أقوال بعض علماء التفسير في قوله تعالى : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي

إنضم
12/01/2006
المشاركات
372
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المدينة النبوية
أقوال بعض علماء التفسير في قوله تعالى : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي
قال الله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم )
قال ابن الجوزي : قوله تعالى لا إكراه في الدين في سبب نزولها أربعة أقوال أحدها أن المرأة من نساء الأنصار كانت في الجاهلية إذا لم يعش لها ولد تحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت يهود بني النضير كان فيهم ناس من أبناء الأنصار فقال الأنصار يا رسول الله أبناؤنا فنزلت هذه الآية هذا قول ابن عباس وقال الشعبي قالت الأنصار والله لنكرهن أولادنا على الإسلام فإنا إنما جعلناهم في دين اليهود إذ لم نعلم دينا أفضل منه فنزلت هذه الآية والثاني أن رجلا من الأنصار تنصر لهو ولدان قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية هذا قول مسروق والثالث أن ناساً كانوا مسترضعين في اليهود فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير قالوا والله ليذهبن معهم ولنذهبن بدينهم فمنعهم أهلوهم وأرادوا إكراهمم على الإسلام فنزلت هذه الآية والرابع أن رجلا من الأنصار كان له غلام اسمه صبيح كان يكرهه على الإسلام فنزلت هذه الآية والقولان عن مجاهد .
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية فذهب قوم إلى أنه محكم وانه من العام المخصوص فانه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية وهذا معنى ما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقال ابن الأنباري معنى الآية ليس الدين ما تدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ولم يشهد به القلب وتنطوي عليه الضمائر إنما الدين هو المنعقد بالقلب وذهب قوم إلى أنه منسوخ وقالوا هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال فعلى قولهم يكون منسوخا بآية السيف وهذا مذهب الضحاك والسدي وابن زيد والدين هاهنا أريد به الإسلام والرشد الحق والغي الباطل وقيل هو الإيمان والكفر فاما الطاغوت فهو اسم مأخوذ من الطغيان وهو مجاوزة الحد قال ابن قتيبة الطاغوت واحد وجمع ومذكر ومؤنث قال الله تعالى أولياؤهم الطاغوت وقال والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها الزمر 17 والمراد بالطاغوت هاهنا خمسة أقوال أحدها أنه الشيطان قاله عمر و ابن عباس و مجاهد والشعبي والسدي و مقاتل في آخرين والثاني أنه الكاهن قاله سعيد بن جبير و أبوالعالية والثالث أنه الساحر قاله محمد بن سيرين والرابع أنه الأصنام قاله اليزيدي و الزجاج والخامس أنه مردة أهل الكتاب ذكره الزجاج أيضاً .
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 1 / 304 – 306 .
قال ابن جزي عند قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) المعنى أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه دون إكراه ويدل على ذلك قوله قد تبين الرشد من الغي أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه وقيل معناها الموادعة وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام ثم نسخت بالقتال وهذا ضعيف لأنها مدنية وإنما آية المسالمة وترك القتال بمكة .
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي ص89 – 90 .
قال النسفي عند قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) أي : لا إجبار على الدين الحق وهو دين الإسلام وقيل هو إخبار فى معنى النهى وروى أنه كان لأنصاري ابنان فتنصرا فلزمهما أبوهما وقال والله لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأنصاري يا رسول الله أيدخل بعضي فى النار وأنا أنظر فنزلت فخلاهما قال ابن مسعود وجماعة كان هذا فى الابتداء ثم نسخ بالأمر بالقتال قد تبين الرشد من الغي قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة .
تفسير النسفي 1 / 125.
قال علي الواحدي عند قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) بعد إسلام العرب لأنهم أكرهوا على الإسلام فلم يقبل منهم الجزية لأنهم كانوا مشركين فلما أسلموا أنزل الله تعالى هذه الآية قد تبين الرشد من الغي ظهر الإيمان من الكفر والهدى من الضلالة بكثرة الحجج .
تفسير الواحدي 1 / 183.
قال ابن جرير الطبري : القول في تأويل قوله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هودوهم أو نصروهم فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه فنهاهم الله عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن بشار قال ثنا بن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كانت المرأة تكون مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى ذكره لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي حدثنا بن بشار قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا سعيد عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال كانت المرأة تكون مقلى ولا يعيش لها ولد قال شعبة وإنما هو مقلات فتجعل عليها إن بقي لها ولد لتهودنه قال فلما أجليت بنو النضير كان فيهم منهم فقالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت هذه الآية لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال من شاء أن يقيم أقام ومن شاء أن يذهب ذهب حدثنا حميد بن مسعدة قال ثنا بشر بن المفضل قال ثنا داود وحدثني يعقوب قال ثنا بن علية عن داود عن عامر قال كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتا لا يعيش لها ولد فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم فقالوا إنما جعلناهم على دينهم ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم فنزلت لا إكراه في الدين فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام فمن لحق بهم اختار اليهودية ومن أقام اختار الإسلام
ولفظ الحديث لحميد حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا معتمر بن سليمان قال سمعت داود عن عامر بنحو معناه إلا أنه قال فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله بني النضير فلحق بهم من كان يهوديا ولم يسلم منهم وبقي من أسلم حدثنا بن المثنى قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا داود عن عامر بنحوه إلا أنه قال إجلاء النضير إلى خيبر فمن اختار الإسلام أقام ومن كره لحق بخيبر حدثنا بن حميد قال ثنا سلمة عن أبي إسحاق عن محمد بن أبي محمد الحرشي مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن بن عباس قوله لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك حدثني المثنى قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال سألت سعيد بن جبير عن قوله لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال نزلت هذه في الأنصار قال قلت خاصة قال خاصة قال كانت المرأة في الجاهلية تنذر إن ولدت ولدا أن تجعله في اليهود تلتمس