ألم يأن الأوان الى تحديث منهج تعليم القرآن الكريم للطفل المسلم؟

إنضم
08/09/2017
المشاركات
614
مستوى التفاعل
6
النقاط
18
الإقامة
السودان
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:[/FONT]


[FONT=&quot]القرآن الكريم، آخر الكتب السماوية الذي أنزل على خاتم الأنبياء سيدنا محمد "ص"، وهو الهدي والنور المبين والرحمة للعالمين كما وصفه الله تبارك وتعالى، وبذا فإن القرآن الكريم يفترض أن يكون الكتاب التعليمي والتربوي الأول والأساسي للمسلمين كافة، منذ مراحل التعليم الأولي وحتى آخر المراحل التعليمية، إضافة الى دوره فى وضع التشريع الإسلامي، فبنور القرآن تتم الرؤية الكاملة للحياة من التعريف بالله تعالى وحكمة خلق البشر وما دورهم على الأرض، دعوة الأنبياء وكيف كانت، رؤية مخلوقات الله وإبداعها وحكمة خلقها وتبادلها المنافع والأدوار كدليل على الله الواحد الأحد، وكذلك بالقرآن الكريم علم عن اليوم الآخر وعلاماته ومشاهده، وماذا سيكون مصير المصدّقين والمكذبين .[/FONT]
[FONT=&quot]يبدأ منهج تعليم القرآن الكريم بالنسبة للصف الأول لمرحلة الإبتدائية ببلادى – وأحسب أن ذلك المنهج يطبق في المرحلة الإبتدائية فى معظم الدول العربية والإسلامية، بتدريس أو "تحفيظ" قصار السور للتلاميذ والتى يقع ترتيبها فى نهاية المصحف الشريف، ثم كتاب ثاني للصفين الثاني والثالث وبه سور قصار أخري، ثم كتاب ثالث للصف الرابع والخامس والسور المقررة هنا تتدرج فى طولها، فالترتيب فى السور المقررة لتلك المراحل يسير من شمال المصحف الى يمينه .[/FONT]
[FONT=&quot]والملاحظ أن ذلك المنهج يسيطر عليه الأسلوب التحفيظي الخالص لسور القرآن الكريم، كما يدل شكل الكتاب ومحتواه وإخراجه، كما الملاحظ أن ذلك المنهج يتعامل مع القرآن الكريم التعامل الكمّي، فالأطفال الصغار يحفظون السور القصيرة فى نهاية الكتاب ثم السور الأطول فالأطول كلما تقدموا فى السنوات التعليمية، على الرغم من أن السور القصيرة فى القرآن تكاد تكون موجز لمحتوي سور كبيرة بل موجز لكل القرآن، ويحتاج شرحها الى مؤلفات، إضافة الى صعوبة مفرداتها التى يتم شرحها- فى الكتاب المدرسي المقرر – فى نهاية كل سورة بمفردات هى نفسها تحتاج الى شرح، ونورد نموذج لها بالأسفل :[/FONT]
[FONT=&quot] عاتية : شديدة العصف، [/FONT]
[FONT=&quot]رابية : زائدة فى الشدة ، [/FONT]
[FONT=&quot]غسلين : صديد من أهل النار[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]يعوذون : يحتمون ويستعيذون[/FONT]
