والبنغالية، وأغلب ترجمات هذا النمط كانت تتم على أيدي عناصر مسلمة، ولذلك كانت تتوفر فيها النظرة القدسية للقرآن، ومن هذا النمط ما ذكره الجاحظ عن موسى بن سيّار الأسواري (المتوفى سنة 255هـ) أنه كان يدرّس القرآن ويشرحه بالفارسية(2)، ومن هذا النمط أيضاً ما ذُكر عن ترجمات القرآن على أيدي علماء ما وراء النهر في سنة 345هـ للملك منصور بن نوح الساماني، وتوالت الترجمات الفارسية والجاوية، وهي أكبر اللغات الأندونوسية وأكثرها انتشاراً، وقد ترجم إليها القرآن مع تفسير البيضاوي.‏

كما ترجمت اللغة الأوردية ـ وهي اللغة التي تتكلمها شعوب الباكستان والهند ـ ترجمات عدّة أشهرها ترجمة (الشيخ عبد القادر بن الشاه ولي الله)، وترجمة (الدكتور عماد الدين أمر تسار) طبعت في مدينة (الله آباد) وهي أول طبعة بحروف أوردية إفرنجية، وهناك طبعة أخرى ظهرت سنة 1315هـ فيها الأصل العربي وترجمة بالفارسية والأوردية، وتأتي الأوردية في الهند بعد اللغة البنغالية، وقد ترجم إليها الراهب (وليم جلودساك) القرآن سنة 1908.‏

أمَّا في تركية ـ ومعظم شعبها من المسلمين ـ فالمعروف أن السلطان عبد الحميد كان يمنع منعاً باتاً ترجمة القرآن إلى اللغة التركية.‏

ويلحق بالنمط الشرقي ما وضعه كل من (فارجنيل ويوفات) من شرح للقرآن الكريم باللغة الصينية(3)، ونشراه في مجلة تسمى (مجلة العالم الإسلامي).‏

فإذا أضفنا إلى كل ما سبق ترجمة تنسب إلى (بار صليبي) المعاصر للحجاج الثقفي للسريانية، وما ذكرته دائرة المعارف اليهودية أنه توجد بعض ترجمات للقرآن باللغة العبرية، اكتملت لدينا صورة النمط الشرقي لترجمات القرآن.‏

النمط الثاني ـ وهو الترجمات إلى اللغات الأوروبية، والملاحظ أن القرآن جذب بطريقته المثلى في عرض جوانب من عقيدته وشريعته، وبأسلوبه المعجز المتفرّد في صياغة أفكاره ومبادئه، اهتمام كثير من الأوروبيين، وخاصة رجال الدين من القساوسة والرهبان، فدعوا إلى ترجمته أولاً قبل دراسته، ومنافحته بعد ذلك. وهذا النمط أغلبه لم يكن بأيدي المسلمين، ولم يكن الهدف المقصود منه تدبُّر أحكام القرآن، ولم تكن روح التقديس والإجلال التي عرفناها في الترجمات الشرقية متوفرة فيه. وقد نشطت هذه الترجمات على أثر اندحار العرب في الأندلس ونشوء الحروب الصليبية. وتُجمع الدراسات التي أرّخت لترجمات القرآن إلى اللغات الأوروبية أن أول ترجمة في أوروبة كانت كما تروي الكتب الموثَّقة، بإيعاز من القديس (بطرس المبجَّل) رئيس دير (كلوني) المتوفى سنة 1175، في دير في جنوبي فرنسة وذلك في سنة 1143، فكلّف بطرس المبجّل ثلاثة رهبان: أحدهم إنكليزي يُدعى (روبرت الرتيني)، والثاني ألماني يُدعى (هيرمان الدلماطي)، والثالث إسباني بترجمة القرآن إلى اللاتينية، وتمّت هذه الترجمة بالاستعانة باثنين من العرب. ووضعت هذه الترجمة تحت تصرف رجال الكنيسة ليستعملوها في استكمال دراساتهم اللاهوتية، أو القيام بأعمال التبشير الدينية، وقد كان ظهور هذه الترجمة بعد الحملة الصليبية الثانية بأربع سنوات، غير أن الدوائر الكنسية منعت طبع هذه الترجمة وإخراجها إلى الوجود؛ لأنَّ إخراجها من شأنه أن يساعد على انتشار الإسلام بدلاً من أن يخدم الهدف الذي سعت إليه الكنيسة أصلاً وهو مناهضة الإسلام، ومن طريف ما يروى أن رجال الدين في أوروبة حاربوا القرآن الكريم بإطلاق الشائعات التي تقول بأن من يترجمه أو يطبعه أو ينشره فإنه يلاقي الموت الزؤام قبل أن يحين أجله الطبيعي، وعلى الرغم من ذلك فإن حركة ترجمة القرآن وطبعه استمرت قروناً طويلة، وخاصة في ألمانيا. وظلت هذه الترجمة مخطوطة تُتداول في الأديرة حوالي أربعة قرون، إلى أن قام (ثيودور بيبلياندر) فطبعها في بال سنة 1543، ونُقلت بعد ذلك إلى الإيطالية والألمانية والهولندية، ولكن هذه الطبعة وُصفت بأنها لا تستحق اسم ترجمة، فالأخطاء الكثيرة، والحذف، والإضافة والتصرّف بحريّة شديدة في مواضع يصعب حصرها يجعل هذه الترجمة لا تشتمل على أي تشابه مع الأصل، ويقول فيها (بلاشير): "لا تبدو الترجمة الطليطلية للقرآن بوجهٍ من الوجوه ترجمة أمينة وكاملة للنص". وعلى الرغم من ذلك شكّلت هذه الترجمة النواة الأولى لسائر الترجمات الأوروبية الأخرى، بل كان لها تأثير كبير إلى درجة الاقتباس منها والسير على منهجها.‏