بذلك طول بقائه قال فجاء الإسلام وفيهم منهم فلما أجليت النضير قالوا يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم قال فسكت عنهم رسول الله فأنزل الله تعالى ذكره لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال فقال رسول الله قد خير أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم وإن اختاروهم فهم منهم قال فأجلوهم معهم حدثني موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي قوله لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي إلى لا انفصام لها قال نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين كان له ابنان فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا فرجعا إلى الشام معهم فأتى أبوهما إلى رسول الله فقال إن ابني تنصرا وخرجا فأطلبهما فقال لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب وقال أبعدهما الله هما أول من كفر فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي حين لم يبعث في طلبهما فنزلت فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ثم إنه نسخ لا إكراه في الدين فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم عن عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله لا إكراه في الدين قال كانت في اليهود يهود أرضعوا رجالا من الأوس فلما أمر النبي بإجلائهم قال أبناؤهم من الأوس لنذهبن معهم ولندينن بدينهم فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإسلام ففيهم نزلت هذه الآية حدثنا بن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان وحدثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد جميعا عن سفيان عن خصيف عن مجاهد لا إكراه في الدين قال كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني الحجاج عن بن جريج قال قال مجاهد : كانت النضير يهودا فأرضعوا ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو عن أبي عاصم قال بن جريج وأخبرني عبد الكريم عن مجاهد أنهم كانوا قد دان بدينهم أبناء الأوس دانوا بدين النضير حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن المرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتجعلنه في أهل الكتاب فلما جاء الإسلام قالت الأنصار يا رسول الله ألا نكره أولادنا الذين هم في يهود على الإسلام فإنا إنما جعلناهم فيها ونحن نرى أن اليهودية أفضل الأديان فلما أن جاء الله بالإسلام أفلا نكرههم على الإسلام فأنزل الله تعالى ذكره لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي حدثت عن عمار قال ثنا بن أبي جعفر عن أبيه عن داود عن الشعبي مثله وزاد قال كان فصل ما بين من اختار اليهود منهم وبين من اختار الإسلام إجلاء بني النضير فمن خرج مع بني النضير كان منهم ومن تركهم اختار الإسلام
حدثني يونس قال أخبرنا بن وهب قال : قال بن زيد في قوله لا إكراه في الدين إلى قوله بالعروة الوثقى قال هذا منسوخ حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال ثنا سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد ووائل عن الحسن أن أناسا من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم فنزلت لا إكراه في الدين وقال آخرون بل معنى ذلك لا يكره أهل الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية ولكنهم يقرون على دينهم وقالوا الآية في خاص من الكفار ولم ينسخ منها شيء ذكر من قال ذلك حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال أكره عليه هذا الحي من العرب لأنهم كانوا أمة أمية ليس لهم كتاب يعرفونه فلم يقبل منهم غير الإسلام ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج ولم يفتنوا عن دينهم فيخلى عنهم حدثنا محمد بن بشار قال ثنا سليمان قال ثنا أبو هلال قال ثنا قتادة في قوله لا إكراه في الدين قال هو هذا الحي من العرب أكرهوا على الدين لم يقبل منهم إلا القتل أو الإسلام وأهل الكتاب قبلت منهم الجزية ولم يقتلوا حدثنا بن حميد قال ثنا الحكم بن بشير قال ثنا عمرو بن قيس عن جويبر عن الضحاك في قوله لا إكراه في الدين قال أمر رسول الله أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان فلم يقبل منهم إلا لا إله إلا الله أو السيف ثم أمر فيمن سواهم بأن يقبل منهم الجزية فقال لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله لا إكراه في الدين قال كانت العرب ليس لها دين فأكرهوا على الدين بالسيف قال ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح قال سمعت مجاهدا يقول لغلام له نصراني يا جرير أسلم ثم قال هكذا كان يقال لهم حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن بن عباس لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي قال وذلك لما دخل الناس في الإسلام وأعطى أهل الكتاب الجزية وقال آخرون هذه الآية منسوخة وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال ذكر من قال ذلك حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال سألت زيد بن أسلم عن قول الله تعالى ذكره لا إكراه في الدين قال كان رسول الله بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم فاستأذن الله في قتالهم فأذن له
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال نزلت هذه الآية في خاص من الناس وقال عنى بقوله تعالى ذكره لا إكراه في الدين أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق وأخذ الجزية منه وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب لما قد دللنا عليه في كتابنا كتاب اللطيف من البيان عن أصول الأحكام من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفى حكم المنسوخ فلم يجز اجتماعهما فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص فهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل وإذ كان ذلك كذلك وكان غير مستحيل أن يقال لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم كان بينا بذلك أن معنى قوله لا إكراه في الدين إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ورضاه بحكم الإسلام ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة فإن قال قائل فما أنت قائل فيما روي عن بن عباس وعمن روي عنه من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام قلنا ذلك غير مدفوعة صحته ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر بن عباس وغيره إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها وإقرارهم عليها على النحو الذي قلنا في ذلك ومعنى قوله لا إكراه في الدين لا يكره أحد في دين الإسلام عليه وإنما أدخلت الألف واللام في الدين تعريفا للدين الذي عنى الله بقوله : لا إكراه فيه وأنه هو الإسلام وقد يحتمل أن يكون أدخلتا عقيبا من الهاء المنوية في الدين فيكون معنى الكلام حينئذ وهو العلي العظيم لا إكراه في دينه قد تبين الرشد من الغي وكأن هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي .
تفسير الطبري 3 / 13 – 18 .
 
