أبو عبد الله محمد مصطفى
New member
أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ،
وقال الشافعي : وتحريم الله تبارك وتعالى إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم أنا أبو عبد الله أنا أبو العباس أنا الربيع قال : قال الشافعي قال الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله عز وجل أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض وأنى شئتم من أين شئتم قال وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره والإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة ، قال الشافعي فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عنه في قوله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فلا يحل العمل بالذكر إلا في زوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله أعلم .
أحكام القرآن للشافعي 1 / 193- 195 .
قال ابن عطية عند قوله تعالى : ( نساءكم حرث لكم ) الآية قال جابر بن عبد الله والربيع : سببها أن اليهود قالت أن الرجل إذا أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول وعابت على العرب ذلك فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم وقالت أم سلمة وغيرها : سببها أن قريشاً كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وانشر كلام الناس في ذلك فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث وحرث تشبيه لأنهن مزدرع الذرية فلفظة الحرث تعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع وقوله أنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من صحابة وتابعين وأئمة من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وعلى جنب و إني إنما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات فهي أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى هذا هو الاستعمال العربي وقد فسر الناس إني في هذه الآية بهذه الألفاظ وفسرها سيبويه بكيف ومن أين باجتماعهما وذهبت فرقة ممن فسرها بأين إلى أن الوطء في الدبر جائز روي ذلك عن عبد الله بن عمر وروي عنه خلافه وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به ورويت الإباحة أيضاً عن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر ورواها مالك عن يزيد بن رومان عن سالم عن ابن عمر وروي عن مالك شيء في نحوه وهو الذي وقع في العتبية وقد كذب ذلك على مالك ووري بعضهم أن رجلاً فعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس فيه فنزلت هذه الآية قال القاضي أبو محمد وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه أنه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ج1/ص299 – 300.
وقال الشيخ محمد الأمين عند قوله تعالى : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة حيث ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين إحداهما هي قوله هنا فأتوا حرثكم لأن قوله : فاتوا أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله : حرثكم يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد كما هو ضروري ، الثانية قوله تعالى : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم لأن المراد بما كتب الله لكم الولد على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير وقد نقله عن ابن عباس ومجاهد والحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والربيع والضحاك بن مزاحم ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه بمعنى الجماع فيكون معنى الآية فالآن باشروهن ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد الذي هو القبل دون غيره بدليل قوله : وابتغوا ما كتب الله لكم يعني الولد ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى أنى شئتم يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب أو غير ذلك ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، فظهر من هذا أن جابراً رضي الله عنه يرى أن معنى الآية فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله الرجز تفسير صاحب له تعلق بالسبب الرفع له محقق وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم ما نصه وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان شهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم ، وقد جمعها أبو الفرج الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ، ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار قلت وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه وقد حذرنا من زلة العالم وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضي الله عنه وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك كما ذكر النسائي وقد تقدم وأنكر ذلك مالك واستعظمه وكذب من نسب ذلك إليه وروى الدارمي في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض لهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ومثله عن علي بن طلق وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، وروي أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها وروي عن طاوس أنه قال كان بدأ عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن قال ابن المنذر وإذا ثبت الشىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه من القرطبي بلفظه وقال القرطبي أيضا ما نصه وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال كذبوا علي كذبوا علي كذبوا علي ثم قال ألستم قوما عربا ألم يقل الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت منه بلفظه أيضاً
ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأن دم الإستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب ، قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في ذلك إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أن الرتقاء لا ترد بالرتق والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ، قال القرطبي وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج فإن قيل قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر فالجواب أن العقم لا يرد به ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجبا للرد ، وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى فأتوا حرثكم فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام فاعلم أن من روى عنه جواز ذلك كابن عمر وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين والمتأخرين يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر كما يبينه حديث جابر والجمع واجب إذا أمكن قال ابن كثير في تفسير قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم ما نصه قال أبو محمد عبد الرحمان بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن قال وما التحميض فذكر الدبر فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث ، وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم منه بلفظه وقد علمت أن قوله أنى شئتم لا دليل فيه للوطء في الدبر لأنه مرتب بالفاء التعقيبية على قوله : نسائكم حرث لكم ومعلوم أن الدبر ليس محل حرث ولا ينتقض هذا بجواز الجماع في عكن البطن وفي الفخذين والساقين ونحو ذلك مع أن الكل ليس محل حرث لأن ذلك يسمى استمناء لا جماعا والكلام في الجماع لأن المراد بالإتيان في قوله : فأتوا حرثكم الجماع والفارق موجود لأن عكن البطن ونحوها لا قذر فيها والدبر فيه القذر الدائم والنجس الملازم ، وقد عرفنا من قوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء أن الوطء في محل الأذى لا يجوز ، وقال بعض العلماء معنى قوله من حيث أمركم الله أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوه إلى غيره ويروى هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وغيرهم وعليه فقوله من حيث أمركم الله يبينه قل هو أذى فاعتزلوا النساء الآية لأن من المعلوم أن محل الأذى الذي هو الحيض إنما هو القبل وهذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا وهذا القول مبني على أن النهي عن الشىء أمر بضده لأن ما نهى الله عنه فقد أمر بضده ولذا تصح الإحالة في قوله أمركم الله على النهي في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن والخلاف في النهي عن الشيء هو أمر بضده معروف في الأصول وقد أشار له في مراقي السعود بقوله :
الرجز والنهي فيه غابر الخلاف ** أو أنه أمر بالائتلاف
وقيل لا قطعا كما في المختصر ** وهو لدى السبكي رأي ما انتصر
ومراده بغابر الخلاف هو ما ذكر قبل هذا من الخلاف في الأمر بالشيء هل هو عين النهي عن ضده أو مستلزم له أو ليس عينه ولا مستلزما له يعني أن ذلك الخلاف أيضا في النهي عن الشيء هل هو عين الأمر بضده أو ضد من أضداده إن تعددت أو مستلزم لذلك أو ليس عينه ولا مستلزما له وزاد في النهي قولين : أحدهما أنه أمر بالضد اتفاقا ، والثاني أنه ليس أمراً به قطعاً وعزا الأخير لابن الحاجب في مختصره وأشار إلى أن السبكي في جمع الجوامع ذكر أنه لم ير ذلك القول لغير ابن الحاجب وقال الزجاج معنى من حيث أمركم الله أي من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحل كما إذا كن صائمات أو محرمات أو معتكفات ، وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد من حيث أمركم الله يعني طاهرات غير حيض والعلم عند الله تعالى .
أضواء البيان ج1/ص91 - 96 .
وقال أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله هلكت قال ما الذي أهلكك قال حوّلت رحلي البارحة فلم يردّ عليّ شيئاً فأوحى الله تعالى نساؤُكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم يقول أقبل وأدبر واتق الدّبر والحيضة محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال كان اليهود يقولون من جامع امرأته وهي مجبيّة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود فأنزل الله تعالى نساؤُكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم مجاهد عن ابن عباس قال كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلاّ على حرف وذلك أيسر ما يكون للمرأة فكان هذا الحي من الأنصار يأخذون بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرح عن النساء شرحاً منكراً ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع وإلاّ فاجتنبني حتى انتشر أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزّ وجلّ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم يعني موضع الولد قالوا حرثكم أنّى شئتم مدبرات ومقبلات ومستلقيات قال الحسن وقتادة والمقاتلان والكلبي تذاكر المهاجرون والأنصار واليهود إتيان النساء في مجلس لهم فقال المهاجرون إنّا نأتيهن باركات وقايمات ومستلقيات ومن بين أيديهن ومن خلفهن بعد أن يكون المأتي واحداً في الفرج فعابت اليهود وقالت ما أنتم إلاّ أمثال البهائم لكنّا نأتيها على هيئة واحدة فإنا لنجد في التوراة أن كل إتيان يؤتى للنساء غير الاستلقاء دنس عند الله ومنه يكون الحَوَل والخَبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إنّا كنا في جاهليتنا وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا فإنّ اليهود عابت ذلك علينا وزعمت أنّا كذا وكذا فكذّب الله عزّوجل اليهود وأنزل رخصة لهم نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم أي كيف شئتم وحيث شئتم ومتى شئتم بعد أن يكون في فرج واحد أنّى حرف استفهام ويكون سؤالاً عن الحال والمحلّ وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا ، يحيى بن أبي كثير عن رجل قال قال عبد الله ستأمر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث وإنما قال الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال نساؤكم حرث لكم أي مزرع ومنبت الولد وأراد به المحرث المزدرع ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جُعلن حرثاً وقال أهل المعاني تقدير الآية نساؤكم كحرث لكم كقوله تعالى حتى إذا جعله ناراً أي كنار قال الشاعر النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف الأكف عنم والعرب تسمي النساء حرثاً قال المفضل بن سلمة أنشدني أبي إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همّه أكل الجراد وقال الثعلبي وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي قال أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي قال أنشدني أبي قال أنشدنا أحمد بن يحيى حبّذا من حبّة الله النبات الصالحات هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات يجعل الله لنا فيما يشاء البركات إنما الأرضون لنا محرثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية نساؤكم حرث لكم قال أتدري فيما نزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ ذلك عليه فنزلت نساؤكم حرث لكم الآية وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد الله فقال يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد الله قال وما هو قال زعم أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء من أدبارهنّ قال كذب العبد وأخطأ إنّما قال عبد الله تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ الدليل على تحريم الأدبار ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال لا يكون الحرث إلاّ حيث يكون النبات وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهنّ مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأته في دبرها .
تفسير الثعلبي ج2/ص161- 163 .