ظهرت بعد ذلك ترجمات عبر القرون اللاحقة، وعبر لغات أوروبية مختلفة، ففي القرن السابع عشر ظهرت أول ترجمة فرنسية سنة 1647 قام بها (أندريه دي ريور) وقد تركت أثراً جيداً لفترة طويلة، حيث أعيد طبعها عدّة مرات. وتُرجمت إلى مختلف اللغات الأوروبية، منها الترجمة التي قام بها (الكسندر روس) إلى الإنكليزية و(غلازماخر) إلى الهولندية و(يستنكوف وفريفكين) إلى الروسية و(لانج) إلى الألمانية.‏

ولعلّ من أهم ترجمات القرآن في ألمانيا ترجمة (رودي بارت) وتعدّ أحسن ترجمة للقرآن الكريم باللغة الألمانية، بل باللغات الأوروبية عامّة، وقد حرص صاحبها على الدقة والأمانة العلمية لدرجة أنه عندما تعترضه كلمة يُشكل عليه فهمها أو لا يطمئن إلى قدرته على تحديد معناها فإنه يثبتها بنصّها العربي كما وردت في الآية، ولكن بالحروف اللاتينية لكي يتوصّل القارئ نفسه إلى فهم المعنى الذي يراه ملائماً للسياق. وجدير بالذكر إن (رودي بارت) لم يقدم على ترجمة القرآن إلا بعد أن درسَهُ في أصله العربي، ودرس الترجمات الإنكليزية والفرنسية الموثوقة، ورجع إلى مجموعة الكتب والمصادر التي تساعد على الترجمة الدقيقة للقرآن، كتفاسير الطبري والزمخشري والبيضاوي.‏

ومن البديهي أن الأوروبيين لا تستوقفهم آيات العبادات بمقدار ما تستوقفهم آيات المعاملات، فلذا نراهم يقفون طويلاً بالتحليل والمقارنة والتعقيب عند آيات التشريع والميراث والقانون والتنظيم الاجتماعي وأحوال المرأة ونظام الأسرة والزواج في الإسلام، ومن هنا أطال بارت وقوفه عند الآية: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم((4) لأنَّه ككل المستشرقين تستوقفهم ظاهرة تعدد الزوجات التي نصت عليها الآية السابقة، ولكنه بقدرة فائقة من نفاذ البصيرة استطاع أن يربط بين أوّل الآية المتعلقة باليتامى وأموال اليتامى والأيامى وبين آخر الآية المتعلقة بتعدد الزوجات، وأن يربط كل ذلك بالظروف السياسية والاجتماعية وخاصة أن هذه الآية نزلت بعد معركة أُحد التي قُتل فيها من المسلمين عدد كثير، وترمّل على أثرها العديد من النساء. وفي القرن ذاته أيضاً ترجم الإيطالي (لودفيك مركي) القرآن من العربية مباشرة إلى اللاتينية سنة 1698، وتُعد هذه الترجمة عمدة ترجمات أوروبية كثيرة؛ لأنَّ مترجمها اعتكف على دراسة القرآن أكثر من أربعين سنة، واطلع على كتب المفسرين المسلمين، مثلما فعل قبله بارت، لذلك عدَّه (هنري لامنس) أكثر المترجمين إنصافاً، مع أن (لامنس) هذا يقول: "إننا لا نملك ترجمة وحيدة للقرآن لا عيب فيها"(5).‏

