محمد بن جماعة
New member
- إنضم
- 23/01/2007
- المشاركات
- 1,211
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 38
- الإقامة
- كندا
- الموقع الالكتروني
- www.muslimdiversity.net
أمثال القرآن
أ. رياض أدهمي
المصدر: مجلة الرشاد
درج علماء اللغة و التفسير عند الحديث عن أمثال القرآن على اعتبار المعنى المراد من الأمثال محصوراً في الصورة الإجمالية المرسومة بالمثل , و أن العبرة تكمن في مطابقة حال من يضرب لهم المثل للصورة الإجمالية الكلية للتشبيه أو المثل . و يذهب علماء اللغة و التفسير إلى أبعد من مجرد تقرير القاعدة فيؤكدون أن أجزاء المثل و عناصر صورته ليست مقصودة و لا معتبرة في تعيين المعنى و استنباط الحِكَم و العِـبَر .
و قد صرح الإمام الزمخشري في الكشاف عند شرح المثلين الأولين في سورة البقرة بهذه القاعدة فقال : و الصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه أن التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة , لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به. و هو القول الفحل و المذهب الجزل . بيانه أن العرب تأخذ بأشياء فرادى , معزولاً بعضها من بعض , لم يأخذ هذا بحـجزة ذاك فتشبهها بنظائرها , كما فعل امرؤ القيس و جاء في القرآن . و تشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت و تلاصقت حتى عادت شيئاً واحداً بأخرى مثلها . فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض و مصيره شيئاً واحداً , فلا .
و عند استعراض تفاسير القرآن و ما قرره المفسرون عند شرح أمثال القرآن نجد أن المفسرين قد التزموا بهذه القاعدة التي يقررها الإمام الزمخشري إلى حدٍ بعيد .
و قد لفت نظري عند تناول بعض أمثال القرآن بالشرح و التفصيل أن بعض العلماء المحدثين تناولوا بعض أمثال القرآن و عرضوا معانيها و دروسها بمنهج آخر لا يقف عند حدود الصورة الإجمالية بل يتجاوزها إلى أجزاء و تفاصيل صورة المثل ليستـنتج من كل جزء من أجزاء المثل عبرة و حكمة أو معنىً تربوي أو أخلاقي معرضين في ذلك عن تقرير علماء اللغة و التفسير .
فقد شرح الأستاذ البهي الخولي في كتاب " تذكرة الدعاة " المثل القرآني " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها . . . . . " و عقد مقارنات لطيفة بين عناصر المثل و جزئيات صورته و بين دلالاته التربوية و الأخلاقية و جاء في ذلك بالكثير من المعاني الطيبة التي ترتبط بشكل وثيق بالجزئيات و عناصر المثل ضمن مرجعية لغوية و قرآنية حديثية رصينة .
و كذلك شرح الدكتور عبد الله دراز في كتاب " النبأ العظيم " المثل القرآني في أول سورة البقرة " مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً " و المثل " أو كصيبٍ من السماء فيه ظلمات و رعد و برق " و جاء في شرحه لهذين المثلين بالمطرب المعجب من عجائب ارتباط جزئيات المثل و عناصر صورته بالعبر و الحكم التربوية و الأخلاقية , كل ذلك بمنهج رصين يستند إلى اللغة و يربط معاني الآيات بما يماثلها في آيات أخرى و أحاديث نبوية ترشح و تقوي ما ذهب إليه من دلالات المثل و عبره و دروسه .
و الناظر إلى ما قدمه الأستاذ البهي الخولي و الشيخ عبد الله دراز يرى طريقتهما في تناول الأمثال و بيان دلالاتها تـفترق عن ما عرف بالتأويل أو التفسير الإشاري حيث يقفز صاحب التفسير الإشاري فوق ضوابط اللغة و دلالات الألفاظ و يتحدث عن مواجيد و أذواق و مشاعر من باب " الشيء بالشيء يذكر " و التي لا تصلح منهجاً جاداً لبيان معاني القرآن .