والخلاصة أخي الكريم ما هي؟

ما الراجح من وجهة نظرك ؟

أقوال المفسرين قريبة ؛ والمطلوب هو : ماذا بعد ذكر أقوالهم؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الترجيح بحر لا ساحل له وأنا نقلت لكم أقوال علماء التفسير وأما الترجيح لعلي أتركه لكم لأنكم أنتم أصحاب الاختصاص ، وأن أستفيد منكم إن شاء الله تعالى ، قال صاحب مراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود :
وكثرة الدليل والرواية ** مرجحة لدى ذوي الدراية .
وإن أصررتم إلا أن أشارككم في الترجيح فالذي يترجح عندي أن معنى قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ِ أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام ، لكماله وقبول الفطرة له ، ولأنه بيِّن واضح جليٌّ في دلائله وبراهينه ، لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه فمن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ، ولا منافاة بين هذه الآية والآيات الدالة على وجوب الجهاد ، لأن الجهاد مشروع لقتال كل من وقف في وجه الإسلام ، أما أنه يلزم ويكره على الدخول في الإسلام فلا ( قد تبين الرشد من الغي ) أي : ظهر وتميز الحق من الباطل ، والإيمان من الكفر والهدى من الضلال بالآيات والبراهين الدالة على ذلك ، فإذا تبين الرشد من الغي فإن كل نفس سليمة لابد أن تختار الرشد على الغي ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
[align=justify]ذكر ابن القيم رحمه الله أن قول الله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ على عمومه في حق كل كافر على الصحيح .

قال : ( فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استجاب له ولخلفائه بعده أكثر أهل الأديان طوعاً واختياراً ، ولم يكره احداً قط على الدين ، وإنما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله ، وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله ، ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالاً لأمر ربه سبحانه حيث يقول: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ (البقرة: من الآية256) وهذا نفي في معنى النهي ، أي : لا تكرهوا أحداً على الدين ، نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الاسلام ، فلما جاء الإسلام أسلم الآباء ، وأرادوا إكراه الأولاد على الدين ، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام.

والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر ، وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار، فلا يكرهون على الدخول في الدين ، بل إما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة ، وإن استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان .

ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له انه لم يكره أحداً على دينه قط ، وأنه إنما قاتل من قاتله ، وأما من هادنه فلم يقاتله مادام مقيما على هدنته لم ينقض عهده ، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾ (التوبة: من الآية7).

ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم ، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم ، فمنّ على بعضهم ، وأجلى بعضهم ، وقتل بعضهم .

وكذلك لما هادن قريشاً عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدأوا هم بقتاله ، ونقضوا عهده فعند ذلك غزاهم في ديارهم ، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق، ويوم بدر ايضاً هم جاءوا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم .

والمقصود: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحداً على الدخول في دينه البتة ، وإنما دخل الناس في دينه اختياراً وطوعاً ، فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وأنه رسول الله حقاً . ) ([1])



الدراسة :

رجح ابن القيم أن هذه الآية على عمومها في حق كل كافر ، وذكر أنّ هذا القول هو الصحيح .