في القرن الثامن عشر ظهرت ترجمات عن الأصل العربي مباشرة كتلك التي نشرها (جورج سال) بالإنكليزية سنة 1734 وعيبها الكبير أن (سال) زعم أن القرآن من صياغة محمد(، وترجم القرآن سنة 1715 (سافاري) إلى الفرنسية، نُشرت هذه الترجمة في مكة سنة 1165هـ، وقال فيها (مونتيه): إن ترجمة سافاري على الرغم من طبعها عدّة مرات طبعات أنيقة إلا أن دقتها نسبيّة".‏

وفي القرن التاسع عشر ظهرت ترجمة (كزيمرسكي) سنة 1840، وتُعدّ هذه الترجمة ـ إذا ما قورنت مع ترجمة سافاري ـ أكثر عراقة واستعمالاً، على الرغم من أنه تعوزها الأمانة العلمية، ودقة فهم الإعجاز والبلاغة العربية، ومع ذلك يقول عنها مونتيه: "لا يسعنا إلا الثناء على هذه الترجمة، فهي منتشرة كثيراً في الدول الناطقة بالفرنسية".‏

أمَّا في القرن العشرين فقد كثرت على الصائد الضِّباب، ففي سنة 1925 ظهرت ترجمة (ادوار مونتيه) التي استفادت من تدارك عيوب سابقاتها من الترجمات فامتازت بالضبط والدقة والعناية بالإخراج، وقد أحسن المترجم صنعاً إذ ألحق بها مجموعة من الفهارس المفصلة التي تخدم القارئ والمراجع.‏

وفي عام 1949 ظهرت ترجمة الفرنسي (بلاشير) التي رتّب فيها السور ترتيباً تاريخياً وهي ـ كما يشهد العلماء المسلمون ـ من أدق الترجمات لما يسودها من الروح العلمية والتعقيبات الموضوعية، وكثيراً ما يورد للآية الواحدة ترجمتين، يبيِّن في إحداهما، المعنى الرمزي، ويوضّح في الثانية المعنى الإيحائي(6)، وهذا ما جعلها أكثر الترجمات الفرنسية انتشاراً وطلباً. وطلعت علينا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ترجمة للفرنسي الأصل الجزائري المولد (جاك بيرك) (وهو صديق لبلاشير يشهد بترجمة بلاشير بأنها من أفضل الترجمات الفرنسية للقرآن)، وبعد ثماني سنوات من دراسة بيرك للنص القرآني، واستعانته بعشرة تفاسير قديمة وحديثة، كتفسير الطبري والزمخشري والقاسمي، جاءت متميزة، وخاصة بمقدمتها التي حلل فيها النص القرآني وأبرز ميزاته ومضامينه، والإعجاز الذي يتمتع به. وعلى الرغم ممَّا أحدثته الترجمة من ضجة كبيرة في الأوساط الفرنسية، حيث عُدَّت حَدَثاً ثقافياً بارزاً، فإن المترجم يتواضع ويرى أن عمله الترجمي لم يصل إلى مرحلة الكمال، وإنما شفيعه أنه موجّه إلى المسلمين الذين يحسنون اللغة الفرنسية ولا يتقنون اللغة العربية(7).‏

النمط الثالث: شاعت في أواخر القرن العشرين ترجمات مغرضة حاقدة، قام بها نفر من أعداء المسلمين، أحسوا بلهفة المسلمين الأفارقة للتعرف إلى معاني القرآن وأفكاره، فقدموا لهم نسخاً مشوهة من النص القرآني وتفاسيره. وحذفوا من المتن الآيات المتعلقة بالجهاد ومقاتلة الكفار، وعبثوا ببعض النصوص التي تتصل باليهود وموقفهم من الحنيفة، ووزعت هذه النسخ على مسلمي أفريقية، فلما تنبّه المسلمون إلى هذه المكيدة جمعوا ما أمكن جمعه منها وبدَّلوا بها نسخاً من النص العثماني الصحيح المدقق، حرصاً على سلامة النص القرآني وقدسيته.‏

ومن المؤسسات الحديثة التي عُنيت بترجمة القرآن الكريم (مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) فقد أخذ المجمع إيعازاً ملكياً بترجمة القرآن إلى (13) لغة حتّى الآن طُبعت منها ملايين النسخ كالإسبانية والفرنسية والتركية والفلبينية والألمانية والأندونيسية والفولانية والروسية والإنكليزية والمليبارية والتاميلية والأوردو والفارسية والهوساوية، كما توزع مصاحف جزئية إلى أكثر من أربعين لغة عالمية.‏

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتنامي العداء للإسلام والمسلمين نشط المترجمون في ترجمة القرآن إلى لغات العالم ، وزادت مبيعات نسخ القرآن، واقترحت منظمة (Cair) ترجمة القرآن إلى الإنكليزية وتوزيعه مجاناً على من رغب من الأمريكان وغيرهم، معرفة دستور المسلمين الأول: القرآن الكريم.‏