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى : نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأنفسكم وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ . في الآية مسائل : المسألة الأولى ذكروا في سبب النزول وجوهاً أحدها روي أن اليهود قالوا من جامع امرأته في قبلها من دبرها كان ولدها أحول مخبلاً وزعموا أن ذلك في التوراة فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود ونزلت هذه الآية وثانيها روي عن ابن عباس أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت وحكى وقوع ذلك منه فأنزل الله تعالى هذه الآية وثالثها كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة من دبرها في قبلها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك فأنكرت الأنصار ذلك عليهم فنزلت الآية ، المسألة الثانية حَرْثٌ لَّكُمْ أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات الخارج والحرث مصدر ولهذا وحد الحرث فكان المعنى نساؤكم ذوات حرث لكم فيهن تحرثون للولد فحذف المضاف وأيضاً قد يسمى موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة كقوله فإنما هي إقبالي وإدبار ويقال هذا أمر الله أي مأموره وهذا شهوة فلان أي مشتهاه فكذلك حرث الرجل محرثة ، المسألة الثالثة ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها فقوله أَنَّى شِئْتُمْ محمول على ذلك ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن وسائر الناس كذبوا نافعاً في هذه الرواية وهذا قول مالك واختيار السيد المرتضى من الشيعة والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وحجة من قال إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه ، الحجة الأولى أن الله تعالى قال في آية المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَاء فِي الْمَحِيضِ ، جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة ، الحجة الثانية قوله تعالى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وظاهر الأمر للوجوب ولا يمكن أن يقال إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن الحكم الثامن نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لاًّنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، في الآية مسائل ، المسألة الأولى ذكروا في سبب النزول وجوهاً أحدها روي أن اليهود قالوا من جامع امرأته في قبلها من دبرها كان ولدها أحول مخبلاً وزعموا أن ذلك في التوراة فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود ونزلت هذه الآية وثانيها روي عن ابن عباس أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت وحكى وقوع ذلك منه فأنزل الله تعالى هذه الآية وثالثها كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة من دبرها في قبلها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك فأنكرت الأنصار ذلك عليهم فنزلت الآية ، المسألة الثانية حَرْثٌ لَّكُمْ أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات الخارج والحرث مصدر ولهذا وحد الحرث فكان المعنى نساؤكم ذوات حرث لكم فيهن تحرثون للولد فحذف المضاف وأيضاً قد يسمى موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة كقوله فإنما هي إقبالي وإدبار ، ويقال هذا أمر الله أي مأموره وهذا شهوة فلان أي مشتهاه فكذلك حرث الرجل محرثة ، المسألة الثالثة ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها فقوله أَنَّى شِئْتُمْ محمول على ذلك ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن وسائر الناس كذبوا نافعاً في هذه الرواية وهذا قول مالك واختيار السيد المرتضى من الشيعة والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وحجة من قال إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه ، الحجة الأولى أن الله تعالى قال في آية المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَاء فِي الْمَحِيضِ ، جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة ، الحجة الثانية قوله تعالى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وظاهر الأمر للوجوب ولا يمكن أن يقال إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن يأتيها في ذلك الموضع الذي أمر الله تعالى به ثم هذا غير محمول على الدبر لأن ذلك بالإجماع غير واجب فتعين أن يكون محمولاً على القبل وذلك هو المطلوب ، الحجة الثالثة روى خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلال فلما ولى الرجل دعاه فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أو من قبلها في قبلها فنعم أمن دبرها في قبلها فنعم أمن دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تؤتوا النساء في أدبارهن وأراد بخربتها مسلكها وأصل الخربة عروة المزادة شبه الثقب بها والخرزة هي التي يثقبها الخراز كنى به عن المأتي وكذلك الخصفة من قولهم خصفت الجلد إذا خرزته حجة من قال بالجواز وجوه
الحجة الأولى التمسك بهذه الآية من وجهين الأول أنه تعالى جعل الحرث اسماً للمرأة فقال نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة لا للموضع المعين فلما قال بعده فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم فيكون هذا إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه فيدخل فيه محل النزاع
الوجه الثاني أن كلمة أنى معناها أين قال الله تعالى أَنَّى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ، والتقدير من أين لك هذا فصار تقدير الآية فأتوا حرثكم أين شئتم وكلمة أين شئتم تدل على تعدد الأمكنة اجلس أين شئت ويكون هذا تخييراً بين الأمكنة ، إذا ثبت هذا فنقول ظهر أنه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها أو من دبرها في قبلها لأن على هذا التقدير المكان واحد والتعداد إنما وقع في طريق الإتيان واللفظ اللائق به أن يقال اذهبوا إليه كيف شئتم فلما لم يكن المذكور ههنا لفظة كيف بل لفظة أنى ويثبت أن لفظة أنى مشعرة بالتخيير بين الأمكنة ثبت أنه ليس المراد ما ذكرتم بل ما ذكرناه ، الحجة الثانية لهم التمسك بعموم قوله تعالى إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ . ترك العمل به في حق الذكور لدلالة الإجماع فوجب أن يبقى معمولاً به في حق النسوان ، الحجة الثالثة توافقنا على أنه لو قال للمرأة دبرك على حرام ونوى الطلاق أنه يكون طلاقاً وهذا يقتضي كون دبرها حلالاً له هذا مجموع كلام القوم في هذا الباب ، أجاب الأولون فقالوا الذي يدل على أنه لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية إتيان النساء في غير المأتي وجوه الأول أن الحرث اسم لموضع الحراثة ومعلوم أن المراد بجميع أجزائها ليست موضعاً للحراثة فامتنع إطلاق اسم الحرث على ذات المرأة ويقتضي هذا الدليل أن لايطلق لفظ الحرث على ذات المرأة إلا أنا تركنا العمل بهذا الدليل في قوله نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ لأن الله تعالى صرح ههنا بإطلاق لفظ الحرث على ذات المرأة فحملنا ذلك على المجاز المشهور من تسمية كل الشيء باسم جزئه وهذه الصورة مفقودة في قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ فوجب حمل الحرث ههنا على موضع الحراثة على التعيين فثبت أن الآية لا دلالة فيها إلا على إتيان النساء في المأتى ، الوجه الثاني في بيان أن هذه الآية لا يمكن أن تكون دالة على ما ذكروه لما بينا أن ما قبل هذه الآية يدل على المنع مما ذكروه من وجهين أحدهما قوله قُلْ هُوَ أَذًى والثاني قوله فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فلو دلت هذه الآية على التجويز لكان ذلك جمعاً بين ما يدل على التحريم وبين ما يدل على التحليل في موضع واحد والأصل أنه لا يجوز ، الوجه الثالث الروايات المشهورة في أن سبب نزول هذه الآية اختلافهم في أنه هل يجوز إتيانها من دبرها في قبلها وسبب نزول الآية لا يكون خارجاً عن الآية فوجب كون الآية متناولة لهذه الصورة ومتى حملناها على هذه الصورة لم يكن بنا حاجة إلى حملها على الصورة الأخرى فثبت بهذه الوجوه أن المراد من الآية ليس ما ذكروه وعند هذا نبحث عن الوجوه التي تمسكوا بها على التفصيل ، أما الوجه الأول فقد بينا أن قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ معناه فأتوه موضع الحرث وأما الثاني فإنه لما كان المراد بالحرث في قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ذلك الموضع المعين لم يكن حمل أَنَّى شِئْتُمْ على التخيير في مكان وعند هذا يضمر فيه زيادة وهي أن يكون المراد من أَنَّى شِئْتُمْ فيضمر لفظة من لا يقال ليس حمل لفظ الحرث على حقيقته والتزام هذا الإضمار أولى من حمل لفظ الحرث على المرأة على سبيل المجاز حتى لا يلزمنا هذا الإضمار لأن نقول بل هذا أولى لأن الأصل في الإبضاع الحرمة ، وأما الثالث فجوابه أن قوله إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ، عام ودلائلنا خاصة والخاص مقدم على العام ، وأما الرابع فجوابه أن قوله دبرك على حرام إنما صلح أن يكون كناية عن الطلاق لأنه محل لحل الملابسة والمضاجعة فصار ذلك كقوله يدك طالق والله أعلم ، المسألة الرابعة اختلف المفسرون في تفسير قوله أَنَّى شِئْتُمْ والمشهور ما ذكرناه أنه يجوز للزوج أن يأتيها من قبلها في قبلها ومن دبرها في قبلها والثاني أن المعنى أي وقت شئتم من أوقات الحل يعنى إذا لم تكن أجنبية أو محرمة أو صائمة أو حائضاً والثالث أنه يجوز للرجل أن ينكحها قائمة أو باركة أو مضطجعة بعد أن يكون في الفرج الرابع قال ابن عباس المعنى إن شاء وإن شاء لم يعزل وهو منقول عن سعيد بن المسيب الخامس متى شئتم من ليل أو نهار فإن قيل فما المختار من هذه الأقاويل قلنا قد ظهر عن المفسرين أن سبب نزول هذه الآية هو أن اليهود كانوا يقولون من أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى هذا لتكذيب قولهم فكان الأولى حمل اللفظ عليه وأما الأوقات فلا مدخل لها في هذا الباب لأن أنى يكون بمعنى مَتَى ويكون بمعنى كَيْفَ وأما العزل وخلافه فلا يدخل تحت أنى لأن حال الجماع لا يختلف بذلك فلا وجه لحمل الكلام إلا على ما قلنا ، والذي عندي فيه أن قوله نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ جار مجرى التنبيه على سبب إباحة الوطء كأنه قيل هؤلاء النسوان إنما حكم الشرع بإباحة وطئهن لكم لأجل أنهن حرث لكم أي بسبب أنه يتولد الولد منها ثم قال بعده فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي لما كان السبب في إباحة وطئها لكم حصول الحرث فأتوا حرثكم ولا تأتوا غير موضع الحرث فكان قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ دليلاً على الإذن في ذلك الموضع والمنع من غير ذلك الموضع فلما اشتملت الآية عل الإذن في أحد الموضعين والمنع عن الموضع الآخر لا جرم قال وَقَدّمُواْ لأنفسكم أي لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة بل كونوا في قيد تقديم الطاعة ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله وَاتَّقُواْ اللَّهَ ثم أكده ثالثاً بقوله وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا يليق ذكرها إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن شيء لذيذ مشتهى فثبت أن ما قبل هذه الآية دال على تحريم هذا العمل وما بعدها أيضاً دال على تحريمه فظهر أن المذهب الصحيح في تفسير هذه الآية ما ذهب إليه جمهور المجتهدين .
التفسير الكبير للفخر الرازي 6/ص61 – 64 .
وقال القرطبي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) روى الأئمة واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم زاد في رواية عن الزهري إن شاء مجببة وإن شاء غير مجببة غير إن ذلك في صمام واحد ويروى في سمام واحد بالسين قاله الترمذي وروى البخاري عن نافع قال كان بن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدرى فيم أنزلت قلت لا قال نزلت في كذا وكذا ثم مضى وعن عبد الصمد قال حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في قال الحميدي يعنى الفرج وروى أبو داود عن بن عباس قال إن بن عمر والله يغفر له وهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب إلا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شرى أمرهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعنى بذلك موضع الولد وروى الترمذي عن بن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلك قال حولت رحلي الليلة قال فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قال فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة قال هذا حديث حسن صحيح وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى بن عمر قد أكثر عليك القول إنك تقول عن بن عمر أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن قال نافع لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض علي المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم قال نافع هل تدري ما أمر هذه الآية إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله سبحانه نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم الثانية هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ولا يباح وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم وحرث تشبيه لأنهن مزدرع الذرية فلفظ الحرث يعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع وأنشد ثعلب إنما الأرحام أر ضون لنا محترثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات فالحرث بمعنى المحترث ووحد الحرث لأنه مصدر كما يقال رجل صوم وقوم صوم الثالثة قوله تعالى : أنى شئتم معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة كما ذكرنا أنفا وأنى تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات فهو أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى هذا هو الاستعمال العربي في أنى وقد فسر الناس أنى في هذه الآية بهذه الألفاظ وفسرها سيبويه ب كيف ومن أين باجتماعهما وذهبت فرقة ممن فسرها ب أين إلى أن الوطء في الدبر مباح وممن نسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وبن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى كتاب السر وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر ووقع هذا القول في العتبية وذكر بن العربي أن بن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسوان وأحكام القران وقال الكيا الطبري : وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ويتأول فيه قول الله عز وجل أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم وقال فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له حتى يقال تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح قال الكيا وهذا فيه نظر إذ معناه وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا فيجوز التوبيخ على هذا المعنى وفي قوله تعالى : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) مع قوله فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتي اختصاصا وأنه مقصور على موضع الولد قلت هذا هو الحق في المسألة وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التى لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوى أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد والصحيح في هذه المسألة ما بيناه وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث لقوله تعالى فأتوا حرثكم ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح وهذا هو الحق وقد قال أصحاب أبى حنيفة إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض فكان أشنع وأما صمام البول فغير صمام الرحم وقال بن العربي في قبسه قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين وأخرج يده عاقدا بها وقال مسلك البول ما تحت الثلاثين ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال كذبوا علي كذبوا علي كذبوا علي ثم قال ألستم قوما عربا ألم يقل الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الإدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داؤد والنسائي والترمذي وغيرهم وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ولشيخنا أبى العباس أيضاً في ذلك جزء سماه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار قلت وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الأخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه وقد حذرنا من زلة العالم وقد روي عن بن عمر خلاف هذا وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضى الله عنه وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك كما ذكر النسائي وقد تقدم وأنكر ذلك مالك واستعظمه وكذب من نسب ذلك إليه وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبى الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض بهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ومثله عن على بن طلق وأسند عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى أبو داؤد الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها وروى عن طاوس أنه قال كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن قال بن المنذر وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه .
تفسير القرطبي ج3/ص91- 96 .
وقال عبد الرحمن بن محمد الثعالبي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية مبيحة لهيآت الإتيان كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ولفظه الحرث تعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع قال ابن العربي في أحكامه وفي سبب نزول هذه الآية روايات الأولى عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد خرجه مسلم وغيره الثالثة ما روى الترمذي أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت البارحة رحلي فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم أقبل وأدبر وأتق الدبر انتهى قال ع وأنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة على جنب قال ع وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه انه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله أن يعرج بهذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره .
تفسير الثعالبي ج1/ص172- 173 .
وقال البغوي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا وأوحى الله إليه نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا صاحب ابن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها أن الولد يكون أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليهه وقالت إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى سرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله
تعالى نساؤكم حرث لكم الآية يعني موضع الولد فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومدبرات ومستلقيات و أنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل معناه كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد وقال عكرمة أنى شئتم إنما هو الفرج ومثله لكم أي مزرع لكم ومنبت الولد بمنزلة الأرض التي تزرع وفيه دليل على تحريم الأدبار لأن محل الحرث والزرع هو القبل لا الدبر وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال حرثك إن شئت فاعطش وإن شئت فأرو وروي عنه أنه قال تستأمر الجارية وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقال هو الوأد الخفي وروي عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية نساؤكم حرث لكم فقال أتدري فيكم نزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية ويحكى عن مالك إباحة ذلك وأنكر ذلك أصحابه وروى عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حدثت بحديث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن فقال كذب العبد وأخطأ إنما قال عبد الله يؤتون في فروجهن من أدبارهن والدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرنا عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الحلاج عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم في أي الخرمتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحق الثعلبي أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها .
تفسير البغوي ج1/ص198- 199.
