أنقول: (ختمة مجوّدة) أم (ختمة مرتلة)؟

إنضم
29/10/2023
المشاركات
71
مستوى التفاعل
11
النقاط
8
الإقامة
ليبيا
أنقول: (ختمة مجوّدة) أم (ختمة مرتلة)؟
التَّرْتِيلُ في اللغة: مصدرُ رتَّل فلانٌ كلامه إذا أتْبَع بعضَه بعضاً على مكثٍ وتؤدةٍ.
وفي القرآن الكريم: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال الداني: «أي تَلَبَّثْ في قراءته، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخلَ بعض الحروف في بعض».
وقال الطبري: «{ورتل القرآن ترتيلا} [أي:] وبيِّن القرآن إذا قرأتَه تبيينا، وترسل فيه ترسلا، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل»¹.
وهناك أقوال أخر في تعريف الترتيل اصطلاحا، ولعل أقْرَبَها ما ذكرتُه هنا.
وأما التجويد فهو في اللغة: مصدر جوّد الشيءَ وجوّد في الشيءِ إذا فعله جيدًا. والجيّد: ضد الرديء.
ومعناه: انتهاءُ الغاية في إتقان الشيء، وبلوغ النهاية في تحسينه.
قال الداني: يقال لقارئ القرآن المحسن لتلاوته (مُجَوِّد) إذا أتى بالقراءة مجوَّدةَ الألفاظ بريئةً من الجَوْر في النطق بها، لم تهجنها الزيادة ولم يشنها النقصان.
وتعريفه في اصطلاح المتقدمين: إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبها مراتبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، وتمكين النطق به، على حال صيغته وهيئته، من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف.
وعرفه ابن الجزري في الجزرية بقوله:
وهو إعطاء الحروف حقَّها .. من صفة لها ومستحَقَّها
ورَدُّ كل واحد لأصله .. واللفظُ في نظيره كمثله
مكملا من غيرما تكلف .. باللطف في النطق بلا تعسف
فبان لك الاختلاف بين حقيقة التجويد وحقيقة الترتيل، فالترتيل يتعلق بسرعة القراءة، والتجويد يتعلق بحقائق للنطق وقواعده وكيفياته.
ومما يزيد هذا توضيحا: قول المرادي: «والقراء مجمعون على التزام التجويد في جميع أحوال القراءة، من ترتيل وحد وتوسط، وربما توهم قوم أن التجويد إنما يكون مع الترتيل، وليس كما توهموه، وإنما حقيقة تجويد القراءة كما قدمته لك، وذلك متأت مع الحدر كما يتأتى مع الترتيل، ولا ينكر أن الأخذ بالترتيل أتم مدا وتحريكا من الأخذ بالحدر، ولكن لا بد في جميع ذلك من إقامة مخارج الحروف وصفاتها» اهـ باختصار.
وقال أبو مزاحم الخاقاني:
فذو الحِذْقِ مُعطٍ للحروفِ حقوقَها ... إذا رتَّلَ القرآنَ أو كان ذا حَدْرِ
إذن فالتجويد أعم من الترتيل؛ فهو يشمل كل سرعات القراءة، بخلاف الترتيل فهو يختص بالقراءة المتأنية المترسلة، فهذا النوع من القراءة يجتمع فيه الترتيل والتجويد.
فكان الأصح أن يقال عن القراءة البطيئة: (قراءة مرتلة)، بدل أن تخص بكونها (مجوّدة)؛ لأن التجويد لا يختص بها.


--------------------------
¹ وأما ما روي عن علي رضي الله عنه من أن الترتيل: تجويدُ الحروف ومعرفة الوقوف؛ فهذا الأثرُ لا يُعرَف له إسناد، فكل ما بين أيدينا من الكتب التي ذكرته ذكرته بغير إسناد، بالإضافة إلى أنه مخالف لما ذكره مفسرو الصحابة وغيرهم من معنى الترتيل، وعليه؛ فلا تقوم به حجة والحالُ هذه، ولا يُرتَّبُ عليه شيء.
 
عودة
أعلى