أبو عبد الله محمد مصطفى
New member
أنقذتهم آدابهم
كان تميم بن جميل السدوسي قد أقام، بشاطئ الفرات، واجتمع إليه كثيرٌ من الأعراب، فعظُم أمرُه، وبَعُد ذكره؛ فكتب المعتصمُ إلى مالك بن طَوْق في النهوض إليه، فتبدَّد جمعُه، وظفر به فحمَلهُ مُوثَقاً إلى باب المعتصم، فقال أحمد بن أبي داود: ما رأيتُ رجلاً عاين الموت، فما هالَه ولا شغله عما كان يجِبُ عليه أن يفعلَه إلا تميم بن جميل؛ فإنه لمّا مَثلَ بين يدي المعتصم وأحضر السيفَ والنطَعَ، ووقف بينهما، تأمِّله المعتصم - وكان جميلاً وَسيماً - فأَحبّ أن يعلمَ أين لسانُه من منظره، فقال: تكلّم يا تميم، فقال: إذا إذ أذِنتَ يا أمير المؤمنين، فأنا أقولُ: الحمدُ للَّهِ " الذي أَحْسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ وَبَدأَ خَلْقَ الإنسانِ من طينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالةٍ من ماء مَهِينٍ " أيا أمير المؤمنين: جبر الله، بك صَدْعَ الدَّين، ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين، وأوضحَ بك سُبُل الحقّ، وأخمدَ بِك شِهَابَ الباطل؛ إن الذنوبَ تخرس الألسُن الفصيحة، وتُعْيِي الأفئدَة الصحيحة، ولقد عظُمَتِ الجريرة، وانقطعَت الحجّة وساءَ الظنّ، فلم يبق إلا عفوُك وانتقامُك، وأرجو أن يكون أقربهما مني وأسرعهما إلي، أولاهما بإمامتك، وأشبههما بخلافتك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق الطويل:
أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً ... يُلاحظني من حيثما أتلفَّتُ
وأكبَرُ ظني أنكَ اليومَ قاتِلي ... وأَيُّ امرئ ممّا قضَى الله يفلت
وأي امرئ يأتي بعُذْرٍ وحُجّةٍ ... وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ
وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنني ... لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ
ولكنّ خَلْفي صبْيةً قد تركتهم ... وأكبادُهم من حَسْرةٍ تتفتَّتُ
فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِبطةٍ ... أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن متُّ مَوَّتُوا
وكم قائلِ لا يبعد الله دارَهُ ... وآخرُ جَذْلانٌ يسرُّ ويشمتُ
فتبسَّم المعتصم وقال:
يا جميل، قد وهبتُك للصَّبية، وغفرت لك الصّبْوَة، ثم أمر بفكّ قيودِه،
وخلع عليه، وعقد له على شاطئ الفُرات.
كان تميم بن جميل السدوسي قد أقام، بشاطئ الفرات، واجتمع إليه كثيرٌ من الأعراب، فعظُم أمرُه، وبَعُد ذكره؛ فكتب المعتصمُ إلى مالك بن طَوْق في النهوض إليه، فتبدَّد جمعُه، وظفر به فحمَلهُ مُوثَقاً إلى باب المعتصم، فقال أحمد بن أبي داود: ما رأيتُ رجلاً عاين الموت، فما هالَه ولا شغله عما كان يجِبُ عليه أن يفعلَه إلا تميم بن جميل؛ فإنه لمّا مَثلَ بين يدي المعتصم وأحضر السيفَ والنطَعَ، ووقف بينهما، تأمِّله المعتصم - وكان جميلاً وَسيماً - فأَحبّ أن يعلمَ أين لسانُه من منظره، فقال: تكلّم يا تميم، فقال: إذا إذ أذِنتَ يا أمير المؤمنين، فأنا أقولُ: الحمدُ للَّهِ " الذي أَحْسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ وَبَدأَ خَلْقَ الإنسانِ من طينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالةٍ من ماء مَهِينٍ " أيا أمير المؤمنين: جبر الله، بك صَدْعَ الدَّين، ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين، وأوضحَ بك سُبُل الحقّ، وأخمدَ بِك شِهَابَ الباطل؛ إن الذنوبَ تخرس الألسُن الفصيحة، وتُعْيِي الأفئدَة الصحيحة، ولقد عظُمَتِ الجريرة، وانقطعَت الحجّة وساءَ الظنّ، فلم يبق إلا عفوُك وانتقامُك، وأرجو أن يكون أقربهما مني وأسرعهما إلي، أولاهما بإمامتك، وأشبههما بخلافتك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق الطويل:
أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً ... يُلاحظني من حيثما أتلفَّتُ
وأكبَرُ ظني أنكَ اليومَ قاتِلي ... وأَيُّ امرئ ممّا قضَى الله يفلت
وأي امرئ يأتي بعُذْرٍ وحُجّةٍ ... وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ
وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنني ... لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ
ولكنّ خَلْفي صبْيةً قد تركتهم ... وأكبادُهم من حَسْرةٍ تتفتَّتُ
فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِبطةٍ ... أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن متُّ مَوَّتُوا
وكم قائلِ لا يبعد الله دارَهُ ... وآخرُ جَذْلانٌ يسرُّ ويشمتُ
فتبسَّم المعتصم وقال:
يا جميل، قد وهبتُك للصَّبية، وغفرت لك الصّبْوَة، ثم أمر بفكّ قيودِه،
وخلع عليه، وعقد له على شاطئ الفُرات.