وقال الجصاص عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) الحرث المزدرع وجعل في هذا الموضع كناية عن الجماع وسمى النساء حرثا لأنهن مزدرع الأولاد وقوله فأتوا حرثكم أنى شئتم يدل على أن إباحة الوطء مقصورة على الجماع في الفرج لأنه موضع الحرث واختلف في إتيان النساء في أدبارهن فكان أصحابنا يحرمون ذلك وينهون عنه أشد النهي وهو قول الثوري والشافعي فيما حكاه المزني قال الطحاوي وحكى لنا محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن مالك قال ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه قال ابن القاسم فقلت لمالك بن أنس عندنا بمصر الليث بن سعد يحدثنا عن الحارث بن يعقوب عن أبي الحباب سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أنحمض لهن فقال وما التحميض فذكرت الدبر قال ويفعل ذلك أحد من المسلمين فقال مالك فأشهد على ربيعة بن أبي عبد الرحمن يحدثني عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال لا بأس به قال ابن القاسم فقال رجل في المجلس يا أبا عبد الله فإنك تذكر عن سالم أنه قال كذب العبد أو كذب العلج على أبي يعني نافعا كما كذب عكرمة على ابن عباس فقال مالك وأشهد على يزيد بن رومان يحدثني عن سالم عن أبيه انه كان يفعله قال أبو بكر قد روى سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم إلا أن زيد بن أسلم لا يعلم له سماع من ابن عمر وروى الفضل بن فضالة عن عبد الله بن عباس عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر أنه قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى ان تؤتى النساء في أدبارهن قال نافع كذبوا علي أن ابن عمر عرض المصحف يوما حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت لا قال إنا كنا معشر قريش نجبي النساء وكانت نساء الأنصار قد أخذن عن اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله هذه فهذا يدل على أن السبب غير ما ذكره زيد بن أسلم عن ابن عمر لأن نافعا قد حكى عنه غير ذلك السبب وقال ميمون بن مهران أيضا قال ذلك نافع يعني تحليل وطء النساء في أدبارهن بعدما كبر وذهب عقله قال أبو بكر المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه وقد حكى محمد بن سعيد عن أبي سليمان الجوزجاني قال كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر فضرب بيده إلى رأسه وقال الساعة اغتسلت منه وقد رواه عنه ابن القاسم على ما ذكرنا وهو مذكور في الكتب الشرعية ويروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ويتأول فيه قوله تعالى أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون وروي عن ابن مسعود أنه قال محاش النساء حرام وقال عبد الله بن عمر وهي اللوطية الصغرى وقد اختلف عن ابن عمر فيه فكأنه لم يرو عنه فيه شيء لتعارض ما روي عنه فيه وظاهر الكتاب يدل على أن الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج الذي هو موضع الحرث وهو الذي يكون منه الولد وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة في تحريمه رواه خزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تأتوا النساء في أدبارهن وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية الصغرى يعني إتيان النساء في أدبارهن وروى حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أوامرأته في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد وروى ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج وروت حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صمام واحد وروى مجاهد عن ابن عباس مثله في تأويل الآية قال يعني كيف شئت في موضع الولد وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى الرجل أتى امرأته في دبرها وذكر ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال هذا يسألني عن الكفر وقد روي عن ابن عمر في قوله نساؤكم حرث لكم قال كيف شئت إن شئت عزلا أو غير عزل رواه أبو حنيفة عن كثير الرياح الأصم عن ابن عمر وروي نحوه عن ابن عباس وهذا عندنا في ملك اليمين وفي الحرة إذا أذنت فيه وقد روي ذلك على ما ذكرنا من مذهب أصحابنا عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وآخرين غيرهم فإن قيل قوله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم يقتضي إباحة وطئهن في الدبر لورود الإباحة مطلقة غير مقيدة ولا مخصوصة قيل له لما قال الله تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله ثم قال في نسق التلاوة فأتوا حرثكم أنى شئتم أبان بذلك موضع المأمور به وهو موضع الحرث ولم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلا في موضع الولد فهو مقصور عليه دون غيره وهو قاض مع ذلك على قوله تعالى إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم كما كان حظر وطء الحائض قاضيا على قوله إلا على أزواجهم فكانت هذه الآية مرتبة على ما ذكر من حكم الحائض ومن يحظر ذلك يحتج بقوله قل هو أذى فحظر وطء الحائض للأذى الموجود في الحيض وهو القذر والنجاسة وذلك موجود في غير موضع الولد في جميع الأحوال فاقتضى هذا التحليل حظر وطئهن إلا في موضع الولد ومن يبيحه يجيب عن ذلك بأن المستحاضة يجوز وطؤها باتفاق من الفقهاء مع وجود الأذى هناك وهو دم الإستحاضة وهو نجس كنجاسة دم الحيض وسائر الأنجاس ويجيبون أيضا على تخصيصه إباحة موضع الحرث باتفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج وإن لم يكن موضعا للولد فدل على أن الإباحة غير مقصورة على موضع الولد ويجابون عن ذلك بأن ظاهر الآية يقتضي كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج وأنه هو الذي عناه الله تعالى بقوله من حيث أمركم الله إذ كان معطوفاً عليه ولولا قيام دلالة الإجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج ولكنا سلمناه للدلالة وبقي حكم الحظر فيما لم تقم الدلالة عليه .
أحكام القرآن للجصاص 2 / 39 – 42 .
وقال ابن العربي عند قوله تعالى : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين " .
فيها مسألتان : المسألة الأولى في سبب نزولها وفي ذلك روايات قال جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كانت في صمام واحد أخرجه مسلم وغيره ، الثالثة روى الترمذي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم فقال أقبل وأدبر واتق الدبر، المسألة الثانية اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها فجوزه طائفة كثيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدري فيم نزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في ولم يذكر بعده شيئاً ، ويروى عن الزهري أنه قال وهل العبد فيما روى عن ابن عمر في ذلك ، وقال النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى بأن يأتوا النساء في أدبارهن قال نافع لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال يا نافع هل تعلم ما أمر هذه الآية قلت لا قال لنا كنا معشر قريش نجيء النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا وإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال القاضي وسألت الإمام القاضي الطوسي عن المسألة فقال لا يجوز وطء المرأة في دبرها بحال لأن الله تعالى حرم الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة فأولى أن يحرم الدبر بالنجاسة اللازمة .
أحكام القرآن لابن العربي 1 / 237 - 239
قال ابن الجوزي عند قوله تعالى:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ، قوله تعالى نساؤكم حرث لكم في سبب نزلها ثلاثة أقوال : أحدها أن اليهود أنكرت جواز إتيان المرأة إلا من بين يديها وعابت من يأتيها على غير تلك الصفة فنزلت هذه الآية روي عن جابر والحسن وقتادة والثاني أن حياً من قريش كانوا يتزوجون النساء بمكة ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار فذهبوا ليفعلوا ذلك فأنكرنه وانتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية رواه مجاهد عن ابن عباس والثالث أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت حولت رحلي الليلة فنزلت هذه الآية رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والحرث المزدرع وكنى به هاهنا عن الجماع فسماهن حرثا لأنهن مزدرع الأولاد كالأرض للزرع فان قيل النساء جمع فلم لم يقل حروث فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن القاسم الأنباري النحوي أحدها أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع فلزمه التوحيد كما تقول العرب إخوتك صوم وأولادك فطر يريدون صائمين ومفطرين فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع والثاني أن يكون أراد حروث لكم فاكتفى بالواحد من الجمع كما قال الشاعر كلوا في نصف بطونكم تعيشوا أي في أنصاف بطونكم والثالث أنه إنما وحد الحرث لأن النساء شبهن به ولسن من جنسه والمعنى نساؤكم مثل حروث لكم ، قوله تعالى أنى شئتم فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنه بمعنى كيف شئتم ثم فيه قولان أحدهما أن المعنى كيف شئتم مقبلة أو مدبرة وعلى كل حال إذا كان الإتيان في الفرج وهذا قول ابن عباس و مجاهد وعطية والسدي و ابن قتيبة في آخرين والثاني أنها نزلت في العزل قاله سعيد بن المسيب فيكون المعنى إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا ، والقول الثاني أنه بمعنى إن شئتم ومتى شئتم وهو قول ابن الحنفية و الضحاك وروي عن ابن عباس أيضا والثالث أنه بمعنى حيث شئتم وهذا محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس وهو فاسد من وجوه أحدها أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدث بذلك عن ابن عمر قال كذب العبد إنما قال عبد الله يؤتون في فروجهن من أدبارهن و أما أصحاب مالك فإنهم ينكرون صحته عن مالك والثاني أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ملعون من أتى النساء في أدبارهن فدل على أن الآية لا يراد بها هذا ، والثالث أن الآية نبهت على أنه محل الولد بقوله فأتوا حرثكم وموضع الزرع هو مكان الولد قال ابن الأنباري لما نص الله على ذكر الحرث والحرث به يكون النبات والولد مشبه بالنبات لم يجز أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد والرابع أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه" .
زاد المسير لابن الجوزي 1 / 250 – 253 .
وقال ابن كثير عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) قال ابن عباس الحرث موضع الولد فأتوا حرثكم أنى شئتم أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد كما ثبتت بذلك الأحاديث قال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن بن المنكدر قال سمعت جابراً قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به وقال بن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا بن وهب أخبرني مالك بن أنس وبن جريج وسفيان بن سعيد الثوري أن محمد بن المنكدر حدثهم أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال بن جريج في الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر قال حرثك ائت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت الحديث رواه أحمد وأهل السنن حديث آخر قال بن أبي حاتم حدثنا يونس أخبرنا بن وهب أخبرني بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عامر بن يحيى عن حنش بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشياء فقال له رجل إني أجب النساء فكيف ترى في فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ورواه الإمام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش عن بن عباس قال أنزلت هذه الآية نساؤكم حرث لكم في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إئتها على كل حال إذا كان في الفرج حديث آخر قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث حدثنا أحمد بن داود بن موسى حدثنا يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزل الله نساءكم حرث لكم الآية ورواه بن جرير عن يونس عن يعقوب ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح عن عبد الله بن نافع به حديث آخر قال الإمام أحمد 6305 حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خيثم عن عبد الله بن سابط قال دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك قالت فلا تستحي يا بن أخي قال عن إتيان النساء في أدبارهن قالت حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول إنه من أجبى امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأحبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فسألته أم سلمة فقال ادعى الأنصارية فدعتها فتلا عليها هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا ورواه الترمذي عن بندار عن بن مهدي عن سفيان عن أبي خيثم به وقال حسن قلت وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه عن بن خيثم عن يوسف بن ماهك عن حفصة أم المؤمنين أن امرأة أتتها فقالت إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لابأس إذا كان في صمام واحد حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا يعقوب يعني القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول هلكت قال ما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة قال فلم يرد عليه شيئا قال فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن حسن بن موسى الأشيب به وقال حسن غريب وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا الحارث بن شريح حدثنا عبد الله بن نافع حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أبو داود حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ قال حدثني محمد يعني بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن بن عباس قال إن بن عمر قال والله يغفر له أوهم وإنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون كثيرا من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسري أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد تفرد به أبو داود ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة فانها مشابهة لهذا السياق وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على بن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها حتى انتهيت إلى هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال ابن عباس إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن فذكر القصة بتمام سياقها وقول بن عباس إن بن عمر والله يغفر له أوهم كأنه يشير إلى ما رواه البخاري حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل أخبرنا بن عون عن نافع قال كان بن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عنه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدري فيم أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى وعن عبد الصمد قال حدثني أبي حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أن يأتيها في هكذا رواه البخاري وقد تفرد به من هذا الوجه وقال بن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية حدثنا بن عون عن نافع قال قرأت ذات يوم نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال بن عمر أتدري فيم نزلت قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وحدثني أبو قلابة حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال في الدبر وروى من حديث مالك عن نافع عن بن عمر ولا يصح وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن بن عمر أن رجلا أتى أمرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أبو حاتم الرازي لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن بن عمر لما أولع الناس بنافع وهذا تعليل منه لهذا الحديث وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عمر فذكره وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى عن الفضل بن فضالة عبد الله بن سليمان الطويل عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى بن عمر انه قد أكثر عليك القول انك تقول عن بن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال كذبوا علي ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن بن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت لا قال إنا كنا معشر قريش نجبى النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وهذا إسناد صحيح وقد رواه بن مردويه عن الطبراني عن الحسين بن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب بن علقمة فذكره وقد روينا عن بن عمر خلاف ذلك صريحا وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه فقال الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها طريق أخرى قال أحمد حدثنا يعقوب سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ورواه النسائي وابن ماجه من طرق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير حديث آخر قال أبو عيسى الترمذي والنسائي حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وهكذا أخرجه بن حبان في صحيحه وصححه ابن حزم أيضا ولكن رواه النسائي أيضا عن هناد عن وكيع عن الضحاك به موقوفا وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه أن رجلا سأل بن عباس عن إتيان المرأة في دبرها قال تسألني عن الكفر إسناده صحيح وكذا رواه النسائي من طريق بن المبارك عن معمر به نحوه وقال عبد أيضا في تفسيره حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة قال جاء رجل إلى بن عباس وقال كنت آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فظننت أن ذلك لي حلال فقال يالكع إنما قوله : فأتوا حرثكم أنى شئتم قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى وقال عبد الله بن أحمد حدثني هدبة حدثنا همام قال سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال قتادة أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية الصغرى قال قتادة وحدثني عقبة بن وساج عن أبي الدرداء قال وهل يفعل ذلك إلا كافرا وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله وهذا أصح والله أعلم وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عن حميد الأعرج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفا من قوله طريق أخرى قال جعفر الفريابي حدثنا قتيبة حدثنا بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين الفاعل والمفعول به والناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها وجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره ومؤذي جاره حتى يلعنه بن لهيعة وشيخه ضعيفان حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن فان الله لا يستحي من الحق وأخرجه أحمد أيضا عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضا عن عاصم الأحول به وفيه زيادة وقال هو حديث حسن ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل والصحيح أنه علي بن طلق حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه وقال أحمد أيضا حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة يرفعه قال لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها وكذا رواه بن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى أمرأته في دبرها وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به طريق أخرى قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له قالا حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند وهم منه وقد ضعفوه طريق أخرى رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ملعون من أتى النساء في أدبارهن ومسلم بن خالد فيه كلام والله أعلم طريق أخرى رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد وقال الترمذي ضعف البخاري هذا