علي هاني يوسف
New member
- إنضم
- 09/01/2008
- المشاركات
- 81
- مستوى التفاعل
- 2
- النقاط
- 8
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
هذا هو الملف الأول في تفسير الفاتحة مستقصى من معظم التفاسير مع شرح عبارة أبي السعود والبيضاوي والكشاف والآلوسي أرجو منكم الدعاء أن يوفقني لإرسال بقيتها :
قال الخازن :وسبع وعشرون كلمة ومائة وأربعون حرفا وقال ابن كثير : كلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفًا النيسابوري: وكلماتها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون .
و لم يوجد فيها الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء
الباب الأول : هل السورة مكية أم مدنية :
1) القول الأول : مكية
قاله علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعلي بن الحسين ، وقتادة ، وأبو العالية ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وجعفر الصادق، سعيد بن جبير ، والحسن ، وأبو العالية الرياحي ، وأبو ميسرة ، وابن أبي زمنين وموسى بن جعفر عن أبيه ، ، ، ومكي والبغوي وابن كثير والسمعاني والخازن وأبو السعود والآلوسي والبيضاوي وجمهور العلماء ورواه أبو صالح عن ابن عباس واسْتُدل على مكيتها بأدلة :
أ- الدليل الأول : ما جاء في سورة الحجر { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } والحجر مكية بلا اختلاف ، ومعلوم أن الفاتحة هي السبع المثاني، ومعلوم أن الله تعالى لم يمتن عليه بإتيائه السبع المثاني وهو بمكة ثم أنزلها بالمدينة
ب- الدليل الثاني : أنه لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة فهذا إجماع، ومحال أن تفرض الصلوات ولا ينزل ما هو تمامها وبه قوامها فقد قال النبي عليه السلام من الخبر الثابت : " كُلُّ صَلاةٍ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ " . قالها ثلاثاً والخَدْج النقص فغير جائز أن تفرض علينا الصلوات ، ولا ينزل ما يزيل عنها النقص ، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة يصلي ثلاثة عشر سنة بلا فاتحة الكتاب، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير الفاتحة .
• وقيل إنها أول ما نزل من القرآن ، وأكثر المفسرين على أن أول ما نزل من القرآن : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) إلى قوله تعالى : ( مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ، ولكن الفاتحة من أول ما نزل وليست أول ما نزل . وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها من : أول ما نزل من القرآن
قال الآلوسي : وقد لهج الناس بالاستدلال على مكيتها بآية الحجر { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } وهي مكية لنص العلماء والرواية عن ابن عباس ولها حكم مرفوع لا لأن ما قبلها وما بعدها في حق أهل مكة كما قيل ؛ لأنه مبني على أن المكي ما كان في حق أهل مكة والمشهور خلافه ، والأقوى الاستدلال بالنقل عن الصحابة الذين شاهدوا الوحي التنزيل
2) القول الثاني : مدنية
قاله أبو هريرة ، وعطاء بن يسار ، ومجاهد ، ، والزهري ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ومقاتل و سوادة بن زياد
قال مجاهد : " نزلت الحمد بالمدينة" ، وقال : " لما نزلت رن إبليس اللعين"
يريد رن من عظيم ثوابها وجلالة قدر ماخص الله به أمة صلى الله عليه وسلم من إنزالها على نبيهم صلى الله عليه وسلم .
وقال الحسن بن الفضل : لكل عالم هفوة وهذه منكرة من مجاهد لأنه تفرد بها ، والعلماء على خلافه
3) القول الثالث: قد لفق بعض العلماء اجتهادا بين القولين السابقين فقال : هذه السورة نزلت بمكة مرة ، وبالمدينة مرة أخرى ، فهي مكية مدنية ، نزل بها جبرئيل مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة : إما حين حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حين حولت القبلة ولهذا السبب سماها الله بالمثاني؛ لأنه ثنى إنزالها ، وإنما كان كذلك مبالغة في تشريفها وتعظيما وتفضيلا لهذه السورة على ما سواها
• وممن رجح نزولها مرتين النسفي وفي الأمثل و حكاه الثعلبي
• وضعفه السمعاني و البغوي و الطبرسي وابن كثير والآلوسي و أبو السعودو الشربينيو الخازن و الطبرسي ومحمد سيد طنطاوي وغيرهم
• قال السمعاني : وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ؛ ولذلك سميت مثاني ؛ لأنها ثنيت في التنزيل ، وهذه رواية غريبة. قال ابن كثير : وهو غريب جدًا
• وأبطله القاضي العماد بأدلة :
الدليل الأول : أنه يجب عليه تحصيل الحاصل وهو محال
و أجاب ابن عرفة بأن التأكيد شائع في كلام العرب وليس فيه تحصيل الحاصل
والإجابة عن ذلك ما قاله الآلوسي أن هذا مصحح للوقوع لا موجب له .قال الآلوسي : ، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ولا يخفى ضعفه وما قالوا في الجواب عن الاعتراض بأن النزول ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة والظهور بها لا يقبل التكرر ، فإن ظهور الظاهر ظاهر البطلان كتحصيل الحاصل من دعوى أنه كان في كل لفائدة ، أو أنه على حرف مرة وآخر أخرى لورود مالك وملك ، أو ببسملة تارة وتارة بدونها ، وبه تجمع المذاهب والروايات ـ مصحح للوقوع لا موجب له كما لا يخفى .
الدليل الثاني : أنه يلزم منه أن يكون كلما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى ، لأن جبريل عليه السلام كان يعرض القرآن في كل سنة مرة ، وفي الآخرة مرتين فيكون ذلك إنزالا آخر وهذا لا يقوله أحد ، وقال : ولعلهم يعنون بنزولها مرتين ، أن جبريل نزل حين حولت القبلة فأخبره عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة ، وأقرأه فيها قراءة لم ( يكن أقرأه بها ) في مكة فظنوا ذلك إنزالا وهو ضعيف
4) القول الرابع : حكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدًا ضعفه ابن كثير والآلوسي والشهاب وغيرهم
الباب الثاني : باب أسماء السور
أسماء سورة الفاتحة اعلم أن هذه السورة لها أسماء كثيرة ، وذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى وكذلك كل اسم يبين جانبا منها وقد بلغت أسماء الفاتحة واحدا وعشرين اسما :
1) الأول : فاتحة الكتاب:
أ- وقد ثبت في السنة في أحاديث كثيرة تسميتها بهذا الاسم : فقد صَحَّ الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هي أمّ القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
واسمها فاتحة الكتاب من غير خلاف بين العلماء وسمّيت " فاتحة الكتاب " لأن موضعها يعطي ذلك لأن القرآن افتتح كتابة وخطا وترتيبا بها فهي أول سورة في القرآن من حيث الترتيب فَاتحة لما يتلوها من سور القرآن
قال الآلوسي : "أحدها } فاتحة الكتاب ؛ لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي ، ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل ، أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين ، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا كالترتيب المعهود ، وأما الثاني فلما عرفت أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له"
ب- والفاتحة: في الأصل صفة(مشتق) ثم نقلت من الوصفية وجعلت اسما (لأوَّل الشيءِ ) والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الإسمية أي للدلالة على النقل من الوصفية إلى الإسمية (أي معاملة الصفة معاملة الاسم في الدلالة له على ذات معينة لا على ذي وصف) لا لتأنيث الموصوفِ المقدرِ (كالقطعة ) مثلا إذا لا حاجة الى تقديره
ت- و(فاتحة ) مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكانٍ مقصودٍ وُلُوجُهُ فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا , وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء والعلاقة بين أول الشيء وفاتحته أن الفاتح للشيء ـ كالفاتح للباب مثلا ـ هو أول من يدخل ، فسميت السورة الأولى من الكتاب الكريم (فاتحة الكتاب ) لذلك ، المعنى أوَّل الكتاب ومبدئه إذ بها يتعلق الفتح للمجموع ، فـ(فاتحة) وصفٌ وُصِفَ به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسية ثم أضيف الى الكتاب ثم صار هذا المركب علما على هذه السورة .
وإضافة (سورة ) إلى (فاتحة الكتاب) فيه ثلاثة :
أ- القول الأول من إضافة العام إلى الخاص بمعنى اللام إذ الاسم فاتحة الكتاب والبقرة وآل عمران مثلا فهو تركيب إضافي والإضافة بمعنى اللام لأن المضاف إليه ليس ظرفا للمضاف ولا صادقا عليه والإضافة بمعنى اللام لا يشترط فيها صحة ظهور اللام كما صرح به النحاة
ب- القول الثاني : حققه القونوي وهو أن الإضافة هنا من إضافة العام إلى الخاص وهي إضافة بيانية على تقدير (من) البيانية مثل قولهم (شجر الأراك ) و(علم الفقه ) (فاتحة الكتاب )علما على المقدار المخصوص من الآيات من {الحمد لله }الى {الضالين}
ث- القول الثالث: أجازه ابن عاشور قائلا : ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقولهم : مسجد الجامع ، وعشاء الآخرة ، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب
ج- القول الرابع : القول الثاني : رجح الشهاب و الآلوسي : أنه من إضافة المسمى إلى الاسم كيوم الأحد ورده القونوي وسيأتي
و إضافة (فاتحة ) إلى (الكتاب) فيها قولان:
رجح أبو السعود وزاده و القونوي أن الإضافة فيه بمعنى اللام قال القونوي : لامية من إضافة الجزء إلى الكل إذ المراد بالكتاب الكل كما هو الظاهر لا المعنى الكلي فإن الكلي لا أول له فالمختار أن الكتاب هو مجموع المنزل وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترا كما في التنقيح
2) الثاني : أم الكتاب وأم القرآن :
تسميتها أم القرآن وأم الكتاب قد ثبتت في السنة من ذلك ما في (صحيح البخاري .في كتاب الطب أن أبا سعيد الخدري رقى ملدوغا فجعل يقرأ عليه بأم القرآن ,وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج ) أي منقوصة مخدوجة
وفي سبب تسميتها هذا الاسم عدة أقوال :
أ- القول الأول : وهو الأصح أنها سميت أما لأن الأم الأصل ، وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم ، لأن الله تعالى أودعها مجموع ما في السور فهي متضمنة معاني القرآن مجملاً ، لأن فيها إثبات الثناء على الله تعالى وإثبات أنه خالق الكون والعالمين ومربيهما ومعرفة عزة الربوبية وأنه عم برحمته العالمين وإثبات يوم القيامة وأنه مالكه سبحانه ثم إخلاص العبادة لله وحده دون شريك توحيدا بكل معاني التوحيد والاستعانة به وحده ومعرفة ذلة العبودية وعلى هذا يدور جميع القرآن ثم طلب طريق المنعم عليهم والاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين وهذه المعاني هي التي يدور عليها مقصود القرآن . وأم الشيء : أصله ، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب وكانت هذه السورة مشتملة عليها لقبت بأم القرآن وسأذكر بعد أسماء السور خلاصة ما حوته الفاتحة من العلوم وكيف حوت مجمل معاني الفاتحة .
هذا الوجه اختاره الزمخشري و البقاعي والمنار والقشيري والمراغي الصابوني والنيسابوري والسامرائي أجازه أبو السعود والبيضاوي والآلوسي وقدمه الرازي
ب- القول الثاني في سبب تسميتها أم القرآن :
تسمي العرب كل مبتدئ متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أُمّاً فأم كل شيء ابتداؤه وإنما أطلق على المبدأ أماً: لتسمية العرب كل مقدِّمٍ لأمر أو جامع - إذا كانت له توابعُ تتبعه ، هو لها إمام جامع- " أمًّا " والفاتحة لأنها متقدمة على سائر سور القرآن وابتداء القرآن متقدمة عليه وإمام لما يتلوها من السور و ما سواها تبع يبدأ بكتابتها في الصحف وقراءتها في الصلاة قبل كلّ سورة ـ سميت بأم القرآن والكتاب لأنها أمّته أي تقدمته وتأخُّر ما سواها خلفها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها فيبدأ بقراءتها ويبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن ،. وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب ، قال البخاري : سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة
رجح هذا القول : الطبري أبو عبيدة و البغوي و الآلوسي وابن عطية والقرطبي و الطبرسي وابن كثير و الماوردي و الطوسي والشوكاني و السمعاني قدمه البيضاوي و أبو السعود
قال السيوطي في الإتقان: واختلف لم سميت بذلك فقيل لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف وبقراءتها في الصلاة قبل السورة قاله أبو عبيدة في مجازه وجزم به البخاري في صحيحه واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الولد قال الماوردي سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها لأنها أمته أي تقدمته ولهذا يقال لراية الحرب أم لتقدمها وإتباع الجيش لها ويقال لما مضى من سني الإنسان أم لتقدمها ولمكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى
ت- القول الثالث: لأنها أفضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم ، ضعفه الآلوسي
ث- القول الربع : لأن حرمتها كحرمة القرآن كله ضعفه الآلوسي
ج- القول الخامس : لأن مفزع أهل الإيمان إليها كما يقال للراية أم لأن مفزع العسكر إليها ضعفه الآلوسي
ح- القول السادس : أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب ،ضعفه الآلوسي
الخلاف في جواز تسميتها بأم الكتاب:
واختلف في تسميتها بأم الكتاب فجوزه الجمهور ، لأن الكتاب هو القرآن ، ومنعه الحسن وابن سيرين ، وزعما أن أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ فلا يسمى به غيره ، لقوله تعالى : { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها أيضا - أن يقال لها أم القرآن
والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين . روى الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِى ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3) الثالث: ( الأساس ) ؛ شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة ، فقال : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب ، قال الشعبي : سمعت عبد الله بن عباس يقول : أساس الكتب القرآن ، وأساس القرآن فاتحة الكتاب ، وأساس الفاتحة " بسم الله الرحمن الرحيم " فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس تشف بإذن الله تعالى"
الثعلبي والطبرسي والقرطبي والنسفي .
وفيه وجوه :
الأول : أنها أول سورة من القرآن ، فهي كالأساس .
النيسابوري والرازي والبيضاوي والآلوسي والمراغي والشربيني
الثاني : أنها مشتملة على أشرف المطالب ، وذلك هو الأساس .
أبو السعود والأمثل
النيسابوري والرازي
الثالث : أن أشرف العبادات بعد الإيمان هو الصلاة ، ولا تتم الصلاة إلا بها .ذكره الرازي
4) الرابع : سورة الكنز
أ- القول الأول : لما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عليّ رضي الله
عنه أنه سئل عن فاتحة الكتاب فقال: حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلّم أنها
أنزلت من كنز تحت العرش } وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة ، أو آية الكرسي ضحك وقال : « إنهما من كنز تحت العرش » وفي رواية (فاتحة الكتاب أنزلت من تحت كنز من كنوز العرش ) ،وفي رواية " إن الله قال فيما من به على رسوله إتي أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي "
قال الشهاب :" وفي الحديث (كنز) أو (من كنز) استعارة وتمثيل لعظم قدر ما فيها وهو أنفس الجواهر بل هي عنده من الحجارة أخس وجعل العرش والسموات مهبطة , لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه .
قال (القونوي ): وليست باستعارة لذكر الطرفين إلا أن يجعل من قبيل (قد زر أزراره على القمر ) يقول علي هاني: وهو كذلك في الروايتين الأوليين ( أنزلت من تحت العرش ) ( من تحت كنز ) لأن الطرفين لم يذكرا على وجه ينبئ عن التشبيه أما الثالثة (وهي كنز) فهي تشبيه بليغ .
اختار القول الأول في سبب التسمية: حقي والنيسابوري والنسفي الشربيني وابن رجب وقدمه أبو السعود
1) القول الثاني : لِمَا ذُكِرَ في أُمِّ القُرآن ، أي لاشتمالها على مقاصد القرآن وجملة معانيه وهذا قول آخر غير القول الأول كما نبه عليه الشهاب وغيره فكانت كأنها لاشتمالها على مقاصد القرآن صارت بمنزلة الكنز أي المال المدفون من حيث نفاستها قال الشهاب : لاشتمالها على مقاصد القرآن أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد والسعادة الأبدية ـ ـ ثم إن كونها كنزا استعارة وتمثيل لعِظَم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل الجواهر عنده من الحجارة أو أخس .فالمكنوز في هذه السورة :إما أصول مقاصد القرآن 2- أو جملةُ معانيه
الزمخشري والبيضاوي والآلوسي وأبو زهرة
5) الخامس ( الوافية ) فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول : لأنها لا تنتصف في الصلاة ، كان سفيان بن عيينة يسميها بهذا الاسم ؛ لأنها لا تقبل التنصيف ولا تحتمل الاختزال ، ألا ترى أن كل سورة من القرآن لو قرىء نصفها في ركعة والنصف الثاني في ركعة أخرى لجاز ، وهذا التنصيف غير جائز في هذه السورة . ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز .
الخازن والنيسابوري والقرطبي والرازي والثعلبي والنيسابوري وابن رجب
القول الثاني : تسميتها بالوافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وأبو زهرة وحقي
قال الزمخشري : وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله ، ومن التعبد بالأمر والنهى ، ومن الوعد والوعيد. وسورة الكنز والوافية لذلك.
القول الثالث: وقيل: لأنها جمعت بين ما لله وبين ما للعبد. قاله المرسي
6) السادس : ( الكافية )
القول الأول :
سماها عبد الله بن يحيى بن أبي كثير : الكافية؛ لأنها تكفي عما سواها ولا يكفي ما سواها عنها، ويؤيد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث المرسل: : " أم القرآن عِوَضٌ من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " الثعلبي والنيسابوري و الخازن وابن كثير والقرطبي والرازي والطبرسي والنيسابوري والشوكاني والسراج المنير .
القول الثاني :
تسميتها بالكافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وحقي وأبو زهرة
7) السابع : سورة الحمد ؛ لأنها افتتحت بالحمد ولأن فيها ذكر الحمد كما يقال : سورة الأعراف والأنفال والتوبة ونحوها .
