السلام عليكم
ما هو القول الفصل في مسألة تقسيم لسان العرب؟
فمنهم من قال: شعر ونثر
ومنهم من قال : كلام الله ، شعر ونثر
هل يمكن أن نقول عن كلام الله أنه نثر؟
فأرجو من الأساتذة والشيوخ إفادتنا في هذا الموضوع مع التأصيل والتنصيص على التقسيمات بورك فيكم
منقول من موقع الشيخ المنجد- حفظه الله - هل يمكن القول بأن القرآن شكل من أشكال الشعر ، مع العلم أنه يقال إن في القرآن مذكور أنه ليس بقول شاعر ؟
الحمد لله
أولاً:
ليس القرآن شعراً ، ولم يكن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاعراً ، بل وما ينبغي له ، قال تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لا تُبْصِرُونَ . إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ . وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ . تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الحاقة/38-43 ، وقال تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) يـس/69 .
ثانياً:
كلام العرب لا يخرج عن كونه شعراً ونثراً ، ولا يعرف العرب غيرهما ، وما يذكره بعض العلماء من وجود قسم ثالث وهو " السجع " : فهو داخل في النثر ، وليس قسماً مستقلاًّ ، حتى جاء الله تعالى بالقرآن ، وأنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فبهرت كلماته عقول العرب ، وأخذ أسلوبه بألبابهم ، فتركهم في حيرة ، فلا هو بالشعر الذي ينظمونه ، ولا هو بالنثر الذي يقولونه ، ومن قال منهم إنه " شعر " : فهو مكابر ، كاذب ، يعرف نفسه أنه غير صادق ، أو أنه لا يعرف الشعر ، ولو كان شعراً فما الذي منعهم من النظم على منواله ؟! .
ولذلك رأينا اعتراف الصادقين منهم أن القرآن ليس بشعر ، ومن هؤلاء المعترفين بذلك :
1. أبو الوليد عتبة بن ربيعة :
روى ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي قال : حُدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيِّداً - ، قال يوماً - وهو في نادي قريش ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده - : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه ، وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنَّا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي اللَّه عنه ، ورأوا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثرون ، ويزيدون ، فقالوا : بلى ، يا أبا الوليد قم إليه ، فكلمه ، فقام إليه عتبة ، حتى جلس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن أخي إنك منَّا حيث قد علمت من السطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها ، قال : فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد أسمع ، قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً : جمعنا لك من أموالنا كيْ تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً : سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً : ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رِئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك : طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ، قال : أفعل ، فقال : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ( حم . تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ) فصلت/ 1 – 5 ، ثم مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه ، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه ، ثم انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ، ثم قال : قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولاً واللَّه ما سمعت مثله قط ، واللَّه ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فو اللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب : فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب : فمُلكه ملككم ، وعزُّه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه ، قال: هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم .
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 2 / 205 ) ، وأبو نعيم في " الدلائل " ( 1 / 304 ) وحسَّنه الألباني في التعليق على " فقه السيرة " للغزالي ( ص 113 ) .
2. الشاعر أنيس الغفاري :
قد روى مسلم ( 2473 ) من حديث أبي ذر رضي الله عنه : قصة إسلامه وإسلام أنيس أخيه ، وفيها قال : ( فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة فاكفني - أي : ابق مع أمي - فانطلق أنيس ، حتى أتى مكة ، فراث علىَّ ، ثم جاء ، فقلت ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك ، يزعم أن الله أرسله ، قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء .
قال أنيس لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - (أي على أنواع الشعر وطرقه وأوزانه ، واحدها : قَرْء ) - فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر - أي : إنه ليس بشعر - والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون ... ) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :
ومعنى الكلام : أنه لما اعتبر القرآن بأنواع الشعر : تبيَّن له أنه ليس من أنواعه ، ثم قطع : بأنه لا يصح لأحد أن يقول : إنه شِعر .
" المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " ( 6 / 394 ) .
ثالثاً :
إذا كان القرآن ليس شعراً ، كما نفاه الله تعالى عنه ، ونفاه عنه الشعراء الصادقون ، فهل هو من النثر ؟ والجواب : لا ، ولا هو من النثر ، ومن تأمل في كتاب الله تعالى حق التأمل ، وكان له ذوق لغوي وبلاغي : علم أنه ليس من النثر ، بل هو قسم ثالث من أقسام الكلام في لغة العرب ، وقد اعترف بهذا كبار الأدباء قديماً وحديثاً ، ونذكر هنا شهادة رجل من الأدباء ، وله موقف معروف من الشرع ، وهو " طه حسين " وشهادته هنا مهمة ؛ لأنه من أهل الاختصاص من جهة ، ومن جهة أخرى فهو لن يجامل أحداً !
ومما قاله طه حسين :
ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثراً ، كما أنه ليس شعراً ، إنما هو قرآن ، ولا يمكن أن يسمَّى بغير هذا الاسم ، ليس شعراً ، وهذا وضع ، فهو لم يتقيد بقيود الشعر ، وليس نثراً ؛ لأنه مقيّد بقيود خاصة به ، لا توجد في غيره ، فهو ليس شعراً ، ولا نثراً ، ولكنه : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) ، فلسنا نستطيع أن نقول : إنه نثر ، كما نص على أنه ليس شعراً .
كان وحيدا في بابه ، لم يكن قبله ، ولم يكن بعده مثله ، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله ، وتحدى الناس أن يحاكوه ، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً ... .
" من حديث الشعر والنثر " - الأعمال الكاملة – ( 5 / 577 ) بواسطة مقال " حول إعجاز القرآن الكريم ، الابتداء بالأسلوب " ( من ص 75 - 84 ) للدكتور علي حسن العماري ، نشر في مجلة " الجامعة الإسلامية " العدد 24 ، ، ربيع الثاني 1394هـ .
وهذا المقال نفيس ، وفيه بيان المسألة بوضوح وجلاء ، ومما قاله الدكتور الفاضل فيه :
فمشركو العرب ادَّعوا أن القرآن شعر ، وادعوا أنه كهانة ، ومعنى هذا : أن شبه القرآن عندهم بالشعر ، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه ، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه ، فهم - بذلك - يقرون أنه ليس كسائر الكلام ، وإنما هو نوع خاص منه ، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً ، أو أن يكون قول كاهن ، كما نفى القرآن الكريم ذلك ، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي : مخالف لكلام العرب ، ومتميز عنه ، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم ، وتراكيبه تراكيبهم .
وقال :
ذكر " عيسى بن علي الرماني " ( متوفى 386 هـ ) في رسالته " النكت في إعجاز القرآن " أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال : " وأما نقض العادة : فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة : منها الشعر ، ومنها السجع ، ومنها الخطب ، ومنها الرسائل ، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث ، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن ، تفوق كل طريقة " انتهى .
وقال الدكتور الفاضل :
وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني ، فأطال القول في هذا المعنى ، ومن ذلك قوله : " إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم ، ومباين لأساليب خطابهم ، ومن ادعى ذلك : لم يكن له بدٌّ من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر ، ولا من قبيل السجع ، ولا الكلام الموزون غير المقفى ؛ لأن قوماً من كفار قريش ادعوا أنه شعر ، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً ، ومن أهل الملة من يقول : إنه كلام مسجع ، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم ، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون ، فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب " انتهى .
فتبين مما سبق أن القرآن كلام الله تعالى ، أحكم آياته ، وفصَّلها ، وبيَّنها ، بكلام عربي مبين ، وليس هو على طريقة ما عرفه العرب من الشعر ، والنثر ، بل هو قرآن ، قسم خاص ، لا يشبه الشعر والنثر ، ولا يشبهانه .