والخلاصة أن القرآن الكريم تُرجم إلى أكثر من مئة لغة أوربية، تتوزع على الشكل التالي: 57 مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، و 42 مترجمة إلى الألمانية، و 33 مترجمة إلى الفرنسية، وأن الكثير من الترجمات كانت تُصدَّر بالكلام عن تاريخ القرآن، وموضوعاته، وأسباب نزول آياته. وأحياناً بالكلام عن شخصيتة الرسول (ص)، وعن الجوانب التشريعية في العبادات والمعاملات التي تضمنها القرآن الكريم.‏

* المعلومات مستقاة من الأنترنت.‏
(2) البيان والتبيين، الجاحظ، 1/368. تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، 1948.‏
(3) انظر بحثنا عن (انتشار اللغة العربية) في الصين.‏
(4) النساء، 3-4.‏
(5) الجمل المحصورة بين قوسَيْ اقتباس مقتبسة من الشبكة العالمية من مواقع متعدِّدة.‏
(6) المعنى الرمزي والمعنى الإيحائي: من مصطلحات بلاشير في ترجمة القرآن، وتختلف دلالة الرمز والإيحاء عنده عما هو متداول من دلالتيهما في المصطلح الأدبي والنقدي.‏
(7) للدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الأدب الفرنسي في الجامعات المصرية أحدث ترجمة للقرآن باللغة الفرنسية. ولها ملاحظات سلبية على
ترجمة جاك بيرك.‏

منقول من مجلة التراث العربي - العدد 98 - جمادى الأولى 1426هـ
 
بارك الله فيك يا شيخ عبد الرحمن

ولقد رأيت قبل عدة أعوام في مكتبة المسجد النبوي رسالة جامعية عن ترجمة القرآن ولا اذكر لمن هي ؟ أو من أي جامعة ؟

لعل أحد الإخوة يفيدنا عنها
 
مداخلة في الموضوع :
نقل الدكتور الربداوي عن سلمان الفارسي خبراً ولم يوثقه، ولو ثبت هذا الخبر فإنه سؤثر على أحكام ترجمة القرآن كثيراً، وسيكون دليلاً لمن قال بجوازها دون أن يفرق بين ترجمة القرآن أو ترجمة تفسيره، وعلى فرض ثبوته فهو يدل على جواز الترجمة كوسيلة لتطويع اللسان ،مع أن الخبر فيه نظر فالذي يتكلم القرآن بلغته كيف يلين لسانه إلى العربية؟ فلعل لترجمة سلمان ـ إن ثبت الخبر معنى آخر.
وجزاك الله خيراً أخي عبد الرحمن على نقل الموضوع.
 