8) الثامن : سورة الشكر
وذلك لأنها ثناء على الله بالفضل والكرم والإحسان فلِذكرِ بعض أفراد الشكر اللساني فيها كـ(رب العالمين الرحمن الرحيم ) وهذا فوق أنه حمد لله تعال هو شكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك كان شاكرا
9) التاسع : سورة الدعاء ، لاشتمالها على قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } فنصفها مسألة ودعاء
البيضاوي والبقاعي والشربيني والآلوسي
10) العاشر :
تعليم المسألة : لاشتمالها على المسألة ، والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال والمراد تعليم كيفية السؤال وطريقته : فإن السائل ههنا حمد أولا ثم أثنى عليه ثم ذكر أن عبادتي ليس إلا له ولا استعانة إلا منه ثم سأل فقدم على سؤاله أمورا يحسن تقديمها عليه فهي مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين وسيأتي في تفصيل ذلك قريبا في بيان جمع الفاتحة لمقاصد
11) الحادي عشر ( الصلاة ) :
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ، ونصفها لعبدي ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) يقول الله : حمدني عبدي . فإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) يقول الله أثنى علي عبدي . فإذا قال العبد : ( مالك يوم الدين ) يقول الله : مجدني عبدي . فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) يقول الله : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخره ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ، أورده مسلم بن الحجاج في الصحيح ، فقوله صلى الله عليه وسلم " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " يعني الفاتحة وسميت الفاتحة صلاة من باب تسمية الشيء باسم أهم أركانه لأنها فرض أو واجب فلا تتم أو لا تصح إلا بها فهو مجاز مرسل من إطلاق الكل على الجزء أو الملزوم وإرادة اللازم
ابن كثير والشربيني والنيسابوري والرازي وشحاته والنووي في شرح مسلم وفي المفهم لما اشكل من صحيح مسلم
ومن العلماء من جعل الاسم : "سورة الصلاة" أي مع إضافة (سورة)
النسفي والزمخشري وأبو السعود والشوكاني والمظهري أبو زهرة واختاره الآلوسي وضعف تسميتها (الصلاة) بدون سورة كما سيأتي
12) الثاني عشر: (الشافية) (الشفاء):
• روى الخلعي فى فوائده: (فاتحة الكتاب شفاء من كل شىء الا السَّامُ) و لقولة عليه السلام " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام " - والسَّامُ الموت
• و لما روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)
• قال الرازي :وأقول : الأمراض منها روحانية ، ومنها جسمانية ، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكفر مرضاً فقال تعالى : { فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } [ البقرة : 10 ] وهذه السورة مشتملة على معرفة الأصول والفروع و المكاشفات ، فهي في الحقيقة سبب لحصول الشفاء في هذه المقامات الثلاثة ..
13) الثالث عشر : السبع المثاني
تسميتها السبع المثاني ثبتت بالسنة ، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى" أن رسول الله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"
وبيان جزئي العلم :
(السبع) :
وأما تأويل اسمها أنها " السَّبْعُ " ، فإنها سبعُ آيات ، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك .
وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات :
القول الأول :
فقال معظم أهل الكوفة ومكة : صارت سبع آيات بـ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والشافعي يعد البسملة آية منها.
القول الثاني :
قالوا هي سبع آيات ، وليس منهن { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ولكن السابعة " أنعمت عليهم " . وذلك قول معظم قَرَأةِ أهل المدينة والبصرة والشام ومُتْقنيهم ومنهم الإمام مالك
(المثاني) :
أ- يحتمل أن تكون من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى أو لما ورد من الثناء على من يتلوها
ب- وأن تكون من الثُّنْيا لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة والحمد لله على هذه النعمة وهو قول مجاهد ، و ابن جبير عن ابن عباس : " إنما سميت الحمد السبع المثاني [ لأن الله استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يعطها أحد قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم "ورووا في ذلك حديثا قال عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل هذه السورة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم ."
وضعف هذا القول ابن عطية قال : وقيل : سميت مثاني لأنها مستثناة من سائر الكتب
ت- ويحتمل أن تكون المثاني من التثنية وهو الأصح وعلى هذا الأخير ففيها أقوال
1. القول الأول : وهو الأصح إنما سميت السبع المثاني لأنهن يثنين في كل صلاة مكتوبة وتطوُّع أي يعدن فتكون التثنية بمعنى التكرير واستعمال المثنى في مطلق المكرر شائع نحو { فارجع البصر كرتين} ونحو لبيك وسعديك ويقويه ما أخرجه ابن جرير بسند حسن عن عمر قال السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة
قال الحسن البصري : تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة . وهذا هو الذي قصده أبو النجم العجلي بقوله :.
الحمدُ لله الذي عَافَانِي وكلَّ خَيْر بعدَهُ أَعْطانِي
*** مِنَ القُرَآن ومِنَ المَثَاني***
وكذلك قول الراجز الآخر :
نَشَدْتُكم بِمُنزل الفُرقانِ *** أمِّ الكِتَاب السَّبع من مَثَانِي
ثُنِّينَ مِنْ آيٍ من القُرْآنِ *** والسَّبعِ سبعِ الطُّوَل الدَّوانِي
اختار هذا القول سيدنا عمر بن الخطاب ابن عباس والحسن وقتادة والطبري و الطبراني والخازن والبغوي والسعدي وابن عطية ومحمد رشيد رضا وأبو زهرة وسيد طنطاوي
والطوسي والثعلبي ومكي والسمعاني وجمهور العلماء وهو الأصح
القول الثاني : أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة أي تضم إليها السورة في كل ركعة
اختاره ابن عاشور قائلا : ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعةـ ـ ـ ــ قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب ، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة
القول الثالث :
أنها مثنى : نصفها ثناء العبد للرب ، ونصفها عطاء الرب للعبد
القول الرابع : لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثَنَّاه اللهُ تعالى بالإخبار عن فعله كما في الحديث المشهور
القول الخامس : سميت مثاني لأن الله أنزلها مرتين قال ابن عاشور : وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَتَكَرُّرُ النُّزُولِ لَا يُعْتَبَرُ قَائِلُهُ، وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَأَيُّ مَعْنًى لِإِعَادَةِ نُزُولِهَا بِالْمَدِينَةِ.
تنبيه :
لا تنافي بين تسمية الفاتحة السبع المثاني وتسمية القرآن مثاني فليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك ، قال الله عز وجل : " كتابا متشابها مثاني " فأطلق على كتابه : مثاني لأن الأخبار تثنى فيه فهو جمع مُثَنَّى بضم الميم وفتح النون المشددة بمعنى مردد ومكرر ّ لمَا ثُنِّي من قصصهِ وأنبائِه وأحكامِه وأوامرهِ ونواهيهِ ووعدِه ووعيدِه ومواعظِه لما كرر وثنى من أحكامه ومواعظه وقصصه ، وهذا يتضمن امتناناً على الأمة بأن أغراض كتابها مكررة فيه لتكون مقاصده أرسخ في نفوسها ، وليسمعها من فاته سماع أمثالها من قبلُ . ويتضمن أيضاً تنبيهاً على ناحية من نواحي إعجازه ، وهي عدم المَلل من سماعه وأنه كلما تكرر غرض من أغراضه زاده تكرره قبولاً وحَلاوة في نفوس السامعين.
14) الرابع عشر:سورة السؤال وسماها الرازي السؤال بدون سورة
فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على الدعاء وعلى تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين ، وقد فعل الخليل عليه السلام ذلك حيث قال : { الذى خلقني فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] إلى أن قال : { رَبّ هَبْ لي حُكْماً وألحقني بالصالحين } [ الشعراء : 83 ] ففي هذه السورة أيضاً وقعت البداءة بالثناء عليه سبحانه وتعالى وهو قوله : { الحمد لله } إلى قوله { مالك يوم الدين } ثم ذكر العبودية وهو قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ثم وقع الختم على طلب الهداية وهو قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } وهذا يدل على أن أكمل المطالب هو الهداية في الدين والسورة جامعة بينهما
وقد سماها الآلوسي وحقي والشربيني والسيوطي في حاشيته على البيضاوي "سورة السؤال" بإضافة (سورة) أما الرازي فقال السؤال بدون سورة
15) الخامس عشر :
الرقية ، ثبت ذلك من حديث أبى سعيد الخدري وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رقى سيد الحي : ( ما أدراك أنها رقية ) فقال : يا رسول الله شيء ألقى في روعي . . . الحديث . خرّجه الأئمة و في الصحيح وسيأتي بتمامه .
16) السادس عشر :
الواقية : سماها سفيان بن عيينة : الواقية، ذكره ابن كثير والبقاعي وأبو حيان وسيد طنطاوي وابن جزي
17) السابع عشر : سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين ، سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بما فيها من ثناء ودعاء واستعانة ولا سيما في قوله { إياك نعبد وإياك نستعين }
18) الثامن عشر : سورة التفويض لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين وبالتالي يحصل التفويض
19) التاسع عشر: القرآن العظيم ، ؛روى الإمام أحمد عن أبي هريرة : "أن النبي قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم " سميت بذلك لتضمنها واشتمالها على المعاني التي في القرآن "كما سيأتي
20) العشرون : سورة الحمد الأولى ، وسورة الحمد القصرى
21) الواحد والعشرون : سورة النور لظهورها بكثرة استعمالها أو لتنويرها القلوب لجلالة قدرها ، أو لأنها لما اشتملت عليه من المعاني عبارة عن النور بمعنى القرآن .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ ـ ـ ـ ــــــــــــــــــ ــ ـــ ـ ـ ـ
الباب الثالث : تفصيل مقاصد الفاتحة واشتمالها على جميع معاني القرآن اشتمالا إجماليا فيه زبدة كلام العلماء :
اعلم أن هذه السورة اشتملت على جميع معاني القرآن وأمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن :
1) تعليم عباده كيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه ويتذللون له ويثنون عليه بأوصاف كماله وجلاله والإقرار باختصاص الربوبية والرحمة الواسعة الثابتة والتصرف في الدنيا والآخرة والخضوع لله والتسليم لأمره وبيان استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال ، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة ،
2) وفي مقدمة السورة { الحمد لله } وهذا فيه أن كل حمد وثناء فهو مستحق لله سبحانه وكل كمال وكل نعمة منه سبحانه وهو مصدرها سبحانه و تستوجب الحمد
3) وكلمة رب فيها معنى التربية والإنماء وهو صريح بأن كل نعمة يراها الإنسان في نفسه وفي الآفاق وفي العالمين فمنه عز وجل فليس في الكون متصرف بالإيجاد ولا بالإشقاء والإسعاد سواه ، { إياك نعبد وإياك نستعين } فاجتث بذلك جذور الشرك والوثنية التي كانت فاشية في جميع الأمم
4) بيان واسع رحمته في { بسم الله الرحمان الرحيم } فذكر الرحمة في أول الكتاب – وهي التي وسعت كل شيء – وعد بالإحسان . وقد كررها مرة ثانية تنبيها لنا على غاية رحمته وأن علاقته الأصلية بعباده الرحمة {ورحمتي وسعت كل شيء} "رحمتي سبقت غضبي) و اسمه «الرحمن الرحيم يشيران إلى عظيم رحمته بعباده ومن أعظم رحمته إرسال الرسل وإنزال الكتب فإن رحمته تمنع إهمال عباده ، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم . فمن أعطى اسم «الرحمن » حقه عَرَف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب ، أعظمَ من تضمنه إنزال الغيث ، وإنبات الكلأ ، وإخراج الحب . فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح ، لكنِ المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب . وأدرك منه أولو الألباب أمرا وراء ذلك .
5) وفيها تقديم الدالِّ على الرحمة وهو (الرحمن الرحيم) على الدالُّ على الجلال والهيبة وهو (مالك يوم الدين) وتقديم الدالّ على الوعد، وهو (أنعمت عليهم) على الدالّ على الوعيد، وهو (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لأن الترغيب أبعث للنفوس، ولأن رحمته تعالى سبقت غضبه ، وفيها تقديم أمر الآخرة على أمر الدنيا وأن من طلب الهداية حصل خيري الدنيا والآخرة وأنها هي النعمة الحقيقية
6) فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى – بأربعة أسماء ، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها ، وهي : «الله ، والرب ، الرحمن ، الرحيم »
7) وذكر الأمور التي اختص بها تعالى لا يشاركه أحد فيها وهو إيجاده للعالمين وتربيته لهم ورحمته الواسعة العميمة الثابتة التي عمت كل صغير وكبير دنيا وأخرى وملكه ليوم الجزاء بجميع أحواله إيجاد وملكا وملكا وتصرفا لا سيما الجزاء والخضوع له الذي هو المقصود الأصلي لذلك اليوم وفيها النظر للترغيب(رب، الرحمن الرحيم) والترهيب (مالك يوم الدين ) للدنيا والآخرة ثم لما تميز بذلك سبحانه أكمل تميز وبان أنه المنفرد بهذه الأمور التفت إليه سبحانه وبين أنه المستحق وحده لأن يستعان وأن يعبد وهذان الأمران اللذان يدور عليهما عبادة العابد وفيهما الإقرار بأنه عبد لله وأن الله سبحانه هو المعبود المستعان وحده
8) وفيها الوعد والوعيد فذكر يوم القيامة وبيان أنه تعالى هو الذي يملكه يملك إيجاده والتصرف فيه والحكم وغير ذلك من أحواله فـ{ مالك يوم الدين } يتضمن الوعد والوعيد معا لأن معنى الدين الجزاء والخضوع والانقياد لجزائه وأن العالم كله يكون فيه خاضعا لعظمته ظاهرا وباطنا ، يرجو رحمته ويخشى عذابه ، وهذا يتضمن الوعد والوعيد وزد على ذلك أنه ذكر بعد ذلك { الصراط المستقيم } وهو الذي من سلكه فاز ومن تنكبه هلك وذلك يستلزم الوعد والوعيد .
9) وتضمنت إثبات المعاد ، وجزاء العباد بأعمالهم - حسنها وسيئها - وتفرُّدَ الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق ، وكون حكمه بالعدل . وكل هذا تحت قوله { مالك يوم الدين } .
10) وتخصيص العبادة بكل أنواعها لله وإفرادها له دون غيره والإخلاص فيها ،والإقرار أنه المستحق وحده للعبادة وتشمل التكليف بالأصول والفروع من توحيد واستعانة وتوكل واعتماد وتفويض ونحوها من الأصول ومن صلاة وصوم وغيرها من أمور الفروع وفيها الترغيب والترهيب بالهداية والإنعام والغضب والضلال كل ذلك في {إياك نعبد وإياك نستعين}
11) والاستعانة به على كل الأمور والإقرار بأن المعونة من عنده ، والقدرة له والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى والاستعانة به تعالى لا سيما الهداية بالثبات والزيادة من الهداية للصراط المنعم عليهم والسؤال بإلزام صراط الفائزين المنعم عليهم الذين هم مغايرون للمغضوب عليهم والضالين ، والإنقاذ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله والخوف أن يكون منهم ، والاستعانة بالله أن يجنبه صراطهم ونتيجته السيئة ، وعلى بيانه عاقبة الجاحدين وذكر من غضب الله عليهم ممن عرف الحق وحاد عنه متعمدا مصرا حتى استحق الغضب كاليهود وذكر من ضل عن الحق بعد أن عرفه كالنصارى
12) { اهدنا الصراط المستقيم } أي أنه قد وضع لنا صراطا سيبينه ويحدده وتكون السعادة في الاستقامة عليه ، والشقاوة في الانحراف عنه ، وهذه الاستقامة عليه هي روح العبادة وروح العبادة هي إشراب القلوب خشية الله وهيبته والرجاء لفضله واستقامة على صراطه
13) أنها تشتمل معانيها على مجمل معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها فالعلوم :كالتوحيد والصفات والنبوات والمواعظ والقصص والأحكام إما : عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام .
14) وفيها ذكر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والإيمان الراسخين و غاية الصلاح والتقوى والفوز بسعادة الدنيا والآخرة وإنعام الله في الدارين
15) وأما الأخبار والقصص ففي قوله تعالى { صراط الذين أنعمت عليهم } تصريح بأن هناك قوما تقدموا وقد شرع الله شرائع لهدايتهم فاستقاموا عليها فكانت سببا لسعادتهم دنيا وأخرى ونجاتهم مما أصاب الظالمين فاعتبروا بها . كما قال تعالى لنبيه يدعو إلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } حيث بين أن القصص إنما هي للعظة والاعتبار .
16) وفي قوله تعالى { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } تصريح بأن من البشر من تعمد العصيان والمخالفة فاستحق الغضب وكان محفوفا بالغضب الإلهي والخزي في هذه الحياة الدنيا ومن الناس من حاد عن الطريق وضل فكانت عاقبته الخزي وباقي القرآن يفصل لنا في أخبار الأمم هذا الإجمال على الوجه الذي يفيد العبرة فيشرح حال الظالمين الذين قاوموا الحق عنادا ، والذين ضلوا فيه ضلالا ، وحال الذين حافظوا عليه وصبروا على ما أصابهم في سبيله .