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين.. كما أرغب بالتذكير ان الله تعالى قد تحدى الانس والجن على ان يأتوا بمثل القرآن...فهل من المعقول ان يتحداهم بشعر أو نثر؟ ولكن تحداهم بأمر لم يعهدوه ولم يسمعوا بمثله سابقا ولهذا تجدهم كانوا يتعجبون منه ولا يستطيعون وصفه!!! ولهذا فهو كلام الله تعالى لا نثر ولا يوصف بفن يتعاطاه البشر...ورحم الله تعالى ذلك الاعرابي الذي لما سمع القرآن قال- سبحان من كلامه هذا!!!والله تعالى أعلم.
إذا كان كلام العرب يدور بين الشعر وهو الكلام الموزون المقفى والنثر بأنواع أساليبه ونفى القرءان أن يكون شعرا لمعنى التزييف الذي يقحم في الشعر فهو على أساليب العرب النثرية وعلى أكمل الوجوه منها وأحسنها نظاما وأبرعها ألفاظا وأجمعها معنى وأكملها حكمة وأدناها رحمة وأوفرها هداية وأوعبها لخير ولا يخرج كذلك إلا من إل كما قال الصديق رضي الله عنه ، ومن قال انه ليس بشعر ولا نثر فهو يرد على قوله تعالى : بلسان عربي مبين ، ويلزمه لو يكون على غير سنن العرب في خطابها أن يكون من جنس السحر أو الشعوذة أو يحدد ماهيته ، وإلا فليس للعرب في لسانها إلا هاتين، كما يلزمه أن التحدي لم يكن منصفا لكونه ليس مما تدرك العرب أساليبه ؟؟
"ومن قال انه ليس بشعر ولا نثر فهو يرد على قوله تعالى : بلسان عربي مبين"
لا أدري كيف لزمت بين الأمرين والأمر ليس بلمزم .
فعدم كون القرآن ليس شعراً أو نثراً ، لا يعني أنه ليس عربي ، بل هو عربي مبين لكن طريقة الصياغة تختلف فقط . وهو كما قيل فريد من نوعه فأخرس به كفار العرب الفصحاء .
مسألة تحديد المصطلح تستلزم نظرة عميقة وشاملة إلى الأجناس المشابهة ودقة المصطلح تعكس دقة النظر وتمييزه بين فروق قد لا يُلتَفت إليها في العادة، وتبقى المصطلحات بعد كل ذلك فيها جانب تحكّمي فيكون الحكم عليها بمدى فائدتها في توضيح الفهم وصياغة النظرية، وفي هذه المسألة القديمة المتجددة وهي علاقة كتاب الله من حيث كونه نصا مكتوبا باللغة بسائر أنواع الاستخدام اللغوي، غير غافلين عن رسالته الدينية وعن قضية إعجازه وتحديه.
فمن قال إنه ليس بشعر ولا بنثر يعني أنه ليس جنسا أدبية من الصناعتين التي يكون الوزن شرطا في إحداهما ولا يكون في الثانية، ولكل من الصناعتين أقسام تختلف شكلا ومضمونًا لكن أنواع الشعر من قصصي ووجداني وتمثيلي وغيرها لم يُطلق عليها أنها أجناس أدبية مختلفة بخلاف أنواع الأدب النثرية فقد أطلق عليها أنها أجناس أدبية مختلفة. وعدد مؤرخو الأدب ما يربو على اثني عشر جنسا أدبيا منها ما هو شفاهي أدائي كالخطابة ومنها ما هو كتابي خالص ومنها ما يجمع الأمرين. والشعر أكثر أجناس الأدب أدبيةً أما الأجناس الأخرى فتتفاوت نسبة الأدبية فيها ولم تجر محاولات تعداد عناصر الأدبية وحصرها بشكل منتظم ممنهج إلا مع بروز التيارات الشكلية في النقد في القرن العشرين.
