أصح طرق التفسير

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
أصح طرق التفسير : أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر ؛ فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة ، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ، بل قد قال الإمام الشافعي - رحمه الله : كل ما حكم به رسول الله e ، فهو مما فهمه من القرآن ؛ قال الله تعالى : ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [ [ النساء : 105 ] ، وقال تعالى : ] وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَانُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ [ النحـل : 44 ] ، وقال تعالى : ] وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ [ النحل : 64 ] ، ولهذا قال رسول الله e : " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ "[SUP] [1] [/SUP]، يعني : السنة ؛ والسنة - أيضًا - تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن ، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن ، وقد استدل العلماء على ذلك بأدلة كثيرة .
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه ، فإن لم تجده فمن السنة ، كما قال رسول الله e لمعاذ t حين بعثه إلى اليمن : " كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟ " قَالَ : أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ ؛ قَالَ : " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ " قَالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ e ، قَالَ : " فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ e وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ " قَالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو ؛ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ e صَدْرَهُ وَقَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ "[SUP] [2] [/SUP].
وإذا لم يوجد التفسير في القرآن ولا في السنة ، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك ، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح ، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة ، الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين ؛ وابن مسعود فإنه القائل : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته ؛ وقال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات ، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن . وقال أبو عبد الرحمن السلمي : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي e ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ؛ فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا [SUP][3] [/SUP].
ومنهم الحبر البحر ابن عباس ابن عم رسول الله e وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله e له : " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ "[SUP] [4] [/SUP]؛ وصح عن ابن مسعود أنه قال : نعم ترجمان القرآن ابن عباس [SUP][5] [/SUP]. وعن أبي وائل : استخلف عليٌّ عبد الله بن عباس على الموسم ، فخطب الناس ، فقرأ في خطبته سورة البقرة - وفي رواية سورة النور - ففسرها تفسيرًا ، لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا[SUP] [6] [/SUP]؛ ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عنهما ، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله e حيث قال : " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو[SUP] [7] [/SUP]؛ ولهذا كان ابن عمرو t قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك ؛ ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد[SUP] [8] [/SUP]، فإنها على ثلاثة أقسام : أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا ، مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح ؛ والثاني : ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه ؛ والثالث : ما هو مسكوت عنه ، لا من هذا القبيل ، ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه ، وتجوز حكايته لما تقدم ؛ وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ، ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا ، ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك : كأسماء أصحاب الكهف ، ولون كلبهم ، وعدتهم ، وعصا موسى من أي الشجر كانت ، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم ، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى ، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن ، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم ، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز ، كما قال تعالى : ] سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [ [ الكهف : 22 ] ، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام ، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا ، فإنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال ، ضعَّف القولين الأولين ، وسكت عن الثالث ، فدل على صحته ، إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ، ثم أرشد على أن الإطلاع على عدتهم لا طائل تحته ، فقال : ] قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ [ ؛ فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس ، ممن أطلعه الله عليه ، فلهذا قال : ] فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا [ ، أي : لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ، ولا تسألهم عن ذلك ، فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب . فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف ، أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام ، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل ، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته ، لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتشتغل به عن الأهم .
فأما من حكى خلافًا في مسألة ، ولم يستوعب أقوال الناس فيها ، فهو ناقص ، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه ، أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال ، فهو ناقص - أيضًا ، فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب ، أو جاهلا فقد أخطأ ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته ، أو حكى أقوالا متعددة لفظًا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى ، فقد ضيع الزمان ، وتكثر بما ليس بصحيح ، فهو كلابس ثوبي زور ، والله الموفق للصواب .
فإذا لم تجد التفسير في القرآن ، ولا في السنة ، ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين ، كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير ، فقد صح عنه أنه قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها ؛ وعن ابن أبي مليكة قال : رأيت مجاهدًا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه ، فيقول له ابن عباس : اكتب ، حتى سأله عن التفسير كله . ولهذا كان سفيان الثوري يقول : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به [SUP][9] [/SUP].
وكسعيد بن جبير ، وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، ومسروق ابن الأجدع ، وسعيد بن المسيب ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم ؛ فتذكر أقوالهم في الآية ، فيقع في عبارتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا ، وليس كذلك ، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره ، ومنهم من ينص على الشيء بعينه ، والكل بمعنى واحد في أكثر الأماكن ، فليتفطن اللبيب لذلك ، والله الهادي .
قال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في الفروع ليست حجة ، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا ، فلا يكون قول بعضهم حجة على قول بعض ، ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك[SUP] [10] [/SUP].

[1] جزء من حديث صحيح : رواه أحمد : 4 / 131 ، وأبو داود ( 4604 ) ، وغيرهما عن المقدام بن معدي كرب t .
[2] رواه الطيالسي ( 559 ) ، وأحمد : 5 / 230 ، 236 ، 242 ، وابن أبي شيبة ( 22988 ، 29100 ) ، وأبو داود ( 3592 ) ، والترمذي ( 1327) وأعلَّه ، والدارمي ( 170 ) ، وجوَّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية ( مجموع الفتاوى : 13 / 364 ) وتبعه ابن كثير في مقدمة التفسير ، وفيه الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة ، وهو مجهول ، وفيه جهالة أصحاب معاذ ، فالحديث ضعيف إسنادًا ، لكن معناه صحيح بلا ريب ؛ ويشهد له بعض الآثار عن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة ( 22991 ، 22992 ) ، وعن ابن عباس عنده ( 22994 ) ، وانظر العلل المتناهية : 2 / 758 ، وإعلام الموقعين : 1 / 202 ، 203 ، وتلخيص الحبير : 4 / 182( 2076 ) .
[3] روى هذه الأقوال ابن جرير : 1 / 27 ، 28 .
[4] رواه ابن أبي شيبة ( 32223 ) ، وأحمد : 1/ 335 ، وابن سعد في ( الطبقات ) : 2 / 366 ، والطبراني في ( الكبير ) : 10 / 263 ( 10614 ) ، 11 / 110 ( 11204 ) ، 12 / 70 ( 12506 ) ، والأوسـط ( 1444 ، 3356 ، 4176 ) ، والصغير ( 542 ) ، وابن حبان ( 7055 ) . ورواه البخاري ( 75 ، 143 ) ، ومسلم ( 2477 ) ، ولم يخرجا : " وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " ؛ وهي زيادة حسنة صحيحة .
[5] رواه ابن أبي شيبة ( 32220 ) ، وابن جرير من طرق : 1 / 31 ؛ وإسناده صحيح .
[6] رواه ابن جرير من طرق : 1 / 28 ، والحاكم ( 6290 ) .
[7] البخاري ( 3461 ) ؛ ورواه عبد الرزاق ( 10157 ، 19 210 ) ، وأحمد : 2 / 159 ، 202 ، 214 ، والترمذي ( 2669 ) وصححه ، والدارمي ( 545 ) ، وابن حبان كما في الإحسان ( 6256 ) . ورواه أحمد : 2 / 474 ، وأبو داود ( 3662 ) ، وابن حبان ( 6254 ) عن أبي هريرة ، ورواه النسائي في الكبرى ( 5847 ) ، وأبو يعلى ( 1209 ) عن أبي سعيد الخدري .
[8] في مجموع الفتاوى : لا للاعتماد .
[9] رواهما ابن جرير : 1 / 31 .
[10] انظر ( مجموع الفتاوى ) لابن تيمية : 13 / 363 : 365 ، ونقل الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره هذا الفصل من كلام شيخه بحروفه ، وزاد بعض التخريجات للأ حاديث .
 
عودة
أعلى