17) وتعليم كيفية الدعاء له سبحانه فالفاتحة تعلمنا كيفية السؤال وأن من هذه الآداب :
أ- الضراعة إلى الملك سبحانه و أن يقدم العبد بين يدي دعائه و سؤاله أمورا يحسن تقديمها منها التعظيم والإجلال والتوحيد و يحمده بمحامده التي يستحقها سبحانه ويثني عليه ويمجده ففي هذه السورة وقعت البداءة بالحمد وبالثناء عليه تعالى وتعظيم الله سبحانه وتمجيده
ب- ثم يذكر العبودية وأن العبادة ليس إلا له ثم يذكر الاستعانة وأنه لا استعانة إلا منه ويتبرأ إليه من حوله وقوته ويستعين الله على كل أموره لا سيما الهداية
ت- ويطلب الهداية والإعانة عليها لأنها ملاك الأمر وفيها سعادة الدارين
ث- وفيها من طرق الدعاء أن لا يخص الإنسان نفسه بالدعاء بل يسأل مطلوبه في حق المؤمنين كافة{إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا} فقال (اهدنا ) ولم يقل (اهدني ) فإن الدعاء كلما كان أعم كان الى الإجابة أقرب , فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة فإذا أجاب الله تعالى دعاءه ,في حق البعض فهو أكرم من أن يرد ه فالفاتحة مشتملة على تعليمه المسألة وبيان كيفيتها اللائقة بالكاملين
18) ولباب مقصودها توحيد الله سبحانه بكل معاني التوحيد من حمد وثناء وخوف ورجاء وعبادة واستعانة وخوف ورجاء وافتقار وجمع الخلق على الله الحق وتعريفهم به وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وأعظم العبادة معرفة الله تعالى معرفة تامة وتوحيده وحده والتوكل والاستعانة به وحده
19) قال بعض العلماء إذا تأملت الفاتحة وجدتها تحتوي مقاصد القرآن :
فـ(الحمد لله ) تشتمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصرالحمد له تعالى
و(رب العالمين ) يشمل سائر صفات الأفعال
*( الرحمن الرحيم ) يشمل بيان شمول رحمته وعظمتها وسعتها وثباتها التي منها كل ما قص القرآن علينا من نعمه تعالى على عباده كالنعم المذكور في سورة النحل والأنعام وغيرهما
*و(مالك يوم الدين ) يشمل أحوال يوم القيامة .
* (إياك نعبد ) يجمع معنى الديانة والشريعة والتوحيد بكل معانيه
*(إياك نستعين ) يجمع معنى الإخلاص لله والاستعانة والافتقار والاعتراف بالكمال له سبحانه وافتقار العبد
*(اهدنا الصراط المستقيم ) يشمل الأحوال الكاملة من عبادات ومعاملات وآداب وأحوال ظاهرة وباطنة وأحكام الدين كله من عبادات ومعاملات وآداب
*(صراط الذين أنعمت عليهم ) يشير إلى أحوال المنعم عليهم المستقيمين الفاضلين أخيار العباد من النبيين والصديقين والصالحين أمما وأفرادا
*(غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) يشمل سائر قصص الأمم الكافرة الجاحدة من المغضوب عليهم والضالين ويشير الى تفاصيل ضلالاتهم المحكمة عنهم في القرآن
وقد تبين من مجموع ما تقدم أن الفاتحة قد اشتملت إجمالا على الأصول التي يفصلها القرآن تفصيلا ، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة – تصريحا وتضمنا علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض إذ كل كلمة من كلماتها ، وكل آية من آياتها ، تشير من قريب أو بعيد ، إلى جملة محتويات القرآن الكريم ، ومقاصده المتعددة ، وموضوعاته المتنوعة ، بما فيها من عقائد وذلك يدعو نفس قارئها الى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية ,ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكر لما في مطاويها ، وقد قال كثير من المفسرين : إنها براعة استهلال رائعة للقرآن ،وبسبب هذا تكون الفاتحة جديرة بأن تسمى ( أم القرآن
ولعل في ذلك كله تنطوي حكمة وضعها فاتحة للمصحف وإيجاب قراءتها في كل ركعة قال سيد قطب : يردد المسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع ، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى ؛ وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن ؛ وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلا ، غير الفرائض والسنن . ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله [ ص ] من حديث عبادة بن الصامت : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية ، وكليات التصور الإسلامي ، وكليات المشاعر والتوجيهات ، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة ، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها .
قال البقاعي :
فالغرض الذي سيقت له الفاتحة و هو إثبات استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال ، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة ، وباستحقاق العبادة والاستعانة ، بالسؤال في المن بإلزام صراط الفائزين والإنقاذ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله ، ومدار ذلك كله مراقبة العباد لربهم ، لإفراده بالعبادة ، فهو مقصود الفاتحة بالذات وغيره وسائل إليه ، فإنه لا بد في ذلك من إثبات إحاطته تعالى بكل شيء ولن يثبت حتى يعلم أنه المختص بأنه الخالق الملك المالك ، لأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب نصب الشرائع ، والمقصود من نصب الشرائع جمع الخلق على الحق ، والمقصود من جمعهم تعريفهم الملك 738 وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول ، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا .
قال الطيبي : أنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم، هي مناط الدين:
الدين الأول : علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاتِه وتوحيده ، وإليها الإشارة بقوله {رب العالمين الرحمن الرحيم} ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله تعالى { أنعمت عليهم } والمعاد المُومَى إليه بقوله تعالى {مالك يوم الدين}
الثاني: علم الفروع وأسُّه العبادات وهو المراد بقوله: { إياك نعبد} والعبادات : بدنية ومالية ، وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ، ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على هذه الأصول
الثالث : علم ما به يحصل الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله : { إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}
الرابع: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وعد من أخذ بالصراط المستقيم وتبشيره بحسن المثوبة ووعيد من لم يأخذ به وإنذاره بسوء العقوبة . والوعد يشمل ما للأمة وما للإفراد فيعم نعم الدنيا والآخرة وسعادتهما والوعيد كذلك يشمل نقمهما وشقاءهما وهو المراد بقوله تعالى : {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ الْأُولَى تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا [ وهو الله سبحانه عرفه بالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ] وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِهِ «حَلُّ الرُّمُوزِ وَمَفَاتِيحُ الْكُنُوزِ» : الطَّرِيقَةُ إِلَى اللَّهِ لَهَا ظَاهِرٌ (أَيْ عَمَلٌ ظَاهِرٌ أَيْ بَدَنِيٌ) وَبَاطِنٌ (أَيْ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ) فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ إِقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنَ الْمُكَلَّفِ.
وَيَجْمَعُ الشَّرِيعَةَ وَالْحَقِيقَةَ كَلِمَتَانِ هُمَا قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإياك نَعْبُدُ شَرِيعَةٌ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حَقِيقَةٌ، اهـ.
الباب الرابع : تعريف السورة و لم سميت السورة سورة :
السورة :طائفة من القرآن مُتَرجَمَةٌ ( أي مسماة وملقبة باسم مخصوص كسورة الفاتحة ) وأقلها ثلاث آيات
خرج بـ(مترجمة أي مسماة ) : الآيات المتعددة من سورة واحدة أو سور متفرّقة لأن بعض القرآن قد لا يسمى باسم مخصوص إلا أنه يتناول الطائفة التي تسمى باسم مخصوص كالحزب والعشر، و خرج الآية كآية الكرسي فاحترز عنها
وأقصر السورِ سورةُ الكوثر لأنها أقلُّ حروفا من السور التي هي ثلاث آيات كسورة النصر
اشتقاق السورة :
(السورة ) واوها إما أن تكون الواو منقلبة همزة وإما أن تكون أصلية(غير منقلبة عن همزة) والثاني هو قول الأكثرين
1ـ أما إن كانت الواو أصلية (غير منقلبة عن همزة ) :
أ-فإما أن تكون مأخوذة من المنزلة والرتبة الرفيعة وكل منزلة رفيعة فهي سورة :كمنازل البناء ومنزلة القمر ، قال الْجَوْهَرِيُّ: َالسورة هِيَ كُلُّ مَنْزِلَةٍ مِنَ الْبِنَاءِ؛ وَمِنْهُ سُورَةُ الْقُرْآنِ لأَنها منزلةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ مقطوعةٌ عَنِ الأُخرى
قال النَّابغة : ألم تر أَن الله أعطاك سورةً ترى كلَّ مَلْك دونَها يتَذبذبُ
أي : منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك
• لأن السورة القرآنية بمنزلة المنازل والمراتب الرفيعة يترقى فيها القارئ فكل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفيعة ، ومنزل عال رفيع ، يرتفع القارئ منها إلى منزلة أخرى إلى أن يستكمل القرآن ، فكل من قرأ سورة يرتفع بها منزلة رفيعة ويشرف بها ؛ وينال بقراءة كل سورة منزلة ؛ حتى يستكمل جميع المنازل باستكمال القرآن
• و سور القرآن مع كونها في أنفسها رُتباً من حيث الفضلُ والشرفُ فهي من حيث انتظامُها مع أخواتها في المصحف مراتبُ يرتقي إليها القارئ شيئاً فشيئاً يرتفع بها من منزلة إلى منزلة
• في مادة (س، و، ر) واستعمالاتها ولوازم الاستعمال ما يبين أن تستميتها سورة فيه بيان شرفها ورفعة شأنها وجلالة محلها في الدين ، من ذلك قول العرب : له سورة في المجد ، أي : شرف وارتفاع
ب- وإما من سور المدينة المحيط بها `وعلى هذا سميت السورة سورة :
1. لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرَزةٍ مَحُوزةٍ على حِيالها وهي آياتها محدودة كالبلد المسور على بيوت أي كما يحيط سور المدينة ببيوتها.
2. أو لأنها محتويةٍ على فنون رائقةٍ من العلوم احتواءَ سورِ المدينة على ما فيها وما شاء الله أن تكون من معاني ومنه السوار لإحاطتها بالساعد
2- وأما إن كانت منقلبة عن همزة فهي من السؤر وهو ما بقي من الشراب فهو قطعة منه وعلى هذا سميت السورة كذلك لأنها قطعة من مجموع القرآن الكريم وبقية من القرآن انفصلت عما سواها وأبقيت وسؤر كل شيء : بقيته . وأسأرت في الإناء : أبقيت فيه ، وضعفه أبو السعود والطبرسي والسمين قال أبو السعود : وقيل : واوها مُبدلةٌ من الهمزة ، فمعناها البقيةُ من الشيء ، ولا يخفى ما فيه .
تنبيه : قال السمين الحلبي: جَمْع سُورةِ القرآن سُوَر بفتح الواو ، وجَمْع سُورةِ البِناء سُوْر بسكونِها فَفرَّقوا بينها في الجمعِ
متن الكشاف :
سورة فاتحة الكتاب مكية، وقيل مكية ومدنية لأنها نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى.
وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن : من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله ، ومن التعبد بالأمر والنهى ، ومن الوعد والوعيد ، وسورةَ الكنز والوافية لذلك . وسورة الحمد ، والمثاني لأنها تثنى في كل ركعة ، وسورة الصلاة ؛ لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها . وسورة الشفاء والشافية ، وهي سبع آيات بالاتفاق الا أن منهم من عد
) أنعمت عليهم ( دون التسمية ومنهم من مذهبه على العكس
متن البيضاوي :
البيضاوي : سورة الفاتحة
(وتسمى أم القرآن :
1-لأنها مُفْتتحُه ومبدؤه فكأنها أصله ومَنْشؤه (لذلك تسمى أساسا .
2-أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده .
3-أوعلى جملة معانيه من الحِكَم النظريةِ والأحكامِ العمليةِ التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازلِ الأشقياء .
وسورة الكنز والوافية والكافية لذلك . وسورة الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة لاشتمالها عليها والصلاة لوجوب قراءتها أو استحبابها فيها . والشافية والشفاء لقوله عليه الصلاة والسلام : " هي شفاء من كل داء " . والسبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق ، إلا أن منهم من عد التسمية دون { أنعمت عليهم } ، ومنهم من عكس ، وتثنى في الصلاة ، أو الإنزال إن صح أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ، وبالمدينة حين حولت القبلة ، وقد صح أنها مكية لقوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } ، وهو مكي بالنص .
شرح البيضاوي:
وقوله (وتسمى أمَّ القرآن ) في العطف ثلاث احتمالات :
أ- الوجه الأول : إما عطف على سورة الفاتحة باعتبار المعنى (أي عطف على ما يفهم مما سبق بحسب اقتضاء المعنى ,فإنه يفهم من قوله (سورة فاتحة الكتاب ) أنها تسمى بهذا الاسم) قال القونوي : عطف على سورة الفاتحة فيكون خبرا أيضا أي هذه سورة الفاتحة وتسمى أم القرآن حملا على معنى المعطوف عليه فإن سورة الفاتحة بمعنى هذه سورة تسمى فاتحة الكتاب
ب- الوجه الثاني : وإما أن نقول عطف على مقدر أي تسمى بفاتحة وتسمى أم القرآن
ت- الوجه الثالث: عطف على الجملة الاسمية : (هذه) سورة فاتحة الكتاب وتسمى أم القرآن ، من عطف الفعلية على الاسمية ورجح هذا الوجه القونوي
وَقَدْ ذَكَرُوا لِتَسْمِيَةِ الْفَاتِحَةِ أُمَّ الْقُرْآنِ وُجُوهًا ثَلَاثَةً:
أَحُدُهَا: 1-لأنها مُفْتتحُه ومبدأؤه فكأنها أصله ومَنْشأه ، الأم تطلق على أصل الشيء ومنشئه ، فمعنى أم القرآن أنها مبدؤه ومفتتحه فكأنها أصله ومنشؤه يعني أن افتتاحه الذي هو وجود أول أجزاء القرآن قد ظهر منها فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ فيكون أم القرآن تشبيها بالأم التي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظهور والوجود ،، قال الشهاب : قوله : ( لأنها مفتتحه ومبدؤه الخ ) الأمّ في اللغة الأصل والوالدة ثم أطلق على الفاتحة ـ ـ والمراد بقوله (مفتتحه) (الأوّل) ولذا عطف عليه قوله (ومبدؤه) عطفاً تفسيرياً ، ولما كان افتتاحه وابتداؤه بها في كتابة المصاحف ، أو في التلاوة ، أو في الصلاة ويتلوها ما عداها في ذلك جعلت أمّا وأصلاَ له ومنشأ بطريق التسبب لأنّ الولد يتكوّن ويوجد بعه أمّه.
والبيضاوي رجح هذا الوجه خلافا للكشاف الذي رجح الوجه الثاني قال الشهاب : رجحه لأن أصل معنى (القرآن) و(الكتاب) الألفاظ لا المعاني وهو فيما اختاره باق على أصله بخلافه في الوجه الثاني فإنه محتاج إلى التجوز أو التقدير أي أم معاني القرآن وهو بعيد كحمل القرآن على المعاني .
قوله (ولذلك تسمى أساسا ) أي لأنها مٌفتتحة ومبدأه فكأنها أصله ومنشأة لأن الأساس ما يبنى عليه الشيء ابتناء حسيا أو عقليا أي ما يتوقف بقية البناء عليه ، ويوجود بعده ، والتسمية بالأساس ليس بطريق التشبيه بل لكون معنى الأساس متحققا فيه
قال القرطبي : الأساس ,شكا رجل الى الشعبي وجع الخاصرة فقال :عليك
بأساس القرآن فاتحة الكتاب . سمعت ابن عباس يقول :لكل شيء أساس وأساس الدنيا مكة لأنها منها دحيت ------ وأساس الخلق آدم ,وأساس القرآن الفاتحة ----- فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تُشْفى .
2) ثانيها : أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده .
(لأنها تشتمل) أي الفاتحة تشتمل على ما في القرآن الكريم أي أصوله ومقاصده فكأنها تشتمل على جميع ما فيه اشتمالا إجماليا ، فهذه السورة الكريمة لاشتمالها على تلك الأبعاض إجمالا وصيرورتها مفصلا في سائر السور تشبه الأم التي يندرج فيها الولد بلا ظهور تام ويظهر عند الانفصال منها وهذا الوجه مبني على أن نظم القرآن منقسم أصوله إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في المتن وأن فاتحة الكتاب مشتملة عليها فإن الأمر والنهي والوعد والوعيد من قبيل الألفاظ فالفاتحة عبارة عن تلك الألفاظ باعتبار الدلالة على المعاني فاشتمالها على ذلك من قبيل اشتمال الكل على أجزائه بخلاف الوجه الذي يتلوه فإنه بالنظر إلى معانيه
المراد بقوله (الثناء على الله سبحانه وتعالى ) الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أجل الصفات الكمالية بإجراء الصفات العظام وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ:{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ ثَنَاءً جَامِعًا لِوَصْفِهِ بِجَمِيعِ المحامد وتنزيهه عَن جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَلِإِثْبَاتِ تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ
1. قوله (التعبد بامره ونهيه ) المفهوم من { إياك نعبد} إذ لا معنى لعبادة العبد له إلا امتثال أوامره واجتناب نواهيه فإن العبادة اقصى غاية الخضوع وهو لا يتحقق إلا بما ذكر
فيه تفسيران :
التفسير الأول: الاستعباد وهو تصيير الشخص عبدا بتكليفه بالأمر والنهي يقال عبَّدني فلان تعبيدا وتعبدني فلان:أي استعبدني وصيرني كالعبد له ومعنى التعبد مفهوم فَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنْ قَوْلِهِ:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم } هذه الآيات من نوع الأوامر والنواهي رحجه السيد الشريف
التفسير الثاني : التعبد هو التقرب بأنواع القربات والباء في (بالأمر) على السببية على أن المراد بهما معناهما الحقيقي وهذا رجحه القونوي وقال هو أسلم عن التكلف ـ ـ فعلم منه أن الامتثال بالأمر والنهي معتبر في كون العبادة عبادة معتد بها سواء كان الامتثال المذكور لازما للعبادة أو جزأ من مفهومها كما هو الظاهر ويده ما وقع في الكشف من قوله : العبادة التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فإنه صريح في كون الارتسام المذكور قيدا للتحقق فتكون العبادة عبارة عن المجموع
2. قوله (بيان وعده ووعيده ) أي بيان وعده لأهل الطاعة ووعيده للعصاة وهو مفهوم من قوله تعالى {مِنْ قَوْلِهِ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا فيدخل في أنعمت عليهم الإنعام الأخروي والدنيوي وهو شامل لجميع ما وعد عباده من اللذائذ الجسمانية والروحانية { والمغضوب عليهم } يدخل تحته وعيداته فإنها نتائج الغضب ، وهو يشير إلى نوع قصص القرآن
فَهَذِهِ هِيَ أَنْوَاعُ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَغَيْرُهَا تَكْمِلَاتٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْقُرْآنِ إِبْلَاغُ مَقَاصِدِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ صَلَاحُ الدَّارَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَمَّا تَوَقَّفَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَأَنَّهُ اللَّهُ الْوَاجِبُ وُجُودُهُ خَالِقُ الْخَلْقِ لَزِمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الصِّفَاتِ، وَلَمَّا تَوَقَّفَ تَمَامُ الِامْتِثَالِ عَلَى الرَّجَاءِ فِي الثَّوَابِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ لَزِمَ تَحَقُّقُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَاتِهِ الْأَنْوَاعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمِ الدِّينِ حَمْدٌ وَثَنَاءٌ، وَقَوْلَهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُسْتَقِيمَ مِنْ نَوْعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا مِنْ نَوْعِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والضَّالِّينَ يُشِيرُ أَيْضًا إِلَى نَوْعِ قَصَصِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ فِي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاص: 1] أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ألفاظها كلهَا أثْنَاء عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
3- الوجه الثالث : (أو على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها) .