وفي معنى الآية أقوال أخرى ، ستتضح من خلال عرض ما ذكره أئمة التفسير في تفسيرهم لهذه الآية – إن شاء الله - .

ذكر ابن جرير الخلاف في سبب نزول هذه الآية ، وجعل اختلاف معنى الآية مبنياً على اختلاف الروايات في ذلك ، وحاصل ما ذكر من الأقوال ثلاثة :

القول الأول : نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار ، أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هوّدوهم أو نصروهم ؛ فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه ، فنهاهم الله عن ذلك ، حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام . وذكر في ذلك عدة روايات .

القول الثاني : معنى ذلك : لا يُكره أهلُ الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية ، ولكنهم يُقرّون على دينهم . وعلى هذا تكون الآية في خاصّ من الكفار ، ولم ينسخ منها شيء . وذكر عدة روايات تدل على هذا القول .

القول الثالث : هذه الآية منسوخة ، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال .

ثم قال مرجحاً : ( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس ، وقال : عنى بقوله تعالى ذكره : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ أهل الكتابين والمجوس ، وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق ، وأخذ الجزية منه . وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً . )

وعلَّلَ ترجيحه لهذا القول بأن الناسخ لا يكون ناسخاً إلا إذا نفى حكم المنسوخ ، فلم يجز اجتماعهما . فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص ، فليس من الناسخ والمنسوخ .

قال : ( وإذ كان ذلك كذلك ، وكان غير مستحيل أن يقال : لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين ، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك ، وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوماً ، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام ، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه ، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب ، وكالمرتدّ عن دينه دين الحقّ إلى الكفر ومن أشبههم ، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه ، وإقراره على دينه الباطل ، وذلك كأهل الكتابين ، ومن أشبههم ؛ كان بيّناً بذلك أن معنى قوله : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ إنما هو : لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية ، ورضاه بحكم الإسلام . ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة. )

ثم ختم ببيان الموقف من الآثار التي دلّت على نزول الآية في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام ، فقال : ( ذلك غير مدفوعة صحته ، ولكن الآية قد تنزل في خاصّ من الأمر ، ثم يكون حكمها عاماً في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه . فالذين أنزلت فيهم هذه الآية على ما ذكر ابن عباس وغيره ، إنما كانوا قوماً دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم ، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام ، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعمّ حكمها كل من كان في مثل معناهم ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها ، وإقرارهم عليها على النحو الذي قلنا في ذلك . )([2])

وذكر ابن عطية هذه الأقوال الثلاثة ، مع تعليق يسير عليها ، ولم يذكر ترجيحاً أو اختياراً .([3])

وأما الرازي فذكر في معنى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، وإنما بناه على التمكن والاختيار .

القول الثاني : أن الإكراه أن يقول المسلم للكافر : إن آمنت وإلا قتلتك ، فقال تعالى: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ .

القول الثالث : لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب إنه دخل مكرهاً ؛ لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره ، ومعناه : لا تنسبوهم إلى الإكراه . ونظيره قوله تعالى : ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ﴾(النساء: من الآية94)

ولم يذكر ترجيحاً أو اختياراً كذلك .([4])

وتوسع القرطبي في ذكر الأقوال في معنى الآية ، فجعلها ستة أقوال ، وهي الأقوال التي ذكرها ابن جرير ، وقد جعلها أربعة أقوال ، وزاد عليها القول الثالث الذي ذكره الرازي ، وأما القول السادس فهو : أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام إذا كانوا كباراً .

ولم يذكر ترجيحاً أو اختياراً كذلك ([5])، غير أنه نقل قول النحاس : ( قول ابن عباس في هذه الآية أُولى الأقوال لصحة إسناده ، وأن مثله لا يؤخذ بالرأي ) ([6]) ، وقول ابن عباس هذا هو ما رواه أبو داود عنه قال : نزلت هذه في الأنصار ، كانت تكون المرأة مِقلاتاً([7]) ، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء الأنصار فقالوا : لا ندع أبناءناٰ ، فأنزل الله تعالى : ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ . ([8])

وذكر أبو حيان هذه الأقوال ، ولم يرجح شيئاً منها .([9])

وبدأ ابن كثير تفسيره للآية بقوله : ( ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام ؛ فإنه بيّن واضح ، جلي دلائله وبراهينه ، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام ، وشرح صدره ، ونور بصيرته دخل فيه علي بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً .) ثم ذكر الأقوال الثلاثة التي ذكرها ابن جرير ، ولم يذكر ما يدل على موقفه منها صراحة .([10])

وخالف ابنُ عاشور من قبله من المفسرين ، وقرر أن هذه الآية ناسخة للأمر بقتال المشركين ، وإجبارهم على الدخول في الإسلام . فهي على هذا ناسخة لا منسوخة .