و هنا لا بد من طرح سؤال مهم يتعلق بمنهج النظر على أمثال القرآن :
هل هناك من مانع من اقـتـفاء أثر الشيخ الخولي و الدكتور دراز في شرح أمثال القرآن و استجلاء دلالاتها الأخلاقية و التربوية ؟
وهل نستطيع القول أن ما قرره المفسرون و علماء البيان بشأن الأمثال هو كلام صحيح إذا تعلق بكلام الناس و أعمالهم الأدبية , أما القرآن الكريم فقد يكون من إعجازه و تفرده أن الأمثال فيه قد أحكمت و فصلت لتكون عناصر الأمثال و جزئيات صورها مقصودة و مناسبة لإستنباط المعاني و استخراج الدلالات ؟
وقد يكون من المفيد أن نذكر أن هذا التوجه في شرح و تناول أمثال القرآن قد مضى على تداوله أكثر من خمسين عاماً دون أن نسمع – على حد علمي – باعتراض على هذه المنهجية في الإستفادة من الجزئيات و التـفاصيل . بل على العكس , فإن كثيراً من العلماء و الدعاة استعملوا هذا المنهج في شرح أمثال القرآن في كثير من المناسبات مستفيدين من معطيات علوم الطبيعة و النبات و الحيوان و غيرها , و جاؤوا في هذا بمعانٍ طيبة التي تلقاها الناس و العلماء بالثناء و القبول .
و قد وجدت من خلال محاولة فهم بعض أمثال القرآن أن مراعاة جزئيات و عناصر المثل تساهم في حل بعض الإشكالات التي تورط فيها بعض المفسرين و أطالوا في الإعتذار عن هجنة ما ذهبوا إليه بما لا يشفي الغليل .
و نجد ذلك التوجه أوضح ما يكون في شرح المثل القرآني : و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً , صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون .
فقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المثل يمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه للمشركين و إعراضهم عن دعوته بحال من ينعق ببهائم لا تفهم و لا تعقل . و قد استشكلت وصف كلام النبي الكريم بأنه ينعق فليس في هذه العبارة ما نرضاه من الأدب الواجب في حق النبي صلى الله عليه وسلم . و قد أطال المعتذرون عن إثبات هذا المعنى وهم يشعرون أنه غير لائق بمقام النبوة و لم يزيدوا على تكرار ما ذهبوا إليه من أن المثل هو صورة إجمالية و أن أجزاء الصورة و أفراد مكوناتها غير مقصودة .
و قريب من هذا الشرح الذي يتضمن إشكالاً يند عن الأدب الواجب شرح أكثر المفسرين للمثل الأول في سورة البقرة : مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً . حيث أثبتوا أن مستوقد النار هو المنافق .
و قد قدم الدكتور عبد الله دراز كلاماً لطيفاً متوجهاً في شرح المثل و جاء بما يزيل الإشكال و يقدم صورة متوازنة .
و في كلا المثلين وجدت أن العناية بتناسق معنى أجزاء المثل و مفردات صورته مع حال من يضرب لهم المثل أعانت على كشف كثير من المعاني و الحكم و العبر التي لم تكن ممكنة مع تجاهل هذا التوجه في دراسة الأمثال . و أعانت كذلك على التخلص من الإشكالات و ما وقع فيه المفسرون من إثبات معانٍ غريبة مستهجنة .
فالمطلوب هو عمل باتجاهين :
1 – تحقيق منهجية شرح الأمثال و وضع ضوابط تنأى بالشرح عن الرمز و الإشارة
2 – النظر في أمثال القرآن و تناولها بالشرح و التفصيل ضمن ما تأصل من منهجية تعتمد ضوابط اللغة و النقل و مرجعية النصوص من القرآن و الحديث .
و لعل هذا التوجه يفتح من أبواب الفهم لكتاب الله و إثبات تفرد أمثال القرآن بخاصية لا تشاركها فيها أمثال الناس و كلام الفصحاء و البلغاء . و في هذا فتح لباب من أبواب الإعجاز القرآني الذي ادخره الله تعالى لمن يبذل فيه الجهد و الدأب و الروية .