قوله (على جملة ) عطف على ( على ما فيه) أي لأنها تشتمل على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية فهو وجه ثالث لتسميتها بأم القرآن والمعنى سميت بأم القرآن لاشتمالها على معاني القرآن جملة والمراد بها أنها مشتملة عليها مجملة من غير تفصيل ثم صارت تلك المعاني مفصلة في سائر السور، فالجملة بمعنى الإجمال لا بمعنى الجميع سميت أم القرآن كما سميت مكة أم القرى
وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزلة ديباجة الخطبة أو الكتاب مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال .
(من الحكم ) بيان لـ(جملة معانيه)
(الحكم ) قال القونوي الحِكَم جمع حكمة وهي ايقان العلم واتقان العمل فمن أتقن العلم ولم يعمل أو أتقن العمل بلا علم فلا يكون حكيما لكن المراد (من الحكم النظرية ) إتقان العلم دون العمل بقرينه وصفها بالنظرية
فـ(الحكمة النظرية) (النظرية) نسبة للنظر يعني الفكر و هي الأمور التي يقصد منها مجرد العلم دون العمل من العقائد الحقة الشاملة كمعرفتنا بالله تعالى وصفاته العلية والنبوة وأمر المعاد و ما يتعلق بالالهيات والاعتقادات وغير ذلك ، وهذا مستفاد من أول السورة إلى يوم الدين
( والحكمة العملية ):هي العلم بالأمور التي يقصد فيها العمل دون العلم إذ العلم ذريعة للعمل ، ومنها العبادات وكل ما ذكر في الفروع ، وهذا مستفاد من { إياك نعبد وإياك نستعين }
وعبر المصنف بـ(الاحكام العملية ) بدلا من (الحكم ) للإشارة الى أن العمل مقصود من العلم
و(التي ) صفة (جملة معانيه) إذ العطف على المضاف أولى مع أن جملة صفة (المعاني ) المبينة بالحكم والأحكام راجع الى ذلك ، وليس صفة لـ(الأحكام العملية) وحدها كما يوهم ذكره عقيبها لعد اختصاص (سلوك الطريق المستقيم ) و(الاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء) بالأحكام العملية ،فقوله (التي هي سلوك ) نعت لـ(جملة معانيه المبينة بالحكم النظرية والأحكام العملية ) : أي أن جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية ) تفيد سلوكَ الطريق المستقيم والاطلاعَ على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء
وقوله (سلوك الطريق المستقيم ) مستفاد من قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وهو كما يكون بالنظر الى الأفعال يكون بالنظر الى الاعتقاد فإن سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ، إنما يتم بالذكر والفكر والعبادة الخالصة له وتفويض الأمر اليه في جميع الأحوال والأهوال ويتضمن جميع ذلك (الحمد لله ) الى قوله (إياك نستعين ) فلا وجه للتخصص بالأفعال بل هذا أحرى بالاعتقاد إذ المطلوب منه دائما السداد وأن اعوجاجه يفسد الأعمال دون العكس في المآل
وكذا (الاطلاع على مراتب السعداء) المشار إليه بقوله تعالى( صراط الذين أنعمت) لا يختص بالحكمة النظرية كما أشار اليه المصنف عند تفسير الآية بقوله (والمراد القسم الأخير وما يكون وصلة الى نيله من القسم الآخر ) فلا وجه للحمل على اللف والنشر لا سيما غير المرتب فإنه شرح لا يرضي قائلَه لما عرفت من العموم.
(والاطلاع) بالرفع عطف على (سلوك) على أن (التي) صفة للحكم والأحكام، و(الاطلاع) بتشديد الطاء افتعال من طلع أي ظهر ، وهو مستفاد من { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم }
التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الاشقياء .
(قال الشهاب ) وعبر في السعداء بالمراتب لإشعاره بالعلو والرفعة لأنه من (رَتُب ) بمعنى انتصب قائما كما في الفائق، وعبر في الأشقاء (المنازل ) لأنه من النزول وهو الانحطاط المقابل به كما قيل :درج الجنة ودرك النار
قوله (وسورةَ الكنزِ والوافيةَ والكافيةَ لذلك ) بنصب الثلاثة عطفا على (أمَ القرآن) وهو الموافق لتصريحهم بأن الوافية والكافية بدون إضافة سورة وسميت بذلك أيضا :
1) لاشتمالها على ما في القرآن من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد وبيان وعده ووعيده
2) أو لاشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية فكانت كأنها لاشتمالها على مقاصد القرآن صارت وافية بأدائها وكافية فيه ومحتوية على المعاني التي هي بمنزلة الكنز أي المال المدفون من حيث نفاستها قال الشهاب : لاشتمالها على مقاصد القرآن أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد والسعادة الأبدية فتفي وتكفي في ذلك ثم إن كونها كنزا استعارة وتمثيل لعِظَم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل الجواهر عنده من الحجارة أو أخس .
فالمكنوز في هذه السورة :
2) إما أصول مقاصد القرآن 2- أو جملةُ معانيه
وهي وافية كافية في بيانها ،
ويوجد قول آخر لتسميتها به وهو هذه الرواية وهي أنه روي عن علي رضي الله عنه قال (نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش )وهناك رواية (فاتحة الكتاب أنزلت من تحت كنز من كنوز العرش ) ،وفي رواية ( إن الله قال ثما من به على رسوله إني أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي )
قال الشهاب :" وفي الحديث (كنز) أو (من كنز) استعارة وتمثيل لعظم قدر ما فيها وهو أنفس الجواهر بل هي عنده من الحجارة أخس وجعل العرش والسموات مهبطة , لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوها وإن تنزه الله سبحانه عن المحل والجهة وقيل إنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وهو أسلم
قال (القونوي ) وليست باستعارة لذكر الطرفين الا أن يجعل من قبيل (قد زر أزراره على القمر ) يقول علي هاني وهو كذلك في الروايتين الأوليين ( أنزلت من تحت العرش ) ( من تحت كنز ) لأن الطرفين لم يذكرا على وجه ينبئ عن التشبيه أما الثالثة (وهي كنز) فهي تشبيه بليغ .
قال القونوي : وجعلها من كنوز العرش فإنه محل ابتداء ظهورها وفيضها ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوه وأنه قبلة حملة العرش ، ولتمثيل عظم ما فيها وتصويره أضيفت إلى العرش وقيل إنه من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه .
الوافية : تقدم ما بيان وجهها عند الإمام البيضاوي
قال الشهاب: " وقيل لأنها لا تنصف في الصلاة كغيرها " ، قال سفيان بن عيبنة لأنها (لاتتنصف ولا تحتمل الاختزال .فلو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز
الكافية : تقدم ما بيان وجهها عند الإمام البيضاوي
قال الشهاب : "وقيل سميت كافية لأنها تكفي المصلي دون غيرها "، قال يحيى عن أبي كثير :لأنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها .
(وسورةَ الحمد والشكرِ والدعاءِ وتعليمِ المسألة ِ لاشتمالها عليها ) أي على المذكورات من الحمد والشكر والدعاء الخ
(ش ) ونصبها ـ أي الشكر وما بعدها ، على أن العَلَم الشكر وما بعده ـ بعيد أي فالصواب الجر لأن العلم سورة الشكر وسورة الدعاء وسورة تعليم المسألة ، قال (القونوي ) الظاهر أن مجموعه اسم (أي سورة الحمد /سورة الشكر /سورة الدعاء )لا الحمد وحده لعدم ورود إطلاق (الحمد) وحده على هذه السورة وكذا الكلام في (الشكر) و(الدعاء) و(تعليم المسألة) .
قوله لاشتمالها عليها أما اشتمالها على:
1-(الحمد ) فظاهر ، أي لأن فيها ذكر الحمد كما يقال سورة الأعراف والأنفال والتوبة
2- وأما على (الشكر) فلِذكرِ بعض أفراد الشكر اللساني فيها كـ(رب العالمين الرحمن الرحيم ) قال الشهاب لاشتمالها على الشكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك وليس هذا مبنيا على تقدير (قل) كما قيل لأنه سواء قدر قل أو لا فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك
3- والدعاء : لوقوع بالدعاء فيها
4- وأما على تعلم المسألة :-
قال (ش ) والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال والمراد تعليم كيفية السؤال وطريقه ،
وليس محل السؤال لاحتياجه الى التكلف
أ-فلأنه تعالى ذكر فيها قوله (اهدنا الصراط المستقيم ) بعد تقديم الثناء عليه بما هو اهله ,وعَلَّم بذلك كيفيةَ السؤال منه تعالى وطريقه وهي البداءة بالثناء قال الشهاب سميت تعليم المسألة بأن يثنى ويعظم المسؤول ثم يتوجه إليه بصفاته
قال (ش) : ففي هذه السورة وقعت البداءة بالثناء عليه تعالى ,ثم ذكر العبودية ثم ذكر الاستعانة ثم وقع الختم على طلب الهداية فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين
*فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين
قال السيالكوتي : فإن السائل ههنا حمد أولا ثم أثنى عليه ثم ذكر أن عبادتي ليس إلا له ولا استعانة إلا منه ثم سأل فقدم على سؤاله أمورا يحسن تقديمها عليه
قال القونوي: قال الكشاف فإن قلت : فكيف قال اللَّه تبارك وتعالى متبركا باسم اللَّه أقرأ؟ قلت :
هذا مقول على ألسنة العباد ، كما يقول الرجل الشعر على لسان غيره ، وكذلك :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ - إلى آخره ، وكثير من القرآن على هذا المنهاج ، ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه ، وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه اهـ وزاد البيضاوي : ويسأل من فضله اهـ
ومن طرق الدعاء أي لا يخص نفسه بالدعاء بل يسأل مطلوبه في حق المؤمنين كافة كأن يقول (اللهم اغفر لنا وارحمنا ) لا (اغفر لي وارحمني كما قال في هذه السورة (اهدنا ) ولم يقل (اهدني ) فإن الدعاء كلما كان أعم كان الى الإجابة أقرب , فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة فإذا أجاب الله تعالى دعاءه ,في حق البعض فهو أكرم من أن يرد ه في حق الباقي
قال الشهاب : وفي تفسير ابن برجان : من آداب الدعاء وحلية السؤال والضراعة إلى الملك ملك الأمر كله أن يقدم العبد بين يدي دعائه التوحيد والتعظيم والإجلال ثم يحمد الله بمحامده التي هو لها أهل يثني عليه ويمجده ويتبرأ إليه من حوله وقوته ثم يسأل الهداية إلى ما يرضيه وحسن العون على ذكره ثم يسأل الله بعد ما يشاء ، لعموم قوله الحق (ولعبدي ما سأل ) ومن قدم أمر الآخرة على أمر الدنيا نظمه الله في نظام الاقتداء بأم القرآن وأن المطلوب الأعظم لفي أم القرآن مجملا ويحق ما قال بعضهم لو قرئت أم القرآن على ميت فحيي ما كان ذلك بعجب لأن الحمد اسم من أسماء الله وكذلك سائر الحروف كلاها فافهم انتهى
(والصلاةِ لوجوب قراءتها واستحبابها فيها )
قوله (والصلاة ) بالجر عطف على (الحمد ) في (سورة ِالحمد )
وقال الشهاب : لفظ الصلاة يجوز جره ونصبه هنا لأنها كما تسمى الصلاة تسمى سورة الصلاة أيضا وهو من تسمية الجزء باسم كله أو تسميةِ أحد المتلازمين باسم الآخر ,والصلاةُ بمعنى العبادة المعروفة
أ-وقوله (لوجوب قراءتها فيها) أي كما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى , (واستحبابها فيها) أي في الصلاة كما هو عند الحنفية لكن في كون قراءة الفاتحة مستحبة عند الأحناف نظر فهم يقولون بوجوبها فهي واجب من واجبات الصلاة وواجبات الصلاة لا تبطل بتركها، ولكن المصلي إن تركها سهواً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن تركها عمداً؛ فإنه يجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعد كانت صلاته صحيحة مع الإثم. ودليل كونها واجبة عندهم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها:
الواجب عند الأحناف قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض، بخلاف الركعتين الأخيرتين فتستحب فيهما
الفرق بين الواجب والفرض عند الحنفية أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة العدم.
قال في الموسوعة الفقيهة الكويتية : وَاجِبَاتُ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الزَّائِدِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (2) } وَالزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَجُوزُ لَكِنْ يَجِبُ الْعَمَل بِهَا.
وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَالُوا بِوُجُوبِهَا. وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنًا لَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا لِجَهْلِهِ بِالأَْحْكَامِ وَحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ.
ثُمَّ إِنَّ كُل آيَةٍ مِنْهَا وَاجِبَةٌ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِهَا. وَهَذَا عَلَى قَوْل الإِْمَامِ الْقَائِل إِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِتَمَامِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: فَالْوَاجِبُ أَكْثَرُهَا، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا لاَ أَقَلِّهَا. قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَهُوَ - أَيْ قَوْل الإِْمَامِ - أَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَكُل آيَةٍ وَاجِبَةٌ.
قال القونوي : قوله (لوجوب قراءتها ) أي لفرض قراءتها كما هو مذهب الشافعي
وقوله (واستحبابها فيها ) وهو مذهب الحنفية إذ المراد بالاستحباب ما ليس بفرض فيتناول الواجب الاصطلاحي عند الأحناف وهو المراد بقرينة المقابلة ، وعبارة المدارك أحسن من هذه وهي (أنها تكون واجبة أو فريضة ) اه
وقال (الشهاب ) قيل عليه لا قائل بالاستحباب لأنها فرض عند الشافعي وواجبة عند أبي حنيفة وإنما تبع صاحبَ الكشاف في قوله لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها وما ذمر رد عليه أيضا ، وهذا زبدة ما في جميع الحواشي وهو ا لا يسمن ولا يغني من جوع قال الشهاب وأنا أقول كون المذاهب الأربعة متفقة على عدم الاستحباب وأنه لا صلاة بدونها مما اتفق عليه هنا عليه هنا لما رووه في كتب الفقه المشهورة خصوصا كتب الأحناف وليس كذلك فإن البيضاوي شافعي المذهب وهو قد اعتمد على كتب الشافعية في النقل عن الأحناف ولو سلم عدم صحة ما ذكر فالسلف لهم في أكثر الأحكام أقوال شتى ومذاهب مختلفة وإن لم يرخص لنا العمل فيها وقد نقل الامام الجصاص في كتاب أحكام القرآن مذهب بن عباس رضي الله عنه أنه يجزئ في الصلاة قراءة شيء ما من القرآن ولا تتعين الفاتحة وبه فسر قوله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) فإذا ثبت عن بعض الصحابة ومجتهدي السلف أنها غير واجبة في الصلاة مطلقا وأن المراد بقوله في الحديث (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) نفي الكمال لا الصحة ,فمراد المصنف والزمخشري الإشارة إلى مذهب هؤلاء لا الى شيء من المذاهب الأربعة حتى يحتاج الى ما قالوه من التعسف هنا من أن استحبابها إشارة الى مذهب أبي حنيفة رحمه الله بناء على تفسير المستحب بما يشمل الواجب والسنة لا المستحب المتعارف على أن الواجب بمعنى الفرض ، والمستحب ما يقابله
(والشافيةَ والشفاءَ لقوله عليه الصلاة والسلام هي شفاءٌ من كل داء )
قوله (والشافية والشفاء ) منصوبان بالعطف على (أمَّ القرآن) ويجوز جرهما عطفا على (الحمد) من قوله (وسورة الحمد ) اه زاده وشهاب
أي وتسمى الشافية والشفاء أيضا لقوله عليه الصلاة والسلام (هي أم القرآن وهي شفاء من كل داء ) قال الشهاب حديث صحيح وقال المحقق حديث مرسل وله شواهد
قال القونوي: والشفاء أبلغ من الشافية والحديث الشريف يدل على صحة إطلاق الشفاء عليها والقرآن يدل أيضا فإذا صح إطلاق الشفاء صح إطلاق الشافية بطريق الأولى
وهي شفاء لكل داءٍ حسي إذا قرئ عليه بقلب سليم ولسان صفي وكذا شفاء لكل داء معنوي لاشتمالها ما هو شفاء من الحكمتين
قال الشهاب : والحديث الذي ذكره المصنف صحيح أخرجه البيهقي والدارمي وغيرهما إلا أنه قيل عليه إنه لا يدل على تسميتها بذلك إذ لا يدل قولنا زيد كاتب على غير اتصافه وصدق كاتب عليه وأما تسميتها به فلا وقريب منه ما قيل الحديث إنما يدل على أنها شفاء في نفس الأمر وأنه أطلق عليه الشفاء شرعا وليست التسمية هنا بمعنى الإطلاق إلا أن يقال وضع الاسم ثبت بالنقل عن الثقات ، ولا حاجة لدعوى الاجماع كما قيل ، فالحديث إنما ذكر لبيان سند ما نقل ولا ثبات الباعث على التسمية به
قال السيالكوتي : كما يدل عليه الحديث ووجه الاستدلال حينئذ أنه لما دل الحديث على أن فيها شفاء من كل داء ومعلوم كونها سورة الشفاء أطلق عليها (سورة الشفاء ) أي سورة هي سبب الشفاء كما أطلق عليها الشافية لذلك
(والسبعَ المثانيَ لأنها سبعُ آياتٍ بالاتفاق إلا أن منهم من عدَّ التسمية دون (أنعمت عليهم ) ومنهم من عكس , وتثنى في الصلاة أو الإنزال )
قوله (والسبعَ المثانيَ ) بالنصب عطف على (أمَّ القرآن )
علل تسميتها (بالسبع ) بقوله (لأنها سبع آيات بالاتفاق )
وعلل تسميتها (بالمثاني ) بقوله (وتثنى في الصلاة أو الإنزال )
وقوله (لأنها سبع بالاتفاق ) المراد اتفاق جمهور العلماء ولا يضره ما نقل عن الحسن البصري أنها ثماني آيات وعن حسين الجعفي أنها ست آيات ؛ لأن مخالفة واحد أو اثنين للجمهور يسمى خلافا لا اختلافا فلا يُخْرج الحكمَ عن كونه متفقا عليه .قال القونوي: (بالاتفاق) أي باتفاق الأكثر المعتد بهم فخلاف غيرهم لا يعتد به لخالفة القراء والأئمة الحنفية والشافعية
قال التحرير ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسنَ البصريَّ فقال هي ثمان آيات وإلا الحسين الجعفي فقال :ست آيات .