ووافق ابنَ القيم في عموم الآية ، فقال : ( ونفي الإكراه خبر في معنى النهي ، والمراد نفي أسباب الإكراه في حُكم الإسلام ، أي لا تكرهوا أحداً على اتباع الإسلام قسراً ، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصاً .)

ثم قرر ما ذهب إليه من كون هذه الآية ناسخة لا منسوخة ، وذكر أنه غير جائز أن تكون هذه الآية قد نزلت قبل الأمر بالقتال ، بل الظاهر أنّ هذه الآية نزلت بعد فتح مكة واستخلاص بلاد العرب ، فنسخت حكم القتال على قبول الكافرين الإسلام ، ودلت على الاقتناع منهم بالدخول تحت سلطان الإسلام ، وهو المعبّر عنه بالذمة ، ويوضحُ هذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قاتل حتى تمكن الإسلام في جزيرة العرب ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً وزالت العوائق التي تحول بين الناس وبين اتباع الدين الحق . قال : ( لَمَّا تم ذلك كله أبطل الله القتال على الدين ، وأبقى القتال على توسيع سلطانه ، ولذلك قال : ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ (التوبة:29) . وعلى هذا تكون الآية ناسخة لما تقدّم من آيات القتال .)

ثم قال : ( هذا ما يظهر لنا في معنى الآية، والله أعلم .)

ثم ذكر أن لأهل العلم قبله قولين في معنى الآية ، وذكر القولين الثاني والثالث التي ذكرهما ابن جرير . وأضاف إليها بعض الأقوال الأخرى .([11])

وممن حرّر معنى الآية تحريراً جيداً الجصاص ، فقد قال ما مختصره – بعد أن ذكر الأقوال المأثورة في المراد بها - :

( قول الله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ﴾ أمر في صورة الخبر ، وجائز أن يكون نزول ذلك قبل الأمر بقتال المشركين , فكان في سائر الكفار حيث كان القتال محظوراً في أول الإسلام إلى أن قامت عليهم الحجة بصحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما عاندوه بعد البيان أمر المسلمون بقتالهم , فنسخ ذلك عن مشركي العرب بقوله تعالى : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾(التوبة: من الآية5) وسائر الآي الموجبة لقتال أهل الشرك , وبقي حكمه على أهل الكتاب إذا أذعنوا بأداء الجزية ودخلوا في حكم أهل الإسلام وفي ذمتهم . ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف .

وجائز أن يكون حكم هذه الآية ثابتا في الحال على جميع أهل الكفر ; لأن فيها الأمر بأن لا نكره أحداً على الدين , وذلك عموم يمكن استعماله في جميع الكفار .

فإن قال قائل : فمشركو العرب الذين أمر النبي r بقتالهم ، وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف قد كانوا مكرهين على الدين , ومعلوم أن من دخل في الدين مكرهاً فليس بمسلم , فما وجه إكراههم عليه ؟

قيل له : إنما أكرهوا على إظهار الإسلام لا على اعتقاده ; لأن الاعتقاد لا يصح منا الإكراه عليه ; ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : » أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله « ([12])، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن القتال إنما كان على إظهار الإسلام , وأما الاعتقادات فكانت موكولة إلى الله تعالى .)([13])

وأما ابن العربي ، فوجّه الآية توجيهاً آخر ، وقال : ( قوله تعالى : ﴿ لا إِكْرَاهَ ﴾ عموم في نفي إكراه الباطل ، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين ; وهل يقتل الكافر إلا على الدين ; قال r : » أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله « ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾(البقرة: من الآية193) وبهذا يستدل على ضعف قول من قال : إنها منسوخة .)([14])



النتيجة :

ما قرره أبو بكر الجصاص هو الراجح فيما ظهر لي ، كما أن قول ابن جرير وجيه ، ويحمل على الإكراه على إظهار الإسلام ؛ فهذا الإكراه خاص بالمشركين الوثنيين ، ولا يجوز إكراه من تقبل منه الجزية على الدخول في الإسلام .

وعلى ذلك فقول ابن القيم : ( والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر ) صحيح إن كان يريد به الإكراه على الاعتقاد الباطن ، وغير صحيح إن كان يريد به الإكراه على إظهار الإسلام والإذعان له ظاهراً .

والخلاصة أن أهل الكتاب - ومن في حكمهم كالمجوس - لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم ، وأدوا الجزية . وأما أهل الحرب من الكفار الوثنيين ؛ فالآية وإن كانت تعمهم ([15])؛ لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات وأحاديث في إكراههم على الدخول في الإسلام ظاهراً ، وأما الاعتقاد القلبي فلا يمكن الإكراه عليه .



تنبيهات وفوائد :

التنبيه الأول : نوع الخلاف وثمرته :

الخلاف بين الأقوال السابقة منه ما هو من اختلاف التنوع ، ومنه ما هو من اختلاف التضاد .