[FONT=&quot]جدّ: عظمة وبهاء وسلطان[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]وخلاصة تلك السور الصغيرة والتى هى خاتمة للقرآن الكريم أن الله يدخل الكفار والكاذبين الى النار والمؤمنين المصدّقين الى الجنة مع غياب تام عن جوانب أخري هامة فى الحياة يحتاج الأطفال لها فى بداية حياتهم، وهذه الجوانب ورد ذكرها فى القرآن الكريم مثلا عن مفهوم ومغزي الخلق؟ كيف تكوّن الخلق؟ ما هى المخلوقات من حولنا ؟ إبداع الله فى خلقه وحكمة وجدوي كل مخلوق؟ كيف نثبت وحدانية الخالق؟ ما دور الفرد المسلم؟.[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]فما دلالة أن تقول طفلة فى السادسة من عمرها لوالدتها أنها لا تحب الله تعالى، وعندما تسألها والدتها لماذا؟ تجيب لأنه يدخل الناس النار ويعذبهم فيها؟!".. وهي طفلة صغيرة ليست فى سن التكليف بعد وليست على دراية بحكمة خلق إلإنسان وحرية إختياره، وعيونها بالكاد رأت بعض الموجودات من حولها وتعرفت الى أسمائها!.. [/FONT]
[FONT=&quot]ألا يدل سؤال هذه التلميذة الصغيرة على فشل ذلك المنهج فى التعريف بالله تعالى وخلق حب الله تعالى لدي الصغار.[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]لم يقم ذلك المنهج بتطبيق عملي للآية "وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، فبعد خروج هؤلاء الصغار الى الحياة لم تقم المؤسسات التربوية عبر مناهجها الدينية بتفعيل حواس السمع والبصر ومن ثم الفؤاد "المشاعر والمحبة" وبعدها لا يكون إلا الشكر لله من قبل العباد كما تقول الآية - وليس الخوف والكراهية!..[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]هذه الطفلة الصغيرة لم تقل إلا ما ورد بخاطرها بعد أن أجرت المقارنات بين كتاب القرآن الكريم المقرر عليهم حفظه وبه الكلمات الصعبة والمرعبة وبين كتب أخري بنفس السنة الدراسية تبدو ممتعة جميلة جذابة، هذا إضافة الى المقارنة مع وسائل تعليمية وترفيهية أخري كالعروض التلفزيونية للصغار وأغلبها أجنبية تخلب الأنظار، ولعل ذلك الشعور الذى تفوهت به الصغيرة نطق به عدد كبير من الصغار، ونتوقع أن يكون رد فعل الوالدين هو الزجر والتوبيخ وأن علي الصغير أن يحب الله تعالى حتي لا يدخل النار!.[/FONT]
[FONT=&quot]والمسكين الصغير لا يعرف لماذا عليه أن يحبه فهو لم ير الله، وأن الله كما يدرس فى القرآن الكريم يهدد الناس بدخول النار، وبالنسبة لفهمه المحدود فإن الله لم (يقدم له شيئا ملموسا محسوسا أو شيئا جميلا بديعا)، ومع ذلك مطلوب منه أن يحبه!، فيتعلم الصغير أول درس فى النفاق، وينطق بمحبة الله دون شعور صادق بالحب بل بما يمليه عليه الكبار. وهكذا تبدأ الإزدواجية فى الحياة، عبادة روتينية تقليدية فى المساجد وحفظ وتلاوة، وحياة مختلفة فى الواقع لا تطبيق فيها لتعاليم الله لأنه بعيد لا يمت للموجودات بصلة بل فقط ينتظر الناس ليحاسبهم يوم الحساب .[/FONT]
 