أ. رياض أدهمي
المصدر: مجلة الرشاد
درج علماء اللغة و التفسير عند الحديث عن أمثال القرآن على اعتبار المعنى المراد من الأمثال محصوراً في الصورة الإجمالية المرسومة بالمثل , و أن العبرة تكمن في مطابقة حال من يضرب لهم المثل للصورة الإجمالية الكلية للتشبيه أو المثل . و يذهب علماء اللغة و التفسير إلى أبعد من مجرد تقرير القاعدة فيؤكدون أن أجزاء المثل و عناصر صورته ليست مقصودة و لا معتبرة في تعيين المعنى و استنباط الحِكَم و العِـبَر .
و قد صرح الإمام الزمخشري في الكشاف عند شرح المثلين الأولين في سورة البقرة بهذه القاعدة فقال : و الصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه أن التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة , لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به. و هو القول الفحل و المذهب الجزل . بيانه أن العرب تأخذ بأشياء فرادى , معزولاً بعضها من بعض , لم يأخذ هذا بحـجزة ذاك فتشبهها بنظائرها , كما فعل امرؤ القيس و جاء في القرآن . و تشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت و تلاصقت حتى عادت شيئاً واحداً بأخرى مثلها . فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض و مصيره شيئاً واحداً , فلا .
و عند استعراض تفاسير القرآن و ما قرره المفسرون عند شرح أمثال القرآن نجد أن المفسرين قد التزموا بهذه القاعدة التي يقررها الإمام الزمخشري إلى حدٍ بعيد .
و قد لفت نظري عند تناول بعض أمثال القرآن بالشرح و التفصيل أن بعض العلماء المحدثين تناولوا بعض أمثال القرآن و عرضوا معانيها و دروسها بمنهج آخر لا يقف عند حدود الصورة الإجمالية بل يتجاوزها إلى أجزاء و تفاصيل صورة المثل ليستـنتج من كل جزء من أجزاء المثل عبرة و حكمة أو معنىً تربوي أو أخلاقي معرضين في ذلك عن تقرير علماء اللغة و التفسير .
فقد شرح الأستاذ البهي الخولي في كتاب " تذكرة الدعاة " المثل القرآني " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها . . . . . " و عقد مقارنات لطيفة بين عناصر المثل و جزئيات صورته و بين دلالاته التربوية و الأخلاقية و جاء في ذلك بالكثير من المعاني الطيبة التي ترتبط بشكل وثيق بالجزئيات و عناصر المثل ضمن مرجعية لغوية و قرآنية حديثية رصينة .
و كذلك شرح الدكتور عبد الله دراز في كتاب " النبأ العظيم " المثل القرآني في أول سورة البقرة " مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً " و المثل " أو كصيبٍ من السماء فيه ظلمات و رعد و برق " و جاء في شرحه لهذين المثلين بالمطرب المعجب من عجائب ارتباط جزئيات المثل و عناصر صورته بالعبر و الحكم التربوية و الأخلاقية , كل ذلك بمنهج رصين يستند إلى اللغة و يربط معاني الآيات بما يماثلها في آيات أخرى و أحاديث نبوية ترشح و تقوي ما ذهب إليه من دلالات المثل و عبره و دروسه .
و الناظر إلى ما قدمه الأستاذ البهي الخولي و الشيخ عبد الله دراز يرى طريقتهما في تناول الأمثال و بيان دلالاتها تـفترق عن ما عرف بالتأويل أو التفسير الإشاري حيث يقفز صاحب التفسير الإشاري فوق ضوابط اللغة و دلالات الألفاظ و يتحدث عن مواجيد و أذواق و مشاعر من باب " الشيء بالشيء يذكر " و التي لا تصلح منهجاً جاداً لبيان معاني القرآن .