الحديث والذي قاله البخاري في حكيم الترمذي عن أبي تميمة لا يتابع على حديثه طريق أخرى قال النسائي : حدثنا عثمان بن عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة رضي الله عنه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن تفرد به النسائي من هذا الوجه قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد فانما سمعه بعد الاختلاط وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا انتهى كلامه وقد أجاد وأحسن الانتقاد إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وبن حبان وقال لا يجوز الاحتجاج به والله أعلم وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز وروى من طريقين آخرين عن أبي سلمة ولا يصح منها شيء طريق أخرى قال النسائي حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قال إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر ثم رواه عن بندار عن عبد الرحمن به قال من أتى امرأة في دبرها فتلك كفرة هكذا رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا ورواه بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر والموقوف أصح وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة وتركه آخرون حديث آخر قال محمد بن أبان البلخي حدثنا وكيع حدثني زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه وعن عمرو بن دينار عن عبد الله بن يزيد بن الهاد قالا قال عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن وقد رواه النسائي حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه عن بن الهاد عن عمر قال لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن عبد الله بن الهاد الليثي قال قال عمر رضي الله عنه استحيوا من الله فان الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن والموقوف أصح حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ قالا حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أستاههن وكذا رواه غير واحد عن شعبة ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن علي والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم والله أعلم حديث آخر قال أبو بكر الأثرم في سننه حدثنا أبو مسلم الحرمي حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال محاش النساء حرام وقد رواه إسماعيل بن علية وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري وإسمه سلمة بن تمام ثقة عن أبي القعقاع عن بن مسعود موقوفا وهو أصح طريق أخرى قال بن عدي حدثنا أبو عبد الله المحاملي حدثنا سعيد بن يحيى الثوري حدثنا محمد بن حمزة عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأتوا النساء في أعجازهن محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال وقد روى من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث والله أعلم وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرية قال سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها فقال سفلت سفل الله بك ألم تسمع قول الله عز وجل أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين وقد تقدم قول بن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وبن عباس وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن قال وما التحميض فذكر الدبر فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين وكذا رواه بن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ماورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم قال بن جرير حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس أنه قيل له يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال كذب العبد أو العلج على أبي عبد الله قال مالك أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن بن عمر مثل ما قال نافع فقيل له فان الحارث بن يعقوب يروى عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن فقال وما التحميض فذكر له الدبر فقال بن عمر أف ، أف وهل يفعل ذلك مؤمن أو قال مسلم فقال مالك أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن بن عمر مثل ما قال نافع وروى النسائي عن الربيع بن سليمان عن أصبغ بن الفرج الفقيه حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال قلت لمالك إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن قال وما التحميض قلت نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل بن عمر فقال لابأس به وروى النسائي أيضا من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله أن بن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري حدثني إسماعيل بن حسين حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن قال ما أنتم إلا قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج قلت يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك قال يكذبون علي يكذبون علي فهذا هو الثابت عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الانكار ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء وقد حكى في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك وفي صحته نظر قال الطحاوي روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال ما أدركت أحدا أقتدى به في ديني يشك أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم ثم قال فأي شيءأبين من هذا هذه حكاية الطحاوي وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك ولكن في الاسانيد ضعف شديد وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك والله أعلم وقال الطحاوي حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول فذكره قال أبو نصر الصباغ كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني بن عبد الحكم على الشافعي في ذلك لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه والله أعلم .
تفسير ابن كثير ج1/ص261- 266 .
قال ابن قدامة : فصل ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال ما أدركت أحد أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك ، واحتج من أجله بقول الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . وقوله سبحانه والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، ولنا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء من أعجازهن وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها رواهما ابن ماجة ، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : محاش النساء حرام عليكم ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد رواهن كلهن الأثرم فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه وفي رواية ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج والآية الأخرى المراد بها ذلك ، فصل فإن وطئ زوجته في دبرها فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعذر لفعله المحرم وعليها الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة وإن كان الوطء لأجنبية وجب حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطء زوجته في الدبر إحصان إنما يحصل بالوطء الكامل وليس هذا بوطء كامل والإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة ولا الخروج من العنة لأن الوطء فيهما لحق المرأة وحقها الوطء في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الإذن بالنكاح لأن بكارة الأصل باقية .
المغني لابن قدامة 7/ص225 – 226 .
قال الشوكاني : باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها رواه أحمد وأبو داود ، وفي لفظ لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها رواه أحمد وبن ماجه ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والترمذي وأبو داود وقال فقد بريء مما أنزل ، وعن خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها رواه أحمد وبن ماجه ، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى رواهما أحمد ، وعن علي بن طلق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تأتوا النساء في أستاههن فإن الله لا يستحي من الحق رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن ، وعن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر رواه الترمذي وقال حديث غريب ، حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد ، قال البزار ليس بمشهور ، وقال بن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وبن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه بن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال ، وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة ، وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة ، وقال البزار هذا حديث منكر ، وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم ، قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة أيضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ من أتى شيئا ، من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر وفي إسناده بكر بن خنيس وليث بن أبي سليم وهما ضعيفان ، ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد الله بن عمر بن أبان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ملعون من أتى النساء في أدبارهن وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف ، وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول ، واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً ، ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمي بن عبد الله ولا يعرف حاله ، وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وبن حبان وحديث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات ، وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروي عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ، ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ، ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق أن رجلا سأل بن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر ، وأخرجه النسائي بإسناد قوي ، وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف ، وعن بن مسعود عند بن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة ، وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف ، وقد استدل بأحاديث الباب من قال إنه يحرم إتيان النساء في أدبارهن ، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم ، وحكى بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال ، وقد أخرجه عنه بن أبي حاتم في مناقب الشافعي ، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه ، وكذلك رواه الطحاوي عن بن عبد الحكم عن الشافعي ، وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن ، فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول الله عز وجل فأتوهن من حيث أمركم الله ، وقال : فأتوا حرثكم أنى شئتم . والحرث لا يكون إلا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرماً لما سواه قال : نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت أبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه قال فإن الله قال : والذين هم لفروجهم حافظون . الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك ، وقد أجيب عن هذا بأن الأصل تحريم المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الإتيان في محل مخصوص طولب بدليل يخصص عموم هذه الآية ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره ، فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الاستمتاع بين الإليتين ، وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغاثية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جداً الحاملة على الانتقال من ذلك إلى إدبار المرد ، وقد ذكر بن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى منادياً على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلا ما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها ، وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعاً وأكثر الفقهاء أنه حرام ، قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه ، وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب والله يعني بن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا معنى لهذا التكذيب فإن بن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال إنه لا خلاف في ثقة بن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا بن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن بن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم . فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذه الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها ، وروي نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم ، وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر نحوه ولم يذكر قوله لا إلا في دبرها وأخرج أبو يعلى وابن مردويه في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية ، وعن جابر أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة من دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد ، وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يعني صماماً واحداً رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
وعنها أيضا قالت لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبي فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا إلا في صمام واحد رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية بن عباس
وعن بن عباس قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن رواه الدارقطني ، حديث أم سلمة الثاني أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث بن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن بن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يعني مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد ، وحديث بن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه ، وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه وإنه من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره ، قوله مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الانكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل ، قوله غير أن ذلك في صمام واحد هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب بن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق ، وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ ، والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سداد القارورة ثم سمي به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثرها الرد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن سبب النزول إتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن بن عمر وأبي سعيد ، والثالث أنها نزلت في الإذن بالعزل عن الزوجة روي ذلك عن بن عباس أخرجه عنه جماعة منهم بن أبي شيبة وعبد بن حميد وبن جرير وبن المنذر وبن أبي حاتم والطبراني والحاكم ، وروي ذلك أيضا عن بن عمر أخرجه عنه بن أبي شيبة قال فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل ، وروي عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه بن أبي شيبة .
القول الرابع إن أنى شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام .
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني 6/ص351 – 357 .
قال الطحاوي : باب في وطء المرأة في الدبر قال أبو جعفر أصحابنا يكرهون ذلك وينهون عنه أشد النهي وهو قول الثوري والشافعي في المزني ، قال أبو جعفر وحكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنه حلال ،
وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم قال ما أدركت أحداً اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ : نساؤكم حرث لكم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه ، قال أبو جعفر حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبو بكر بن أبي أويس الأعشى قال حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أن رجلا اتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه ذلك وجدا شديدا فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . قال أبو جعفر وزيد بن أسلم لا نعلم له سماعا من ابن عمر وروى ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج وروى حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد وروى مالك عن ربيعة عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال لا بأس به ، وروى وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين .
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 2/343 – 345 .
وقال الشافعي : وتحريم الله تبارك وتعالى إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم أنا أبو عبد الله أنا أبو العباس أنا الربيع قال : قال الشافعي قال الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله عز وجل أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض وأنى شئتم من أين شئتم قال وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره والإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة ، قال الشافعي فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عنه في قوله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فلا يحل العمل بالذكر إلا في زوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله أعلم .
أحكام القرآن للشافعي 1 / 193- 195 .
قال ابن عطية عند قوله تعالى : ( نساءكم حرث لكم ) الآية قال جابر بن عبد الله والربيع : سببها أن اليهود قالت أن الرجل إذا أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول وعابت على العرب ذلك فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم وقالت أم سلمة وغيرها : سببها أن قريشاً كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وانشر كلام الناس في ذلك فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث وحرث تشبيه لأنهن مزدرع الذرية فلفظة الحرث تعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع وقوله أنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من صحابة وتابعين وأئمة من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وعلى جنب و إني إنما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات فهي أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى هذا هو الاستعمال العربي وقد فسر الناس إني في هذه الآية بهذه الألفاظ وفسرها سيبويه بكيف ومن أين باجتماعهما وذهبت فرقة ممن فسرها بأين إلى أن الوطء في الدبر جائز روي ذلك عن عبد الله بن عمر وروي عنه خلافه وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به ورويت الإباحة أيضاً عن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر ورواها مالك عن يزيد بن رومان عن سالم عن ابن عمر وروي عن مالك شيء في نحوه وهو الذي وقع في العتبية وقد كذب ذلك على مالك ووري بعضهم أن رجلاً فعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس فيه فنزلت هذه الآية قال القاضي أبو محمد وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه أنه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره .
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية ج1/ص299 – 300.
