موجز في الدراسات العربية من قسم الآداب واللغات والحضارات البربرية (LLCE) عام 2005؛ عضو في الجمعية الفرنسية للمستعربين (
http://www.gsrl.cnrs.fr/sites/gsrl/IMG/pdf/Steven_Duarte.pdf).
تلك الأطروحة سجلها في 2011، وهي بإشراف
محمد حسين بنخيرة (هل أركون آخر؟).
الأخت زمزم؛
للأسف الشيوخ (مثل أعضاء المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث) والمستشرقين لا حضور لهم في المسرح الإعلامي، ويتم إستبعادهم، وإلا لكان الحال غير ما نراه، من تشويه مبرمج ومخطط عن سابق إصرار للإسلام والمسلمين. أغلب المستشرقين (بالمعنى الذاتي للاستشراق أي الإستشراق العلمي / الأكاديمي) والشيوخ علميين ومحايدين في التعاطي مع مجريات الأحداث؛ أما الإعلام فلا يريد العلمية و الموضوعية في التفاعل مع الأحداث، ومع ما يسمى عندهم "إشكالية الإندماج"، ومع الظاهرة التكفيرية عند المسلمين وغير المسلمين (الإسلاموفوبيين، والعنصريين، والنازيين الجدد، واليمين المتطرف). الإعلام تتلاعب فيه أيدي خفية ومصالح خاصة، ولذلك لا مكان للعلماء في الإعلام. وعندما يستضيف الإعلام مستشرق أو شيخ معين (مثل "الشيخ" هيثم الحداد الذي لا يمثلني أنا ولا الأغلبية الساحقة من المسلمين في أوروبا)، فإنهم يختارون منهم من يتماشى مع البرنامج الإعلامي الخاص بالحلقة.
بعد أن نشر Geert Wilders فيلم الفتنة الذي أثار جدلا عالميا، كان أول من رد عليه برد علمي المستشرق Fred Leemhuis، فند مزاعم الفتنة، وخلطها ما هو دنيوي بما هو أخروي، وحملها للآيات التي تطبقها الجماعة (جماعة بأمير وشورى وبيعة وقضاء الخ، أو الدولة بالمفهوم الحديث) على الآيات التي يطبقها الفرد في حدوده الفردانية في علاقته مع ربه ونفسه وغيره، وغير ذلك من شبهات فتنة الفتنة. ولأنه يتفكر بعلمية تم طمس ردّه، وتجاهله، وكأنه لم يتكلم ولم يقل شيئا. أما زميله Hans Jansen فدائم الحضور فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين في هولندا لأنه مستشرق كاثوليكي متعصب راديكالي تكفيري شعوبي يميني متطرف. وفي جارة هولندا، بلجيكا، نشرت الوسائل الإعلامية المختلفة رأي المستشرق الحقود Koenraad Elst مقالته التي إدعى فيها ظلما وبهتانا أن "داعش" تطبق الإسلام الصحيح أو الإسلام الأصيل حسب تعبيره. بينما لاشيء يذكر في هذه الوسائل عن تلك الصفحة على موقع جامعة لوفان الكاثوليكية التي خصصها المستشرقون لظاهرة داعش وأكدوا فيها بالحجج والبراهين أن داعش لا تعني الإسلام ولا تمثله ولا حق لها التكلم باسم المسلمين.
الإستشراق (الأكاديمي العلمي) لا دور
فعّال له في تكوين الرأي العام، أما الإستشراق بشكل عام، فلا يتناطح في المسألة عنزان. لكن علينا أن نميز. بالنسبة للروح المعادية للإسلام فهي متجذرة في العقل الأوروبي، أي أن العقل الأوروبي غير مستقل عن تلك العوامل التي شكلته عبر مراحل تاريخية ثقافية وحضارية معروفة، منها هذا العداء بأشكاله المتنوعة (من الريبة وعدم الثقة إلى ما سماه روجيه غارودي الإرهاب الغربي أو غطرسة الغرب بتعبير دومينيك دو فيلبان في تعليقه على هجمات باريس الإرهابية التي قام بها الأربعاء المنصرم بعض المجرمين الجبناء)، فهو جزء من بنية العقل الأوروبي؛ وتلك الروح لم تتوقف عند المواقف والأفكار والأفعال السياسية، بل إنعكست على أمور كثيرة من مظاهر المعاش، مثل مخبوزة كرواسون (croissant) التي تشير إلى الإنتصار على العثمانيين، وما لا يعد ولا يحصى من أشكال غيرها. طبعا، كانت محاولات كثيرة من طرف الإستشراق الأكاديمي و التنوير (الحركة الرشدية اللاتينية في أصلها) في تقليص تلك الروح العدائية، والإنتصار للتصورات العلمية حول الإسلام وأهله، إلا أنها لم تنجح ولأسباب كثيرة داخلية وخارجية، آخرها خوف واستشعار الولايات المتحدة من انهيار العالم الاحادي القطب مما جعل اللوبيات هناك تتدخل وتستغل المجانين والحمقى وحدث ما حدث، وكان لما حدث تبعاته، وتسلسلت وما هجوم باريس الأخير إلا نقطة في السلسلة، وسوف تتابع الأحداث، ونعوذ بالله من فتنة الدجّال.
