أنقذتهم آدابهم

إنضم
12/01/2006
المشاركات
372
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة النبوية
أنقذتهم آدابهم
كان تميم بن جميل السدوسي قد أقام، بشاطئ الفرات، واجتمع إليه كثيرٌ من الأعراب، فعظُم أمرُه، وبَعُد ذكره؛ فكتب المعتصمُ إلى مالك بن طَوْق في النهوض إليه، فتبدَّد جمعُه، وظفر به فحمَلهُ مُوثَقاً إلى باب المعتصم، فقال أحمد بن أبي داود: ما رأيتُ رجلاً عاين الموت، فما هالَه ولا شغله عما كان يجِبُ عليه أن يفعلَه إلا تميم بن جميل؛ فإنه لمّا مَثلَ بين يدي المعتصم وأحضر السيفَ والنطَعَ، ووقف بينهما، تأمِّله المعتصم - وكان جميلاً وَسيماً - فأَحبّ أن يعلمَ أين لسانُه من منظره، فقال: تكلّم يا تميم، فقال: إذا إذ أذِنتَ يا أمير المؤمنين، فأنا أقولُ: الحمدُ للَّهِ " الذي أَحْسَنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَهُ وَبَدأَ خَلْقَ الإنسانِ من طينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالةٍ من ماء مَهِينٍ " أيا أمير المؤمنين: جبر الله، بك صَدْعَ الدَّين، ولمَّ بك شَعَثَ المسلمين، وأوضحَ بك سُبُل الحقّ، وأخمدَ بِك شِهَابَ الباطل؛ إن الذنوبَ تخرس الألسُن الفصيحة، وتُعْيِي الأفئدَة الصحيحة، ولقد عظُمَتِ الجريرة، وانقطعَت الحجّة وساءَ الظنّ، فلم يبق إلا عفوُك وانتقامُك، وأرجو أن يكون أقربهما مني وأسرعهما إلي، أولاهما بإمامتك، وأشبههما بخلافتك، وأنت إلى العفو أقرب، وهو بك أشبه وأليق الطويل:
أرى الموتَ بين السيفِ وَالنطْع كامناً ... يُلاحظني من حيثما أتلفَّتُ
وأكبَرُ ظني أنكَ اليومَ قاتِلي ... وأَيُّ امرئ ممّا قضَى الله يفلت
وأي امرئ يأتي بعُذْرٍ وحُجّةٍ ... وسيفُ المنايا بين عينيه مُصْلَتُ
وما جزَعِي مِنْ أن أموتَ وإنني ... لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ
ولكنّ خَلْفي صبْيةً قد تركتهم ... وأكبادُهم من حَسْرةٍ تتفتَّتُ
فإنْ عشتُ عاشوا سالمين بغِبطةٍ ... أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن متُّ مَوَّتُوا
وكم قائلِ لا يبعد الله دارَهُ ... وآخرُ جَذْلانٌ يسرُّ ويشمتُ
فتبسَّم المعتصم وقال:
يا جميل، قد وهبتُك للصَّبية، وغفرت لك الصّبْوَة، ثم أمر بفكّ قيودِه،
وخلع عليه، وعقد له على شاطئ الفُرات.
 
جزاكم الله خيرا وإن الآداب لتنقذ ومنهم هؤلاء الآتي ذكرهم .. الذين لولا فصاحتهم لضربت أعناقم .. وقد ذُكر خبرهم في كتب الأدب :





:::لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم :::



[align=center]أمر الحجاج بن يوسف صاحب حرسه أن يطوف بالليل ، فمن رآه بعد العشاء سكران ضربَ عنقه ، فطاف ليلةً من الليالي ، فوجد ثلاثة فتيان ٍ يتمايلون ، وعليهم أمارات السكر ، فأحاطت بهم الغلمان وقال لهم صاحبُ الحرس : من أنتم حتى خالفتم أمر أمير المؤمنين ، وخرجتم في مثل هذا الوقت ! فقال أحدهم :


أنا ابنُ من دانت ِ الرقابُ له *** ما بين مخزومـِـها وهاشـِمها
تأتيه بالرغم ِ وهي صاغرةُ *** يأخذ من مالـِـها ومن دَمـِـها


فأمسك عنه، وقال لعله من أقارب أمير المؤمنين، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟.. فقال:

أنا إبن لمن لا تنزل الدهر قدره *** وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره *** فمنهم قائم حولها وقعود


فأمسك عنه، وقال: لعله ابن أشرف العرب، ثم قال للآخر: وأنت من تكون؟.. فأنشد على البديهة:

أنا ابنٌ لمن خاض الصفوف بعزمه *** وقوّمها بالسيف حتى استقامت
وركباه لا ينفك رجلاه منهما إذا *** الخيل في يوم الكريهة ولّت


فأمسك عنه أيضاً، وقال: لعله ابن أشجع العرب، واحتفظ عليهم. فلما كان الصباح رفع أمرهم للحجاج، فأمر بإحضارهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجّام، والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك.
فتعجب من فصاحتهم ، وقال لجلسائه: علّموا أولادكم الأدب، فوالله لولا فصاحتهم لضربت أعناقهم ، ثم أنشد الحجاج:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً *** يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول : ها أنـا ذا *** ليس الفتى من يقول : كان أبي
[/align]
 
عودة
أعلى