عصام العويد
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
"كنت كتبتها سابقاً فضعفت الهمة فلم أكملها ، وهاهي الآن بعون المنان بين أيديكم بتمامها"
أسْوارُ العَفاف
الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل وأشرف رسل الله .. أما بعد
فإن الحرب على الفضيلة والعفاف والطُهر في هذا العصر قد شبّ أوارها وارتفعت ألسنة نارها حتى اكتوى بها المسلم والكافر والتقي والفاجر ، وعظم دُخانها حتى غطى الأفق وأعمى المُقل في المحاجر ، وإني على يقين من ربي أنه لن يُطفئ لهبها ويُبردَ حرَّها إلا ماء الوحي ، ولن يبدد سحائب ظلماتها إلا نورٌ يتنزل من "النور"سبحانه إلى الأرض ، وقد أنزل الله "سورة النور" في كتابه "النور" على نبيه "النُّور" صلى الله عليه وسلم ، فكلها (نُورٌ عَلَى نُورٍ) ، ولكن الشأن كلّ الشأن فيمن يهتدي إلي فهم وتدبر هذا "النور" العظيم (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (35) .
وهذه الرسالة إنما هي رشفة من عسل التدبر لسورة النور وقبسٌ من أنوارها ، فهي سورة الطُهر والعفة والفضيلة تغسل قلوب المؤمنين والمؤمنات غسلاً فما تُبقي فيها دنساً ، تدبرتها سنين عددا فشيدت منها أسواراً نورانية خمسة متينة شاهقة ، العِرض في داخلها كقلب المدينة الحَصان التي لا يُعلى على أسوارها ولا يُستطاع لها نقْباً ، فلن تتسلل إليها الأيدي الخائنة إلا بغدرة خوَّان من داخلها ، فإذا غَدرت جارحة ثُلم في جدار العفة ثُلمة .
فمن أجل العفاف تنزلت "النور" ، ولأجل العفاف كُتبت "أسوار العفاف".
سورة "النور" لم يبتدئ العظيم في القرآن العظيم سواها بتعظيم ، اختصها من بين كل القرآن أن افتتحها بالثناء عليها فقال :
ـ (سُورَةٌ) والسورة في اللغة هي الأمر المنيف المرتفع عما حوله ، وكذلك هي من بين سور القرآن .
وهي مدنية باتفاق أهل العلم ولا يعرف مخالف في ذلك ، ونزول أولها في أوائل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الستة الأولى أو الثانية ، أيام كان المسلمون يتلاحقون للهجرة وكان المشركون جعلوهم كالأسرى كما يدل عليه حديث مرثد مع المرأة عَناق كما سيأتي قريباً بإذن الله .
ـ ثم قال : (أَنْزَلْنَاهَا) (وَفَرَضْنَاهَا) وكلُّ القرآن كذلك ، لكن لها تنزيل وفرضية خاصة تليق بها .
والسورة لها تعلق بعموم المجتمع ولكنها أخص في شأن النساء فأخرج أبو عبيد أن عمر رضي الله تعالى عنه كتب للأمصار : تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورةالنور. وعن مجاهد قال : عَلِّمُوا رجالكم سورة المائدة وعَلِّمُوا نسائكم سورة النور .
ومما قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي عن سورة النور وتعليمها للنساء قال : أي لما فيها من الأحكام الكثيرة المتعلقة بهن المؤدي حفظها وعلمها إلى غاية حفظهن عن كل فتنة وريبة كما هو ظاهر لمن تدبرها .
ـ ثم قال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) والقرآن بيّن كله ، لكنْ هنا (فِيهَا) بيان فوق البيان ، ، فأحكامها واضحة معللة ليس فيها أدنى التباس ، فليس فيما تنزلت من أجله من متشابه القرآن شيء ، لأن قضايا الأعراض وحمايتها من الدنس ليست من المسائل التي يُقال فيها (اختلف العلماء) ، نعم يختلفون في تقدير الوسيلة الموصلة إلى الغاية ، وتبعاً لذلك يختلفون في حكم الوسيلة ، فيختلفون مثلاً :
هل تغطية الوجه للمرأة أمام أجنبي عنها واجبة أم مستحبة ؟
لكن لو تبين أن "كشفه" موصل يقيناً إلى الفاحشة فلا خلاف بينهم في تحريمه ،
بل لو قُدر أن "تغطيته" مآلها كذلك فالتحريم قول واحد عند كلّ فقيه .