وبشأن جنس النص القرآني الأدبي فإنه جنس مستقل قائم بذاته لم يجر على سَنَن غيره ولم يفلح أديب في محاكاته فبقي نصا لا يمكن حصره في جنس من الأجناس الأدبية التي عددها مؤرخو الأدب واستقروها من أنواع الاستخدامات الفنية للغة التي اصطلح عليها الناس منذ أقدم العصور. فالقرآن الكريم من الناحية الأدبية الفنية هو جنس قائم بذاته يسمى القرآن، وبهذا الاعتبار يُفهم قول من قال إنه ( لا شعر ولا نثر) أي أنه ليس أحد الأجناس الأدبية التي جرى تعدادها ودراستها واستخدام الناس لها. ومن الناحية الفكرية والدينية هو تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين، مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه، وهو من هذه الحيثية ليس فقط ( لا شعر ولا نثر) بل ليس فنا ولا أدبا أصلا.
وعدّ القرآن ( جنساً أدبيا قائما بذاته) هو الأسلم والأقرب للأخذ به من الناحية الاصطلاحية وإن كانوا قد قالوا ( لا مشاحة في الاصطلاح) لكن المصطلح بطبيعته يميز بين الخصويات والفروق داخل كل فعالية. والقرآن فعالية أدبية مقروءة مكتوبة فبماذا امتازت على ما سواها من الاستخدامات للغة أدبيا ودينيا؟
امتازت بالكثير واشتركت بالكثير فهل يستأهل ما امتازت به أن تفرد بمصطلح يميزها عن جميع الاستخدامات للغة؟ ولما كان الجواب بالقطع كان عده جنسا قائما بذاته هو الأصوب والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.. أما بعد... الاخ الفاضل محمد أمين...أرجو النظر بما يلي-
١-لقد بحثت عن أقوال لعلماء الامة المعتبرين يقولون بقولك ان القرآن من النثر...فلم أجد فهل وجدت أنت من أقوالهم ما يؤيد ما ذهبت اليه؟
٢-ان من تعظيم الله تعالى ان لا نشبه كلامه بكلام البشر لكون النثر من كلام المخلوق.
٣-ان قولك اننا اذا قلنا ان القرآن لا شعر ولا نثر يستلزم ان لا يكون القرآن عربيا..ليس بصحيح لسببين الاول ان قريشا لم تقل للرسول اللهم صل عليه وآله ان القرآن ليس من كلامنا والثاني ان القرآن أستخدم نفس الحروف
التي في لغة العرب.
٤-أما قولك ان قولنا ان القرآن ليس بشعر ولا نثر..سيعني ان التحدي للعرب بأن يأتوا بمثله ليس بمنصف لانهم لا يعرفون الا الشعر والنثر...بل اني اراه منصفا جدا لكون الشعر والنثر والقرآن هو نظم من الكلام فمثل ما تنظمون أشعاركم وتنمقون نثركم اكتبوا نظما يوازي نظم القرآن..
كما اني الاخوة المستشارين في الملتقى ان يتحفونا بما عندهم من علم حول هذا الموضوع وذلك لقلة البحوث والدراسات التي تناولته...والله تعالى أعلم.
إنه لقرآن كريم وهو منزل من رب العالمين ولو اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضا ظهيرا ،،، فهو قول الله وكلام الله وهو لا يشبه كلام بشر ولا تأليف بشر ولا يصنف بتصنيفات البشر بل هو قول رب العالمن ، سلام قولا من رب رحيم
قال ابن عاشور في المقدمة العاشرة من مقدمات تفسيره [1/113]:
((اعلم أن أدب العرب نوعان: شعر ونثر. والنثر: خطابة، وأسجاع كهان. وأصحاب هذه الأنواع وإن تنافسوا في ابتكار المعاني وتفاوتوا في تراكيب أدائها في الشعر فهم بالنسبة إلى الأسلوب قد التزموا في أسلوبي الشعر والخطابة طريقة واحدة تشابهت فنونها، فكادوا لا يَعْدون ما ألفوه من ذلك، حتى إنك لتجد الشاعر يحذو حذو الشاعر في فواتح القصائد وفي كثير من تراكيبها... وكذلك القول في خطبهم تكاد تكون لهجة واحدة وأسلوبًا واحدًا فيما بلغنا من خطب سحبان وقس بن ساعدة. وكذلك أسجاع الكهان وهي قد اختصت بقصر الفقرات وغرابة الكلمات.