(2)
نلاحظ إنتقال هذا النمط التعليمي القرآني "الموجز" الى الوسائل الإعلامية فقصص القرآن التى تعرض للأطفال بالتلفزيون برسوم كرتونية لا تخرج عن هذا السياق، فهي تركز على قصص الأنبياء فقط وما حدث للكفار من وعيد وهلاك من غرق وريح صرصر وإنقلاب للأرض وغيرها ، وكأن القرآن لا يوجد به إلا كل ما يخيف ويرعب، دون أن يتم العرض فى تلك القصص عن دعوة الأنبياء للبشر وبماذا وكيف إستشهدوا بمخلوقات الله من حولهم ليثبتوا وجود الله ووقدرته وحكمته وإستحقاقه للعبادة،
ناهيك عن إنعدام تام لعروض تربط المخلوقات البديعة بخالقها، إلا برامج غربية جذابة مبنية على نظرية التطور لا يرد فى ترجمتها المدبلجة ذكر لله تعالى على الإطلاق .

نعود الى المقرر القرآني للمرحلة الإبتدائية فضمن المقرر القرآني للصف الثالث نجد (سورة الجن)، وبالكاد تعرف الصغار علي مخلوقات عالم الشهادة فيملي علينا ذلك المنهج تعرفيهم بالجن!، ولم أعرف كيف أشرح كنههم لإبنتي ذات الثماني سنوات والتى قد ترتعب من وصفهم وأنهم مخلوقات تشبه البشر تعيش بيننا ولا نراها!.
وضمن هذا الترتيب للسور نصل الى (سورة عبس) والتى تتحدث عن تأنيب الله تعالى لسلوك معين صدر من النبي (ص)، وهو ما يهز إيمان الأطفال الذين لقنوا التقديس العميق للرسول (ص) وأفعاله وتصرفاته، وهذه السورة يمكن أن تدرس فى مرحلة دراسة أعلى حين يكون الوعي قد نضج ليعرف الطلاب حكم الله تعالى وعدله بين البشر.
أما الصف الرابع فمن ضمن مقرره القرآني (سورة التحريم) التى تتكلم عن مشاكسات بين زوجات النبي فى بيته وتأنيب الله تعالى له، وهي تهز الرؤية المقدسة للصغار عن الرسول (ص) وزوجاته!..
إذا نلاحظ أن أسلوب تعليم القرآن الكريم بمرحلة الأساس يتم بشكل تقليدي بتحفيظ السور وما بها "كلمات طلسمية معقدة" دون فهم أو إستيعاب، إضافة الى إيراد وقائع وأحداث لا تناسب سن أولئك الأطفال وعقولهم.
فقراءة أو تلاوة القرآن، تفيد التلاميذ الصغار فى النطق وتدريب اللسان على مخارج حروف اللغة العربية، وما أجمل ذلك عندما يتم عبر كلام الله المقدس، ولكن ليس علينا أن نعوّل على أن ذلك المنهج قام بتعليم القرآن التعليم الجاد والتعليم الكامل وقام بالتربية الإسلامية فكلمة تربية تعني إحتكاك وفعل ورد فعل وملاحظة وحوار ونقاش وخروج بنتيجة مرئية أو سلوك مشاهد.

إضافة الى أنه عندما تتم مقارنة شكل كتاب مقرر القرآن الكريم بمرحلة الإبتدائية بكتب المواد الأخري الجذابة الملونة، يبدو شكل الكتاب من حيث الإخراج الفني كتابا مملا كئيبا، فيرتبط بذهن التلميذ أن به مادة مملة ليست بها حياة، ولا يعرف الصغار كنهها وجدواها عدا الحفظ والترديد، والذى ينتهي بنهاية الإمتحانات وبعدها يطويها النسيان "وكلنا كنا تلاميذ لذلك المقرر ومررنا بتلك التجربة من حفظ ثم نسيان، وضاع زمن ومجهودات كثيرة لم يفلح ذلك المنهج فى الإستفادة منها بصورة صحيحة".

فالملاحظ أنه بالمدارس الإبتدائية بكل الدول الإسلامية –حسب إطلاعي- تتم العملية التقليدية فى تحفيظ القرآن المتوارثة منذ مئات السنين عن طريق الكتاتيب والخلاوي ولم يتغير شئ غير أنه بدلا من الجلوس على الأرض أصبح هناك مقاعد، وبدل الألواح الخشبية هناك سبورة وكتب ورقية، وبسبب هذه العملية التحفيظية المتوارثة لم يظهر لنا حتى الآن جيل مسلم عملي مفكر، يربط آيات الله من حوله بعلمه وسلوكه وبرسالته كمسلم على ظهر الأرض وبرسالته كداعية الي الأمم الأخري بالسلوك القويم وبالعلم، العلم الذى أصبح ميدان المنافسة القوية بين الدول،
وكل ذلك يدل على عدم جدوي أو فشل تلك العملية التحفيظية إلا فى نطاق محدود كضرورتها فى إقامة الصلوات وترديد بعض الأدعية فى الظروف المختلفة.
والملاحظ أيضا أن ذلك المقرر يتناقض مع منهج القرآن الكريم نفسه الذي يحوي مخلوقات الله وعرض لقدرة الله تعالى فى عدد كبير من الآيات تحس فيها بنبض الحياة وبالصور الرائعة تشرق من جنباتها، هذه الآيات البرهانية تتكرر بين آيات الوعظ والترغيب والترهيب، مما يؤكد على أهمية ذلك العرض الوصفي فى فتح البصيرة وتنوير القلوب وربطها بالحياة المشاهدة.