ولأجل ألا تقع الأعراض ضحية الخطأ والصواب ، وتضطرب طرائق المربين بحثاً عن العلاج ؛
تكرر التأكيد فيها (سبع مرات) أن السورة بيّنةٌ أشد البيان :
1. (وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (1)
2. (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) (34)
3. (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (46)
4. (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (54)
5. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (58)
6. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (59)
7. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (61)
فويحُ من تركها واستعاض بغيرها من تجارب البشر ، طلباً للطُرق (الإيجابية) فيما يزعم ،
فلو أفاد منهما وجعل ذِهْ تبعاً لتلك لأحسن وأجمل .
وكانت عناية أهل العلم بها وتوضيح أحكامها للناس خصوصاً في مجامعهم أمراً مشهوراً ، فأخرج الحاكم وغيره عن أبي وائل قال : حججت أنا وصاحب لي وكان ابن عباس رضي الله عنهما على الحج فجعل يقرأ "سورة النور" ويفسرها فقال صاحبي : سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل ! لو سمعت هذا الترك لأسْلَمَتْ .
بدأت النور بكلمة (سُورَة) لتبني ـ والله أعلم ـ أسواراً (خمسة) شاهقة متينة
تحوط العفة وتحمي الطُهر ، العِرض فيها كقلب المدينة الحَصان لن تتسلل إليها الأيدي الخائنة
إلا بغدرة خوَّان من داخلها ، فإذا غَدرت جارحة ثُلم في جدار العفة ثُلمة .
وهذه الأسوار هي :
السّوْر الأول :
أن بيضة العفة لن يحميها من لُعاب الوالغين فيها إلا تنكيل الدنيا قبل الآخرة (المجتمع الطارد للرذيلة)
السّوْر الثاني :
حفظ الفروج لا يكون إلا بحفظ الجوارح (تحصين الجوارح)
السّوْر الثالث :
أسلوب الإقناع بتعليل الأحكام (الإقناع بشرف الفضيلة)
السّوْر الرابع :
أن العِفة في حقيقتها قضية قلبية وجدانية (غرس محبة الفعة)
السّوْر الخامس :
العلم اليقيني بمراقبة الله (المراقبة الذاتية)
وتليها خاتمةٌ : لهذه الأسوار باب لا يغلق دلت عليه ودعت إليه "النور"، لكنه "مُشفّر" لا يدخل معه إلا التائبون .
فإلى بيان هذه الأسوار ،،
"كنت كتبتها سابقاً فضعفت الهمة فلم أكملها ، وهاهي الآن بعون المنان بين أيديكم بتمامها"
أسْوارُ العَفاف
الحمد لله والصلاة والسلام على أفضل وأشرف رسل الله .. أما بعد
فإن الحرب على الفضيلة والعفاف والطُهر في هذا العصر قد شبّ أوارها وارتفعت ألسنة نارها حتى اكتوى بها المسلم والكافر والتقي والفاجر ، وعظم دُخانها حتى غطى الأفق وأعمى المُقل في المحاجر ، وإني على يقين من ربي أنه لن يُطفئ لهبها ويُبردَ حرَّها إلا ماء الوحي ، ولن يبدد سحائب ظلماتها إلا نورٌ يتنزل من "النور"سبحانه إلى الأرض ، وقد أنزل الله "سورة النور" في كتابه "النور" على نبيه "النُّور" صلى الله عليه وسلم ، فكلها (نُورٌ عَلَى نُورٍ) ، ولكن الشأن كلّ الشأن فيمن يهتدي إلي فهم وتدبر هذا "النور" العظيم (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (35) .
وهذه الرسالة إنما هي رشفة من عسل التدبر لسورة النور وقبسٌ من أنوارها ، فهي سورة الطُهر والعفة والفضيلة تغسل قلوب المؤمنين والمؤمنات غسلاً فما تُبقي فيها دنساً ، تدبرتها سنين عددا فشيدت منها أسواراً نورانية خمسة متينة شاهقة ، العِرض في داخلها كقلب المدينة الحَصان التي لا يُعلى على أسوارها ولا يُستطاع لها نقْباً ، فلن تتسلل إليها الأيدي الخائنة إلا بغدرة خوَّان من داخلها ، فإذا غَدرت جارحة ثُلم في جدار العفة ثُلمة .
فمن أجل العفاف تنزلت "النور" ، ولأجل العفاف كُتبت "أسوار العفاف".
سورة "النور" لم يبتدئ العظيم في القرآن العظيم سواها بتعظيم ، اختصها من بين كل القرآن أن افتتحها بالثناء عليها فقال :
ـ (سُورَةٌ) والسورة في اللغة هي الأمر المنيف المرتفع عما حوله ، وكذلك هي من بين سور القرآن .