السلسلة مؤطرة فكريا، ويجب أن تكون كذلك، لذى نرى عودة الإستشراق الحركي إلى الساحة. وهنا أختلف مع أخي الأستاذ بن هرماس، عندما يعتقد بوجود "توجه جديد" للإستشراق. الإستشراق الأكاديمي العلمي هو هو لا توجه جديد فيه ولا يحزنون، فقط عودة الإستشراق الحركي لينشط من جديد، والعودة هذه في قوة النشاط، لا بمعنى الإحياء. ومما لا يخفى أن هناك بعض المستشرقين - مثل المستشرق الألماني Hans-Thomas Tillschneide - في هذا الإستشراق الحركي، لكن ليس كل من يعمل في الإستشراق الحركي هو مستشرق علمي أكاديمي. الأغلبية في هذا الإستشراق من كتاب وسياسيين وفنانين ومتابعين غير مستشرقين، ولا علاقة لهم بالإستشراق العلمي. مثلا Robert Spencer و Oriana Fallaci لا علاقة لهما بالإستشراق الأكاديمي، رغم إعتمادهما فيما يكتبان على مصادر إستشراقية علمية، إلا أن ما يكتبه المستشرق العلمي شيء والتوظيف الإيديولوجي لعمله العلمي شيء آخر، ثم غالبا ما يعتمدون على كتابات مستشرقين علميين متعصبين مثل Bernard Lewis. وأمثال هذا المتصهين أقلية في الحرم الأكاديمي.
لو تعامل الإعلام الرسمي العربي الإسلامي مع الأقليات الغير المسلمة بنفس تعامل الإعلام الغربي لكانت فتنة عظيمة بلا حدود، لأسباب أخرى إلى جانب وجود المتشددين، مثل عدم التماسك الإقتصادي، وتسلط الإستبداد، وإنتشار الأمية، وغيرها. ففي السويد هجموا على مسجد وفي بريطانيا قتلوا مسلمين ومسلمات، ومن قبل في ألمانيا، والاحداث كثيرة لكن مجرد أمثلة. فلنتصور الآن أزمة إقتصادية واجتماعية خانقة تصيب تلك البلدان ؟؟ ستكون كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. لكنهم قوم لا يفقهون، عندما يقدم مسيحي في أمريكا على قتل طبيب لأنه يجري عمليات الإجهاض مثلا، لا نسمع عن مسيحي إرهابي. عندما يعترف باراك أوباما أن القوات الأمريكية في أفغانستان لا هم لها إلا قتل الأبرياء والإغارة على القرى Troops are just air raiding villages and killing civilians ، لا نسمع إرهاب ديموقراطي. والمحرقة الصهيونية إلى جانب مجازرها كذلك، لم نسمع إرهاب يهودي، وتصفية قرى مسلمة في جمهورية أفريقا الوسطى عن بكرة أبيها، لم نسمع إرهاب مسيحي، والتصفية العرقية للمسلمين في بورما، لم نسمع إرهاب بوذي، واللائحة لا تنتهي. الإعلام الغربي يعرف فقط الإرهاب الإسلامي، المسلم الإرهابي، الإرهابي المسلم، الجماعة الإسلامية الإرهابية، الحركة الإسلامية الإرهابية، الحزب الإسلامي الإرهابي، الخلية الإسلامية الإرهابية، وحتى الفاشية الإسلامية وحينا النازية الإسلامية. المحمدي تحول إلى مسلم، وتحولت المحمدية إلى الإسلام، وسيتحول الإسلام إلى الإرهاب، والمسألة مسألة وقت وترقّب بعد تحقيق النتيجة وهي ملازمة الإرهاب للإسلام وللمسلم في الذهنية المتلقية.