لما كان الإسلام ديناً عالمياً وليس كغيره من الأديان السابقة ؛ إذ لم يقتصر على أمة دون أمة ولا على شعب دون شعب وإنما كان للناس جميعاً كما قال تعالى" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً "وقال أيضا: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ" وقال (e) :" بعثت إلى الأحمر والأسود " - لما كان الأمر كذلك فقد وجب إيصال الإسلام لكل الناس ، والترجمة إحدى وسائل هذا الإيصال بلا شك ، وترجمة سلمان الفارسي رضي الله عنه التي ذكرت في المقال السابق تؤكد هذا المعنى .
وإذا اتفقنا على ضرورة ترجمة القرآن فكيف تكون ؟
الترجمة تكون لمعاني القرآن لا لنظومه وألفاظه ، ونقصد بالمعنى ما يسميه المعاصرون بـ"الفكرة " لا الدلالة المباشرة ، و مفهوم المعنى عند علماء البلاغة الأقدمين مفهوم معقد إلى حد ما ؛ إذ يطلق على هذين الأمرين اللذين ذكرنا كما هو الحال عند الجاحظ أو الجرجاني أو غيرهما .
أما نقل القرآن بخصائصه الإلهية المعلومة فهذا أمر غير ممكن أصلا ؛ إذ أن هذا الشيء المترجم لا يسمى قرآنا ؛ يقول البهوتي : ( الترجمة عنه تفسير لا قرآن ؛ لأن القرآن هو اللفظ العربي المنزل على سيدنا محمد) ولأجل ذلك يبقى الإعجاز ما بقيت العربية ؛ يقول الكاساني : ( الإعجاز يزول بزوال النظم العرب فلا يكون الفارسي (مثلاً) قرآناً لانعدام الإعجاز … وعند الشافعي هذا ليس بقرآن) ولأجل ذلك فإنه إذا ما زال النظم العربي لم يعد المعنى المجرد قرآناً.
وهذه الصفة الدقيقة ليست لغير القرآن ، وللإمام البخاري باب يتناول جواز نقل التوراة إلى العربية وتلاوته بها ؛ وذلك بدليل قوله تعالى :
( قل فاتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)
وذلك لأن التوراة معان مجردة
أما القرآن فلا يمكن نقل كلمة فيه وتغييرها بأخرى ولو إلى العربية نفسها ؛ يقول القرطبي : ( لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد )
ويقول سيد قطب : ( إني لأنظر في القرآن - أعلى قمة في التعبير الأدبي في اللغة العربية بعض النظر عن القداسة الدينية – حين تنقل بعض آياته الفنية إلى لغة أخرى وحين تتخلّف عن الترجمة صوره وظلاله وإيقاعاته ؛ إنه يفقد جماله الفنيّ ؛ وإن بقيت قيمته المعنوية ، ويستحيل حينئذ تقدير قيمته من هذه الوجهة. أما نقل صورهـ وظلاله فهو عمل أراه أعسر من العسر لدقة هذه الخصائص وتسامي آفاقها )
والحق أن هذا الأمر أعقد بكثير من عمليتي الفهم والإفهام المجردين ؛ إذ من المعلوم أن الوصول إلى المعنى الدقيق أمر ليس بالبساطة التي يتوهمها كثير ممن لم ينعم النظر ؛ حيث أن لوصول المعنى إلى ذهن المتلقي طريقان ؛ هما :
1. المعاني التي تخاطب الذهن وتصل إليه مجردة عن ظلالها الرائعة.
2. المعاني التي تخاطب العقل والحسّ والوجدان ، وتصل إلى النفس من منافذ شتى؛ من الحواس ومن الوجدان المنفعل بالأصداء والأضواء.
والحق أن العقل ما هو إلا كوّة واحدة من كوى النفس الكثيرة .
ومما لاشك فيه أن الأسلوب الإلهي المتفرد الذي لمس الوجدان وحرّك المشاعر ففاضت له العيون واقشعرت الجلود – قد كان جماله الفني الرائع هو الذي استحوذ على نفوس العرب هذا الاستحواذ العظيم ، ولما كان الأمر كذلك فإنه من الخطأ أن يتوهم أن الذي بهر هؤلاء العرب هو المعاني المجردة "الأفكار " وإنما انبهروا بالقرآن "نفسه" منذ اللحظة الأولى وفي وقت لم يكن التشريع المحكم ولا الأغراض الكبرى هي تسترعى إحساسهم وتستحق منهم الإعجاب ؛ بل إن السحر الذي أحسوه إنما كان في صميم نسق القرآن نفسه وفي جماله الفني الباهر الذي لا يخفى.
وإذا كان المعنى هو الأصل الذي به يقوم الكلام ؛ فإن للتعبير عن هذا المعنى طرق كثيرة متفاوتة الجمال والجودة ، ولاشك أن الناظر في القرآن ليجد أن هذا المعنى المقصود قد جاء في قالب فني رائع ، فجمع أهم خصائص العلم من جانب وأهم خصائص الأدب والفن والجمال من جانب آخر ، وهذا العلم الملابس للجمال المعجز هو سمة مهمة من سمات القرآن ، وليس إدراك هذين الأمرين عند تداخلهما بالأمر الهين بادي الرأي.
من يقوم بترجمة القرآن :
إذا كنا قد اتفقنا على ضرورة الترجمة والحاجة الماسة لها فمن يقوم بها؟
إن كل ترجمة لا يقوم بها مسلم هي ترجمة فيها خلل ؛ وذلك لأن المترجم غير المسلم – وإن كان يجيد العربية فرضا - إما أن تكون له أهدافه في محاربة القرآن وتشويه صورته وإما أن يكون غير عالم بفهم المسلمين لدقائق الأمور ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، ولهذا فإن الجهد الذي يقوم به مجمع الملك فهد وغيره في ذلك جهد مقدر وعظيم .
أهداف ترجمة القرآن عند الغربيين :
بدأت هذه الترجمة في الغرب منذ وقت مبكر لكنها اشتدت منذ الحروب الصليبية حيث أنشئت مراكز الدراسات الاستشراقية المختلفة في أوروبا بإذن من البابوات ، وبتنسيق المجالس الكنسية . وكانت القضية الرئيسة آنذاك هي الصراع الفكري الديني بينهم وبين المسلمين وتشويه صورة الإسلام في أذهان الغربيين حتى لا يتحولوا إليه .
والشعوب الغربية المغرر بها ـ بطبيعة الحال ـ لا تعرف العربية ولا الإسلام من مصادره النقية ، ولكنهم يتلقون الصورة من خلال المؤلفات الاستشراقية ويذكر هوبرت هيركومر إن معرفة الغربيين بالقرآن كانت محدودة جداً وما زالت ، وقد بلغ من عدم معرفة هولاء الغربيين قديماً بالإسلام أن الصليبيين - جنوداً وضباطاً - قد رفضوا الاعتراف بحقيقة أنهم يواجهون ديانة تؤمن بالله واحترام المسيح عليه السلام والإقرار بنبوته.