فما جدوي حفظ وترديد آية مثل "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ " وهي آية بمعني "أنظروا الى الإبل كيف خلقتها؟"، وبدل أن يقوم التربويون بالإذعان الى أمر الله فى تلك الآية بوضع عرض تفصيلي عن ذلك الحيوان لمعرفة قدرة الله وإبداع خلقه إذا بالأطفال يرددون الأمر نطقا "أنظروا الى الإبل كيف خلقتها؟!"، وهذه الحيوانات (الإبل) تعيش بالمنطقة العربية ومع ذلك لم يقم بالنظر إليها النظرة العلمية وبإكتشاف الإعجاز فى خلقها إلا العلماء الغربيون!.. وما (الإبل) إلا نموذج لحيوانات كثيرة وحشرات "بعض منها أسماء لسور قرآنية" وردت فى القرآن لم ينتبه لها المسلمون لدراستها بصورة دقيقة " كالنمل، النحل، العنكبوت"، وأخري كالباعوضة، الذبابة، الهدهد، الكلب، الحمار، الخيل والحمير والأنعام.

- ونلاحظ أيضا أن عملية النشوء والتطور لداروين تسيطر على المنهج العلمي فى مرحلة الثانوي فى مادة الأحياء حيث تعلمنا أن الضفادع تحورت الى أسماك! ونمت لها زعانف!، وأن الأشجار فى المناطق الصحراية تحورت أوراقها الى أشواك لتقاوم الطبيعة الجافة، إلخ.. وتقبلنا نحن تلك المعلومة بكل سهولة لأنه لم يسبق لنا تناولها فى مقرر الدين الإسلامي ولم تتحدث التربية الإسلامية عن مخلوقات الله تعالى ووحدانيتها.

فنحن المسلمون وكتابنا القرآن نعلم أن الله تعالى القدير خلق بيئات مختلفة وخلق لكل بيئة كائنات تناسب العيش فيها ولكل منها دور فى الحفاظ على البيئة ولخدمة الإنسان ما يثبت قدرة الله تعالى وإبداعه. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) البقرة
والآية : وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) الرحمن
هذا غير المخلوقات الأخري التى وردت فى الآيات: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)-البقرة
والآية : اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) -الرعد
وما يؤسف له أن الأمم الأخري طبقت ما حثّ عليه القرآن الكريم من النظر والتفكر، فما تكاد تفتح قناة تلفزيونية علمية إلا وتجد أهل الغرب أبطالها يقضون جهودهم المضنية فى البحث والتمحيص فى مخلوقات الله تعالى وفى معرفة حكمتها والإستفادة من إبداع تكوينها وتركيبها فى إختراع أشياء جديدة، وإذا ما زرنا مكتبة بأى تخصص طبي أو بيطري أو زراعي أو صناعي أو ميدان العلوم الإجتماعية نجد أيضا أن العلماء الغربين هم مؤلفو محتوياتها من كتب ومراجع وصور وخرائط، لذا فإن تلك الأمم سبقتنا بقرون فى مجال العلم.
 
(3)
ثانيا/ تعليم الأخلاق القرآنية :
لا يقود القرآن الكريم الى الفهم الكامل وإستيعاب الكون وحقائقه فقط بل الى تحسين سلوكيات البشر السلبية، ومنها التفرقة العنصرية، التى مازالت ظاهرة ممارسة فى مجتمعنا العربي المسلم، ولا يرتدع منها الكثيرون إلا خوفا من القانون، بينما لو تم عرض صور للأطفال على سبيل المثال عن بشر بألوان مختلفة، وتحتها الآية "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ " ثم يشرح المعلم الآية عن قدرة الله وإبداعه فى خلق بشر بألوان مختلفة، كما الأزهار وعدد من الحيوانات، لإنطبع فورا فى ذهن التلميذ الصغير أنه لا تفرقة أبدا فى تلك الألوان. وبينما يكون القانون الغربي عن تجريم العنصرية وأن البشر سواسية مهما إختلفت ألوانهم، فإن الطفل المسلم سيكون أعمق في الفهم بتلك الآية القرآنية بأن لا يري المساواة بين البشر فقط فى الألوان المختلفة بل يري فيها إبداع الله تعالى.