وقال الشيخ محمد الأمين عند قوله تعالى : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظة حيث ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين إحداهما هي قوله هنا فأتوا حرثكم لأن قوله : فاتوا أمر بالإتيان بمعنى الجماع وقوله : حرثكم يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث يعني بذر الولد بالنطفة وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد كما هو ضروري ، الثانية قوله تعالى : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم لأن المراد بما كتب الله لكم الولد على قول الجمهور وهو اختيار ابن جرير وقد نقله عن ابن عباس ومجاهد والحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والربيع والضحاك بن مزاحم ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه بمعنى الجماع فيكون معنى الآية فالآن باشروهن ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد الذي هو القبل دون غيره بدليل قوله : وابتغوا ما كتب الله لكم يعني الولد ويتضح لك من هذا أن معنى قوله تعالى أنى شئتم يعني أن يكون الإتيان في محل الحرث على أي حالة شاء الرجل سواء كانت المرأة مستلقية أو باركة أو على جنب أو غير ذلك ويؤيد هذا ما رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، فظهر من هذا أن جابراً رضي الله عنه يرى أن معنى الآية فأتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها والمقرر في علوم الحديث أن تفسير الصحابي الذي له تعلق بسبب النزول له حكم الرفع كما عقده صاحب طلعة الأنوار بقوله الرجز تفسير صاحب له تعلق بالسبب الرفع له محقق وقد قال القرطبي في تفسير قوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم ما نصه وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان شهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم ، وقد جمعها أبو الفرج الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ، ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار قلت وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه وقد حذرنا من زلة العالم وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضي الله عنه وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك كما ذكر النسائي وقد تقدم وأنكر ذلك مالك واستعظمه وكذب من نسب ذلك إليه وروى الدارمي في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض لهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ومثله عن علي بن طلق وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، وروي أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها وروي عن طاوس أنه قال كان بدأ عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن قال ابن المنذر وإذا ثبت الشىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه من القرطبي بلفظه وقال القرطبي أيضا ما نصه وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال كذبوا علي كذبوا علي كذبوا علي ثم قال ألستم قوما عربا ألم يقل الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت منه بلفظه أيضاً
ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأن دم الإستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب ، قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في ذلك إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أن الرتقاء لا ترد بالرتق والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ، قال القرطبي وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج فإن قيل قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر فالجواب أن العقم لا يرد به ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجبا للرد ، وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى فأتوا حرثكم فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام فاعلم أن من روى عنه جواز ذلك كابن عمر وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين والمتأخرين يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر كما يبينه حديث جابر والجمع واجب إذا أمكن قال ابن كثير في تفسير قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم ما نصه قال أبو محمد عبد الرحمان بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن قال وما التحميض فذكر الدبر فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث ، وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم منه بلفظه وقد علمت أن قوله أنى شئتم لا دليل فيه للوطء في الدبر لأنه مرتب بالفاء التعقيبية على قوله : نسائكم حرث لكم ومعلوم أن الدبر ليس محل حرث ولا ينتقض هذا بجواز الجماع في عكن البطن وفي الفخذين والساقين ونحو ذلك مع أن الكل ليس محل حرث لأن ذلك يسمى استمناء لا جماعا والكلام في الجماع لأن المراد بالإتيان في قوله : فأتوا حرثكم الجماع والفارق موجود لأن عكن البطن ونحوها لا قذر فيها والدبر فيه القذر الدائم والنجس الملازم ، وقد عرفنا من قوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء أن الوطء في محل الأذى لا يجوز ، وقال بعض العلماء معنى قوله من حيث أمركم الله أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوه إلى غيره ويروى هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وغيرهم وعليه فقوله من حيث أمركم الله يبينه قل هو أذى فاعتزلوا النساء الآية لأن من المعلوم أن محل الأذى الذي هو الحيض إنما هو القبل وهذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا وهذا القول مبني على أن النهي عن الشىء أمر بضده لأن ما نهى الله عنه فقد أمر بضده ولذا تصح الإحالة في قوله أمركم الله على النهي في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن والخلاف في النهي عن الشيء هو أمر بضده معروف في الأصول وقد أشار له في مراقي السعود بقوله :
الرجز والنهي فيه غابر الخلاف ** أو أنه أمر بالائتلاف
وقيل لا قطعا كما في المختصر ** وهو لدى السبكي رأي ما انتصر
ومراده بغابر الخلاف هو ما ذكر قبل هذا من الخلاف في الأمر بالشيء هل هو عين النهي عن ضده أو مستلزم له أو ليس عينه ولا مستلزما له يعني أن ذلك الخلاف أيضا في النهي عن الشيء هل هو عين الأمر بضده أو ضد من أضداده إن تعددت أو مستلزم لذلك أو ليس عينه ولا مستلزما له وزاد في النهي قولين : أحدهما أنه أمر بالضد اتفاقا ، والثاني أنه ليس أمراً به قطعاً وعزا الأخير لابن الحاجب في مختصره وأشار إلى أن السبكي في جمع الجوامع ذكر أنه لم ير ذلك القول لغير ابن الحاجب وقال الزجاج معنى من حيث أمركم الله أي من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحل كما إذا كن صائمات أو محرمات أو معتكفات ، وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد من حيث أمركم الله يعني طاهرات غير حيض والعلم عند الله تعالى .
أضواء البيان ج1/ص91 - 96 .
وقال أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله هلكت قال ما الذي أهلكك قال حوّلت رحلي البارحة فلم يردّ عليّ شيئاً فأوحى الله تعالى نساؤُكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم يقول أقبل وأدبر واتق الدّبر والحيضة محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال كان اليهود يقولون من جامع امرأته وهي مجبيّة من دبرها في قبلها كان ولدها أحول فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود فأنزل الله تعالى نساؤُكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم مجاهد عن ابن عباس قال كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلاّ على حرف وذلك أيسر ما يكون للمرأة فكان هذا الحي من الأنصار يأخذون بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرح عن النساء شرحاً منكراً ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع وإلاّ فاجتنبني حتى انتشر أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزّ وجلّ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم يعني موضع الولد قالوا حرثكم أنّى شئتم مدبرات ومقبلات ومستلقيات قال الحسن وقتادة والمقاتلان والكلبي تذاكر المهاجرون والأنصار واليهود إتيان النساء في مجلس لهم فقال المهاجرون إنّا نأتيهن باركات وقايمات ومستلقيات ومن بين أيديهن ومن خلفهن بعد أن يكون المأتي واحداً في الفرج فعابت اليهود وقالت ما أنتم إلاّ أمثال البهائم لكنّا نأتيها على هيئة واحدة فإنا لنجد في التوراة أن كل إتيان يؤتى للنساء غير الاستلقاء دنس عند الله ومنه يكون الحَوَل والخَبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إنّا كنا في جاهليتنا وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا فإنّ اليهود عابت ذلك علينا وزعمت أنّا كذا وكذا فكذّب الله عزّوجل اليهود وأنزل رخصة لهم نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم أي كيف شئتم وحيث شئتم ومتى شئتم بعد أن يكون في فرج واحد أنّى حرف استفهام ويكون سؤالاً عن الحال والمحلّ وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا ، يحيى بن أبي كثير عن رجل قال قال عبد الله ستأمر الحرّة في العزل ولا تستأمر الأمة وفي هذه الآية دليل على تحريم أدبار النساء لأنها موضع الفرث لا موضع الحرث وإنما قال الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهذا من لطف كنايات القرآن حيث عبّر بالحرث عن الفرج فقال نساؤكم حرث لكم أي مزرع ومنبت الولد وأراد به المحرث المزدرع ولكنّهن لما كنّ من أسباب الحرث جُعلن حرثاً وقال أهل المعاني تقدير الآية نساؤكم كحرث لكم كقوله تعالى حتى إذا جعله ناراً أي كنار قال الشاعر النشر مسك والوجوه دنانير وأطراف الأكف عنم والعرب تسمي النساء حرثاً قال المفضل بن سلمة أنشدني أبي إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همّه أكل الجراد وقال الثعلبي وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد السدوسي قال أنشدني أبو منصور مهلهل بن علي العزّي قال أنشدني أبي قال أنشدنا أحمد بن يحيى حبّذا من حبّة الله النبات الصالحات هن النسل والمزروع بهنّ الشجرات يجعل الله لنا فيما يشاء البركات إنما الأرضون لنا محرثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات وقد وهم بعض الفقهاء في تأويل هذه الآية وتعلق بظاهر خبر رواه وهو ما أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين من رواة الدينوري حدّثنا محمد بن عيسى الهيّاني أبو بكر الطرسوسي وإسحاق الغروي عن مالك بن أنس عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية نساؤكم حرث لكم قال أتدري فيما نزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأة في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقّ ذلك عليه فنزلت نساؤكم حرث لكم الآية وأما تأويل حديث ابن عمر فهو ما روى عطاء عن موسى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه أنّه لقي سالم بن عبد الله فقال يا أبا عمر ما حدّث محدّث نافع عن عبد الله قال وما هو قال زعم أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء من أدبارهنّ قال كذب العبد وأخطأ إنّما قال عبد الله تؤتى في فروجهنّ من أدبارهنّ الدليل على تحريم الأدبار ما روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال لا يكون الحرث إلاّ حيث يكون النبات وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهنّ مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأته في دبرها .
تفسير الثعلبي ج2/ص161- 163 .
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى : نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأنفسكم وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ . في الآية مسائل : المسألة الأولى ذكروا في سبب النزول وجوهاً أحدها روي أن اليهود قالوا من جامع امرأته في قبلها من دبرها كان ولدها أحول مخبلاً وزعموا أن ذلك في التوراة فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود ونزلت هذه الآية وثانيها روي عن ابن عباس أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت وحكى وقوع ذلك منه فأنزل الله تعالى هذه الآية وثالثها كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة من دبرها في قبلها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك فأنكرت الأنصار ذلك عليهم فنزلت الآية ، المسألة الثانية حَرْثٌ لَّكُمْ أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات الخارج والحرث مصدر ولهذا وحد الحرث فكان المعنى نساؤكم ذوات حرث لكم فيهن تحرثون للولد فحذف المضاف وأيضاً قد يسمى موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة كقوله فإنما هي إقبالي وإدبار ويقال هذا أمر الله أي مأموره وهذا شهوة فلان أي مشتهاه فكذلك حرث الرجل محرثة ، المسألة الثالثة ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها فقوله أَنَّى شِئْتُمْ محمول على ذلك ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن وسائر الناس كذبوا نافعاً في هذه الرواية وهذا قول مالك واختيار السيد المرتضى من الشيعة والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وحجة من قال إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه ، الحجة الأولى أن الله تعالى قال في آية المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَاء فِي الْمَحِيضِ ، جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة ، الحجة الثانية قوله تعالى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وظاهر الأمر للوجوب ولا يمكن أن يقال إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن الحكم الثامن نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لاًّنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، في الآية مسائل ، المسألة الأولى ذكروا في سبب النزول وجوهاً أحدها روي أن اليهود قالوا من جامع امرأته في قبلها من دبرها كان ولدها أحول مخبلاً وزعموا أن ذلك في التوراة فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود ونزلت هذه الآية وثانيها روي عن ابن عباس أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت وحكى وقوع ذلك منه فأنزل الله تعالى هذه الآية وثالثها كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة من دبرها في قبلها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك فأنكرت الأنصار ذلك عليهم فنزلت الآية ، المسألة الثانية حَرْثٌ لَّكُمْ أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات الخارج والحرث مصدر ولهذا وحد الحرث فكان المعنى نساؤكم ذوات حرث لكم فيهن تحرثون للولد فحذف المضاف وأيضاً قد يسمى موضع الشيء باسم الشيء على سبيل المبالغة كقوله فإنما هي إقبالي وإدبار ، ويقال هذا أمر الله أي مأموره وهذا شهوة فلان أي مشتهاه فكذلك حرث الرجل محرثة ، المسألة الثالثة ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الآية أن الرجل مخير بين أن يأتيها من قبلها في قبلها وبين أن يأتيها من دبرها في قبلها فقوله أَنَّى شِئْتُمْ محمول على ذلك ونقل نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن وسائر الناس كذبوا نافعاً في هذه الرواية وهذا قول مالك واختيار السيد المرتضى من الشيعة والمرتضى رواه عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه وحجة من قال إنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن من وجوه ، الحجة الأولى أن الله تعالى قال في آية المحيض قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَاء فِي الْمَحِيضِ ، جعل قيام الأذى علة لحرمة إتيان موضع الأذى ولا معنى للأذى إلا ما يتأذى الإنسان منه وههنا يتأذى الإنسان بنتن روائح ذلك الدم وحصول هذه العلة في محل النزاع أظهر فإذا كانت تلك العلة قائمة ههنا وجب حصول الحرمة ، الحجة الثانية قوله تعالى فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، وظاهر الأمر للوجوب ولا يمكن أن يقال إنه يفيد وجوب إتيانهن لأن ذلك غير واجب فوجب حمله على أن المراد منه أن من أتى المرأة وجب أن يأتيها في ذلك الموضع الذي أمر الله تعالى به ثم هذا غير محمول على الدبر لأن ذلك بالإجماع غير واجب فتعين أن يكون محمولاً على القبل وذلك هو المطلوب ، الحجة الثالثة روى خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم حلال فلما ولى الرجل دعاه فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أو من قبلها في قبلها فنعم أمن دبرها في قبلها فنعم أمن دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تؤتوا النساء في أدبارهن وأراد بخربتها مسلكها وأصل الخربة عروة المزادة شبه الثقب بها والخرزة هي التي يثقبها الخراز كنى به عن المأتي وكذلك الخصفة من قولهم خصفت الجلد إذا خرزته حجة من قال بالجواز وجوه
