((أفلا يتدبرون القرآن ))

إنضم
18/04/2007
المشاركات
280
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الإقامة
الرياض
أفلا يتدبرون القرآن

[align=left]فضيلة الشيخ/ خالد بن عثمان السبت[/align]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء :82]، فالله -عز وجل- ينعى على هؤلاء المعرضين عن كتاب الله -عز وجل- الذين وقع لهم لونٌ من ألوان هجره وهو هجر التدبر، ومعلوم أن من ترك تدبر القرآن فقد هجره، والله -عز وجل- لا يرضى بحال من الأحوال أن ينزل كتاباً عظيماً كهذا الكتاب الذي هو أعظم الكتب ثم بعد ذلك نهجره، وهذا لا يليق والله بحال من الأحوال أن يصدر ممن آمن بهذا القرآن، وآمن بمنزل هذا القرآن، وعرف هذه المعاني التي احتوى عليها هذا القرآن، والله -عز وجل- أخبرنا أن هذا الكتاب أنه كتاب عزيز، ومن عزته أن معانيه الطيبة وما فيه من الكنوز والمعارف لا تنفتح ولا تدخل في القلوب المعرضة عنه، فهذا من عزة القرآن، ولهذا يقول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله-: معلقاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة))(1) يقول: "فكذلك إذا كانت القلوب تحمل أخلاق الكلاب فإن الملائكة لا تدخلها بالمعاني الطيبة".
فإذا كانت القلوب -أيها الإخوة- مشغولة باللهو واللغو والعبث فأنى لها أن تفقه معاني القرآن.
فأين نحن من هؤلاء؟
أين نحن من ذلك الأعرابي الذي يعيش في الصحراء حينما سمع قارئاً يقرأ قول الله -تبارك وتعالى-: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر :94] سجد، فقيل له: على أي شيء سجدت؟ قال: سجدت لفصاحته، والله -عز وجل- أخبر عن المؤمنين في هذا القرآن أنهم: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم :58]. وهذا لا يمكن أن يحصل لأقوام إلا بعد أن يعرفوا معاني هذا الكتاب العظيم، ولهذا يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله- كبير المفسرين: "عجبت لمن يقرأ القرآن وهو لا يعرف معانيه كيف يلتذ بقراءته؟"، ثم انظر إلى تلك الجارية التي سمعها إمام كبير من أئمة أهل اللغة وهو الأصمعي -رحمه الله- سمعها تردد بيتاً أو بيتين فقال: قاتلكِ اللهُ ما أفصحك! فقالت: أفصح مني من جمع في آية واحدة بشارتين، وأمرين، ونهيين - تعني قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص :7] فهذان أمران {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} وهذان نهيان، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} هذا خبر وبشارة {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} وهذا أيضاً خبر وبشارة، فانظر إلى هذه الجارية الصغيرة التي ردت على من أعجب بشعرها وبفصاحتها بهذا الرد الذي يدل على لطافة في الفهم، ودقة في الاستنباط.
فأين نحن من هؤلاء؟ أين نحن من تدبر هذه الآيات التي نسمعها في الصلاة وفي غيرها؟
لو تدبرنا القرآن:
الآية التي بعد آية أفلا يتدبرون القرآن مباشرة يقول الله -عز وجل- فيها: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء :83]، فانظر إلى هذا التوجيه وهذه التربية القرآنية للمؤمنين، فلو تدبرنا هذا القرآن لصلحت أحوالنا في السلم والحرب، لو تدبرنا القرآن لما صدقنا الشائعات والأخبار الكاذبة التي يروجها إعلام العدو ليكسر بها نفوس المؤمنين، وليصيبهم بالخذلان والذل والهزيمة النفسية، ليكون ذلك توطئة للهزيمة العسكرية، ومع هذا - أيها الإخوة - نتلقف هذه الأخبار، ونرددها في المجالس وكأنها أخبار قد تنزلت من فوق سبع سماوات.
ثم انظر إلى التوجيه الذي بعده في قوله -تبارك وتعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ...} [النساء :102] انظر إلى القرآن كيف يربي المؤمنين على أمرين كبيرين هما سببا الانتصار في أرض المعركة:
1- الصلة بالله -عز وجل-.
2- وصلاة الجماعة حتى في حال المسايفة في حال مواجهة العدو، وإعداد القوة الممكنة لقهر هذا العدو ودحره {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}، فلا يقول قائل: نحن جند الله، ونحن أوليائه، لا نحتاج ونحن في هذا المقام الذي نناجيه فيه لحمل السلاح، لا بل تصلُّون بهذه الهيئة، ومعكم أعظم شخصية وجدت في التاريخ وهي شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعكم أحب الخلق إلى الله - تبارك وتعالى -، ومع ذلك أنتم بحاجة إلى هذه الصلاة وبهذه الكيفية من أجل أن لا يغير عليكم هذا العدو، فأين نحن من هذا التوجيه؟ وكيف ينتصر المسلم الذي يدعي الإسلام وهو يقابل عدوه وفي يده قارورة من الخمر، وفيه يده الأخرى قطعة سلاح، أين هؤلاء من الانتصار أيها الأخوة؟ لا يمكن أن ينتصر إلا من أخذ بهذه التوجيهات الربانية.
