محمد محمود إبراهيم عطية
Member
قال ابن القيم - رحمه الله : وأما الاستغفار فهو نوعان : مفرد ، ومقرون بالتوبة .
فالمفرد ، كقول نوح عليه السلام لقومه : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارًا } ( نوح : 10 ، 11 ) ، وكقول صالح لقومه : { لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون } ( النمل : 46 ) ، وكقوله تعالى : { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ( البقرة : 199 ) ، وقوله : { وما كان الله يعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ( الأنفال : 33 ) .
والمقرون ، كقوله تعالى : { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } ( هود : 3 ) ، وقول هود لقومه : { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا } ( هود : 52 ) ، وقول صالح لقومه : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب } ( هود : 61 ) ، وقول شعيب : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود } ( هود : 90 ) .
فالاستغفار المفرد كالتوبة ، بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله ، وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره ؛ لا كما ظنه بعض الناس أنها ( أي المغفرة ) الستر ، فإن الله يستر على من يغفر له ، ومن لا يغفر له ، ولكن الستر لازم مسماها أو جزؤه ، فدلالتها عليه إما بالتضمن وإما باللزوم ، وحقيقتها : وقاية شر الذنب ، ومنه المغفر لما يقي الرأس من الأذى ، والستر لازم لهذا المعنى ، وإلا فالعمامة لا تسمى مغفرا ، ولا القبع ونحوه ، مع ستره ، فلا بد في لفظ المغفر من الوقاية ؛ وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب في قوله : { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ( الأنفال : 33 ) ؛ فإن الله لا يعذب مستغفرًا ، وأما من أصر على الذنب ، وطلب من الله مغفرته ، فهذا ليس باستغفار مطلق ، ولهذا لا يمنع العذاب ، فالاستغفار يتضمن التوبة ، والتوبة تتضمن الاستغفار ، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق ، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار : طلب وقاية شر ما مضى ؛ والتوبة : الرجوع ، وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله .
فها هنا ذنبان : ذنب قد مضى ، فالاستغفار منه طلب وقاية شره ؛ وذنب يخاف وقوعه ، فالتوبة : العزم على أن لا يفعله ؛ والرجوع إلى الله يتناول النوعين : رجوع إليه ليقيه شر ما مضى ، ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله ، وأيضًا فإن المذنب بمنزلة من ركب طريقًا تؤديه إلى هلاكه ، ولا توصله إلى المقصود ، فهو مأمور أن يوليها ظهره ، ويرجع إلى الطريق التي فيها نجاته ، والتي توصله إلى مقصوده ، وفيها فلاحه .
فهاهنا أمران لا بد منهما : مفارقة شيء ، والرجوع إلى غيره ؛ فخصت التوبة بالرجوع ، والاستغفار بالمفارقة ، وعند إفراد أحدهما يتناول الأمرين ، ولهذا جاء – والله أعلم – الأمر بهما مرتبا بقوله : { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } ؛ فإنه الرجوع إلى طريق الحق ( أي بالتوبة ) ، بعد مفارقة الباطل ( بالاستغفار ) ؛ وأيضًا فالاستغفار من باب إزالة الضرر ، والتوبة طلب جلب المنفعة ، فالمغفرة أن يقيه شر الذنب ، والتوبة أن يحصل له بعد هذه الوقاية مما يحبه ، وكل منهما يستلزم الآخر عند إفراده ؛ والله أعلم .ا.هـ .
فالمفرد ، كقول نوح عليه السلام لقومه : { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارًا } ( نوح : 10 ، 11 ) ، وكقول صالح لقومه : { لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون } ( النمل : 46 ) ، وكقوله تعالى : { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ( البقرة : 199 ) ، وقوله : { وما كان الله يعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ( الأنفال : 33 ) .
والمقرون ، كقوله تعالى : { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله } ( هود : 3 ) ، وقول هود لقومه : { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا } ( هود : 52 ) ، وقول صالح لقومه : { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب } ( هود : 61 ) ، وقول شعيب : { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود } ( هود : 90 ) .
فالاستغفار المفرد كالتوبة ، بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله ، وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره ؛ لا كما ظنه بعض الناس أنها ( أي المغفرة ) الستر ، فإن الله يستر على من يغفر له ، ومن لا يغفر له ، ولكن الستر لازم مسماها أو جزؤه ، فدلالتها عليه إما بالتضمن وإما باللزوم ، وحقيقتها : وقاية شر الذنب ، ومنه المغفر لما يقي الرأس من الأذى ، والستر لازم لهذا المعنى ، وإلا فالعمامة لا تسمى مغفرا ، ولا القبع ونحوه ، مع ستره ، فلا بد في لفظ المغفر من الوقاية ؛ وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب في قوله : { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ( الأنفال : 33 ) ؛ فإن الله لا يعذب مستغفرًا ، وأما من أصر على الذنب ، وطلب من الله مغفرته ، فهذا ليس باستغفار مطلق ، ولهذا لا يمنع العذاب ، فالاستغفار يتضمن التوبة ، والتوبة تتضمن الاستغفار ، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق ، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار : طلب وقاية شر ما مضى ؛ والتوبة : الرجوع ، وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله .
فها هنا ذنبان : ذنب قد مضى ، فالاستغفار منه طلب وقاية شره ؛ وذنب يخاف وقوعه ، فالتوبة : العزم على أن لا يفعله ؛ والرجوع إلى الله يتناول النوعين : رجوع إليه ليقيه شر ما مضى ، ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله ، وأيضًا فإن المذنب بمنزلة من ركب طريقًا تؤديه إلى هلاكه ، ولا توصله إلى المقصود ، فهو مأمور أن يوليها ظهره ، ويرجع إلى الطريق التي فيها نجاته ، والتي توصله إلى مقصوده ، وفيها فلاحه .
فهاهنا أمران لا بد منهما : مفارقة شيء ، والرجوع إلى غيره ؛ فخصت التوبة بالرجوع ، والاستغفار بالمفارقة ، وعند إفراد أحدهما يتناول الأمرين ، ولهذا جاء – والله أعلم – الأمر بهما مرتبا بقوله : { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } ؛ فإنه الرجوع إلى طريق الحق ( أي بالتوبة ) ، بعد مفارقة الباطل ( بالاستغفار ) ؛ وأيضًا فالاستغفار من باب إزالة الضرر ، والتوبة طلب جلب المنفعة ، فالمغفرة أن يقيه شر الذنب ، والتوبة أن يحصل له بعد هذه الوقاية مما يحبه ، وكل منهما يستلزم الآخر عند إفراده ؛ والله أعلم .ا.هـ .