وثمرة الخلاف : إزالة الإشكال عن معنى الآية ، والتوفيق بينها وبين ما يظهر أنه معارض لها من الآيات والأحاديث .



التنبيه الثاني : سبب الخلاف :

الخلاف هنا له أسباب :

منها: اختلاف المفسرين في حكمها من حيث النسخ وعدمه .

ومنها : واختلافهم في عمومها وخصوصها .

والسببان السابقان يرجعان إلى توهم تعارض ظاهرها وعمومها مع آيات أخرى وأحاديث نبوية صحيحة .([16])



التنبيه الثالث : الذي ينبغي الجزم به في هذا المقام : أنه لا تعارض بين هذه الآية وآيات الجهاد ، ( فمن ظن من المفسرين أن هذه الآية تنافي آيات الجهاد ، فجزم بأنها منسوخة فقوله ضعيف لفظاً ومعنى ، كما هو واضح بين لمن تدبر الآية الكريمة .)([17])

التنبيه الرابع : يظن بعض من لا علم عنده أن إكراه الكفار الوثنيين على الدخول في الإسلام ليس مناسباً ، ولا يليق بسماحة هذا الدين . والحق أن هذا الإكراه يعدّ من محاسن هذا الدين العظيمة ؛ فإنه جاء بإنقاذ الكفرة من أسباب هلاكهم وذلهم وهوانهم وعذابهم في الدنيا والآخرة ، إلى أسباب النجاة والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة . وهذا هو مقتضى الحكمة والرحمة أن يقاد الناس إلى النجاة والسعادة ، ولو بالقوة والإكراه .([18])





الحواشي السفلية --------------------------------------------------------------------------------

([1] ) هداية الحيارى

([2] ) انظر جامع البيان 5/407-415 .

([3] ) انظر المحرر الوجيز 2/388-390 .

([4] ) انظر التفسير الكبير 7/

([5] ) انظر الجامع لأحكام القرآن 3/280-281 .

([6] ) انظر قوله في كتاب الناسخ والمنسوخ في كتاب الله U 2/101 وتتمته : ( …فلما خبّر أن الآية نزلت في هذا وجب أن يكون أولى الأقوال ، وأن تكون الآية مخصوصة نزلت في هذا . وحكم أهل الكتاب حكمهم .)

([7] ) قال أبو داود : والمِقلاتُ التي لا يعيش لها ولدٌ . انظر سنن أبي داود ص302 .

([8] ) أخرجه أبو داود في سننه – كتاب الجهاد – باب في الأسير يكره على الإسلام – رقم 2682، وابن جرير في تفسيره 5/407-408 . وهو صحيح كما في التفسير الصحيح للدكتور حكمت بن بشير 1/369 .

([9] ) انظر البحر المحيط 2/615-616 .

([10] ) انظر تفسير القرآن العظيم 2/627-628 .

([11] ) انظر التحرير والتنوير 3/26-28 .

([12] ) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الجهاد والسير – باب دعاء النبي r الناس إلى الإسلام والنبوة – رقم 2946 ، ومسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – رقم 21 ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

([13] ) أحكام القرآن للجصاص 1/548-549 .

([14] ) أحكام القرآن 1/310-311 .

([15] ) لأن النكرة في سياق النفي ، وتعريف الدين يفيدان ذلك ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . انظر فتح القدير للشوكاني 1/410 .

([16] ) انظر كتاب : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشنقيطي ص44-46 .

([17] ) تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي ص112 . وانظر تقريراً حسناً وتفصيلاً قيماً لهذا التنبيه في كتاب : قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله U لعبدالرحمن حبنكه الميداني ص144-147 .

([18] ) انظر مجموع فتاوي ومقالات الشيخ عبدالعزيز بن باز 8/288-289 .[/align]
 