ثم انظر ماذا قال الله بعدها: {وَلا تَهِنُوا...} [النساء :104] لا تضعفوا في ابتغاء القوم في طلبهم وتتبعهم، وقتلهم وإزهاق أرواحهم {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} إن كنتم تقاسون الحر فهم يقاسون الحر، وإن كنتم تقاسون البرد فهم يقاسون البرد، وإن كنتم تقاسون الجوع فهم يقاسون الجوع، وإن كنتم تقاسون طول الشقة فهم يقاسون طول الشقة، وإن كنتم تقاسون آلام الجراح والأسر فهم يقاسون آلام الجراح والأسر، ومع ذلك يميزكم عنهم شيء واحد {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} لسنا سواء؛ قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، فإذا كان الأمر بهذه المثابة فلماذا يتردد المؤمن؟ ولماذا يتوقف؟ ولماذا يحزن إذا وقع في أسر العدو أو وقع عليه قهرٌ من هذا العدو الكافر؟ ولماذا ينكسر؟ والله -عز وجل- يقول في تعزية لطيفة شفافة رقيقة يحتاج الإنسان أن يقف عندها طويلاً في سورة آل عمران: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران :139، 140]، ليعلم الذين ثبتوا على مواقفهم وعلى إيمانهم الصحيح {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} هؤلاء القتلى {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران :141]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة :214]. أين نحن -أيها الأخوة- من هذه التوجيهات؟ والله لو أخذنا بها لما استطاعت أكبر قوة على وجه الأرض من البشر أن تقف في وجوه المسلمين، لو أخذ بها ثلة قليلة من هذه الأمة وتمسكوا بها حقاً لدوخوا العالم من شرقه إلى غربه، ولما استطاع أحدٌ أن يقف في وجوههم، ولكنها للأسف أمة مبعثرة لعب بها شياطين الإنس وشياطين الجن، وأضلوها عن كتابها فمزقت وصارت مثلاً يضرب به في الضعف والاستخذاء والمذلة، صارت هذه الأمة هي التي تقع عليها المذابح في كل مكان، وصارت هذه الأمة هي أحط الأمم، وإذا تأملت من المحيط إلى المحيط رأيت أن ما وراء ذلك غرباً وما وراءه شرقاً هي الدول الصناعية، هي الدول التي يسمونها الدول الكبرى الغنية، وهي الدول التي تتحكم في مصير الشعوب ومصائر العالم، وإذا نظرت إلى ما بين ذلك لا تجد مثالاً واحداً تستطيع أن تقول إنه قد فارق هذه المجموعة فصار يضاهي تلك الدول في التقدم والصناعة والابتكار، والأخذ بأسباب القوة، ومناطحة القوى العظمى، فيحسب له ألف حساب حينما يريدون أن يبرموا أمراً، أو يقرروا قراراً من المحيط إلى المحيط، البلاد الإسلامية هي البلاد التي يقال لها بلاد العالم الثالث وما وراء ذلك غرباً وشرقاً كله خارجٌ عن هذا الحكم، فلماذا أيها الإخوة، وقد كان المسلمون يقودون العالم بأجمعه؟ لأننا أعرضنا عن هذا القرآن، وفي النفس أشياء وأشياء مما قرأه الإمام ولكني أترك ذلك مخافة الإطالة عليكم.
وأسأل الله -عز وجل- أن يرعانا وإياكم بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
الأخ خالد بن عثمان السبت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أيها الأخ الكريم
جزاك الله خيرا ، ولقد ذكّرت بعظيم هو القرآن العظيم الذي يعظم أمام كل باحث قرأ القرآن وتدبره وتدارسه ، أي لا يستطيع أحد من الأمة كلها أن يفرغ من استيعاب معانيه ودلالاته وما يهدي إليه من الرشد والتي هي أقوم .
وهيهات أن تستكمل الأمة كلها معانيه ودلالاته وهو القول الثقيل المنزل على قلب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، ولهو إذن قول أثقل على الأمة جميعها إذ لم ينزل على قلب أحد منها بل هو كما في قوله  بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم  العنكبوت 49 أي أنه تجاوز آذانهم وأسماعهم ودخل في صدور الذين أوتوا العلم وهم الصحابة الأبرار الأخيار ولكن لم يبلغوا درجة علم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ، ولا يختلف منصف أن الصحابة الأبرار الأخيار كأبي بكر وعمر وسائر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين أوتوا العلم كما هي دلالة قوله  ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا  القتال 16 يعني أن المنافقين الذين كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ولكن لا يفقهون منه هدى ولا رشدا يسألون الذين أوتوا العلم بالتجهيل وهم الصحابة الكرام عن معاني ودلالات القرآن .
إنني شديد العجب من الذين يشتغلون بحفظ المتون وتدارسها وهم لم ولن يفرغوا من تدارس القرآن ولم يفقهوا بعد أن الله دعا إلى المسارعة إلى الخيرات مسابقة معلنة في القرآن أن الله سيؤتى من يسبق في هذه المسابقة مغفرة منه وفضلا وهو واسع عليم .
ولقد بينت من ذلك ما استطعت كما سيأتي في موضعه من التفسير والله يغفر القصور والتقصير .
إن الذين ينشغلون عن تدبر القرآن وتدارسه لهم الذين اتخذوا القرآن مهجورا وهجروه ، فوا عجبا كيف لم يفرّوا من الضلال إلى هدى القرآن ، وما ذا هم فاعلون يوم يصبح غيب القرآن وموعوداته التي نبّأ بها نبيّه شهادة في الدنيا ولا سبيل إلى النجاة يومئذ إلا للذين سيهتدون بفضل الله بالقرآن العجب الذي يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم .
الحسن محمد ماديك
 