وقد قام الغربيون بترجمات كثيرة لمعاني القرآن الكريم ؛ وهي تزيد على خمس وسبعين ترجمة وهذه الترجمات إنما تنقل وجهة نظرهم سواء الحقيقية أو المصطنعة دون النظر إلى الحقيقة في نفسها ، وقد كان الغرب في أول أمره يخشى من ترجمة القرآن حتى لا يتعرف عليه الناس ؛ فجاء مارتن لوثر الذي رأى ضرورة ترجمة القرآن ولكن من وجهة نظرهم هم ؛ فنشر أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن ، وكان لوثر يرى في هذه الترجمة وسيلة مثالية لرفع روح المنصرين المعنوية، حيث أعلن قائلاً: "بعد ظهور المسلمين على حقيقتهم، أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداوة لـه، ويزداد إيمانهم بالمسيحية، ولتتضاعف جسارتهم وبسالتهم في الحرب، ويضحوا بأموالهم وأنفسهم " ومنذ ذلك الوقت أصبح الغرب لا يمانع في ترجمة القرآن إلى لغاته مستغلاً هذه الترجمة في توجيه المزيد من الطعنات ؛ يقول المستشرق ريجيس بلاشير : " كانت الحاجة إلى الترجمة هي محو أثر الإسلام من النفوس والتزهيد فيه "
وقد وضع هولاء بين يدي ترجماتهم تشويهات منهجية تهئ القارئ للنظر من وجهتهم دون وجهة سواها كأن يذكروا أن القرآن عقبة في وجه التقدم، أو أنه لا يتماشى مع طبيعة العقل والعمران البشري أو أنه هرطقة ومجموعة من التخيلات والتصورات جاء بها نبي مزيف قرأ التوراة والإنجيل والمزامير ونحو ذلك ؛ يقول جورج سيل في مقدمة الترجمة الإنكليزية لمعاني القرآن الكريم سنة 1736 م وهي من أقدم الترجمات: " أما أن محمداً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخترع الرئيس له فأمر لا يقبل الجدل ، وإن كان من المرجح مع ذلك أن المعاونة التي حصل عليها من غيره في خطته هذه لم تكن معاونة يسيرة ، وهذا واضح في أن مواطنيه لم يتركوا الاعتراض عليه بذلك" .
وقد نجح الاستشراق بالفعل في تقديم مادة معرفية مزورة ومشوهة عن القرآن الكريم ، ولا يمكن أن يعرف تشويهها بالطبع وخطرها إلا من أوتي معرفة بالأصول الصحيحة للقرآن ، هذا فضلاً عن صعوبة الترجمة نفسها ؛ إذ أن ترجمة معاني القرآن الكريم أصعب الترجمات على الإطلاق ؛ إذ أن ترجمة معنى من معانيه ينقله من النص القرآني الإلهي المحكم البليغ إلى أي نص في لغة أجنبية ؛ فيهتز عندئذ المعنى الرائع ويفقد التركيب البلاغي جمالياته ورونقه ودقته ، ومعلوم أن اللغات لا تتقابل تمام المقابلة في معاني مفرداتها كما أن قواعد اللغات أيضاً تتباين ، ومعلوم أن القرآن قد جاء بأوفر المعاني وأوجز الألفاظ ، ومعلوم أيضاً أن الترجمة نوع من التفسير أو أن التفسير ومعرفة المعنى هي الخطوة الأولى قبل النقل إلى اللغة الأخرى ، ولا شك أن التفسير يحتاج لقدرات خاصة ، إلا أن هذه الترجمات التي قام بها الغربيون قد كانت فيها أخطاء منهجية مقصودة وكذلك أخطاء كان مردها إلى عدم المعرفة الدقيقة بالعربية .
وفي القرن العشرين دخلت دراسة الإسلام في الغرب مرحلة أخرى ، وفي هذه المرحلة خلت مؤلفات المستشرقين من السب والشتم المباشر ، لأنه طريقة مكشوفة لا تقنع أحداً في هذا العصر الذي أتيحت فيه المعارف بصورة لم تتح من قبل ؛ ولذلك عاب المستشرقون المتأخرون على المتقدمين أنهم أساءوا جداً ، وقد صدرت وثيقة عن سكرتاريا الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين عام 1970م تطالب بمراجعة مواقف المسيحيين إزاء الإسلام ونقد أحكامهم السابقة ؛ وتقول الوثيقة: «علينا أن نهتمّ أولاً بأن نغيّر تدريجياً من عقلية إخواننا المسيحيين ويجب التخلي عن الصورة البالية التي ورّثنا الماضي إياها أو شوهتها الفريات والأحكام المسبقة"ورغم هذا الكلام الطيب إلا أن هذه المرحلة كانت أخطر بكثير ؛ إذ مال المتأخرون إلى صناعة الشبهات ومحاولة إتقانها مع ادعاء الموضوعية والحياد وبذلوا في ذلك جهوداً جبارة. ومهما اختلفت الصورة فإن القضية الأساسية التي لا يمكن تجاوزها هي أن جميع المستشرقين - متسامحهم ومتعصبهم - يتأثرون بوسطهم الثقافي المعادي للإسلام اللهم إلا من أسلم منهم أو من أحس بوخز الضمير فأنصف ، ولكن هؤلاء المنصفون والمؤمنون قلة أمام الكثرة الكاثرة التي استمرت تصور الرسالة الإسلامية على أنها هرطقة ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن نبياً موحى إليه
ورغم قناعة المستشرقين العميقة بتفوق الإسلام ، إلا أنهم يبذلون كل جهدهم لمحاربته وتشويه صورته كما فعل حيي بن أخطب اليهودي الذي سئل عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو هو؟ أي أهو النبي الذي كنتم تنتظرونه ؟ قال نعم والله ، قيل تعرفه بنعته وصفته؟ قال نعم والله ؟ قيل فماذا في نفسك منه" قال عداوته والله ما بقيت"والحق أن القرآن لمن عرفه قوي الحجة عظيم الإقناع ظاهر التميز ، ولكن الجاحدين يعرفون ذلك في أنفسهم وعقولهم وينكرونه ؛ ولذلك قال تعالى الذي يعلم ما في الضمائر لرسوله صلى الله عليه وسلم : "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ " والمعنى إنهم لا يتهمونك بالكذب في نفس هذا الأمر ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بعد أن اسيقنته أنفسهم .
ولأجل ذلك شنّوا حملات شرسة جداً لتشويه صورة القرآن وإثارة الشبهات حوله والزعم بأنه ملي بالأخطاء والأغلاط(False Religion) وليس متفوقاً على التوراة والإنجيل كما يقول المسلمون ، وما ذاك إلا لأنهم يعتبرون الإسلام هو الدين الوحيد الذي يشكل خطراً عليهم ؛ إذ أن البوذية والهندوسية ديانات قومية لا تتمدد خارج أقوامها من ناحية وهي أقل رقياً من النصرانية من ناحية أخرى . أما الإسلام فهو دين متحرك زاحف دون قوة تسانده ، ومن هنا فقد عملوا على تشويه صورته خوفاً على أهل الملة النصرانية نفسها ؛ يقول مستر بلس : ( إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق النصرانية)
ورغم كل محاولات التشويه المتعمدة ؛ إلا أن الشعوب الغربية بدأت تعرف الحقيقة المجردة ، ويذكر المركز الإسلامي في بروكسل أن الزيادة الهائلة في عدد معتنقي الإسلام كان من أسبابها أن الناس قد اكتشفوا أن حقيقة الإسلام المشرقة تخالف تلك الصورة التي رسمها الإعلام وغيره لهم تمام المخالفة
 