إنما كان الشعر الغالب على كلامهم، وكانت الخطابة بحالة ندور لندرة مقاماتها. قال عمر: «كان الشعر علم القوم، ولم يكن لهم علم أصح منه». فانحصر تسابق جياد البلاغة في ميدان الكلام المنظوم.
فلما جاء القرآن ولم يكن شعرًا ولا سجع كهان، وكان من أسلوب النثر أقرب إلى الخطابة، ابتكر للقول أساليب كثيرة، بعضها تتنوع بتنوع المقاصد، ومقاصدها بتنوع أسلوب الإنشاء، فيها أفانين كثيرة؛ فيجد فيه المطلع على لسان العرب بغيته ورغبته، ولهذا قال الوليد بن المغيرة لما استمع إلى قراءة النبيء صلى الله عليه وسلم: «والله ما هو بكاهن، ما هو بزمزمته ولا سجعه، وقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه، وقريضه ومبسوطه، ومقبوضه؛ ما هو بشاعر». وكذلك وصفه أنيس بن جنادة الغفاري الشاعر أخو أبي ذر حين انطلق إلى مكة ليسمع من النبيء صلى الله عليه وسلم، ويأتي بخبره إلى أخيه، فقال: «لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعته على أقراء الشعر فلم يلتئم، وما يلتئم على لسان واحد بعدي أنه شعر» ثم أسلم. وورد مثل هذه الصفة عن عتبة بن ربيعة والنضر بن الحارث.
والظاهر أن المشركين لما لم يجدوا بدًّا من إلحاق القرآن بصنف من أصناف كلامهم ألحقوه بأشبه الكلام به، فقالوا: إنه شعر تقريبًا للدهماء بما عهده القوم من الكلام الجدير بالاعتبار، من حيث ما فيه من دقائق المعاني وإحكام الانتظام والنفوذ إلى العقول، فإنه مع بلوغه أقصى حد في فصاحة العربية ومع طول أغراضه وتفنن معانيه وكونه نثرًا لا شعرًا ترى أسلوبه يجري على الألسنة سلسًا سهلاً، لا تفاوت في فصاحة تراكيبه، وترى حفظه أسرع من حفظ الشعر... ولما سلم مع ذلك من جمل يتعثر فيها اللسان، ولم يدْع مع تلك الفصاحة داع إلى ارتكاب ضرورة أو تقصير في بعض ما تقتضيه البلاغة، فبنى نظمه على فواصل وقرائن متقاربة، فلم تفته سلاسة الشعر، ولم ترزح تحت قيود الميزان؛ فجاء القرآن كلامًا منثورًا، ولكنه فاق في فصاحته وسلاسته على الألسنة وتوافق كلماته وتراكيبه في السلامة من أقل تنافر وتعثر على الألسنة. فكان كونه من النثر داخلاً في إعجازه...)).
الذي حملهم على القول بأنه ليس بشعر ولا نثر
أن للنثر قوانينه (في عصر التنزيل) حتى يُعد فصيحاً،
وللشعر أسس وقوانين (في ذاك العصر) إذا أخل بها لم يكن كذلك.
وكثير مما يصلح في الشعر يعد عيباً في النثر (والعكس)
وقد احتوى القرآن الكريم على تراكيب وأوزان (فواصل) لا يمكن إدراجها في الشعر ولا النثر.
أنصح بالاطلاع على كتاب النبأ العظيم لدراز حمله من هنا