وكذلك يساعد القرآن الكريم فى تقبل (الآخر الغريب) عند الصغار وذلك بعرض لبعض التقاليد والثقافات المختلفة عن الشعوب فى شكل صور جميلة وتعليق للصور "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".. بدلا مما نراه حاليا من فهم الكثير من المسلمين عن العالم الخارجي وتصورهم له ثم ردود أفعالهم السلبية تجاهه من تكفير له وإستعلاء وعزلة وهى سلوكيات ومفاهيم لا تعوق عمليات الدعوة فقط بل تزيد بغض (الآخر) للإسلام وهو ما يحدث بالفعل، وهو ما يرومه أعداء الإسلام.
-كما هناك مقولة تتردد على الألسن بل وفى بعض المقررات الدينية هناك السؤال عن" لماذا خلق الله تعالى البشر؟ والإجابة هي لتعمير الأرض!".
وهو يخالف نص الآية "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" صدق الله العظيم،
وهذه الإجابة الخاطئة الشائعة تعني أن الدول الغربية المتقدمة سيكون لها الجزاء العظيم على تقدمها المادي والتكنولوجي الكبير، والبلاد الإسلامية ستنال العذاب، وكأن الدنيا مجال سباق للتقدم والتعمير، ومعلوم بداهة أن هذا التعمير لو جاء دون روح إيمانية عالية فليس له أى قيمة.
والآيات التالية تؤكد ذلك الخطأ الذى يدرّ لأطفالنا "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
وقوله تعالي أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ "
والخلاصة أنه لا يوجد أى ربط بين العلوم "الحياتية الواقعية" التى يتم تدريسها وبين القرآن الكريم والتربية الدينية "المتكلسة" وللأسف يستمر هذا الحال حتى مراحل متقدمة من مرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية، فكتب التربية الإسلامية كئيبة مملة تتردد فيها آيات الزجر والوعيد والأمر والنهي، وبقية المواد فى كتب أخري بهيجة الشكل حيوية تلقب بالفيزياء والكيمياء والأحياء.
 
(4)
فهل نجح شكل الكتاب والمنهج التدريسي للقرآن الكريم فى المرحلة الإبتدائية فى تحقيق الجدوي الأولي الأساسية من القرآن الكريم فى:
- تعريف النشء الصغار عن الله خالقنا العظيم وغرس المحبة والطاعة له؟
- خلق رؤية واضحة عن الكون والموجودات وإستكشاف الحكمة من الخلق والحياة؟
- وما مدي فعالية تطبيق أسس "الإتصال التعليمي" لتكون بديلا لذلك المقرّر القرآني يعتمد على المنهج العقلي عبر تقديم صور، قصص، مشاهد حية "فيديو " للتلاميذ فى سبيل تعريفهم بجوهر القرآن الكريم والدين الإسلامي، ووضع أسس للتفكير العلمي والعملي وذلك بتبني أسلوب القرآن نفسه فى عرض الحقائق بالأسلوب التصويري.
يكتب الإمام أبو حامد الغزالي "لا يعدو القرآن هذه الأقسام الثلاثة وهي : الإرشاد الى معرفة ذات الله وتقديسه، أو معرفة صفاته وأسمائه، أو معرفة أفعاله وسنته مع عباده". إحياء علوم الدين- ص:408
وهذا ما نسعي الى تحقيقه بإقتراح منهج علمى يتناسب مع اعمار وفكر التلاميذ وتتدرج معهم معتمدا على وسائل الإتصال المختلفة .

ونرجو أن يتحقق التالى من الأهداف عبر ذلك المنهج وهو :
- ربط الموجودات بالله تعالى وخلق محبة الله فى نفوس الناشئة مع بداية سن التعلم ، ولعل أول آية فى القرآن "إقرأ" جاء بعدها بإسم ربك الذى خلق!.. أى أن أول قراءة للإنسان يجب أن تكون مرتبطة بالخلق من حولنا "النظر، المشاهدة، التأمل".
-ترسيخ الإيمان بالله على أسس علمية / مقنعة وليس إيمانا شفويا تقليديا، ومافي ذلك من مقاومة للمدّ العلماني الزاحف بأسلحة قوية والرد على إنكارات وإستفهامات الملحدين بأسلوب علمي يعتمد على الدين.
-تمتين العلاقة بين الدين والعلوم.
- خلق الوعي لدي الصغار بالكائنات المختلفة والرأفة والرحمة بها، من نبات وحيوان وجماد.
- النظرة الى التطور فى حياة البشر على أساس أنه سنة الله تعالى "بما ينفي القول المعروف كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار" التى لها أتباع كثر يحاربون التطور العلمي ويتمسكون بالإرث القديم. والتطور يجب أن يسير عبر إطار ديني يفرق بين ما هو خير البشر وما هو شر للبشر لا يرضاه الله تعالى "كإستنساخ للبشر، الأسلحة ، قتل الأجنة، التخلص من النفايات بطريقة تضرّ البيئة والبشر.. إلخ".
-معرفة الحكمة من كل المخلوقات/الأفعال حولنا وتمكين رؤية شاملة عامة للكون وتوسيع أفق التلاميذ على أسس إيمانية.
- وآخيرا فإن هذا المنهج العلمي الموضح لآيات الله وقدره وخلقه وإبداعه وحكمته يساهم بصورة فى توسيع الأفق الإيماني لدي المسلمين فلا يسقطون فى فخ الأشياء والمسائل التى سقط فيها السابقون والتى ليست لها أى قيمة إيمانية أو دينية كتفرقهم الى "سنة وشيعة"، وجميعنا يعلم مدي هشاشة وضآلة وسخف هذا الخلاف الذى يعود الى أحداث وقعت قبل 1400 سنة!، والذي لا يساهم فى تعميق إيمان أو صيانة عقيدة أوتقويم سلوك أو منهج بقدر مساهمته فى تفتيت وتفريق المسلمين. ونسوا قول الله تعالى "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ".