و هنا لا بد من طرح سؤال مهم يتعلق بمنهج النظر على أمثال القرآن :
هل هناك من مانع من اقـتـفاء أثر الشيخ الخولي و الدكتور دراز في شرح أمثال القرآن و استجلاء دلالاتها الأخلاقية و التربوية ؟
وهل نستطيع القول أن ما قرره المفسرون و علماء البيان بشأن الأمثال هو كلام صحيح إذا تعلق بكلام الناس و أعمالهم الأدبية , أما القرآن الكريم فقد يكون من إعجازه و تفرده أن الأمثال فيه قد أحكمت و فصلت لتكون عناصر الأمثال و جزئيات صورها مقصودة و مناسبة لإستنباط المعاني و استخراج الدلالات ؟
وقد يكون من المفيد أن نذكر أن هذا التوجه في شرح و تناول أمثال القرآن قد مضى على تداوله أكثر من خمسين عاماً دون أن نسمع – على حد علمي – باعتراض على هذه المنهجية في الإستفادة من الجزئيات و التـفاصيل . بل على العكس , فإن كثيراً من العلماء و الدعاة استعملوا هذا المنهج في شرح أمثال القرآن في كثير من المناسبات مستفيدين من معطيات علوم الطبيعة و النبات و الحيوان و غيرها , و جاؤوا في هذا بمعانٍ طيبة التي تلقاها الناس و العلماء بالثناء و القبول .
و قد وجدت من خلال محاولة فهم بعض أمثال القرآن أن مراعاة جزئيات و عناصر المثل تساهم في حل بعض الإشكالات التي تورط فيها بعض المفسرين و أطالوا في الإعتذار عن هجنة ما ذهبوا إليه بما لا يشفي الغليل .
و نجد ذلك التوجه أوضح ما يكون في شرح المثل القرآني : و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً , صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون .
فقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المثل يمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه للمشركين و إعراضهم عن دعوته بحال من ينعق ببهائم لا تفهم و لا تعقل . و قد استشكلت وصف كلام النبي الكريم بأنه ينعق فليس في هذه العبارة ما نرضاه من الأدب الواجب في حق النبي صلى الله عليه وسلم . و قد أطال المعتذرون عن إثبات هذا المعنى وهم يشعرون أنه غير لائق بمقام النبوة و لم يزيدوا على تكرار ما ذهبوا إليه من أن المثل هو صورة إجمالية و أن أجزاء الصورة و أفراد مكوناتها غير مقصودة .
و قريب من هذا الشرح الذي يتضمن إشكالاً يند عن الأدب الواجب شرح أكثر المفسرين للمثل الأول في سورة البقرة : مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً . حيث أثبتوا أن مستوقد النار هو المنافق .
و قد قدم الدكتور عبد الله دراز كلاماً لطيفاً متوجهاً في شرح المثل و جاء بما يزيل الإشكال و يقدم صورة متوازنة .
و في كلا المثلين وجدت أن العناية بتناسق معنى أجزاء المثل و مفردات صورته مع حال من يضرب لهم المثل أعانت على كشف كثير من المعاني و الحكم و العبر التي لم تكن ممكنة مع تجاهل هذا التوجه في دراسة الأمثال . و أعانت كذلك على التخلص من الإشكالات و ما وقع فيه المفسرون من إثبات معانٍ غريبة مستهجنة .
فالمطلوب هو عمل باتجاهين :
1 – تحقيق منهجية شرح الأمثال و وضع ضوابط تنأى بالشرح عن الرمز و الإشارة
2 – النظر في أمثال القرآن و تناولها بالشرح و التفصيل ضمن ما تأصل من منهجية تعتمد ضوابط اللغة و النقل و مرجعية النصوص من القرآن و الحديث .
و لعل هذا التوجه يفتح من أبواب الفهم لكتاب الله و إثبات تفرد أمثال القرآن بخاصية لا تشاركها فيها أمثال الناس و كلام الفصحاء و البلغاء . و في هذا فتح لباب من أبواب الإعجاز القرآني الذي ادخره الله تعالى لمن يبذل فيه الجهد و الدأب و الروية .