جزاك الله خيراً على هذه النقول الطيبة ، ولكن لم يتبين لي الذي ترجح عندك من هذه الأقوال ، والحقيقة أن القول بالنسخ متعذر لأنه يحتاج إلى معرفة التاريخ وكما قال ابن شهاب الزهري في كلامه على الوضوء مما مست النار وكان يرى الوضوء مما مست النار فقيل له إنه منسوخ فقال : الناسخ والمنسوخ أعيا الفقهاء ، والجمع مقدم ما أمكن ، وإضافة لما سبق إليك إعادة لكلام ابن جزي ، وإضافة كلام الفخر الرازي إن شاء الله تعالى ، قال ابن جزي عند قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) المعنى أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه دون إكراه ويدل على ذلك قوله قد تبين الرشد من الغي أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غي فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه وقيل معناها الموادعة وأن لا يكره أحد بالقتال على الدخول في الإسلام ثم نسخت بالقتال وهذا ضعيف لأنها مدنية وإنما آية المسالمة وترك القتال بمكة .
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي ص89 – 90 .
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى :لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . فيه مسألتان المسألة الأولى اللام في الدّينِ فيه قولان أحدهما أنه لام العهد والثاني أنه بدل من الإضافة كقوله فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى النازعات 41 أي مأواه والمراد في دين الله المسألة الثانية في تأويل الآية وجوه أحدها وهو قول أبي مسلم والقفال وهو الأليق بأصول المعتزلة معناه أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر وإنما بناه على التمكن والاختيار ثم احتج القفال على أن هذا هو المراد بأنه تعالى لما بيّن دلائل التوحيد بياناً شافياً قاطعاً للعذر قال بعد ذلك إنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه وذلك مما لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان ونظير هذا قوله تعالى فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ الكهف 29وقال في سورة أخرى وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الاْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ الشعراء 3 4 وقال في سورة الشعراء لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السَّمَاء ءايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ومما يؤكد هذا القول أنه تعالى قال بعد هذه الآية قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ يعني ظهرت الدلائل ووضحت البينات ولم يبق بعدها إلا طريق القسر والإلجاء والإكراه وذلك غير جائز لأنه ينافي التكليف فهذا تقرير هذا التأويل
القول الثاني في التأويل هو أن الإكراه أن يقول المسلم للكافر إن آمنت وإلا قتلتك فقال تعالى لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ أما في حق أهل الكتاب وفي حق المجوس فلأنهم إذا قبلوا الجزية سقط القتل عنهم وأما سائر الكفار فإذا تهودوا أو تنصروا فقد اختلف الفقهاء فيهم فقال بعضهم إنه يقر عليه وعلى هذا التقدير يسقط عنه القتل إذا قبل الجزية وعلى مذهب هؤلاء كان قوله لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ عاماً في كل الكفار أما من يقول من الفقهاء بأن سائر الكفار إذا تهودوا أو تنصروا فإنهم لا يقرون عليه فعلى قوله يصح الإكراه في حقهم وكان قوله لا إِكْرَاهَ مخصوصاً بأهل الكتاب ، والقول الثالث لا تقولوا لمن دخل في الدين بعد الحرب إنه دخل مكرهاً لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره ومعناه لا تنسبوهم إلى الإكراه ونظيره قوله تعالى وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً النساء 94
أما قوله تعالى قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى يقال بان الشيء واستبان وتبين إذا ظهر ووضح ومنه المثل قد تبين الصبح لذي عينين وعندي أن الإيضاح والتعريف إنما سمي بياناً لأنه يوقع الفصل والبينونة بين المقصود وغيره والرشد في اللغة معناه إصابة الخير وفيه لغتان رشد ورشد والرشاد مصدر أيضاً كالرشد والغي نقيض الرشد يقال غوي يغوي غياً وغواية إذا سلك غير طريق الرشد المسألة الثانية تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ أي تميز الحق من الباطل والإيمان من الكفر والهدى من الضلالة بكثرة الحجج والآيات الدالة قال القاضي ومعنى قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ أي أنه قد اتضح وانجلى بالأدلة لا أن كل مكلف تنبه لأن المعلوم ذلك وأقول قد ذكرنا أن معنى تَّبَيَّنَ انفصل وامتاز فكان المراد أنه حصلت البينونة بين الرشد والغي بسبب قوة الدلائل وتأكيد البراهين وعلى هذا كان اللفظ مجري على ظاهره .
التفسير الكبير للفخر الرازي 7 / 13- 14 .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي الأعزاء بارك الله بكم
ما أكثر الذين يتسلقون بهذه الآية من دعاة حقوق الإنسان مدعين أنها تقف في وجه عقوبة الردة المقررة في السنة النبوية ، فهناك مباحث كثيرة اطلعت عليه تجعل هذه الآية " لا إكراه في الدين على عمومها بحيث تشمل من أسلم ثم كفر ، وها الفهم في غاية من الخطورة لأنه يفسح المجال للمتلاعبين بالدين ، بحيث يكون هذا الفهم ذريعة للعبث بالدين والاستخفاف به وبأهله.
وعليه هذه الآية لها جانبان : جانب متصل بمن لم يسلم بعد فهي في تصوري عامة في كل أصناف الكفار ، فلا نكرههم في الدخول في الدين لأن الإكراه يخلق النفاق هنا ، وديننا غني عن ذلك .
الجانب الثاني من أسلم أو ولد مسلما ثم ارتد ، فهذه الآية لا صله بهؤلاء وتطبق عليه أحكام الردة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه .
 