وهذا المنهج العلمي القرآني الذى نقترح فتح بابه ووضع بعض الأسس له بإستخدام وسائل الإتصال التعليمية المختلفة يشابه فى طريقة طرحه المنهج العلمي الغربي مع إختلاف بالطبع فى الأساس العقائدي الإيماني، فالملاحظ أن المنظومة التعليمية الغربية مبنية كلها على الفكر الإلحادي، أي على نظريتي النشوء والتطور والإنفجار العظيم، بحيث أنه عند قراءة فكرهم ومنتجاتهم الثقافية نجد جذورا راسخة لتلك الأفكار محال أن تتزحزح أو تتغير فقد بنيت لديهم منذ المراحل التعليمية الأولي على أسس إلحادية متينة صلبة شارك في وضعها التربويون وعلماء النفس والعلماء من كافة العلوم،
وهذا ما يلاحظه الدعاة المسلمون الذين يعملون في الغرب عند دعوتهم للغربيين حيث يجدون صدّا للدعوة فى شكل أسئلة علمية عميقة من قبل الغربيين، بينما دعاة المسلمين لا يملكون أداة علمية للإقناع، كل الأمور التى تعلّموها عبر المنهج الديني الإسلامي التقليدي السائد مبنية على غيبيات ومسلّمات وعنعنات دون التفكر بها عميقا فى ماهيتها وجدواها بحيث تكون وسيلة وقاعدة لمناقشة جادة تقود الآخرين الضالين الى الصراط المستقيم.
ولذا نحن المسلمون نحتاج مثل هذا الفكر الإيماني التوحيدي العلمي والعملي والمقنع فى كل مراحل التعليم لبناء إيمان قوي عند الناشئة المسلمين بإستطاعته مواجهة الإنفجار الإعلامي الغربي وسيطرة برامجه على العالم ولمواجهة المواقع الإلحادية المنتشرة بشبكة الإنترنت والتى بإمكانها التأثير على الصغار وضعاف النفوس والإيمان أو خلخلة أصحاب الإيمان التقليدي.

فلا زالت تتردد فى المواقع الإلحادية أسئلة عن "جدوي الحجاب –تعدد الزوجات-إذا كان الله كريم رحيم فلماذا يمرض البشر ولماذا هناك أجنة مشوهة؟"، وتسأل إحدي الملحدات العربيات الشهيرات "لماذا يتم ذبح الخراف؟ وهو فعل مؤلم للخراف وأنانية ووحشية من الإنسان!! وتدعو الى الأكل النباتي وهجر اللحوم"، ولا شك أن هناك جهات أجنبية أخري معادية للإسلام تؤسس لمثل هذه المواقع لتدمير عقائد المجتمعات الإسلامية،
بل وشاهدت قبل فترة إستبيان تلفزيوني مباشر بقناة تلفزيونية عربية شهيرة عن "هل يصلح الإسلام للحياة فى القرن الواحد والعشرين"، وكانت الإجابة من معظم الشباب العربي الحاضر فى الإستديو - المسلم إسما- هى ( لأ )!..

وأعتقد أن مثل هذا الإستبيان يدق أجراس الخطر على ما يواجهه التربويون والعلماء والإعلاميون المسلمون من تحدي فى تثبيت أركان الدين الإسلامي للأجيال القادمة علي ركائز علمية قوية صلبة تتناسب مع العصر.
 
عودة
أعلى