[align=justify]يبدو أن ماهو مكتوب ومنقول عن الشيخ خالد السبت ، كان كلاما مرتجلا بعد إحدى صلاتي العشي ، وليس مما حرره بيده ، وقد وفق فيه جزاه الله خيرا ونفع به ، ومسألة التدبر قد نوقشت كثيرا في هذا الملتقى وغيره ، ويكاد الإنسان لا يخرج بقناعة معينة حول كيفية التدبر ومفهومه إلا باستقلالية في النظر والبحث ، فهو أقرب لأعمال القلوب من الجوارح ، وإن كان يصل أثره للجوارح ولاشك ، ومن هنا كان التفاضل في تدبر كلام الله ، حسب انشراح القلب وبقدر مافيه من علم وإيمان ، وإن لم يكن التدبر متوقفا عليهما ، بل قد تفاجأ به عند من ليس من أولئك في قبيل ولادبير.

وفي الحقيقة أنه موضوع شغلت به شهر رمضان الماضي ، حتى كنت أحمل في جعبتي وريقات أكتب فيها ماعن لي حول مفهوم التدبر ، وربما كتبت بين التسليمتين من التراويح لانشغال فكري غالب الشهر بالتعرف على معناه ، فكانت ترد أحيانا الخاطره وأنا في الصلاة فأدونها بعد التسليم نسأله الله مغفرته ، لكن نسلي النفس بأن الأمر متعلق بكلام الله العظيم..

ولما توسع علي الأمر وجاء العيد تفرق ماجمعنا ، وذهبت مني تلكم الورقات شذر مذر ، فليتني جمعتها حتى لنفسي فقد نسيت أغلب مادونته فيها والله المستعان .

وهو مبحث شريف عظيم لا ينفع أن يتناول بحثه والكتابة فيه إلا من جمع بين الآت كثيرة ، من علم وفهم وتذوق لغوي وروحانية وتجربة ، فقد يكتب لنا فيه نحوي ما لايكتبه مفسر ، كما قد يدركه الأمي قبل المتعلم. [/align]
 
الحمد لله

كفى الشيخ خالد السبت فضلا وعلما ما جمعه في كتابه المفيد قواعد التفسير.

وجزاه الله خيرا على كلامه.
 
عودة
أعلى