وهي مدنية باتفاق أهل العلم ولا يعرف مخالف في ذلك ، ونزول أولها في أوائل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الستة الأولى أو الثانية ، أيام كان المسلمون يتلاحقون للهجرة وكان المشركون جعلوهم كالأسرى كما يدل عليه حديث مرثد مع المرأة عَناق كما سيأتي قريباً بإذن الله .
ـ ثم قال : (أَنْزَلْنَاهَا) (وَفَرَضْنَاهَا) وكلُّ القرآن كذلك ، لكن لها تنزيل وفرضية خاصة تليق بها .
والسورة لها تعلق بعموم المجتمع ولكنها أخص في شأن النساء فأخرج أبو عبيد أن عمر رضي الله تعالى عنه كتب للأمصار : تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورةالنور. وعن مجاهد قال : عَلِّمُوا رجالكم سورة المائدة وعَلِّمُوا نسائكم سورة النور .
ومما قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي عن سورة النور وتعليمها للنساء قال : أي لما فيها من الأحكام الكثيرة المتعلقة بهن المؤدي حفظها وعلمها إلى غاية حفظهن عن كل فتنة وريبة كما هو ظاهر لمن تدبرها .
ـ ثم قال تعالى : (وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) والقرآن بيّن كله ، لكنْ هنا (فِيهَا) بيان فوق البيان ، ، فأحكامها واضحة معللة ليس فيها أدنى التباس ، فليس فيما تنزلت من أجله من متشابه القرآن شيء ، لأن قضايا الأعراض وحمايتها من الدنس ليست من المسائل التي يُقال فيها (اختلف العلماء) ، نعم يختلفون في تقدير الوسيلة الموصلة إلى الغاية ، وتبعاً لذلك يختلفون في حكم الوسيلة ، فيختلفون مثلاً :
هل تغطية الوجه للمرأة أمام أجنبي عنها واجبة أم مستحبة ؟
لكن لو تبين أن "كشفه" موصل يقيناً إلى الفاحشة فلا خلاف بينهم في تحريمه ،
بل لو قُدر أن "تغطيته" مآلها كذلك فالتحريم قول واحد عند كلّ فقيه .
ولأجل ألا تقع الأعراض ضحية الخطأ والصواب ، وتضطرب طرائق المربين بحثاً عن العلاج ؛
تكرر التأكيد فيها (سبع مرات) أن السورة بيّنةٌ أشد البيان :
1. (وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (1)
2. (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) (34)
3. (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (46)
4. (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (54)
5. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (58)
6. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (59)
7. (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (61)
فويحُ من تركها واستعاض بغيرها من تجارب البشر ، طلباً للطُرق (الإيجابية) فيما يزعم ،
فلو أفاد منهما وجعل ذِهْ تبعاً لتلك لأحسن وأجمل .
وكانت عناية أهل العلم بها وتوضيح أحكامها للناس خصوصاً في مجامعهم أمراً مشهوراً ، فأخرج الحاكم وغيره عن أبي وائل قال : حججت أنا وصاحب لي وكان ابن عباس رضي الله عنهما على الحج فجعل يقرأ "سورة النور" ويفسرها فقال صاحبي : سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل ! لو سمعت هذا الترك لأسْلَمَتْ .
بدأت النور بكلمة (سُورَة) لتبني ـ والله أعلم ـ أسواراً (خمسة) شاهقة متينة
تحوط العفة وتحمي الطُهر ، العِرض فيها كقلب المدينة الحَصان لن تتسلل إليها الأيدي الخائنة
إلا بغدرة خوَّان من داخلها ، فإذا غَدرت جارحة ثُلم في جدار العفة ثُلمة .
وهذه الأسوار هي :
السّوْر الأول :
أن بيضة العفة لن يحميها من لُعاب الوالغين فيها إلا تنكيل الدنيا قبل الآخرة (المجتمع الطارد للرذيلة)
السّوْر الثاني :
حفظ الفروج لا يكون إلا بحفظ الجوارح (تحصين الجوارح)
السّوْر الثالث :
أسلوب الإقناع بتعليل الأحكام (الإقناع بشرف الفضيلة)
السّوْر الرابع :
أن العِفة في حقيقتها قضية قلبية وجدانية (غرس محبة الفعة)
السّوْر الخامس :
العلم اليقيني بمراقبة الله (المراقبة الذاتية)
وتليها خاتمةٌ : لهذه الأسوار باب لا يغلق دلت عليه ودعت إليه "النور"، لكنه "مُشفّر" لا يدخل معه إلا التائبون .
فإلى بيان هذه الأسوار ،،