قوله (إلا أن منهم من عد التسمية دون (أنعمت عليهم ) ومنهم من عكس ):
1) الأحناف عدوا (صراط الذين أنعمت عليهم )آية وقالوا ليست التسمية (أي بسم الله الرحمن الرحيم ) آية من الفاتحة فتكون 1ـ (الحمد لله رب العالمين ) آية 2- و(الرحمن الرحيم ) آية ثانية 3-(مالك يوم الدين ) ثالثة 4- و(إياك نعبد وإياك نستعين ) رابعة و(اهدنا الصراط المستقيم ) خامسة 6- (صراط الذين أنعمت عليهم ) سادسة 7- و(غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) سابعة .
2) الإمام الشافعي رحمه الله: جعلها من الفاتحة ولم يجعل (صراط الذين أنعمت عليهم) آية
فتكون 1- بسم الله الرحمن الرحيم 2- الحمد لله رب العالمين 3- الرحمن الرحيم 4- مالك يوم الدين 5- إياك نعبد وإياك نستعين 6- اهدنا الصراط المستقيم 7- صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
ولا يتوهم من قول الصف (أنعمت عليهم ) أن منهم من قال أن (أنعمت عليهم ) وحده آية فهو ليس بآية اتفاقا بل المراد (أنعمت عليهم ) مع ما قبلها وهو (صراط الذين ) إلا أنه اختصر لظهور المراد .قال القونوي: قوله دون (أنعمت عليهم ) أي دون { صراط الذين أنعمت عليهم } لوضوح أن الصلة بدون الموصول والمضاف إليه بدون المضاف لا يكون آية ومع هذا لا يكون مثل هذا الإيجاز مستحسنا (ومنهم من عكس) عد صراط الذين أنعمت عليهم آية دون التسمية
قوله (وتثنى في الصلاة) عطف على قوله (سبع آيات ) و تسميتها السبع المثاني ثبتت بالسنة ففي الصحيح البخاري ) عن أبي سعيد ابن المعلى( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الحمد لله رب العالمين ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) وقول البيضاوي (وتثنى في الصلاة ) علة لتسميتها بالمثاني كما تقدم :
وفيه إشارة الى أن المثاني جمع :
1) (مُثَنَّى) على صيغة المفعول من التثنية وهي التكرير ، يقال (ثَنَّيته تثنية ً ) أي جعلته اثنين و(المتكرر في الصلاة ) : إنما هو الفاتحة وهي سورة واحدة فينبغي أن توصف ب(المثناة ) لا (المثاني) إلا أنها وصفت بالجمع نظرا الى آياتها (فإن تكرر السورة قراءة يستلزم تكرار آياتها وكونها مثاني . قال (ق) أي ولأنها تثنى أي تتكرر في الصلاة وهذا أولى مما في الكشاف من قوله (تثنى في كل ركعة )قيل وهي عبارة مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحاولوا تخريج هذا تخريجات كثيرة وأكثرها متكلف ولهذه التكلفات عدل المصنف عنه أي ماهو صريح في المراد
2) ويجوز أن يكون جمع (مُثْنى) تخفيف (مُثَنَّى)
3) ويجوز أن تكون المثاني جمع (مَثْنَى )كـ(مَرْمى) بفتح الميم على وزن (مَفْعَل ) من الثني مقصور بمعنى التكرير والإعادة وقد جاء في الحديث (لاثنْيَ في الصدقة ) أي لا تؤخذ في السنة مرتين فتسمية الفاتحة (مثاني ) معناها أنها محل التثنية والتكرير والإعادة .
قال السيد الشريف :المثاني جمع مُثَنَّى، على صيغة المفعول من التثنية مردَّدٌ ومكرر، ويجوز أن يكون جمع مثنى مفعل، من التثنية، أو مَثْناة مفعلة من الثَنْي
قال ابن عاشور : وكل ذلك أي على الاشتقاقات الثلاثة مشتق من التثنية :وهم ضم ثان الى أول
التحرير :) وأما وصفها بالمثاني فهو
قوله (وتثنى في الصلاة أو الإنزال ) : إن قيل لا وجه لعطف قوله (أو الإنزال ) على قول (في الصلاة ) لأنه يكون المعنى حينئذ أن الفاتحة تثنى في الإنزال ولا معنى له لأنه لا إنزال بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وسلم الى عالم القدس ؟
1-أجيب بأن (تثنى ) المقدر بمعنى (ثنيت) وعبر عنه لفظ المضارع على حكاية الحال الماضية
2- أو أنه من قبيل حذف المعطوف وإبقاء العاطف كما في قوله : علفتها تبنا وماء باردا والتقدير :وأنها (ثنيت ) في الإنزال .
وأما تضعيف الشهاب لهذه التوجيهات فقد رده القونوي وضعف ما اختاره الشهاب وعبارة القونوي : " وأما كونه من قبيل (علفتها تبنا ----) فلا يخفى برودته وركاكته مع أنهم لم يذكروه الا مع اختلاف الحديثين دون الزمانين وإن كان القياس لا يأباه فتدبر .
قوله (إن صح أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حولت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني}وهو مكي بالنص).
قوله(إن صح أنها أنزلت بمكة الخ ) إشارة الى أن تكرير نزولها ليس بمجزوم به لضعف دليله ، قال القونوي: (إن صح ـ ) أي إن صحة تكرار نزولها مشكوك فيها إذ لا دليل عليه يفيد اليقين فلا يجزم بكونه وجها للتسمية
{ وقد صح أنها مكية لقوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني وهو مكي بالنص) أشار الى ما هو المختار عند جمهور الصحابة والتابعين وهو كونها مكية فقط واستدل على نزولها بمكة بقوله تعالى في سورة الحجر (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) وهذه الآيات مكي بالنص فإن ما قبله وما بعده الى آخر السورة نازل في حق المشركين
من أهل مكة وظاهر أن الله تعالى لم يمن َّ على النبي صلى الله عليه وسلم بما سيؤتيه في المدينة
قول المؤلف (وهو مكي بالنص ) أي (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن )
مكي بالنص وقد اختلف محشو البيضاوي في قوله بالنص وأرجح الأقوال هو ما رجحه القونوي :- حيث قال
(مكي بالنص ) أي بالأثر على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه فإن للموقوف في أمثاله حكمَ المرفوع كما في الإتقان وقد تأيد ذلك بأنَّ كون الفاتحة مكية مذهب علي وابن عباس وقتادة وأبي بن كعب وعليه جمهور من بعدهم من العلماء ولما ثبت كونها مكية بهذه المؤيدات فلا وجه لما قيل إن هذا معارض بما روي النسائي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السبع المثاني هي السبع الطوال أعني السور من أوائل إلى آخر الأعراف ثم التوبة أما أولا فلأن الموقوف وإن كان في حكم المرفوع لا يقاوم المرفوع وأما ثانيا فلان رواية البخاري أرجح وأما ثالثا فلأن كون المراد به سورة الفاتحة مؤيد بما ذكرنا حتى يكاد أن يجمع عليه فكيف يدعى المعارضة ولذا مرض المصنف في تفسير هذه الآية ما سوى هذا الاحتمال
ثم قال نعم ثبوت كون الفاتحة مكية بهذه المؤيدات لا ينافي نزولها مرة أخرى في المدينة لكن لابد من بيانه بالدليل ولم يثبت عند المصنف ولذا لم يرض به وغرضه بهذا الاستدلال رد قول نزولها بالمدينة فقط لا نزولها مرة ثانية
*وقول المصنف (بالنص ) ساقط من بعض النسخ وعلى تقدير ثبوته فالمراد به الأثر كما مر فما قاله بعض الأفاضل من أن المراد به أن ما قبله وما بعده الى آخر السورة أي سورة الحجر في حق أهل ـ ضعيف :
أما أولا : فلأنه استدلال بالمعقول المستنبط من المنقول ومثل هذا لا يعد نصا
وأما ثانيا: فلأن قوله إن ما قبله وما بعده في حق أهل مكة لو سلم كونه في حق أهل مكة لا يستلزم كون الآية مكية وفهم كلامه على أنه اصطلاح ثالث يؤدي الى تخليط الاصطلاحات في التقريرات والتحريرات
ـــــــ ـ ـــــــــــــ ــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــت
متن أبي السعود :
قال أبو السعود : سورة فاتحة الكتاب سبع آيات
الفاتحة في الأصل : أولُ ما من شأنه أن يُفتح ، كالكتاب والثوب، أُطلقت عليه لكونه واسطةً في فتحِ الكل ، ثم أُطلقت على أول كلِّ شيء فيه تدريجٌ بوجه من الوجوه كالكلام التدريجي حصولاً ، والسطور والأوراق التدريجية قراءةً وعداً والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، أو هي مصدر بمعنى الفتح ، أطلقت عليه تسميةً للمفعول باسم المصدر ، إشعاراً بأصالته كأنه نفس الفتح ، فإن تعلقه به بالذات ، وبالباقي بواسطته ، لكن لا على معنى أنه واسطة في تعلقه بالباقي ثانياً حتى يرد أنه لا يتسنى في الخاتمة ، لما أن خَتْم الشيء عبارة عن بلوغ آخره ، وذلك إنما يتحقق بعد انقطاع الملابسة عن أجزائه الأُوَل ، بل على معنى أن الفتح المتعلق بالأول فتح له أولاً وبالذات ، وهو بعينه فتح للمجموع بواسطته ، لكونه جزءاً منه ،وكذا الكلامُ في الخاتمة فإن بلوغَ آخِرِ الشيء يعرِضُ للآخر أولاً وبالذات ، وللكل بواسطته ، على الوجه الذي تحقَّقْتَه .
والمراد بالأول ما يعُم الإضافيَّ فلا حاجة إلى الاعتذار بأن إطلاقَ الفاتحة على السورة الكريمة بتمامها باعتبار جزئها الأول ، والمرادُ بالكتاب هو المجموع الشخصي ، لا القدر المشترك بينه وبين أجزائه ، على ما هو اصطلاحُ أهل الأصول ، ولا ضيرَ في اشتهار السورة الكريمة بهذا الاسم في أوائل عهد النبوة ،قبل تحصيل المجموع بنزول الكل ، لما أن التسمية من جهة الله عزَّ اسمه أو من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإذن ؛ فيكفي فيها تحصُّلُهُ باعتبار تحققه في علمه عزَّ وجل أو في اللوح أو باعتبار أنه أُنزل جُملةً إلى السماء الدنيا ، وأملاه جبريل على السَفَرة ، ثم كان يُنزِله على النبي صلى الله عليه وسلم نُجوماً في ثلاثٍ وعشرين سنةٍ كما هو المشهور ، والإضافة بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى مِنْ كما في خاتم فضة ، لما عرفت أن المضاف جزء من المضاف إليه ، لا جزئي له
ومدار التسمية كونه مبدأً للكتاب على الترتيب المعهود ، لا في القراءة في الصلاة ، ولا في التعليم ولا في النزول كما قيل .
أما الأول فبيِّنٌ ، إذ ليس المرادُ بالكتاب القدرَ المشترك الصادقَ على ما يقرأ في الصلاة حتى تُعتبرَ في التسمية مبدئيتَها له . وأما الأخيران فلأن اعتبار المبدئية من حيث التعليمُ ، أو من حيث النزولُ يستدعي مراعاةَ الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين ، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا على نسق الترتيب المعهود .
- وتسمى أمَّ القرآن لكونها أصلاً ومنشأً له ، 1) إما لمبدئيتها له ، 2) وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل ، والتعبُّدِ بأمره ونهيه ، وبيانِ وعدِه ووعيده ، 3) أو على جملةِ معانيه من الحِكَم النظرية ، والأحكام العملية ، التي هي سلوكُ الصراط المستقيم ، والاطلاعُ على معارج السعداء ، ومنازلِ الأشقياء ، والمرادُ بالقرآن هو المراد بالكتاب .
- وتسمى أمَّ الكتاب أيضاً كما يسمَّى بها : 2) اللوحُ المحفوظ ، لكونِهِ أصلاً لكل الكائنات ، 3) والآياتُ الواضحةُ الدالة على معانيها - لكونها بينةً - تُحْمل عليها المتشابهاتُ ، ومناطُ التسمية ما ذُكر في أم القرآن ، لا ما أورده الإمامُ البخاري في صحيحه من أنه يُبدأ بقراءتها في الصلاة ، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه
وتسمى سورةَ الكنز ، لقوله عليه السلام : « إنَّها أُنْزِلَتْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ » أو لِمَا ذُكِرَ في أُمِّ القُرآن ، كما أنه الوجهُ في تسميتها الأساسَ ، والكافية ، والوافية
وتسمى سورةَ الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة ، لاشتمالها عليها
وسورةَ الصلاة لوجوب قراءتها فيها
وسورةَ الشفاء والشافية لقوله عليه السلام : « هي شفاءٌ من كُلِّ داءٍ »
والسبع المثاني لأنها سبعُ آيات تُثَنَّى في الصلاة ، أو لتكرّر نزولِها على ما رُوي أنها نزلت مرة بمكَّة حين فرضت الصلاة وبالمدينة أخرى حين حُوِّلت القبلة ، وقد صح أنها مكيةٌ لقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني } وهو مكي بالنص .
الكتاب ، الأقمشة المطوية ، والثوب ، والطومار القراءة ، الكتابة ، الخياطة يفتح بتدريج
الفاتحة أولُ ما من شأنه أن يُفتح ، كالكتاب والثوب ثم الفاتحة أُطلقت على أول كلِّ شيء فيه تدريجٌ بوجه من الوجوه كالكلام التدريجي حصولاً ، والسطور والأوراق التدريجية
أُطلقت عليه لكونه واسطةً في فتحِ الكل فالفتح الكشف وإزالة لفه وطيه كالكتاب والثوب بمعنى أنه واسطة في تعلق الفتح بالباقي فالقراءة والكتابة بمعنى النقش والخياطة ونحو ذلك من الأفعال والأقوال أطلقت الفاتحة على أولها لكونها تدريجية لكن لا بمعنى أنه واسطة في تعلق الفتح بالباقي بل بمعنى أن تعلق الفتح بالأول فتح له أولا وبالذات وهو بعينه فتح للمجموع بواسطته لكونه جزأ منه
فنحو الأقمشة المطوية والطوامير وغيرها من الكتب إذا أريد فتحها وإزالة طيها على الترتيب الوضعي فالفتح يتعلق أولا بالجزء الأول ثم يتعلق ثانيا وثالثا ورابعا وهلم جرا إلى آخره فباقي الأجزاء موصوف بالفتح هنا حقيقة إذا كان المفتوح كالطومار فالمفتوح الأول هو الجزء الأول وباقي الأجزاء مفتوح ثانيا بواسطة الأول فإذا أريد فتحه على الترتيب الوضعي فالفتح يتعلق أولا بالجزء ثم يتعلق ثانيا وثالثا ورابعا وهلم جرا بخلاف الصورة الأولى فإن اتصاف باقي الأجزاء بالفتح مجاز
هذا هو الملف الأول في تفسير الفاتحة مستقصى من معظم التفاسير مع شرح عبارة أبي السعود والبيضاوي والكشاف والآلوسي أرجو منكم الدعاء أن يوفقني لإرسال بقيتها :
قال الخازن :وسبع وعشرون كلمة ومائة وأربعون حرفا وقال ابن كثير : كلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفًا النيسابوري: وكلماتها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون .
و لم يوجد فيها الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء
الباب الأول : هل السورة مكية أم مدنية :
1) القول الأول : مكية
قاله علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعلي بن الحسين ، وقتادة ، وأبو العالية ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، وجعفر الصادق، سعيد بن جبير ، والحسن ، وأبو العالية الرياحي ، وأبو ميسرة ، وابن أبي زمنين وموسى بن جعفر عن أبيه ، ، ، ومكي والبغوي وابن كثير والسمعاني والخازن وأبو السعود والآلوسي والبيضاوي وجمهور العلماء ورواه أبو صالح عن ابن عباس واسْتُدل على مكيتها بأدلة :
أ- الدليل الأول : ما جاء في سورة الحجر { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } والحجر مكية بلا اختلاف ، ومعلوم أن الفاتحة هي السبع المثاني، ومعلوم أن الله تعالى لم يمتن عليه بإتيائه السبع المثاني وهو بمكة ثم أنزلها بالمدينة
ب- الدليل الثاني : أنه لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة فهذا إجماع، ومحال أن تفرض الصلوات ولا ينزل ما هو تمامها وبه قوامها فقد قال النبي عليه السلام من الخبر الثابت : " كُلُّ صَلاةٍ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ " . قالها ثلاثاً والخَدْج النقص فغير جائز أن تفرض علينا الصلوات ، ولا ينزل ما يزيل عنها النقص ، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بمكة يصلي ثلاثة عشر سنة بلا فاتحة الكتاب، وما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير الفاتحة .