التعديل الأخير:
كتبت التعليق السابق واستعنت برواية ترجمة سلمان للفاتحة بالفارسية وكنت أراها في حينها رواية معقولة مقبولة ولكن توقفت فيها ، ورأيت أن توثيقها من الضرورة بمكان كما طالب أخونا مرهف سقا
وهذه الرواية قد ترتب عليها عدة أمور كما سيأتي .
وقد جاءت تلك الرواية التي تروى عن ترجمة سلمان بهذا اللفظ "روي أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان الفارسي أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب فكانوا يقرأون ما كتب في الصلاة حتى لانت ألسنتهم" .
وقيل إن الإمام أبا حنيفة قد جوّز قراءة القرآن بها - استنادا على ذلك- سواء كان ذلك عن عجز عن العربية أم لا ؛ إذ أن المقصود عند أبي حنيفة هو الذكر وذلك حاصل بكل لسان ، وقيل أيضا إن الله تعالى قال: "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ" و قال "إن هذا لفي الصحف الأولى " وقد كان ذلك بلسانهم لا بالعربية ولو آمن الإنسان من خلال لغة أخرى كان مؤمنا
وهذا أمر مستغرب ، لكن قال الألوسي في تفسيره إن الإمام أبا حنيفة قد رجع عن ذلك
القرآن المترجم في الصلاة :
قيل ليس عند الأحناف إلا قول واحد، وهو جواز قراءة القرآن بغير العربية فى الصلاة للعاجز عن العربية .وهذا أمر مقبول جدا ، وليس كالرأي الذي رجع عنه الإمام
وقال بعض من يجوزون الصلاة بغير العربية لمن لا يعرفها: إن النظم مقصود للإعجاز وحالة الصلاة المقصود من القرآن فيها المناجاة لا الإعجاز فلا يكون النظم لازما فيها
واعترض ابن نجيم الحنفي على ذلك بأنه مردود لأنه معارضة للنص بالمعنى فإن النص قد طُلب بالعربية و، هذا التعليل يجيزه بغيرها
وعند الشافعي رضي الله عنه لا تجوز القراءة بغير العربية بحال ، وإن كان الإنسان لا يحسن العربية وهو أمي فله أن يصلي بغير قراءة ؛ إذ أن اللغة الأخرى من كلام الناس فلذلك هي تفسد الصلاة
توثيق رواية ترجمة سلمان :
من الملاحظ أن كل الذين أشاروا إلى رواية كتابة سلمان للفاتحة بالفارسية نحو الألوسي وابن نجيم الحنفي والزرقاني قد أحالوا إلى كتاب "النهاية والدراية" و لم أعثر على هذا الكتاب ولا هذه الرواية لا في مسند أبي حنيفة ولا غيره ولم أجد من أشار إليها في كتب الحديث ، وحسبي أن هذا الخبر - على أهميته - لم يخرِّجه كبار رجال الحديث
وغالبا ما يشار في ذلك أيضا إلى كتاب "المبسوط" للسرخسي وكتاب النووي المجموع شرح المهذب وهو شرح لكتاب المهذب للشيرازي وقد رجعت إلى هذه الكتب الثلاثة فوجدت النووي والسرخسي يقولان " روي عن سلمان " بلا إسناد ولا تعليق أما الشيرازي فلم يشر لذلك أبدا ، و كذلك يشار في تلك الرواية إلى كتاب "النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية" ‏ للشرنبلالي وهو أبو الإخلاص : حسن بن عمار بن يوسف الوفائي المصري ‏وهو فقيه حنفي كان مدرساً بالأزهر ، وتوفي سنة 1069هـ