الحجة الأولى التمسك بهذه الآية من وجهين الأول أنه تعالى جعل الحرث اسماً للمرأة فقال نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فهذا يدل على أن الحرث اسم للمرأة لا للموضع المعين فلما قال بعده فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ كان المراد فأتوا نساءكم أنى شئتم فيكون هذا إطلاقاً في إتيانهن على جميع الوجوه فيدخل فيه محل النزاع
الوجه الثاني أن كلمة أنى معناها أين قال الله تعالى أَنَّى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ، والتقدير من أين لك هذا فصار تقدير الآية فأتوا حرثكم أين شئتم وكلمة أين شئتم تدل على تعدد الأمكنة اجلس أين شئت ويكون هذا تخييراً بين الأمكنة ، إذا ثبت هذا فنقول ظهر أنه لا يمكن حمل الآية على الإتيان من قبلها في قبلها أو من دبرها في قبلها لأن على هذا التقدير المكان واحد والتعداد إنما وقع في طريق الإتيان واللفظ اللائق به أن يقال اذهبوا إليه كيف شئتم فلما لم يكن المذكور ههنا لفظة كيف بل لفظة أنى ويثبت أن لفظة أنى مشعرة بالتخيير بين الأمكنة ثبت أنه ليس المراد ما ذكرتم بل ما ذكرناه ، الحجة الثانية لهم التمسك بعموم قوله تعالى إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ . ترك العمل به في حق الذكور لدلالة الإجماع فوجب أن يبقى معمولاً به في حق النسوان ، الحجة الثالثة توافقنا على أنه لو قال للمرأة دبرك على حرام ونوى الطلاق أنه يكون طلاقاً وهذا يقتضي كون دبرها حلالاً له هذا مجموع كلام القوم في هذا الباب ، أجاب الأولون فقالوا الذي يدل على أنه لا يجوز أن يكون المراد من هذه الآية إتيان النساء في غير المأتي وجوه الأول أن الحرث اسم لموضع الحراثة ومعلوم أن المراد بجميع أجزائها ليست موضعاً للحراثة فامتنع إطلاق اسم الحرث على ذات المرأة ويقتضي هذا الدليل أن لايطلق لفظ الحرث على ذات المرأة إلا أنا تركنا العمل بهذا الدليل في قوله نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ لأن الله تعالى صرح ههنا بإطلاق لفظ الحرث على ذات المرأة فحملنا ذلك على المجاز المشهور من تسمية كل الشيء باسم جزئه وهذه الصورة مفقودة في قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ فوجب حمل الحرث ههنا على موضع الحراثة على التعيين فثبت أن الآية لا دلالة فيها إلا على إتيان النساء في المأتى ، الوجه الثاني في بيان أن هذه الآية لا يمكن أن تكون دالة على ما ذكروه لما بينا أن ما قبل هذه الآية يدل على المنع مما ذكروه من وجهين أحدهما قوله قُلْ هُوَ أَذًى والثاني قوله فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فلو دلت هذه الآية على التجويز لكان ذلك جمعاً بين ما يدل على التحريم وبين ما يدل على التحليل في موضع واحد والأصل أنه لا يجوز ، الوجه الثالث الروايات المشهورة في أن سبب نزول هذه الآية اختلافهم في أنه هل يجوز إتيانها من دبرها في قبلها وسبب نزول الآية لا يكون خارجاً عن الآية فوجب كون الآية متناولة لهذه الصورة ومتى حملناها على هذه الصورة لم يكن بنا حاجة إلى حملها على الصورة الأخرى فثبت بهذه الوجوه أن المراد من الآية ليس ما ذكروه وعند هذا نبحث عن الوجوه التي تمسكوا بها على التفصيل ، أما الوجه الأول فقد بينا أن قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ معناه فأتوه موضع الحرث وأما الثاني فإنه لما كان المراد بالحرث في قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ذلك الموضع المعين لم يكن حمل أَنَّى شِئْتُمْ على التخيير في مكان وعند هذا يضمر فيه زيادة وهي أن يكون المراد من أَنَّى شِئْتُمْ فيضمر لفظة من لا يقال ليس حمل لفظ الحرث على حقيقته والتزام هذا الإضمار أولى من حمل لفظ الحرث على المرأة على سبيل المجاز حتى لا يلزمنا هذا الإضمار لأن نقول بل هذا أولى لأن الأصل في الإبضاع الحرمة ، وأما الثالث فجوابه أن قوله إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ، عام ودلائلنا خاصة والخاص مقدم على العام ، وأما الرابع فجوابه أن قوله دبرك على حرام إنما صلح أن يكون كناية عن الطلاق لأنه محل لحل الملابسة والمضاجعة فصار ذلك كقوله يدك طالق والله أعلم ، المسألة الرابعة اختلف المفسرون في تفسير قوله أَنَّى شِئْتُمْ والمشهور ما ذكرناه أنه يجوز للزوج أن يأتيها من قبلها في قبلها ومن دبرها في قبلها والثاني أن المعنى أي وقت شئتم من أوقات الحل يعنى إذا لم تكن أجنبية أو محرمة أو صائمة أو حائضاً والثالث أنه يجوز للرجل أن ينكحها قائمة أو باركة أو مضطجعة بعد أن يكون في الفرج الرابع قال ابن عباس المعنى إن شاء وإن شاء لم يعزل وهو منقول عن سعيد بن المسيب الخامس متى شئتم من ليل أو نهار فإن قيل فما المختار من هذه الأقاويل قلنا قد ظهر عن المفسرين أن سبب نزول هذه الآية هو أن اليهود كانوا يقولون من أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى هذا لتكذيب قولهم فكان الأولى حمل اللفظ عليه وأما الأوقات فلا مدخل لها في هذا الباب لأن أنى يكون بمعنى مَتَى ويكون بمعنى كَيْفَ وأما العزل وخلافه فلا يدخل تحت أنى لأن حال الجماع لا يختلف بذلك فلا وجه لحمل الكلام إلا على ما قلنا ، والذي عندي فيه أن قوله نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ جار مجرى التنبيه على سبب إباحة الوطء كأنه قيل هؤلاء النسوان إنما حكم الشرع بإباحة وطئهن لكم لأجل أنهن حرث لكم أي بسبب أنه يتولد الولد منها ثم قال بعده فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي لما كان السبب في إباحة وطئها لكم حصول الحرث فأتوا حرثكم ولا تأتوا غير موضع الحرث فكان قوله فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ دليلاً على الإذن في ذلك الموضع والمنع من غير ذلك الموضع فلما اشتملت الآية عل الإذن في أحد الموضعين والمنع عن الموضع الآخر لا جرم قال وَقَدّمُواْ لأنفسكم أي لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة بل كونوا في قيد تقديم الطاعة ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله وَاتَّقُواْ اللَّهَ ثم أكده ثالثاً بقوله وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا يليق ذكرها إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن شيء لذيذ مشتهى فثبت أن ما قبل هذه الآية دال على تحريم هذا العمل وما بعدها أيضاً دال على تحريمه فظهر أن المذهب الصحيح في تفسير هذه الآية ما ذهب إليه جمهور المجتهدين .
التفسير الكبير للفخر الرازي 6/ص61 – 64 .
وقال القرطبي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) روى الأئمة واللفظ لمسلم عن جابر بن عبد الله قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم زاد في رواية عن الزهري إن شاء مجببة وإن شاء غير مجببة غير إن ذلك في صمام واحد ويروى في سمام واحد بالسين قاله الترمذي وروى البخاري عن نافع قال كان بن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدرى فيم أنزلت قلت لا قال نزلت في كذا وكذا ثم مضى وعن عبد الصمد قال حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في قال الحميدي يعنى الفرج وروى أبو داود عن بن عباس قال إن بن عمر والله يغفر له وهم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب إلا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شرى أمرهما فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعنى بذلك موضع الولد وروى الترمذي عن بن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلك قال حولت رحلي الليلة قال فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قال فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة قال هذا حديث حسن صحيح وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى بن عمر قد أكثر عليك القول إنك تقول عن بن عمر أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن قال نافع لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض علي المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم قال نافع هل تدري ما أمر هذه الآية إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله سبحانه نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم الثانية هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ولا يباح وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم وحرث تشبيه لأنهن مزدرع الذرية فلفظ الحرث يعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع وأنشد ثعلب إنما الأرحام أر ضون لنا محترثات فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات ففرج المرأة كالأرض والنطفة كالبذر والولد كالنبات فالحرث بمعنى المحترث ووحد الحرث لأنه مصدر كما يقال رجل صوم وقوم صوم الثالثة قوله تعالى : أنى شئتم معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة كما ذكرنا أنفا وأنى تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات فهو أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى هذا هو الاستعمال العربي في أنى وقد فسر الناس أنى في هذه الآية بهذه الألفاظ وفسرها سيبويه ب كيف ومن أين باجتماعهما وذهبت فرقة ممن فسرها ب أين إلى أن الوطء في الدبر مباح وممن نسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وبن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى كتاب السر وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر ووقع هذا القول في العتبية وذكر بن العربي أن بن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسوان وأحكام القران وقال الكيا الطبري : وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ويتأول فيه قول الله عز وجل أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم وقال فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له حتى يقال تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح قال الكيا وهذا فيه نظر إذ معناه وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا فيجوز التوبيخ على هذا المعنى وفي قوله تعالى : ( فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) مع قوله فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتي اختصاصا وأنه مقصور على موضع الولد قلت هذا هو الحق في المسألة وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التى لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوى أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد والصحيح في هذه المسألة ما بيناه وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث لقوله تعالى فأتوا حرثكم ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح وهذا هو الحق وقد قال أصحاب أبى حنيفة إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض فكان أشنع وأما صمام البول فغير صمام الرحم وقال بن العربي في قبسه قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين وأخرج يده عاقدا بها وقال مسلك البول ما تحت الثلاثين ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال كذبوا علي كذبوا علي كذبوا علي ثم قال ألستم قوما عربا ألم يقل الله تعالى نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل أنى شئتم شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها إذ هي مخصصة بما ذكرناه وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابياً بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الإدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داؤد والنسائي والترمذي وغيرهم وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ولشيخنا أبى العباس أيضاً في ذلك جزء سماه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار قلت وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الأخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه وقد حذرنا من زلة العالم وقد روي عن بن عمر خلاف هذا وتكفير من فعله وهذا هو اللائق به رضى الله عنه وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك كما ذكر النسائي وقد تقدم وأنكر ذلك مالك واستعظمه وكذب من نسب ذلك إليه وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبى الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري حين أحمض بهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك أحد من المسلمين وأسند عن خزيمة بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ومثله عن على بن طلق وأسند عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى أبو داؤد الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها وروى عن طاوس أنه قال كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن قال بن المنذر وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه .
تفسير القرطبي ج3/ص91- 96 .
وقال عبد الرحمن بن محمد الثعالبي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية مبيحة لهيآت الإتيان كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ولفظه الحرث تعطى أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع قال ابن العربي في أحكامه وفي سبب نزول هذه الآية روايات الأولى عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كان في صمام واحد خرجه مسلم وغيره الثالثة ما روى الترمذي أن عمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت البارحة رحلي فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم أقبل وأدبر وأتق الدبر انتهى قال ع وأنى شئتم معناه عند جمهور العلماء من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة على جنب قال ع وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال إتيان النساء في أدبارهن حرام وورد عنه فيه انه قال ملعون من أتى امرأة في دبرها وورد عنه أنه قال من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وهذا هو الحق المتبع ولا ينبغي لمؤمن بالله أن يعرج بهذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه والله المرشد لا رب غيره .
تفسير الثعالبي ج1/ص172- 173 .
