أقسام القرآن وفوائدها

محمد جابري

New member
إنضم
10/07/2008
المشاركات
121
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مدينة وجدة - المغرب
أقسام القرآن وفوائدها

لئن عبرت السنن الإلهية عن كيفية السعي لإمساك الواقع وإدخاله حيازة الشرع ؟ يبقى السؤال الجوهري كيف لنا بإعمال الكتاب كله بما فيه من نصوص اشتملت على القصص والأمثال والمواعظ فضلا عن الأحكام والعهود الربانية ؟
والقرآن الكريم جعله الله روحا يستنطقها الربانيون عما غاب عنهم فتمدهم بفهم قريب عهد بربه، بل قد يشده المرء عندما يلمس أسرار قرآنية عبرت عنها روح القرآن بما لا مزيد عنه من البيان.
وإبعادا للجدل أقول صدق الله العظيم { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف : 4] ولاحظ اسم علي حكيم الذي انتهت به الآية هو الاسم الذي انتهت به آية التكليم الرباني {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51]

ولنبقى مع أقسام القرآن يقول الحق سبحانه وتعالى :
(((وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ))) النور : 34.

من خلال هذه الآية يتضح بأن القرآن جاء مشتملا على ثلاثة أصناف من النصوص :
1- آيات بينات.
2- القصص القرآنية.
3- الأمثال والمواعظ.

التكامل القرآني​

فحينما تعهد السنن الإلهية (أو العهود الربانية) للبشرية :
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّه ِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} محمد : 38.
تأتي قصة أصحاب الجنة في سورة القلم ضمن القصص القرآنية مخبرة بأن الذين سبقوا بخلوا على المسكين، ومكروا مكرهم لحرمانه مما كان يجود به أبوهم، فكانت النتيجة أن حرموا هم أيضا من خيرات تلك الجنة لما بعث الله من أحرقها وأصبحت رمادا :
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِين (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) }سورة القلم.

وتؤكد الأمثال والمواعظ ذلك المنحى بقوله تعالى :
(((وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))) البقرة : 195.
ويضرب لنا سبحانه مثلا في استفسار استنكاري يبين بأنه شتان بين من يعتمد على الله وعلى وعده : (((وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ))) سـبأ : 39. وبين من يتكل على حساباته وتقديراته ومعارفه، وأنه بالجملة لا حيلة لمحتال بين يدي قدرة الله :
(((أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))) البقرة : 266.
هكذا تلتحم المعاني في عقد فريد، وتختلف إشعاعات لآلئه وتتكامل في صورة بديعة.

1- مضامين الآيات البينات​

فالقرآن الكريم كله آيات بينات، لقوله تعالى :
(((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ))) يوسف : 1. خص الله منها نوعين من الآيات : أ- المحكمات. ب- المتشابهات.

أ- الآيات المحكمات :
وبعد تعميق النظر وجدنا بأن الحق عز وجل فرق بين الآيات البينات وجعل في مقابلها الآيات المتشابهات، كما أبان بأن من المحكمات :

مَنْ هُنَّ أمّ الكتاب :
وهو الشيء الذي نقصده بالسنن الإلهية القرآنية (أو العهود الربانية).
(((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)))
آل عمران : 7.
إنها عهود الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا، ولا يفقهها إلا الراسخون في العلم، المتشبثون بباب الله ليزيدهم فتحا وعلما.

ومَن هن آيات الأحكام لقوله تعالى :

(((وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ))) محمد : 20.
وتناول التشريع آيات الأحكام واشتملت على أحكام العبادات والمعاملات ونظام الدولة وقانونها الدستوري والإداري والاقتصادي و...مما يتعلق بالنهوض بمهام الدولة وشؤونها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والقانونية.

ب-
الآيات المتشابهات :

كما تشتمل المتشابهات على أوصاف الذات الربانية والأسماء الحسنى والصفات العلا لله جل جلاله، وتختص بجوانب العقيدة.

ابن تيمية وتقسيم القرآن :

وقسم ابن تيمية -رحمه الله- معاني القرآن على عشرة وجوه اجتهد في تفصيلها وبيانها، ونذكرها نظرا لأهميتها، وقد تسعفنا للاستئناس في بيان تقارب الوجوه المتماثلة : "ذكر الوجوه التي تنقسم إليها معاني ألفاظ القرآن، وهي عشرة أقسام :
القسم الأول : تعريفه سبحانه نفسه لعباده بأسمائه وصفات كماله، ونعوت جلاله وأفعاله، وأنه واحد لا شريك له وما يتبع ذلك؛