جزاك الله خيراً على هذا التفصيل المهم ولا شك أن الآية لاعلاقة لها بأصحاب الردة لأن المرتد جاء فيه نص قاطع وهو قول النبي صلى الله عليه : " من بدل دينه فاقتلوه " . أخرجه أحمد من حديث ابن عباس 1 / 282 ، 217 ، 219 ، والبخاري في كتاب استتابة المرتدين ، والمعاندين وقتالهم ، باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة رقم ( 6922 ) 4 / 279 ، وفي كتاب الجهاد ، باب لا يعذب بعذاب الله رقم ( 3017 ) 2 / 363 ، وأبو داوود في كتاب الحدود ، باب الحكم فيمن ارتد رقم ( 4351 ) 4 / 339 ، والترمذي في كتاب الحدود ، باب ما جاء في المرتد رقم ( 1458 ) 4 / 48 – 49 ، والنسائي في السنن الصغرى في كتاب تحريم الدم ، باب الحكم في المرتد 7 / 104 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3523 ) 2 / 301 ، وابن حبان رقم ( 5606 ) 12 / 421 ، وابن أبي شيبة رقم ( 33143 ) 6 / 485 ، وعبد الرزاق 10 / 68 ، والدارقطني 3 / 113 ، والحاكم 3 / 620 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8 / 202 ، وابن حزم في المحلى 11 / 190 . وبقوله : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " أخرجـه البخـاري في كتاب الديات ، باب إذا قتل بحجر أو بعصا رقـم ( 6878 ) 4 / 268 ، ومسلم في كتاب القسامة والمحاربين رقم ( 1676 ) 3 / 1303 ، وبقوله لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاثة إلا من زنى بعد ما أحصن أو كفر بعد ما أسلم أو قتل نفس فقتل بها .أخرجه أحمد 6 58 ، 181 ، 205 ، والنسائي في كتاب تحريم الدم ، باب الصلب رقم ( 4048 ) 7 / 101 ، وفي كتاب القسامة ، باب سقوط القـود من للكافر رقم ( 4743 ) 8 / 23 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3511 ) 2 / 299 ، ورقم ( 6945 ) 4 / 219 ، وابن أبي شيبة رقم ( 27902 ) 5 / 452 ، والدارقطني 3 / 81 ، والحاكم 4 / 408 ، 393 وصححه ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم ( 3751 – 3752 ) 3 / 844 . وبقوله : " لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلماً متعمداً ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض " . أخرجه أحمد 6 58 ، 181 ، 205 ، والنسائي في كتاب تحريم الدم ، باب الصلب رقم ( 4048 ) 7 / 101 ، وفي كتاب القسامة ، باب سقوط القـود من للكافر رقم ( 4743 ) 8 / 23 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3511 ) 2 / 299 ، ورقم ( 6945 ) 4 / 219 ، وابن أبي شيبة رقم ( 27902 ) 5 / 452 ، والدارقطني 3 / 81 ، والحاكم 4 / 408 ، 393 وصححه ، ومسلم نحوه في كتاب القسامة والمحاربين ، باب ما يباح به دم المسلم رقم ( 1676 ) 3 / 1303 ، وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذهب إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال : انزل فإذا رجل عنده موثق قال : ما هذا ؟ قال : كان يهـودياً فأسلم ثم تـهود قال: اجلس ، قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات ، فأمر به فقتل " . أخرجه البخاري في كتاب استتابة المرتدين ، والمعاندين وقتالهم ، باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة رقم ( 6923 ) 4 / 279 ، وفي كتاب الإجارة ، باب استئجار الرجل الصالح رقم ( 2261 ) 2 / 130 ، وفي كتاب الجهاد والسير ، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب ، وعقوبة من عصى إمامه رقم ( 3038 ) 2 / 368 ، وفي كتاب المغازي ، باب بعث أبي موسى ، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع رقم ( 4341 – 4345 ) 3 / 160 – 161 ، وفي كتاب الأدب ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا رقم ( 6124 ) 4 / 114، وفي كتاب الأحكام ، باب ما يكره من الحرص على الإمارة رقم ( 7149 ) 4 / 330، وفي باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه رقم ( 7156 ) 4 / 332 ، ومسلم في كتاب الإمارة ، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها رقم ( 1733 ) 3 / 1456 – 1457 . ولا يخفاك اختلاف العلماء في المراد بالآية كما سبق ذلك في حصر أقوالهم ، وقد ذكرت سابقاً أن الذي يترجح عندي وهو اختيار جمع من العلماء : أن معنى قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ِ أي : لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام ، لكماله وقبول الفطرة له ، ولأنه بيِّن واضح جليٌّ في دلائله وبراهينه ، لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه فمن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ، ولا منافاة بين هذه الآية والآيات الدالة على وجوب الجهاد ، لأن الجهاد مشروع لقتال كل من وقف في وجه الإسلام ، أما أنه يلزم ويكره على الدخول في الإسلام فلا ( قد تبين الرشد من الغي ) أي : ظهر وتميز الحق من الباطل ، والإيمان من الكفر والهدى من الضلال بالآيات والبراهين الدالة على ذلك ، فإذا تبين الرشد من الغي فإن كل نفس سليمة لابد أن تختار الرشد على الغي ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
عودة
أعلى