• وقيل إنها أول ما نزل من القرآن ، وأكثر المفسرين على أن أول ما نزل من القرآن : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) إلى قوله تعالى : ( مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ، ولكن الفاتحة من أول ما نزل وليست أول ما نزل . وصح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها من : أول ما نزل من القرآن
قال الآلوسي : وقد لهج الناس بالاستدلال على مكيتها بآية الحجر { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } وهي مكية لنص العلماء والرواية عن ابن عباس ولها حكم مرفوع لا لأن ما قبلها وما بعدها في حق أهل مكة كما قيل ؛ لأنه مبني على أن المكي ما كان في حق أهل مكة والمشهور خلافه ، والأقوى الاستدلال بالنقل عن الصحابة الذين شاهدوا الوحي التنزيل
2) القول الثاني : مدنية
قاله أبو هريرة ، وعطاء بن يسار ، ومجاهد ، ، والزهري ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ومقاتل و سوادة بن زياد
قال مجاهد : " نزلت الحمد بالمدينة" ، وقال : " لما نزلت رن إبليس اللعين"
يريد رن من عظيم ثوابها وجلالة قدر ماخص الله به أمة صلى الله عليه وسلم من إنزالها على نبيهم صلى الله عليه وسلم .
وقال الحسن بن الفضل : لكل عالم هفوة وهذه منكرة من مجاهد لأنه تفرد بها ، والعلماء على خلافه
3) القول الثالث: قد لفق بعض العلماء اجتهادا بين القولين السابقين فقال : هذه السورة نزلت بمكة مرة ، وبالمدينة مرة أخرى ، فهي مكية مدنية ، نزل بها جبرئيل مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة : إما حين حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حين حولت القبلة ولهذا السبب سماها الله بالمثاني؛ لأنه ثنى إنزالها ، وإنما كان كذلك مبالغة في تشريفها وتعظيما وتفضيلا لهذه السورة على ما سواها
• وممن رجح نزولها مرتين النسفي وفي الأمثل و حكاه الثعلبي
• وضعفه السمعاني و البغوي و الطبرسي وابن كثير والآلوسي و أبو السعودو الشربينيو الخازن و الطبرسي ومحمد سيد طنطاوي وغيرهم
• قال السمعاني : وقيل : نزلت مرتين مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ؛ ولذلك سميت مثاني ؛ لأنها ثنيت في التنزيل ، وهذه رواية غريبة. قال ابن كثير : وهو غريب جدًا
• وأبطله القاضي العماد بأدلة :
الدليل الأول : أنه يجب عليه تحصيل الحاصل وهو محال
و أجاب ابن عرفة بأن التأكيد شائع في كلام العرب وليس فيه تحصيل الحاصل
والإجابة عن ذلك ما قاله الآلوسي أن هذا مصحح للوقوع لا موجب له .قال الآلوسي : ، وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ولا يخفى ضعفه وما قالوا في الجواب عن الاعتراض بأن النزول ظهور من عالم الغيب إلى الشهادة والظهور بها لا يقبل التكرر ، فإن ظهور الظاهر ظاهر البطلان كتحصيل الحاصل من دعوى أنه كان في كل لفائدة ، أو أنه على حرف مرة وآخر أخرى لورود مالك وملك ، أو ببسملة تارة وتارة بدونها ، وبه تجمع المذاهب والروايات ـ مصحح للوقوع لا موجب له كما لا يخفى .
الدليل الثاني : أنه يلزم منه أن يكون كلما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى ، لأن جبريل عليه السلام كان يعرض القرآن في كل سنة مرة ، وفي الآخرة مرتين فيكون ذلك إنزالا آخر وهذا لا يقوله أحد ، وقال : ولعلهم يعنون بنزولها مرتين ، أن جبريل نزل حين حولت القبلة فأخبره عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة ، وأقرأه فيها قراءة لم ( يكن أقرأه بها ) في مكة فظنوا ذلك إنزالا وهو ضعيف
4) القول الرابع : حكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدًا ضعفه ابن كثير والآلوسي والشهاب وغيرهم
الباب الثاني : باب أسماء السور
أسماء سورة الفاتحة اعلم أن هذه السورة لها أسماء كثيرة ، وذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى وكذلك كل اسم يبين جانبا منها وقد بلغت أسماء الفاتحة واحدا وعشرين اسما :
1) الأول : فاتحة الكتاب:
أ- وقد ثبت في السنة في أحاديث كثيرة تسميتها بهذا الاسم : فقد صَحَّ الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هي أمّ القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
واسمها فاتحة الكتاب من غير خلاف بين العلماء وسمّيت " فاتحة الكتاب " لأن موضعها يعطي ذلك لأن القرآن افتتح كتابة وخطا وترتيبا بها فهي أول سورة في القرآن من حيث الترتيب فَاتحة لما يتلوها من سور القرآن
قال الآلوسي : "أحدها } فاتحة الكتاب ؛ لأنها مبدؤه على الترتيب المعهود لا لأنها يفتتح بها في التعليم وفي القراءة في الصلاة كما زعمه الإمام السيوطي ، ولا لأنها أول سورة نزلت كما قيل ، أما الأول والثالث فلأن المبدئية من حيث التعليم أو النزول تستدعي مراعاة الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين ، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا كالترتيب المعهود ، وأما الثاني فلما عرفت أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له"
ب- والفاتحة: في الأصل صفة(مشتق) ثم نقلت من الوصفية وجعلت اسما (لأوَّل الشيءِ ) والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الإسمية أي للدلالة على النقل من الوصفية إلى الإسمية (أي معاملة الصفة معاملة الاسم في الدلالة له على ذات معينة لا على ذي وصف) لا لتأنيث الموصوفِ المقدرِ (كالقطعة ) مثلا إذا لا حاجة الى تقديره
ت- و(فاتحة ) مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكانٍ مقصودٍ وُلُوجُهُ فصيغتها تقتضي أن موصوفها شيء يزيل حاجزا , وليس مستعملا في حقيقته بل مستعملا في معنى أول الشيء والعلاقة بين أول الشيء وفاتحته أن الفاتح للشيء ـ كالفاتح للباب مثلا ـ هو أول من يدخل ، فسميت السورة الأولى من الكتاب الكريم (فاتحة الكتاب ) لذلك ، المعنى أوَّل الكتاب ومبدئه إذ بها يتعلق الفتح للمجموع ، فـ(فاتحة) وصفٌ وُصِفَ به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسية ثم أضيف الى الكتاب ثم صار هذا المركب علما على هذه السورة .
وإضافة (سورة ) إلى (فاتحة الكتاب) فيه ثلاثة :
أ- القول الأول من إضافة العام إلى الخاص بمعنى اللام إذ الاسم فاتحة الكتاب والبقرة وآل عمران مثلا فهو تركيب إضافي والإضافة بمعنى اللام لأن المضاف إليه ليس ظرفا للمضاف ولا صادقا عليه والإضافة بمعنى اللام لا يشترط فيها صحة ظهور اللام كما صرح به النحاة
ب- القول الثاني : حققه القونوي وهو أن الإضافة هنا من إضافة العام إلى الخاص وهي إضافة بيانية على تقدير (من) البيانية مثل قولهم (شجر الأراك ) و(علم الفقه ) (فاتحة الكتاب )علما على المقدار المخصوص من الآيات من {الحمد لله }الى {الضالين}
ث- القول الثالث: أجازه ابن عاشور قائلا : ويصح عندي أن تكون إضافة السورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقولهم : مسجد الجامع ، وعشاء الآخرة ، أي سورة موصوفة بأنها فاتحة الكتاب
ج- القول الرابع : القول الثاني : رجح الشهاب و الآلوسي : أنه من إضافة المسمى إلى الاسم كيوم الأحد ورده القونوي وسيأتي
و إضافة (فاتحة ) إلى (الكتاب) فيها قولان:
رجح أبو السعود وزاده و القونوي أن الإضافة فيه بمعنى اللام قال القونوي : لامية من إضافة الجزء إلى الكل إذ المراد بالكتاب الكل كما هو الظاهر لا المعنى الكلي فإن الكلي لا أول له فالمختار أن الكتاب هو مجموع المنزل وهو ما نقل إلينا بين دفتي المصاحف تواترا كما في التنقيح
2) الثاني : أم الكتاب وأم القرآن :
تسميتها أم القرآن وأم الكتاب قد ثبتت في السنة من ذلك ما في (صحيح البخاري .في كتاب الطب أن أبا سعيد الخدري رقى ملدوغا فجعل يقرأ عليه بأم القرآن ,وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم (كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداج ) أي منقوصة مخدوجة
وفي سبب تسميتها هذا الاسم عدة أقوال :
أ- القول الأول : وهو الأصح أنها سميت أما لأن الأم الأصل ، وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم ، لأن الله تعالى أودعها مجموع ما في السور فهي متضمنة معاني القرآن مجملاً ، لأن فيها إثبات الثناء على الله تعالى وإثبات أنه خالق الكون والعالمين ومربيهما ومعرفة عزة الربوبية وأنه عم برحمته العالمين وإثبات يوم القيامة وأنه مالكه سبحانه ثم إخلاص العبادة لله وحده دون شريك توحيدا بكل معاني التوحيد والاستعانة به وحده ومعرفة ذلة العبودية وعلى هذا يدور جميع القرآن ثم طلب طريق المنعم عليهم والاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين وهذه المعاني هي التي يدور عليها مقصود القرآن . وأم الشيء : أصله ، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب وكانت هذه السورة مشتملة عليها لقبت بأم القرآن وسأذكر بعد أسماء السور خلاصة ما حوته الفاتحة من العلوم وكيف حوت مجمل معاني الفاتحة .
هذا الوجه اختاره الزمخشري و البقاعي والمنار والقشيري والمراغي الصابوني والنيسابوري والسامرائي أجازه أبو السعود والبيضاوي والآلوسي وقدمه الرازي
ب- القول الثاني في سبب تسميتها أم القرآن :
تسمي العرب كل مبتدئ متقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه أُمّاً فأم كل شيء ابتداؤه وإنما أطلق على المبدأ أماً: لتسمية العرب كل مقدِّمٍ لأمر أو جامع - إذا كانت له توابعُ تتبعه ، هو لها إمام جامع- " أمًّا " والفاتحة لأنها متقدمة على سائر سور القرآن وابتداء القرآن متقدمة عليه وإمام لما يتلوها من السور و ما سواها تبع يبدأ بكتابتها في الصحف وقراءتها في الصلاة قبل كلّ سورة ـ سميت بأم القرآن والكتاب لأنها أمّته أي تقدمته وتأخُّر ما سواها خلفها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها فيبدأ بقراءتها ويبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن ،. وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب ، قال البخاري : سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة
رجح هذا القول : الطبري أبو عبيدة و البغوي و الآلوسي وابن عطية والقرطبي و الطبرسي وابن كثير و الماوردي و الطوسي والشوكاني و السمعاني قدمه البيضاوي و أبو السعود
قال السيوطي في الإتقان: واختلف لم سميت بذلك فقيل لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف وبقراءتها في الصلاة قبل السورة قاله أبو عبيدة في مجازه وجزم به البخاري في صحيحه واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الولد قال الماوردي سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها لأنها أمته أي تقدمته ولهذا يقال لراية الحرب أم لتقدمها وإتباع الجيش لها ويقال لما مضى من سني الإنسان أم لتقدمها ولمكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى
ت- القول الثالث: لأنها أفضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم ، ضعفه الآلوسي
ث- القول الربع : لأن حرمتها كحرمة القرآن كله ضعفه الآلوسي
ج- القول الخامس : لأن مفزع أهل الإيمان إليها كما يقال للراية أم لأن مفزع العسكر إليها ضعفه الآلوسي
ح- القول السادس : أو لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب ،ضعفه الآلوسي
الخلاف في جواز تسميتها بأم الكتاب:
واختلف في تسميتها بأم الكتاب فجوزه الجمهور ، لأن الكتاب هو القرآن ، ومنعه الحسن وابن سيرين ، وزعما أن أم الكتاب اسم اللوح المحفوظ فلا يسمى به غيره ، لقوله تعالى : { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها أيضا - أن يقال لها أم القرآن
والأحاديث الثابتة ترد هذين القولين . روى الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِى ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
3) الثالث: ( الأساس ) ؛ شكا رجل إلى الشعبي وجع الخاصرة ، فقال : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب ، قال الشعبي : سمعت عبد الله بن عباس يقول : أساس الكتب القرآن ، وأساس القرآن فاتحة الكتاب ، وأساس الفاتحة " بسم الله الرحمن الرحيم " فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس تشف بإذن الله تعالى"
الثعلبي والطبرسي والقرطبي والنسفي .
وفيه وجوه :
الأول : أنها أول سورة من القرآن ، فهي كالأساس .
النيسابوري والرازي والبيضاوي والآلوسي والمراغي والشربيني
الثاني : أنها مشتملة على أشرف المطالب ، وذلك هو الأساس .
أبو السعود والأمثل
النيسابوري والرازي
الثالث : أن أشرف العبادات بعد الإيمان هو الصلاة ، ولا تتم الصلاة إلا بها .ذكره الرازي
4) الرابع : سورة الكنز
أ- القول الأول : لما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عليّ رضي الله
عنه أنه سئل عن فاتحة الكتاب فقال: حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلّم أنها
أنزلت من كنز تحت العرش } وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة ، أو آية الكرسي ضحك وقال : « إنهما من كنز تحت العرش » وفي رواية (فاتحة الكتاب أنزلت من تحت كنز من كنوز العرش ) ،وفي رواية " إن الله قال فيما من به على رسوله إتي أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي "
قال الشهاب :" وفي الحديث (كنز) أو (من كنز) استعارة وتمثيل لعظم قدر ما فيها وهو أنفس الجواهر بل هي عنده من الحجارة أخس وجعل العرش والسموات مهبطة , لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه .
قال (القونوي ): وليست باستعارة لذكر الطرفين إلا أن يجعل من قبيل (قد زر أزراره على القمر ) يقول علي هاني: وهو كذلك في الروايتين الأوليين ( أنزلت من تحت العرش ) ( من تحت كنز ) لأن الطرفين لم يذكرا على وجه ينبئ عن التشبيه أما الثالثة (وهي كنز) فهي تشبيه بليغ .
اختار القول الأول في سبب التسمية: حقي والنيسابوري والنسفي الشربيني وابن رجب وقدمه أبو السعود
1) القول الثاني : لِمَا ذُكِرَ في أُمِّ القُرآن ، أي لاشتمالها على مقاصد القرآن وجملة معانيه وهذا قول آخر غير القول الأول كما نبه عليه الشهاب وغيره فكانت كأنها لاشتمالها على مقاصد القرآن صارت بمنزلة الكنز أي المال المدفون من حيث نفاستها قال الشهاب : لاشتمالها على مقاصد القرآن أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد والسعادة الأبدية ـ ـ ثم إن كونها كنزا استعارة وتمثيل لعِظَم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل الجواهر عنده من الحجارة أو أخس .فالمكنوز في هذه السورة :إما أصول مقاصد القرآن 2- أو جملةُ معانيه
الزمخشري والبيضاوي والآلوسي وأبو زهرة
5) الخامس ( الوافية ) فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول : لأنها لا تنتصف في الصلاة ، كان سفيان بن عيينة يسميها بهذا الاسم ؛ لأنها لا تقبل التنصيف ولا تحتمل الاختزال ، ألا ترى أن كل سورة من القرآن لو قرىء نصفها في ركعة والنصف الثاني في ركعة أخرى لجاز ، وهذا التنصيف غير جائز في هذه السورة . ولو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز .
الخازن والنيسابوري والقرطبي والرازي والثعلبي والنيسابوري وابن رجب
القول الثاني : تسميتها بالوافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وأبو زهرة وحقي
قال الزمخشري : وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله ، ومن التعبد بالأمر والنهى ، ومن الوعد والوعيد. وسورة الكنز والوافية لذلك.
القول الثالث: وقيل: لأنها جمعت بين ما لله وبين ما للعبد. قاله المرسي
6) السادس : ( الكافية )
القول الأول :
سماها عبد الله بن يحيى بن أبي كثير : الكافية؛ لأنها تكفي عما سواها ولا يكفي ما سواها عنها، ويؤيد ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث المرسل: : " أم القرآن عِوَضٌ من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " الثعلبي والنيسابوري و الخازن وابن كثير والقرطبي والرازي والطبرسي والنيسابوري والشوكاني والسراج المنير .
القول الثاني :
تسميتها بالكافية لاشتمالها على معاني القرآن كما سيأتي تفصيله
الزمخشري والنسفي والبيضاوي وأبو السعود وحقي وأبو زهرة
7) السابع : سورة الحمد ؛ لأنها افتتحت بالحمد ولأن فيها ذكر الحمد كما يقال : سورة الأعراف والأنفال والتوبة ونحوها .