القسم الثاني : ما استشهد به على ذلك من آيات قدرته وآثار حكمته فيما خلق وذرأ في العالم الأعلى والأسفل من أنواع بريته وأصناف خليقته ؛ محتجا به على من ألحد في أسمائه وتوحيده، وعطله عن صفات كماله وعن أفعاله، وكذلك البراهين العقلية التي أقامها على ذلك، والأمثال المضروبة والأقيسة العقلية التي تقدمت الإشارة إلى الشيء اليسير منها؛

القسم الثالث : ما اشتمل عليه بدء الخلق وإنشاؤه ومادته وابتداعه له وسبق بعضه على بعض، وعدد أيام التخليق وخلق آدم وإسجاد الملائكة، وشأن إبليس وتمرده وعصيانه وما يتبع ذلك؛

القسم الرابع : ذكر المعاد والنشأة الأخرى وكيفيته وصورته، وإحالة الخلق فيه من حال إلى حال وإعادتهم خلقا جديدا؛

القسم الخامس : ذكر أحوالهم في معادهم وانقسامهم إلى شقي وسعيد، ومسرور بمنقلبه ومثبور به وما يتبع ذلك؛

القسم السادس : ذكر القرون الماضية والأمم الخالية وما جرى عليهم، وذكر أحوالهم مع أنبيائهم وما نزل بأهل العناد والتكذيب منهم من المثلات، وما حل بهم من العقوبات ليكون ما جرت عليه أحوال الماضين عبرة للمعاندين فيحذروا سلوك سبيلهم في التكذيب والعصيان. القسم السابع : الأمثال التي ضربها لهم، والمواعظ التي وعظهم بها ينبههم بها على قدر الدنيا وقصر مدتها وآفاقها ليزهدوا فيها ويتركوا الإخلاد إليها، ويرغبوا فيما أعد لهم في الآخرة من نعيمها المقيم وخيرها الدائم؛

القسم الثامن : ما تضمنه من الأمر والنهي والتحليل والتحريم، وبيان ما فيه طاعته ومعصيته، وما يحبه من الأعمال والأقوال والأخلاق، وما يكرهه ويبغضه منها، وما يقرب إليه ويدني من ثوابه، وما يبعد منه ويدني من عقابه، وقسم هذا القسم إلى فروض فرضها، وحدود حدها، وزواجر زجر عنها، وأخلاق وشيم رغب فيها؛

القسم التاسع : ما عرفهم إياه من شأن عدوهم ومداخله عليهم ومكايده لهم وما يريده بهم، وعرفهم إياه من طريق التحصن منه والاحتراز من بلوغ كيده منهم، وما يتداركون به ما أصيبوا به في معركة الحرب بينهم وبينه وما يتبع ذلك؛

القسم العاشر : ما يختص بالسفير بينه وبين عباده عن أوامره ونواهيه، وما اختصه به من الإباحة والتحريم، وذكر حقوقه على أمته وما يتعلق بذلك. فهذه عشرة أقسام عليها مدار القرآن.( فتاوى ابن تيمية ).


2- القصص القرآنية​

اشتمل القصص القرآنية على عبر وعظات وتاريخ السابقين، ولم ينهج القرآن الكريم فيها المنهجية السردية على طريقة الأدباء، ولا اشتمل على قصة بمفهوم القصص لدى الروائيين باستثناء قصة يوسف عليه السلام، وإنما سعى لكشف تفاعل السنن الإلهية في واقع الناس لاستخلاص العبر والعظات بأن لا شيء يخرج عن عهوده الربانية والتي هي كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.

حكمة السنن الإلهية :

" والقصص القرآنية وإن جاءت تسميتها- أحيانا- بالقصص، أي الحديث عن الماضي، تخرج عن الإطار الفني للقصة ؛ وبهذا تكتسب بعدها التاريخي المجرد.
ومهما يكن من أمر، فقد قدم لنا القرآن الكريم نماذج عديدة للمعطيات التاريخية، وحدثنا عن الماضي في جل مساحاته لكي ما يلبث أن يخرج بنا إلى تبيان (الحكمة) من وراء هذه العروض, وإلى بلورة عدد من المبادئ الأساسية في حركة التاريخ البشري مستمدة من صميم التكوين الحدثي لهذه العروض. تلك المبادئ التي سماها (سنناً), ودعانا أكثر من مرة إلى تأملها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبليّ. ومن ثم يتأكد لنا مرة أخرى أن هذه العروض ما جاءت لكي تلقي المتعة في نفوس المؤمنين، كما هو الحال في أي نشاط فني قبل أن تبرز للعيان الاتجاهات التعليمية الحديثة في ميادين الفنون، إنما جاءت لكي (تعلمهم) من خلال تجاربهم الماضية, و(تحركهم) عبر الأضواء الحمراء والخضراء التي أشعلتها لهم هذه التجارب في طريق الحياة المزدحم الطويل "1.
والمساحة التي خصصها الله للحديث عن السنن تكاد تبلغ ثلث القرآن بحسب تصريح د.عماد الدين خليل. وكان لازما أن نعتني بهذا القسط المهم من القرآن لاستخلاص ضوابط السنن الإلهية ؛ إذ تأتي القصة القرآنية أو الحدث مطابقا لعهود الله حيث تتجلى العهود الربانية بوضوح وشمولية.
إذا، فالحدث التاريخي تجسيد عملي للعهود الربانية،حيث تعرض علينا صفحة الواقع لواحات فنية رائعة، وضاءة، مشرقة، ناطقة بلسان حالها : " قل صدق الله"، ويستيقن المؤمن، ويزداد إيمانا ويقينا بالعهود الربانية.
فيرى يد الله تصنع في ملكه ما يشاء، ترفع هذا على خشبة مسرح الواقع وتضع ذاك، وقد يظن كل منهما أنه الفاعل المرفوع لما يريد، وما هو في حقيقة الأمر إلا مفعول به منصوب، مستدرج لما تقتضيه سنة أمره.
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} طه : 113.

