أنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ.

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَدَّثُ - وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ -: " أنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ. فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ - فِيمَا شِئْتَ ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْن آدم فَإِنَّهُ ما يُشْبِعُكَ شَيْءٌ ". فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ............

جاء في شرح البخاري لاين بطال رحمه الله :

قال المُهلب : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتُهِيَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُمْكِنٌ فِيهَا ، لقوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } .
قال المؤلف : وفيه الحكم بالدليل ، ووصف الناس بغالب عادتهم وأحوالهم ، لقول الأعرابى : (وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فدل ضحكه على إصابة الأعرابى للحق فى استدلاله ، ففى ذلك من الفقه أنه من لزم طريقة وحالة من خير أو شر أنه يجوز وصفه بها ، ولا حرج على واصفه بالشر إن لزم طريقته ، وفيه ما جبل الله عليه نفوس بنى آدم من حب الاستكثار ، والرغبة فى متاع الدنيا ، لأن الله قد أغنى أهل الجنة عن نصب الدنيا ومتاعها ، فقال تعالى : { وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن } وقوله : { دُونَكَ يَا ابْن آدم فَإِنَّهُ ما يُشْبِعُكَ شَيْءٌ) يدل على فضل القناعة ، والاقتصار على البلغة ، وذم الشره والرغبة .
 
قال الحافظ رحمه الله في الفتح :

قَوْلُهُ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ أَيْ فِي أَنْ يُبَاشِرَ الزِّرَاعَةَ .
قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن سِنَان أَو لست بِزِيَادَةِ وَاوٍ قَوْلُهُ فَبَذَرَ أَيْ أَلْقَى الْبَذْرَ فَنَبَتَ فِي الْحَالِ وَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَأُذِنَ لَهُ فَبَذَرَ فَبَادَرَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فَأَسْرَعَ فَتَبَادَرَ.

قَوْلُهُ الطَّرْفَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ امْتِدَادُ لَحْظِ الْإِنْسَانِ إِلَى أَقْصَى مَا يَرَاهُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى حَرَكَةِ جَفْنِ الْعَيْنِ وَكَأَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا قَوْلُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ زَادَ فِي التَّوْحِيدِ وَتَكْوِيرُهُ أَيْ جَمْعُهُ وَأَصْلُ الْكُورِ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا بَذَرَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ اسْتِوَاءِ الزَّرْعِ وَنَجَازِ أَمْرِهِ كُلِّهِ مِنَ الْقَلْعِ وَالْحَصْدِ وَالتَّذْرِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّكْوِيمِ إِلَّا قَدْرَ لَمْحَةِ الْبَصَرِ.

وَقَوْلُهُ دُونَكَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ خُذْهُ قَوْلُهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ لَا يَسَعُكَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ مُتَّحِدُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ كُلَّ مَا اشْتُهِيَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مُمْكِنٌ فِيهَا قَالَهُ الْمُهَلَّبُ. وَفِيهِ وَصْفُ النَّاسِ بِغَالِبِ عَادَاتِهِمْ قَالَهُ ابن بَطَّالٍ.

وَفِيهِ أَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الدُّنْيَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ الْقَنَاعَةِ وذم الشره وَفِيهِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ الْآتِي بِلَفْظِ الْمَاضِي.
 
بسم الله الرحمن الرحيم .........

في هذا الحديث الطيب - تطييبٌ لقلب كل مسلم فاته في الدنيا بعض ما يتمنى - فلتكن هناك أتم وأكمل وخير وأبقى .
 
عودة
أعلى