8) الثامن : سورة الشكر
وذلك لأنها ثناء على الله بالفضل والكرم والإحسان فلِذكرِ بعض أفراد الشكر اللساني فيها كـ(رب العالمين الرحمن الرحيم ) وهذا فوق أنه حمد لله تعال هو شكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك كان شاكرا
9) التاسع : سورة الدعاء ، لاشتمالها على قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } فنصفها مسألة ودعاء
البيضاوي والبقاعي والشربيني والآلوسي
10) العاشر :
تعليم المسألة : لاشتمالها على المسألة ، والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال والمراد تعليم كيفية السؤال وطريقته : فإن السائل ههنا حمد أولا ثم أثنى عليه ثم ذكر أن عبادتي ليس إلا له ولا استعانة إلا منه ثم سأل فقدم على سؤاله أمورا يحسن تقديمها عليه فهي مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين وسيأتي في تفصيل ذلك قريبا في بيان جمع الفاتحة لمقاصد
11) الحادي عشر ( الصلاة ) :
لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ، ونصفها لعبدي ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) يقول الله : حمدني عبدي . فإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) يقول الله أثنى علي عبدي . فإذا قال العبد : ( مالك يوم الدين ) يقول الله : مجدني عبدي . فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) يقول الله : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل . فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخره ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ، أورده مسلم بن الحجاج في الصحيح ، فقوله صلى الله عليه وسلم " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " يعني الفاتحة وسميت الفاتحة صلاة من باب تسمية الشيء باسم أهم أركانه لأنها فرض أو واجب فلا تتم أو لا تصح إلا بها فهو مجاز مرسل من إطلاق الكل على الجزء أو الملزوم وإرادة اللازم
ابن كثير والشربيني والنيسابوري والرازي وشحاته والنووي في شرح مسلم وفي المفهم لما اشكل من صحيح مسلم
ومن العلماء من جعل الاسم : "سورة الصلاة" أي مع إضافة (سورة)
النسفي والزمخشري وأبو السعود والشوكاني والمظهري أبو زهرة واختاره الآلوسي وضعف تسميتها (الصلاة) بدون سورة كما سيأتي
12) الثاني عشر: (الشافية) (الشفاء):
• روى الخلعي فى فوائده: (فاتحة الكتاب شفاء من كل شىء الا السَّامُ) و لقولة عليه السلام " فاتحة الكتاب شفاء من كل داء إلا السام " - والسَّامُ الموت
• و لما روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)
• قال الرازي :وأقول : الأمراض منها روحانية ، ومنها جسمانية ، والدليل عليه أنه تعالى سمى الكفر مرضاً فقال تعالى : { فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } [ البقرة : 10 ] وهذه السورة مشتملة على معرفة الأصول والفروع و المكاشفات ، فهي في الحقيقة سبب لحصول الشفاء في هذه المقامات الثلاثة ..
13) الثالث عشر : السبع المثاني
تسميتها السبع المثاني ثبتت بالسنة ، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى" أن رسول الله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"
وبيان جزئي العلم :
(السبع) :
وأما تأويل اسمها أنها " السَّبْعُ " ، فإنها سبعُ آيات ، لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك .
وإنما اختلفوا في الآي التي صارت بها سبع آيات :
القول الأول :
فقال معظم أهل الكوفة ومكة : صارت سبع آيات بـ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ورُوي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والشافعي يعد البسملة آية منها.
القول الثاني :
قالوا هي سبع آيات ، وليس منهن { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ولكن السابعة " أنعمت عليهم " . وذلك قول معظم قَرَأةِ أهل المدينة والبصرة والشام ومُتْقنيهم ومنهم الإمام مالك
(المثاني) :
أ- يحتمل أن تكون من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى أو لما ورد من الثناء على من يتلوها
ب- وأن تكون من الثُّنْيا لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة والحمد لله على هذه النعمة وهو قول مجاهد ، و ابن جبير عن ابن عباس : " إنما سميت الحمد السبع المثاني [ لأن الله استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لم يعطها أحد قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم "ورووا في ذلك حديثا قال عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثل هذه السورة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم ."
وضعف هذا القول ابن عطية قال : وقيل : سميت مثاني لأنها مستثناة من سائر الكتب
ت- ويحتمل أن تكون المثاني من التثنية وهو الأصح وعلى هذا الأخير ففيها أقوال
1. القول الأول : وهو الأصح إنما سميت السبع المثاني لأنهن يثنين في كل صلاة مكتوبة وتطوُّع أي يعدن فتكون التثنية بمعنى التكرير واستعمال المثنى في مطلق المكرر شائع نحو { فارجع البصر كرتين} ونحو لبيك وسعديك ويقويه ما أخرجه ابن جرير بسند حسن عن عمر قال السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة
قال الحسن البصري : تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة . وهذا هو الذي قصده أبو النجم العجلي بقوله :.
الحمدُ لله الذي عَافَانِي وكلَّ خَيْر بعدَهُ أَعْطانِي
*** مِنَ القُرَآن ومِنَ المَثَاني***
وكذلك قول الراجز الآخر :
نَشَدْتُكم بِمُنزل الفُرقانِ *** أمِّ الكِتَاب السَّبع من مَثَانِي
ثُنِّينَ مِنْ آيٍ من القُرْآنِ *** والسَّبعِ سبعِ الطُّوَل الدَّوانِي
اختار هذا القول سيدنا عمر بن الخطاب ابن عباس والحسن وقتادة والطبري و الطبراني والخازن والبغوي والسعدي وابن عطية ومحمد رشيد رضا وأبو زهرة وسيد طنطاوي
والطوسي والثعلبي ومكي والسمعاني وجمهور العلماء وهو الأصح
القول الثاني : أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة أي تضم إليها السورة في كل ركعة
اختاره ابن عاشور قائلا : ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعةـ ـ ـ ــ قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب ، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة
القول الثالث :
أنها مثنى : نصفها ثناء العبد للرب ، ونصفها عطاء الرب للعبد
القول الرابع : لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثَنَّاه اللهُ تعالى بالإخبار عن فعله كما في الحديث المشهور
القول الخامس : سميت مثاني لأن الله أنزلها مرتين قال ابن عاشور : وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ جِدًّا وَتَكَرُّرُ النُّزُولِ لَا يُعْتَبَرُ قَائِلُهُ، وَقَدِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَأَيُّ مَعْنًى لِإِعَادَةِ نُزُولِهَا بِالْمَدِينَةِ.
تنبيه :
لا تنافي بين تسمية الفاتحة السبع المثاني وتسمية القرآن مثاني فليس في تسميتها بالمثاني وأم الكتاب ما يمنع من تسمية غيرها بذلك ، قال الله عز وجل : " كتابا متشابها مثاني " فأطلق على كتابه : مثاني لأن الأخبار تثنى فيه فهو جمع مُثَنَّى بضم الميم وفتح النون المشددة بمعنى مردد ومكرر ّ لمَا ثُنِّي من قصصهِ وأنبائِه وأحكامِه وأوامرهِ ونواهيهِ ووعدِه ووعيدِه ومواعظِه لما كرر وثنى من أحكامه ومواعظه وقصصه ، وهذا يتضمن امتناناً على الأمة بأن أغراض كتابها مكررة فيه لتكون مقاصده أرسخ في نفوسها ، وليسمعها من فاته سماع أمثالها من قبلُ . ويتضمن أيضاً تنبيهاً على ناحية من نواحي إعجازه ، وهي عدم المَلل من سماعه وأنه كلما تكرر غرض من أغراضه زاده تكرره قبولاً وحَلاوة في نفوس السامعين.
14) الرابع عشر:سورة السؤال وسماها الرازي السؤال بدون سورة
فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على الدعاء وعلى تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين ، وقد فعل الخليل عليه السلام ذلك حيث قال : { الذى خلقني فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] إلى أن قال : { رَبّ هَبْ لي حُكْماً وألحقني بالصالحين } [ الشعراء : 83 ] ففي هذه السورة أيضاً وقعت البداءة بالثناء عليه سبحانه وتعالى وهو قوله : { الحمد لله } إلى قوله { مالك يوم الدين } ثم ذكر العبودية وهو قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ثم وقع الختم على طلب الهداية وهو قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } وهذا يدل على أن أكمل المطالب هو الهداية في الدين والسورة جامعة بينهما
وقد سماها الآلوسي وحقي والشربيني والسيوطي في حاشيته على البيضاوي "سورة السؤال" بإضافة (سورة) أما الرازي فقال السؤال بدون سورة
15) الخامس عشر :
الرقية ، ثبت ذلك من حديث أبى سعيد الخدري وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رقى سيد الحي : ( ما أدراك أنها رقية ) فقال : يا رسول الله شيء ألقى في روعي . . . الحديث . خرّجه الأئمة و في الصحيح وسيأتي بتمامه .
16) السادس عشر :
الواقية : سماها سفيان بن عيينة : الواقية، ذكره ابن كثير والبقاعي وأبو حيان وسيد طنطاوي وابن جزي
17) السابع عشر : سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين ، سورة المناجاة لأن العبد يناجي ربه بما فيها من ثناء ودعاء واستعانة ولا سيما في قوله { إياك نعبد وإياك نستعين }
18) الثامن عشر : سورة التفويض لأن العبد يناجي ربه بقوله إياك نعبد وإياك نستعين وبالتالي يحصل التفويض
19) التاسع عشر: القرآن العظيم ، ؛روى الإمام أحمد عن أبي هريرة : "أن النبي قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم " سميت بذلك لتضمنها واشتمالها على المعاني التي في القرآن "كما سيأتي
20) العشرون : سورة الحمد الأولى ، وسورة الحمد القصرى
21) الواحد والعشرون : سورة النور لظهورها بكثرة استعمالها أو لتنويرها القلوب لجلالة قدرها ، أو لأنها لما اشتملت عليه من المعاني عبارة عن النور بمعنى القرآن .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ــ ـ ـ ـ ــــــــــــــــــ ــ ـــ ـ ـ ـ
الباب الثالث : تفصيل مقاصد الفاتحة واشتمالها على جميع معاني القرآن اشتمالا إجماليا فيه زبدة كلام العلماء :
اعلم أن هذه السورة اشتملت على جميع معاني القرآن وأمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن :
1) تعليم عباده كيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه ويتذللون له ويثنون عليه بأوصاف كماله وجلاله والإقرار باختصاص الربوبية والرحمة الواسعة الثابتة والتصرف في الدنيا والآخرة والخضوع لله والتسليم لأمره وبيان استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال ، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة ،
2) وفي مقدمة السورة { الحمد لله } وهذا فيه أن كل حمد وثناء فهو مستحق لله سبحانه وكل كمال وكل نعمة منه سبحانه وهو مصدرها سبحانه و تستوجب الحمد
3) وكلمة رب فيها معنى التربية والإنماء وهو صريح بأن كل نعمة يراها الإنسان في نفسه وفي الآفاق وفي العالمين فمنه عز وجل فليس في الكون متصرف بالإيجاد ولا بالإشقاء والإسعاد سواه ، { إياك نعبد وإياك نستعين } فاجتث بذلك جذور الشرك والوثنية التي كانت فاشية في جميع الأمم
4) بيان واسع رحمته في { بسم الله الرحمان الرحيم } فذكر الرحمة في أول الكتاب – وهي التي وسعت كل شيء – وعد بالإحسان . وقد كررها مرة ثانية تنبيها لنا على غاية رحمته وأن علاقته الأصلية بعباده الرحمة {ورحمتي وسعت كل شيء} "رحمتي سبقت غضبي) و اسمه «الرحمن الرحيم يشيران إلى عظيم رحمته بعباده ومن أعظم رحمته إرسال الرسل وإنزال الكتب فإن رحمته تمنع إهمال عباده ، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم . فمن أعطى اسم «الرحمن » حقه عَرَف أنه متضمن لإرسال الرسل وإنزال الكتب ، أعظمَ من تضمنه إنزال الغيث ، وإنبات الكلأ ، وإخراج الحب . فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح ، لكنِ المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب . وأدرك منه أولو الألباب أمرا وراء ذلك .
5) وفيها تقديم الدالِّ على الرحمة وهو (الرحمن الرحيم) على الدالُّ على الجلال والهيبة وهو (مالك يوم الدين) وتقديم الدالّ على الوعد، وهو (أنعمت عليهم) على الدالّ على الوعيد، وهو (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لأن الترغيب أبعث للنفوس، ولأن رحمته تعالى سبقت غضبه ، وفيها تقديم أمر الآخرة على أمر الدنيا وأن من طلب الهداية حصل خيري الدنيا والآخرة وأنها هي النعمة الحقيقية
6) فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى – بأربعة أسماء ، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها ، وهي : «الله ، والرب ، الرحمن ، الرحيم »
7) وذكر الأمور التي اختص بها تعالى لا يشاركه أحد فيها وهو إيجاده للعالمين وتربيته لهم ورحمته الواسعة العميمة الثابتة التي عمت كل صغير وكبير دنيا وأخرى وملكه ليوم الجزاء بجميع أحواله إيجاد وملكا وملكا وتصرفا لا سيما الجزاء والخضوع له الذي هو المقصود الأصلي لذلك اليوم وفيها النظر للترغيب(رب، الرحمن الرحيم) والترهيب (مالك يوم الدين ) للدنيا والآخرة ثم لما تميز بذلك سبحانه أكمل تميز وبان أنه المنفرد بهذه الأمور التفت إليه سبحانه وبين أنه المستحق وحده لأن يستعان وأن يعبد وهذان الأمران اللذان يدور عليهما عبادة العابد وفيهما الإقرار بأنه عبد لله وأن الله سبحانه هو المعبود المستعان وحده
8) وفيها الوعد والوعيد فذكر يوم القيامة وبيان أنه تعالى هو الذي يملكه يملك إيجاده والتصرف فيه والحكم وغير ذلك من أحواله فـ{ مالك يوم الدين } يتضمن الوعد والوعيد معا لأن معنى الدين الجزاء والخضوع والانقياد لجزائه وأن العالم كله يكون فيه خاضعا لعظمته ظاهرا وباطنا ، يرجو رحمته ويخشى عذابه ، وهذا يتضمن الوعد والوعيد وزد على ذلك أنه ذكر بعد ذلك { الصراط المستقيم } وهو الذي من سلكه فاز ومن تنكبه هلك وذلك يستلزم الوعد والوعيد .
9) وتضمنت إثبات المعاد ، وجزاء العباد بأعمالهم - حسنها وسيئها - وتفرُّدَ الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق ، وكون حكمه بالعدل . وكل هذا تحت قوله { مالك يوم الدين } .
10) وتخصيص العبادة بكل أنواعها لله وإفرادها له دون غيره والإخلاص فيها ،والإقرار أنه المستحق وحده للعبادة وتشمل التكليف بالأصول والفروع من توحيد واستعانة وتوكل واعتماد وتفويض ونحوها من الأصول ومن صلاة وصوم وغيرها من أمور الفروع وفيها الترغيب والترهيب بالهداية والإنعام والغضب والضلال كل ذلك في {إياك نعبد وإياك نستعين}
11) والاستعانة به على كل الأمور والإقرار بأن المعونة من عنده ، والقدرة له والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى والاستعانة به تعالى لا سيما الهداية بالثبات والزيادة من الهداية للصراط المنعم عليهم والسؤال بإلزام صراط الفائزين المنعم عليهم الذين هم مغايرون للمغضوب عليهم والضالين ، والإنقاذ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله والخوف أن يكون منهم ، والاستعانة بالله أن يجنبه صراطهم ونتيجته السيئة ، وعلى بيانه عاقبة الجاحدين وذكر من غضب الله عليهم ممن عرف الحق وحاد عنه متعمدا مصرا حتى استحق الغضب كاليهود وذكر من ضل عن الحق بعد أن عرفه كالنصارى
12) { اهدنا الصراط المستقيم } أي أنه قد وضع لنا صراطا سيبينه ويحدده وتكون السعادة في الاستقامة عليه ، والشقاوة في الانحراف عنه ، وهذه الاستقامة عليه هي روح العبادة وروح العبادة هي إشراب القلوب خشية الله وهيبته والرجاء لفضله واستقامة على صراطه
13) أنها تشتمل معانيها على مجمل معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها فالعلوم :كالتوحيد والصفات والنبوات والمواعظ والقصص والأحكام إما : عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة وكلها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام .
14) وفيها ذكر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والإيمان الراسخين و غاية الصلاح والتقوى والفوز بسعادة الدنيا والآخرة وإنعام الله في الدارين
15) وأما الأخبار والقصص ففي قوله تعالى { صراط الذين أنعمت عليهم } تصريح بأن هناك قوما تقدموا وقد شرع الله شرائع لهدايتهم فاستقاموا عليها فكانت سببا لسعادتهم دنيا وأخرى ونجاتهم مما أصاب الظالمين فاعتبروا بها . كما قال تعالى لنبيه يدعو إلى الاقتداء بمن كان قبله من الأنبياء { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } حيث بين أن القصص إنما هي للعظة والاعتبار .
16) وفي قوله تعالى { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } تصريح بأن من البشر من تعمد العصيان والمخالفة فاستحق الغضب وكان محفوفا بالغضب الإلهي والخزي في هذه الحياة الدنيا ومن الناس من حاد عن الطريق وضل فكانت عاقبته الخزي وباقي القرآن يفصل لنا في أخبار الأمم هذا الإجمال على الوجه الذي يفيد العبرة فيشرح حال الظالمين الذين قاوموا الحق عنادا ، والذين ضلوا فيه ضلالا ، وحال الذين حافظوا عليه وصبروا على ما أصابهم في سبيله .
17) وتعليم كيفية الدعاء له سبحانه فالفاتحة تعلمنا كيفية السؤال وأن من هذه الآداب :
أ- الضراعة إلى الملك سبحانه و أن يقدم العبد بين يدي دعائه و سؤاله أمورا يحسن تقديمها منها التعظيم والإجلال والتوحيد و يحمده بمحامده التي يستحقها سبحانه ويثني عليه ويمجده ففي هذه السورة وقعت البداءة بالحمد وبالثناء عليه تعالى وتعظيم الله سبحانه وتمجيده
ب- ثم يذكر العبودية وأن العبادة ليس إلا له ثم يذكر الاستعانة وأنه لا استعانة إلا منه ويتبرأ إليه من حوله وقوته ويستعين الله على كل أموره لا سيما الهداية
ت- ويطلب الهداية والإعانة عليها لأنها ملاك الأمر وفيها سعادة الدارين
ث- وفيها من طرق الدعاء أن لا يخص الإنسان نفسه بالدعاء بل يسأل مطلوبه في حق المؤمنين كافة{إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا} فقال (اهدنا ) ولم يقل (اهدني ) فإن الدعاء كلما كان أعم كان الى الإجابة أقرب , فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة فإذا أجاب الله تعالى دعاءه ,في حق البعض فهو أكرم من أن يرد ه فالفاتحة مشتملة على تعليمه المسألة وبيان كيفيتها اللائقة بالكاملين
18) ولباب مقصودها توحيد الله سبحانه بكل معاني التوحيد من حمد وثناء وخوف ورجاء وعبادة واستعانة وخوف ورجاء وافتقار وجمع الخلق على الله الحق وتعريفهم به وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وأعظم العبادة معرفة الله تعالى معرفة تامة وتوحيده وحده والتوكل والاستعانة به وحده
19) قال بعض العلماء إذا تأملت الفاتحة وجدتها تحتوي مقاصد القرآن :
فـ(الحمد لله ) تشتمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصرالحمد له تعالى
و(رب العالمين ) يشمل سائر صفات الأفعال
*( الرحمن الرحيم ) يشمل بيان شمول رحمته وعظمتها وسعتها وثباتها التي منها كل ما قص القرآن علينا من نعمه تعالى على عباده كالنعم المذكور في سورة النحل والأنعام وغيرهما
*و(مالك يوم الدين ) يشمل أحوال يوم القيامة .