وقال البغوي عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا وأوحى الله إليه نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا صاحب ابن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها أن الولد يكون أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليهه وقالت إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى سرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله
تعالى نساؤكم حرث لكم الآية يعني موضع الولد فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومدبرات ومستلقيات و أنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل معناه كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد وقال عكرمة أنى شئتم إنما هو الفرج ومثله لكم أي مزرع لكم ومنبت الولد بمنزلة الأرض التي تزرع وفيه دليل على تحريم الأدبار لأن محل الحرث والزرع هو القبل لا الدبر وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال حرثك إن شئت فاعطش وإن شئت فأرو وروي عنه أنه قال تستأمر الجارية وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقال هو الوأد الخفي وروي عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية نساؤكم حرث لكم فقال أتدري فيكم نزلت هذه الآية قلت لا قال نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية ويحكى عن مالك إباحة ذلك وأنكر ذلك أصحابه وروى عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حدثت بحديث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن فقال كذب العبد وأخطأ إنما قال عبد الله يؤتون في فروجهن من أدبارهن والدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرنا عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الحلاج عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم في أي الخرمتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحق الثعلبي أنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها .
تفسير البغوي ج1/ص198- 199.
وقال الجصاص عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) الحرث المزدرع وجعل في هذا الموضع كناية عن الجماع وسمى النساء حرثا لأنهن مزدرع الأولاد وقوله فأتوا حرثكم أنى شئتم يدل على أن إباحة الوطء مقصورة على الجماع في الفرج لأنه موضع الحرث واختلف في إتيان النساء في أدبارهن فكان أصحابنا يحرمون ذلك وينهون عنه أشد النهي وهو قول الثوري والشافعي فيما حكاه المزني قال الطحاوي وحكى لنا محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء والقياس أنه حلال وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن مالك قال ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه قال ابن القاسم فقلت لمالك بن أنس عندنا بمصر الليث بن سعد يحدثنا عن الحارث بن يعقوب عن أبي الحباب سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أنحمض لهن فقال وما التحميض فذكرت الدبر قال ويفعل ذلك أحد من المسلمين فقال مالك فأشهد على ربيعة بن أبي عبد الرحمن يحدثني عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال لا بأس به قال ابن القاسم فقال رجل في المجلس يا أبا عبد الله فإنك تذكر عن سالم أنه قال كذب العبد أو كذب العلج على أبي يعني نافعا كما كذب عكرمة على ابن عباس فقال مالك وأشهد على يزيد بن رومان يحدثني عن سالم عن أبيه انه كان يفعله قال أبو بكر قد روى سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم إلا أن زيد بن أسلم لا يعلم له سماع من ابن عمر وروى الفضل بن فضالة عن عبد الله بن عباس عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر أنه قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى ان تؤتى النساء في أدبارهن قال نافع كذبوا علي أن ابن عمر عرض المصحف يوما حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت لا قال إنا كنا معشر قريش نجبي النساء وكانت نساء الأنصار قد أخذن عن اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله هذه فهذا يدل على أن السبب غير ما ذكره زيد بن أسلم عن ابن عمر لأن نافعا قد حكى عنه غير ذلك السبب وقال ميمون بن مهران أيضا قال ذلك نافع يعني تحليل وطء النساء في أدبارهن بعدما كبر وذهب عقله قال أبو بكر المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن يندفع بنفيهم عنه وقد حكى محمد بن سعيد عن أبي سليمان الجوزجاني قال كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر فضرب بيده إلى رأسه وقال الساعة اغتسلت منه وقد رواه عنه ابن القاسم على ما ذكرنا وهو مذكور في الكتب الشرعية ويروى عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ويتأول فيه قوله تعالى أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون وروي عن ابن مسعود أنه قال محاش النساء حرام وقال عبد الله بن عمر وهي اللوطية الصغرى وقد اختلف عن ابن عمر فيه فكأنه لم يرو عنه فيه شيء لتعارض ما روي عنه فيه وظاهر الكتاب يدل على أن الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج الذي هو موضع الحرث وهو الذي يكون منه الولد وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة في تحريمه رواه خزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تأتوا النساء في أدبارهن وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية الصغرى يعني إتيان النساء في أدبارهن وروى حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أوامرأته في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد وروى ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج وروت حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صمام واحد وروى مجاهد عن ابن عباس مثله في تأويل الآية قال يعني كيف شئت في موضع الولد وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى الرجل أتى امرأته في دبرها وذكر ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال هذا يسألني عن الكفر وقد روي عن ابن عمر في قوله نساؤكم حرث لكم قال كيف شئت إن شئت عزلا أو غير عزل رواه أبو حنيفة عن كثير الرياح الأصم عن ابن عمر وروي نحوه عن ابن عباس وهذا عندنا في ملك اليمين وفي الحرة إذا أذنت فيه وقد روي ذلك على ما ذكرنا من مذهب أصحابنا عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وآخرين غيرهم فإن قيل قوله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم يقتضي إباحة وطئهن في الدبر لورود الإباحة مطلقة غير مقيدة ولا مخصوصة قيل له لما قال الله تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله ثم قال في نسق التلاوة فأتوا حرثكم أنى شئتم أبان بذلك موضع المأمور به وهو موضع الحرث ولم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلا في موضع الولد فهو مقصور عليه دون غيره وهو قاض مع ذلك على قوله تعالى إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم كما كان حظر وطء الحائض قاضيا على قوله إلا على أزواجهم فكانت هذه الآية مرتبة على ما ذكر من حكم الحائض ومن يحظر ذلك يحتج بقوله قل هو أذى فحظر وطء الحائض للأذى الموجود في الحيض وهو القذر والنجاسة وذلك موجود في غير موضع الولد في جميع الأحوال فاقتضى هذا التحليل حظر وطئهن إلا في موضع الولد ومن يبيحه يجيب عن ذلك بأن المستحاضة يجوز وطؤها باتفاق من الفقهاء مع وجود الأذى هناك وهو دم الإستحاضة وهو نجس كنجاسة دم الحيض وسائر الأنجاس ويجيبون أيضا على تخصيصه إباحة موضع الحرث باتفاق الجميع على إباحة الجماع فيما دون الفرج وإن لم يكن موضعا للولد فدل على أن الإباحة غير مقصورة على موضع الولد ويجابون عن ذلك بأن ظاهر الآية يقتضي كون الإباحة مقصورة على الوطء في الفرج وأنه هو الذي عناه الله تعالى بقوله من حيث أمركم الله إذ كان معطوفاً عليه ولولا قيام دلالة الإجماع لما جاز الجماع فيما دون الفرج ولكنا سلمناه للدلالة وبقي حكم الحظر فيما لم تقم الدلالة عليه .
أحكام القرآن للجصاص 2 / 39 – 42 .
وقال ابن العربي عند قوله تعالى : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين " .
فيها مسألتان : المسألة الأولى في سبب نزولها وفي ذلك روايات قال جابر كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فنزلت الآية وهذا حديث صحيح خرجه الأئمة الثانية قالت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قال يأتيها مقبلة ومدبرة إذا كانت في صمام واحد أخرجه مسلم وغيره ، الثالثة روى الترمذي أن عمر رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزلت نساؤكم حرث لكم فقال أقبل وأدبر واتق الدبر، المسألة الثانية اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها فجوزه طائفة كثيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة وقد ذكر البخاري عن ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنه إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدري فيم نزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى ثم أتبعه بحديث أيوب عن نافع عن ابن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يأتيها في ولم يذكر بعده شيئاً ، ويروى عن الزهري أنه قال وهل العبد فيما روى عن ابن عمر في ذلك ، وقال النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى بأن يأتوا النساء في أدبارهن قال نافع لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال يا نافع هل تعلم ما أمر هذه الآية قلت لا قال لنا كنا معشر قريش نجيء النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا وإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال القاضي وسألت الإمام القاضي الطوسي عن المسألة فقال لا يجوز وطء المرأة في دبرها بحال لأن الله تعالى حرم الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة فأولى أن يحرم الدبر بالنجاسة اللازمة .
أحكام القرآن لابن العربي 1 / 237 - 239
قال ابن الجوزي عند قوله تعالى:" نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ، قوله تعالى نساؤكم حرث لكم في سبب نزلها ثلاثة أقوال : أحدها أن اليهود أنكرت جواز إتيان المرأة إلا من بين يديها وعابت من يأتيها على غير تلك الصفة فنزلت هذه الآية روي عن جابر والحسن وقتادة والثاني أن حياً من قريش كانوا يتزوجون النساء بمكة ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار فذهبوا ليفعلوا ذلك فأنكرنه وانتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية رواه مجاهد عن ابن عباس والثالث أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت حولت رحلي الليلة فنزلت هذه الآية رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والحرث المزدرع وكنى به هاهنا عن الجماع فسماهن حرثا لأنهن مزدرع الأولاد كالأرض للزرع فان قيل النساء جمع فلم لم يقل حروث فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن القاسم الأنباري النحوي أحدها أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع فلزمه التوحيد كما تقول العرب إخوتك صوم وأولادك فطر يريدون صائمين ومفطرين فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع والثاني أن يكون أراد حروث لكم فاكتفى بالواحد من الجمع كما قال الشاعر كلوا في نصف بطونكم تعيشوا أي في أنصاف بطونكم والثالث أنه إنما وحد الحرث لأن النساء شبهن به ولسن من جنسه والمعنى نساؤكم مثل حروث لكم ، قوله تعالى أنى شئتم فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنه بمعنى كيف شئتم ثم فيه قولان أحدهما أن المعنى كيف شئتم مقبلة أو مدبرة وعلى كل حال إذا كان الإتيان في الفرج وهذا قول ابن عباس و مجاهد وعطية والسدي و ابن قتيبة في آخرين والثاني أنها نزلت في العزل قاله سعيد بن المسيب فيكون المعنى إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا ، والقول الثاني أنه بمعنى إن شئتم ومتى شئتم وهو قول ابن الحنفية و الضحاك وروي عن ابن عباس أيضا والثالث أنه بمعنى حيث شئتم وهذا محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس وهو فاسد من وجوه أحدها أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدث بذلك عن ابن عمر قال كذب العبد إنما قال عبد الله يؤتون في فروجهن من أدبارهن و أما أصحاب مالك فإنهم ينكرون صحته عن مالك والثاني أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ملعون من أتى النساء في أدبارهن فدل على أن الآية لا يراد بها هذا ، والثالث أن الآية نبهت على أنه محل الولد بقوله فأتوا حرثكم وموضع الزرع هو مكان الولد قال ابن الأنباري لما نص الله على ذكر الحرث والحرث به يكون النبات والولد مشبه بالنبات لم يجز أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد والرابع أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه" .
زاد المسير لابن الجوزي 1 / 250 – 253 .