3-الأمثال :​

لئن جاء القصص القرآنية بأحسن القصص فقد جاءتنا الأمثال بكلية متكاملة لا مزيد عليها لمستزيد، وهذا ما نستشفه من الآيات التالية :
(((وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ)))الفرقان : 39.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً))) الإسراء : 89.
وبكونها كلية شاملة للمجالات كلها كانت ضابطا ومعيارا يعبر الأحداث، ويبينها بيانا شافيا يكشف المزالق ويبين العثرات.

يقول ابن القيم الجوزية : "ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ، والحث والزجر، والاعتبار والتقرير، وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس. وقد تأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره، وعلى تحقيق أمر وإبطال أمر. والله أعلم. فائدة إرشادات السياق : السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم ؛ فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى :(((ذق إنك أنت العزيز الكريم))) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير. فائدة إخبار الله عباده عن المحسوس : إخبار الرب تبارك وتعالى عن المحسوس الواقع له عدة فوائد : منها أن يكون توطئة وتقدمة لإبطال ما بعده". بدائع الفوائد. ج 4/ ص815.
"ومنها أن يكون موعظة وتذكيرا، ومنها أن يكون شاهدا على ما أخبر به من توحيده وصدق رسله وإحياء الموتى، ومنها أن يذكر في معرض الامتنان، ومنها أن يذكر في معرض اللوم والتوبيخ، ومنها أن يذكر في معرض المدح والذم، ومنها أن يذكر في معرض الإخبار عن اطلاع الرب عليه، وغير ذلك من الفوائد".(بدائع الفوائد. ج 4/ ص 816)

والحقيقة إنها لإشارات جليلة وغوص غائص في المجال، إلا أنه لا ينبغي.أخذها بالحقائق المسلمة لما تحتاجه من تحقيق علمي دقيق. فرحمه الله ؛ عصرنا غير عصره، وما بأيدينا من وسائل البحث العلمي ومناهجه تمكننا الغوص أكثر بكثير مما قام به.
فالحقائق المسلمة نصوص قرآنية، أو السنة المطهرة، أو ما صقلته العقول وشهد له أولو الألباب ذوو الأبصار النيرة.

الضوابط الثلاثة للفتوى

رأينا فيما سبق بأن أقسام القرآن ثلاثة : آيات بينات ( آيات العهود الربانية + آيات الأحكام) ثم القصص القرآنية ثم الأمثال والعظات.
◄ وجاءت السنن الإلهية أمورا كلية، جامعة مانعة، لا نقص فيها، وكانت آياتها محكمات بينات لا لبس فيها، ولا التباس يخامر الآخذ بها.
(((يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))) النساء : 26.

◄ونجد القصص القرآنية هي أحسن القصص، وهي بدورها تشكل وحدة متكاملة.
(((وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)))[ هود : 120.
(((نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ))) يوسف : 3.
◄ وبخصوص الأمثال جاءت هي أيضا وحدة كلية جامعة مانعة ؛ لقوله تعالى :
(((وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ )))الفرقان : 39.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً))) الإسراء : 89.
(((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً))) الكهف : 54.
(((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ))) الروم : 58.
فهي في الحصيلة ثلاث كليات تعتمد ضوابط للفتوى : فبينما السنن الإلهية ترسم السبيل تأتي القصص القرآنية لتؤكد المنحى، كما تأتي الأمثال لتشد على أزر السنن الإلهية.
 
السلام عليكم، أخي محمد جابري، بارك الله فيك على الطرح، ولكن أظنّ أن التقسيم الذي نسبته إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، هو في الحقيقة لتلميذه ابن القيم ذكره في الصواعق المرسلة.
 
عودة
أعلى