وقد جاء الشيخ الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرآن بهذه الرواية من كتاب الشربنلالي بلفظ آخر وهي "روي أن أهل فارس كتبوا إلى سلمان أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب لهم: "بسم الله الرحمن الرحيم "بنام يزدان يحشايند" فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم وبعد ما كتب عرضه على النبي صلى الله عليه وسلم كذا في المبسوط قاله في النهاية والدراية" ثم رد الزرقاني هذه الرواية للآتي :
- هذا خبر مجهول الأصل لا يعرف له سند فلا يجوز العمل به
- إن الخبر لو كان لنقل وتواتر لأنه مما تتوافر الدواعي على نقله وتواتره
- إنه يحمل دليل وهنه فيه ذلك أنهم سألوه أن يكتب لهم ترجمة الفاتحة فلم يكتبها لهم إنما كتب لهم ترجمة البسملة ولو كانت الترجمة ممكنة وجائزة لأجابهم إلى ما طلبوا وجوبا وإلا كان كاتما وكاتم العلم ملعون
- إن المتأمل في الخبر يدرك أن البسملة نفسها لم تترجم لهم كاملة لأن هذه
الألفاظ التي ساقتها الرواية على أنها ترجمة للبسملة لم يؤت فيها بلفظ مقابل للفظ الرحمن وكأن ذلك لعجز اللغة الفارسية عن وجود نظير فيها لهذا الاسم الكريم. وهذا دليل مادي على أن المراد بالترجمة هنا الترجمة اللغوية لا العرفية على فرض ثبوت الرواية
- قد وقع اختلاف في لفظ هذا الخبر بالزيادة والنقص ؛ وذلك موجب لاضطرابه ورده والدليل على هذا الاضطراب أن النووي في المجموع نقله بلفظ آخر هذا نصه: "إن قوما من أهل فارس طلبوا من سلمان أن يكتب لهم شيئا من القرآن فكتب لهم الفاتحة بالفارسية". وبين هذه الرواية وتلك مخالفة ظاهرة إذ إن هذه ذكرت الفاتحة وتلك ذكرت البسملة بل بعض البسملة ثم إنها لم تعرض لحكاية العرض على النبي صلى الله عليه وسلم أما تلك فعرضت له.
- إن هذه الرواية على فرض صحتها معارضة للقاطع من الأدلة القائمة على استحالة الترجمة وحرمتها ومعارض القاطع ساقط.
 
عودة
أعلى