وقال ابن كثير عند قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) قال ابن عباس الحرث موضع الولد فأتوا حرثكم أنى شئتم أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد كما ثبتت بذلك الأحاديث قال البخاري حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن بن المنكدر قال سمعت جابراً قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به وقال بن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا بن وهب أخبرني مالك بن أنس وبن جريج وسفيان بن سعيد الثوري أن محمد بن المنكدر حدثهم أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال بن جريج في الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر قال حرثك ائت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت الحديث رواه أحمد وأهل السنن حديث آخر قال بن أبي حاتم حدثنا يونس أخبرنا بن وهب أخبرني بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عامر بن يحيى عن حنش بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشياء فقال له رجل إني أجب النساء فكيف ترى في فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ورواه الإمام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش عن بن عباس قال أنزلت هذه الآية نساؤكم حرث لكم في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إئتها على كل حال إذا كان في الفرج حديث آخر قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث حدثنا أحمد بن داود بن موسى حدثنا يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزل الله نساءكم حرث لكم الآية ورواه بن جرير عن يونس عن يعقوب ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح عن عبد الله بن نافع به حديث آخر قال الإمام أحمد 6305 حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خيثم عن عبد الله بن سابط قال دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك قالت فلا تستحي يا بن أخي قال عن إتيان النساء في أدبارهن قالت حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول إنه من أجبى امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأحبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت فسألته أم سلمة فقال ادعى الأنصارية فدعتها فتلا عليها هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا ورواه الترمذي عن بندار عن بن مهدي عن سفيان عن أبي خيثم به وقال حسن قلت وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه عن بن خيثم عن يوسف بن ماهك عن حفصة أم المؤمنين أن امرأة أتتها فقالت إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لابأس إذا كان في صمام واحد حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا يعقوب يعني القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول هلكت قال ما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة قال فلم يرد عليه شيئا قال فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن حسن بن موسى الأشيب به وقال حسن غريب وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا الحارث بن شريح حدثنا عبد الله بن نافع حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أبو داود حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ قال حدثني محمد يعني بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن بن عباس قال إن بن عمر قال والله يغفر له أوهم وإنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون كثيرا من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسري أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد تفرد به أبو داود ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة فانها مشابهة لهذا السياق وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على بن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها حتى انتهيت إلى هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال ابن عباس إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن فذكر القصة بتمام سياقها وقول بن عباس إن بن عمر والله يغفر له أوهم كأنه يشير إلى ما رواه البخاري حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل أخبرنا بن عون عن نافع قال كان بن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عنه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال أتدري فيم أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثم مضى وعن عبد الصمد قال حدثني أبي حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أن يأتيها في هكذا رواه البخاري وقد تفرد به من هذا الوجه وقال بن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا بن علية حدثنا بن عون عن نافع قال قرأت ذات يوم نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال بن عمر أتدري فيم نزلت قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن وحدثني أبو قلابة حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن بن عمر فأتوا حرثكم أنى شئتم قال في الدبر وروى من حديث مالك عن نافع عن بن عمر ولا يصح وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن بن عمر أن رجلا أتى أمرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال أبو حاتم الرازي لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن بن عمر لما أولع الناس بنافع وهذا تعليل منه لهذا الحديث وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن بن عمر فذكره وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى عن الفضل بن فضالة عبد الله بن سليمان الطويل عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى بن عمر انه قد أكثر عليك القول انك تقول عن بن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال كذبوا علي ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن بن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت لا قال إنا كنا معشر قريش نجبى النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وهذا إسناد صحيح وقد رواه بن مردويه عن الطبراني عن الحسين بن إسحاق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبد الله بن عياش عن كعب بن علقمة فذكره وقد روينا عن بن عمر خلاف ذلك صريحا وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه فقال الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها طريق أخرى قال أحمد حدثنا يعقوب سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ورواه النسائي وابن ماجه من طرق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير حديث آخر قال أبو عيسى الترمذي والنسائي حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وهكذا أخرجه بن حبان في صحيحه وصححه ابن حزم أيضا ولكن رواه النسائي أيضا عن هناد عن وكيع عن الضحاك به موقوفا وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه أن رجلا سأل بن عباس عن إتيان المرأة في دبرها قال تسألني عن الكفر إسناده صحيح وكذا رواه النسائي من طريق بن المبارك عن معمر به نحوه وقال عبد أيضا في تفسيره حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة قال جاء رجل إلى بن عباس وقال كنت آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فظننت أن ذلك لي حلال فقال يالكع إنما قوله : فأتوا حرثكم أنى شئتم قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى وقال عبد الله بن أحمد حدثني هدبة حدثنا همام قال سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال قتادة أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية الصغرى قال قتادة وحدثني عقبة بن وساج عن أبي الدرداء قال وهل يفعل ذلك إلا كافرا وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله وهذا أصح والله أعلم وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون عن حميد الأعرج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفا من قوله طريق أخرى قال جعفر الفريابي حدثنا قتيبة حدثنا بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين الفاعل والمفعول به والناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها وجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره ومؤذي جاره حتى يلعنه بن لهيعة وشيخه ضعيفان حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن فان الله لا يستحي من الحق وأخرجه أحمد أيضا عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضا عن عاصم الأحول به وفيه زيادة وقال هو حديث حسن ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل والصحيح أنه علي بن طلق حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه وقال أحمد أيضا حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة يرفعه قال لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها وكذا رواه بن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى أمرأته في دبرها وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به طريق أخرى قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له قالا حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند وهم منه وقد ضعفوه طريق أخرى رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ملعون من أتى النساء في أدبارهن ومسلم بن خالد فيه كلام والله أعلم طريق أخرى رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد وقال الترمذي ضعف البخاري هذا الحديث والذي قاله البخاري في حكيم الترمذي عن أبي تميمة لا يتابع على حديثه طريق أخرى قال النسائي : حدثنا عثمان بن عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة رضي الله عنه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن تفرد به النسائي من هذا الوجه قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد فانما سمعه بعد الاختلاط وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا انتهى كلامه وقد أجاد وأحسن الانتقاد إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وبن حبان وقال لا يجوز الاحتجاج به والله أعلم وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز وروى من طريقين آخرين عن أبي سلمة ولا يصح منها شيء طريق أخرى قال النسائي حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قال إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر ثم رواه عن بندار عن عبد الرحمن به قال من أتى امرأة في دبرها فتلك كفرة هكذا رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا ورواه بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر والموقوف أصح وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة وتركه آخرون حديث آخر قال محمد بن أبان البلخي حدثنا وكيع حدثني زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه وعن عمرو بن دينار عن عبد الله بن يزيد بن الهاد قالا قال عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن وقد رواه النسائي حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه عن بن الهاد عن عمر قال لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن عبد الله بن الهاد الليثي قال قال عمر رضي الله عنه استحيوا من الله فان الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن والموقوف أصح حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ قالا حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أستاههن وكذا رواه غير واحد عن شعبة ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن علي والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم والله أعلم حديث آخر قال أبو بكر الأثرم في سننه حدثنا أبو مسلم الحرمي حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال محاش النساء حرام وقد رواه إسماعيل بن علية وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري وإسمه سلمة بن تمام ثقة عن أبي القعقاع عن بن مسعود موقوفا وهو أصح طريق أخرى قال بن عدي حدثنا أبو عبد الله المحاملي حدثنا سعيد بن يحيى الثوري حدثنا محمد بن حمزة عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأتوا النساء في أعجازهن محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال وقد روى من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث والله أعلم وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرية قال سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها فقال سفلت سفل الله بك ألم تسمع قول الله عز وجل أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين وقد تقدم قول بن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وبن عباس وعبد الله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن قال وما التحميض فذكر الدبر فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين وكذا رواه بن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ماورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم قال بن جرير حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس أنه قيل له يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال كذب العبد أو العلج على أبي عبد الله قال مالك أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن بن عمر مثل ما قال نافع فقيل له فان الحارث بن يعقوب يروى عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن فقال وما التحميض فذكر له الدبر فقال بن عمر أف ، أف وهل يفعل ذلك مؤمن أو قال مسلم فقال مالك أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن بن عمر مثل ما قال نافع وروى النسائي عن الربيع بن سليمان عن أصبغ بن الفرج الفقيه حدثنا عبد الرحمن بن القاسم قال قلت لمالك إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن قال وما التحميض قلت نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل بن عمر فقال لابأس به وروى النسائي أيضا من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله أن بن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري حدثني إسماعيل بن حسين حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن قال ما أنتم إلا قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج قلت يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك قال يكذبون علي يكذبون علي فهذا هو الثابت عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الانكار ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء وقد حكى في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك وفي صحته نظر قال الطحاوي روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال ما أدركت أحدا أقتدى به في ديني يشك أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم ثم قال فأي شيءأبين من هذا هذه حكاية الطحاوي وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك ولكن في الاسانيد ضعف شديد وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك والله أعلم وقال الطحاوي حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول فذكره قال أبو نصر الصباغ كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني بن عبد الحكم على الشافعي في ذلك لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه والله أعلم .
تفسير ابن كثير ج1/ص261- 266 .
قال ابن قدامة : فصل ولا يحل وطء الزوجة في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك ، وروي عن مالك أنه قال ما أدركت أحد أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك ، واحتج من أجله بقول الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . وقوله سبحانه والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، ولنا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء من أعجازهن وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأة في دبرها رواهما ابن ماجة ، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : محاش النساء حرام عليكم ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد رواهن كلهن الأثرم فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه وفي رواية ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج والآية الأخرى المراد بها ذلك ، فصل فإن وطئ زوجته في دبرها فلا حد عليه لأن له في ذلك شبهة ويعذر لفعله المحرم وعليها الغسل لأنه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة وإن كان الوطء لأجنبية وجب حد اللوطي ولا مهر عليه لأنه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطء زوجته في الدبر إحصان إنما يحصل بالوطء الكامل وليس هذا بوطء كامل والإحلال للزوج الأول لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة ولا الخروج من العنة لأن الوطء فيهما لحق المرأة وحقها الوطء في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الإذن بالنكاح لأن بكارة الأصل باقية .
المغني لابن قدامة 7/ص225 – 226 .
قال الشوكاني : باب النهي عن إتيان المرأة في دبرها عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها رواه أحمد وأبو داود ، وفي لفظ لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها رواه أحمد وبن ماجه ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والترمذي وأبو داود وقال فقد بريء مما أنزل ، وعن خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها رواه أحمد وبن ماجه ، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن ، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى رواهما أحمد ، وعن علي بن طلق قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تأتوا النساء في أستاههن فإن الله لا يستحي من الحق رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن ، وعن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر رواه الترمذي وقال حديث غريب ، حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد ، قال البزار ليس بمشهور ، وقال بن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وبن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه بن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال ، وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة ، وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة ، وقال البزار هذا حديث منكر ، وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم ، قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة أيضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ من أتى شيئا ، من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر وفي إسناده بكر بن خنيس وليث بن أبي سليم وهما ضعيفان ، ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد الله بن عمر بن أبان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ ملعون من أتى النساء في أدبارهن وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف ، وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول ، واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً ، ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمي بن عبد الله ولا يعرف حاله ، وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وبن حبان وحديث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات ، وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروي عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ، ورواه النسائي عن هناد عن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ، ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق أن رجلا سأل بن عباس عن إتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر ، وأخرجه النسائي بإسناد قوي ، وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف ، وعن بن مسعود عند بن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة ، وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف ، وقد استدل بأحاديث الباب من قال إنه يحرم إتيان النساء في أدبارهن ، وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم ، وحكى بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال ، وقد أخرجه عنه بن أبي حاتم في مناقب الشافعي ، وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه ، وكذلك رواه الطحاوي عن بن عبد الحكم عن الشافعي ، وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن ، فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول الله عز وجل فأتوهن من حيث أمركم الله ، وقال : فأتوا حرثكم أنى شئتم . والحرث لا يكون إلا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرماً لما سواه قال : نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت أبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بما لا حجة فيه قال فإن الله قال : والذين هم لفروجهم حافظون . الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وما ملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك ، وقد أجيب عن هذا بأن الأصل تحريم المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى فأتوا حرثكم أنى شئتم رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الإتيان في محل مخصوص طولب بدليل يخصص عموم هذه الآية ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره ، فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الاستمتاع بين الإليتين ، وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغاثية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جداً الحاملة على الانتقال من ذلك إلى إدبار المرد ، وقد ذكر بن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى منادياً على خساسته أنه لا يرضى أحد أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلا ما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها ، وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعاً وأكثر الفقهاء أنه حرام ، قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه ، وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب والله يعني بن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا معنى لهذا التكذيب فإن بن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال إنه لا خلاف في ثقة بن عبد الحكم وأمانته وقد روي الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا بن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن بن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم . فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذه الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا إلا في دبرها ، وروي نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم ، وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن بن عمر نحوه ولم يذكر قوله لا إلا في دبرها وأخرج أبو يعلى وابن مردويه في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية ، وعن جابر أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة من دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد ، وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يعني صماماً واحداً رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن
وعنها أيضا قالت لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبي فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا إلا في صمام واحد رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية بن عباس
وعن بن عباس قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن رواه الدارقطني ، حديث أم سلمة الثاني أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث بن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن بن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يعني مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد ، وحديث بن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه ، وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه وإنه من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره ، قوله مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الانكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل ، قوله غير أن ذلك في صمام واحد هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب بن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق ، وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ ، والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سداد القارورة ثم سمي به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثرها الرد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن سبب النزول إتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن بن عمر وأبي سعيد ، والثالث أنها نزلت في الإذن بالعزل عن الزوجة روي ذلك عن بن عباس أخرجه عنه جماعة منهم بن أبي شيبة وعبد بن حميد وبن جرير وبن المنذر وبن أبي حاتم والطبراني والحاكم ، وروي ذلك أيضا عن بن عمر أخرجه عنه بن أبي شيبة قال فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل ، وروي عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه بن أبي شيبة .
القول الرابع إن أنى شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام .
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني 6/ص351 – 357 .
قال الطحاوي : باب في وطء المرأة في الدبر قال أبو جعفر أصحابنا يكرهون ذلك وينهون عنه أشد النهي وهو قول الثوري والشافعي في المزني ، قال أبو جعفر وحكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنه حلال ،
وروى أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم قال ما أدركت أحداً اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ : نساؤكم حرث لكم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه ، قال أبو جعفر حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبو بكر بن أبي أويس الأعشى قال حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أن رجلا اتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه ذلك وجدا شديدا فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . قال أبو جعفر وزيد بن أسلم لا نعلم له سماعا من ابن عمر وروى ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج وروى حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد وروى مالك عن ربيعة عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال لا بأس به ، وروى وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين .
مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 2/343 – 345 .