* (إياك نعبد ) يجمع معنى الديانة والشريعة والتوحيد بكل معانيه
*(إياك نستعين ) يجمع معنى الإخلاص لله والاستعانة والافتقار والاعتراف بالكمال له سبحانه وافتقار العبد
*(اهدنا الصراط المستقيم ) يشمل الأحوال الكاملة من عبادات ومعاملات وآداب وأحوال ظاهرة وباطنة وأحكام الدين كله من عبادات ومعاملات وآداب
*(صراط الذين أنعمت عليهم ) يشير إلى أحوال المنعم عليهم المستقيمين الفاضلين أخيار العباد من النبيين والصديقين والصالحين أمما وأفرادا
*(غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) يشمل سائر قصص الأمم الكافرة الجاحدة من المغضوب عليهم والضالين ويشير الى تفاصيل ضلالاتهم المحكمة عنهم في القرآن
وقد تبين من مجموع ما تقدم أن الفاتحة قد اشتملت إجمالا على الأصول التي يفصلها القرآن تفصيلا ، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة – تصريحا وتضمنا علم إجمالي بما حواه القرآن من الأغراض إذ كل كلمة من كلماتها ، وكل آية من آياتها ، تشير من قريب أو بعيد ، إلى جملة محتويات القرآن الكريم ، ومقاصده المتعددة ، وموضوعاته المتنوعة ، بما فيها من عقائد وذلك يدعو نفس قارئها الى تطلب التفصيل على حسب التمكن والقابلية ,ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة حرصا على التذكر لما في مطاويها ، وقد قال كثير من المفسرين : إنها براعة استهلال رائعة للقرآن ،وبسبب هذا تكون الفاتحة جديرة بأن تسمى ( أم القرآن
ولعل في ذلك كله تنطوي حكمة وضعها فاتحة للمصحف وإيجاب قراءتها في كل ركعة قال سيد قطب : يردد المسلم هذه السورة القصيرة ذات الآيات السبع ، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى ؛ وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن ؛ وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلا ، غير الفرائض والسنن . ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة لما ورد في الصحيحين عن رسول الله [ ص ] من حديث عبادة بن الصامت : " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية ، وكليات التصور الإسلامي ، وكليات المشاعر والتوجيهات ، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة ، وحكمة بطلان كل صلاة لا تذكر فيها .
قال البقاعي :
فالغرض الذي سيقت له الفاتحة و هو إثبات استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال ، واختصاصه بملك الدنيا والآخرة ، وباستحقاق العبادة والاستعانة ، بالسؤال في المن بإلزام صراط الفائزين والإنقاذ من طريق الهالكين مختصا بذلك كله ، ومدار ذلك كله مراقبة العباد لربهم ، لإفراده بالعبادة ، فهو مقصود الفاتحة بالذات وغيره وسائل إليه ، فإنه لا بد في ذلك من إثبات إحاطته تعالى بكل شيء ولن يثبت حتى يعلم أنه المختص بأنه الخالق الملك المالك ، لأن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب نصب الشرائع ، والمقصود من نصب الشرائع جمع الخلق على الحق ، والمقصود من جمعهم تعريفهم الملك 738 وبما يرضيه ، وهو مقصود القرآن الذي انتظمته الفاتحة بالقصد الأول ، ولن يكون ذلك إلا بما ذكر علما وعملا .
قال الطيبي : أنها مشتملة على أربعة أنواع من العلوم، هي مناط الدين:
الدين الأول : علم الأصول ومعاقده معرفة الله تعالى وصفاتِه وتوحيده ، وإليها الإشارة بقوله {رب العالمين الرحمن الرحيم} ومعرفة النبوات وهي المرادة بقوله تعالى { أنعمت عليهم } والمعاد المُومَى إليه بقوله تعالى {مالك يوم الدين}
الثاني: علم الفروع وأسُّه العبادات وهو المراد بقوله: { إياك نعبد} والعبادات : بدنية ومالية ، وهما مفتقران إلى أمور المعاش من المعاملات والمناكحات ، ولا بد لها من الحكومات فتمهدت الفروع على هذه الأصول
الثالث : علم ما به يحصل الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والالتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقة الاستقامة في منازل هاتيك الرتب العلية وإليه الإشارة بقوله : { إياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم}
الرابع: علم القصص والأخبار عن الأمم السالفة السعداء والأشقياء وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم وعد من أخذ بالصراط المستقيم وتبشيره بحسن المثوبة ووعيد من لم يأخذ به وإنذاره بسوء العقوبة . والوعد يشمل ما للأمة وما للإفراد فيعم نعم الدنيا والآخرة وسعادتهما والوعيد كذلك يشمل نقمهما وشقاءهما وهو المراد بقوله تعالى : {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: مَقَاصِدُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ؛ وَثَلَاثَةٌ مُتِمَّةٌ الْأُولَى تَعْرِيفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِصَدْرِهَا [ وهو الله سبحانه عرفه بالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ] وَتَعْرِيفُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيهَا وَتَعْرِيفُ الْحَالِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَهُوَ الْآخِرَةُ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَالْأُخْرَى تَعْرِيفُ أَحْوَالِ الْمُطِيعِينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وَحِكَايَةُ أَقْوَالِ الْجَاحِدِينَ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَيْهَا بِ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} وَتَعْرِيفُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِهِ «حَلُّ الرُّمُوزِ وَمَفَاتِيحُ الْكُنُوزِ» : الطَّرِيقَةُ إِلَى اللَّهِ لَهَا ظَاهِرٌ (أَيْ عَمَلٌ ظَاهِرٌ أَيْ بَدَنِيٌ) وَبَاطِنٌ (أَيْ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ) فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ إِقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنَ الْمُكَلَّفِ.
وَيَجْمَعُ الشَّرِيعَةَ وَالْحَقِيقَةَ كَلِمَتَانِ هُمَا قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإياك نَعْبُدُ شَرِيعَةٌ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ حَقِيقَةٌ، اهـ.
الباب الرابع : تعريف السورة و لم سميت السورة سورة :
السورة :طائفة من القرآن مُتَرجَمَةٌ ( أي مسماة وملقبة باسم مخصوص كسورة الفاتحة ) وأقلها ثلاث آيات
خرج بـ(مترجمة أي مسماة ) : الآيات المتعددة من سورة واحدة أو سور متفرّقة لأن بعض القرآن قد لا يسمى باسم مخصوص إلا أنه يتناول الطائفة التي تسمى باسم مخصوص كالحزب والعشر، و خرج الآية كآية الكرسي فاحترز عنها
وأقصر السورِ سورةُ الكوثر لأنها أقلُّ حروفا من السور التي هي ثلاث آيات كسورة النصر
اشتقاق السورة :
(السورة ) واوها إما أن تكون الواو منقلبة همزة وإما أن تكون أصلية(غير منقلبة عن همزة) والثاني هو قول الأكثرين
1ـ أما إن كانت الواو أصلية (غير منقلبة عن همزة ) :
أ-فإما أن تكون مأخوذة من المنزلة والرتبة الرفيعة وكل منزلة رفيعة فهي سورة :كمنازل البناء ومنزلة القمر ، قال الْجَوْهَرِيُّ: َالسورة هِيَ كُلُّ مَنْزِلَةٍ مِنَ الْبِنَاءِ؛ وَمِنْهُ سُورَةُ الْقُرْآنِ لأَنها منزلةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ مقطوعةٌ عَنِ الأُخرى
قال النَّابغة : ألم تر أَن الله أعطاك سورةً ترى كلَّ مَلْك دونَها يتَذبذبُ
أي : منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك
• لأن السورة القرآنية بمنزلة المنازل والمراتب الرفيعة يترقى فيها القارئ فكل سورة من القرآن بمنزلة درجة رفيعة ، ومنزل عال رفيع ، يرتفع القارئ منها إلى منزلة أخرى إلى أن يستكمل القرآن ، فكل من قرأ سورة يرتفع بها منزلة رفيعة ويشرف بها ؛ وينال بقراءة كل سورة منزلة ؛ حتى يستكمل جميع المنازل باستكمال القرآن
• و سور القرآن مع كونها في أنفسها رُتباً من حيث الفضلُ والشرفُ فهي من حيث انتظامُها مع أخواتها في المصحف مراتبُ يرتقي إليها القارئ شيئاً فشيئاً يرتفع بها من منزلة إلى منزلة
• في مادة (س، و، ر) واستعمالاتها ولوازم الاستعمال ما يبين أن تستميتها سورة فيه بيان شرفها ورفعة شأنها وجلالة محلها في الدين ، من ذلك قول العرب : له سورة في المجد ، أي : شرف وارتفاع
ب- وإما من سور المدينة المحيط بها `وعلى هذا سميت السورة سورة :
1. لإحاطتها بطائفة من القرآن مفرَزةٍ مَحُوزةٍ على حِيالها وهي آياتها محدودة كالبلد المسور على بيوت أي كما يحيط سور المدينة ببيوتها.
2. أو لأنها محتويةٍ على فنون رائقةٍ من العلوم احتواءَ سورِ المدينة على ما فيها وما شاء الله أن تكون من معاني ومنه السوار لإحاطتها بالساعد
2- وأما إن كانت منقلبة عن همزة فهي من السؤر وهو ما بقي من الشراب فهو قطعة منه وعلى هذا سميت السورة كذلك لأنها قطعة من مجموع القرآن الكريم وبقية من القرآن انفصلت عما سواها وأبقيت وسؤر كل شيء : بقيته . وأسأرت في الإناء : أبقيت فيه ، وضعفه أبو السعود والطبرسي والسمين قال أبو السعود : وقيل : واوها مُبدلةٌ من الهمزة ، فمعناها البقيةُ من الشيء ، ولا يخفى ما فيه .
تنبيه : قال السمين الحلبي: جَمْع سُورةِ القرآن سُوَر بفتح الواو ، وجَمْع سُورةِ البِناء سُوْر بسكونِها فَفرَّقوا بينها في الجمعِ
متن الكشاف :
سورة فاتحة الكتاب مكية، وقيل مكية ومدنية لأنها نزلت بمكة مرة وبالمدينة أخرى.
وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن : من الثناء على اللَّه تعالى بما هو أهله ، ومن التعبد بالأمر والنهى ، ومن الوعد والوعيد ، وسورةَ الكنز والوافية لذلك . وسورة الحمد ، والمثاني لأنها تثنى في كل ركعة ، وسورة الصلاة ؛ لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها . وسورة الشفاء والشافية ، وهي سبع آيات بالاتفاق الا أن منهم من عد
) أنعمت عليهم ( دون التسمية ومنهم من مذهبه على العكس
متن البيضاوي :
البيضاوي : سورة الفاتحة
(وتسمى أم القرآن :
1-لأنها مُفْتتحُه ومبدؤه فكأنها أصله ومَنْشؤه (لذلك تسمى أساسا .
2-أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده .
3-أوعلى جملة معانيه من الحِكَم النظريةِ والأحكامِ العمليةِ التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازلِ الأشقياء .
وسورة الكنز والوافية والكافية لذلك . وسورة الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة لاشتمالها عليها والصلاة لوجوب قراءتها أو استحبابها فيها . والشافية والشفاء لقوله عليه الصلاة والسلام : " هي شفاء من كل داء " . والسبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق ، إلا أن منهم من عد التسمية دون { أنعمت عليهم } ، ومنهم من عكس ، وتثنى في الصلاة ، أو الإنزال إن صح أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ، وبالمدينة حين حولت القبلة ، وقد صح أنها مكية لقوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } ، وهو مكي بالنص .
شرح البيضاوي:
وقوله (وتسمى أمَّ القرآن ) في العطف ثلاث احتمالات :
أ- الوجه الأول : إما عطف على سورة الفاتحة باعتبار المعنى (أي عطف على ما يفهم مما سبق بحسب اقتضاء المعنى ,فإنه يفهم من قوله (سورة فاتحة الكتاب ) أنها تسمى بهذا الاسم) قال القونوي : عطف على سورة الفاتحة فيكون خبرا أيضا أي هذه سورة الفاتحة وتسمى أم القرآن حملا على معنى المعطوف عليه فإن سورة الفاتحة بمعنى هذه سورة تسمى فاتحة الكتاب
ب- الوجه الثاني : وإما أن نقول عطف على مقدر أي تسمى بفاتحة وتسمى أم القرآن
ت- الوجه الثالث: عطف على الجملة الاسمية : (هذه) سورة فاتحة الكتاب وتسمى أم القرآن ، من عطف الفعلية على الاسمية ورجح هذا الوجه القونوي
وَقَدْ ذَكَرُوا لِتَسْمِيَةِ الْفَاتِحَةِ أُمَّ الْقُرْآنِ وُجُوهًا ثَلَاثَةً:
أَحُدُهَا: 1-لأنها مُفْتتحُه ومبدأؤه فكأنها أصله ومَنْشأه ، الأم تطلق على أصل الشيء ومنشئه ، فمعنى أم القرآن أنها مبدؤه ومفتتحه فكأنها أصله ومنشؤه يعني أن افتتاحه الذي هو وجود أول أجزاء القرآن قد ظهر منها فجعلت كالأم للولد في أنها الأصل والمنشأ فيكون أم القرآن تشبيها بالأم التي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظهور والوجود ،، قال الشهاب : قوله : ( لأنها مفتتحه ومبدؤه الخ ) الأمّ في اللغة الأصل والوالدة ثم أطلق على الفاتحة ـ ـ والمراد بقوله (مفتتحه) (الأوّل) ولذا عطف عليه قوله (ومبدؤه) عطفاً تفسيرياً ، ولما كان افتتاحه وابتداؤه بها في كتابة المصاحف ، أو في التلاوة ، أو في الصلاة ويتلوها ما عداها في ذلك جعلت أمّا وأصلاَ له ومنشأ بطريق التسبب لأنّ الولد يتكوّن ويوجد بعه أمّه.
والبيضاوي رجح هذا الوجه خلافا للكشاف الذي رجح الوجه الثاني قال الشهاب : رجحه لأن أصل معنى (القرآن) و(الكتاب) الألفاظ لا المعاني وهو فيما اختاره باق على أصله بخلافه في الوجه الثاني فإنه محتاج إلى التجوز أو التقدير أي أم معاني القرآن وهو بعيد كحمل القرآن على المعاني .
قوله (ولذلك تسمى أساسا ) أي لأنها مٌفتتحة ومبدأه فكأنها أصله ومنشأة لأن الأساس ما يبنى عليه الشيء ابتناء حسيا أو عقليا أي ما يتوقف بقية البناء عليه ، ويوجود بعده ، والتسمية بالأساس ليس بطريق التشبيه بل لكون معنى الأساس متحققا فيه
قال القرطبي : الأساس ,شكا رجل الى الشعبي وجع الخاصرة فقال :عليك
بأساس القرآن فاتحة الكتاب . سمعت ابن عباس يقول :لكل شيء أساس وأساس الدنيا مكة لأنها منها دحيت ------ وأساس الخلق آدم ,وأساس القرآن الفاتحة ----- فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تُشْفى .
2) ثانيها : أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده .
(لأنها تشتمل) أي الفاتحة تشتمل على ما في القرآن الكريم أي أصوله ومقاصده فكأنها تشتمل على جميع ما فيه اشتمالا إجماليا ، فهذه السورة الكريمة لاشتمالها على تلك الأبعاض إجمالا وصيرورتها مفصلا في سائر السور تشبه الأم التي يندرج فيها الولد بلا ظهور تام ويظهر عند الانفصال منها وهذا الوجه مبني على أن نظم القرآن منقسم أصوله إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في المتن وأن فاتحة الكتاب مشتملة عليها فإن الأمر والنهي والوعد والوعيد من قبيل الألفاظ فالفاتحة عبارة عن تلك الألفاظ باعتبار الدلالة على المعاني فاشتمالها على ذلك من قبيل اشتمال الكل على أجزائه بخلاف الوجه الذي يتلوه فإنه بالنظر إلى معانيه
المراد بقوله (الثناء على الله سبحانه وتعالى ) الثناء على الله سبحانه وتعالى بما هو أجل الصفات الكمالية بإجراء الصفات العظام وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ:{ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ ثَنَاءً جَامِعًا لِوَصْفِهِ بِجَمِيعِ المحامد وتنزيهه عَن جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَلِإِثْبَاتِ تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ
1. قوله (التعبد بامره ونهيه ) المفهوم من { إياك نعبد} إذ لا معنى لعبادة العبد له إلا امتثال أوامره واجتناب نواهيه فإن العبادة اقصى غاية الخضوع وهو لا يتحقق إلا بما ذكر
فيه تفسيران :
التفسير الأول: الاستعباد وهو تصيير الشخص عبدا بتكليفه بالأمر والنهي يقال عبَّدني فلان تعبيدا وتعبدني فلان:أي استعبدني وصيرني كالعبد له ومعنى التعبد مفهوم فَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مِنْ قَوْلِهِ:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم } هذه الآيات من نوع الأوامر والنواهي رحجه السيد الشريف
التفسير الثاني : التعبد هو التقرب بأنواع القربات والباء في (بالأمر) على السببية على أن المراد بهما معناهما الحقيقي وهذا رجحه القونوي وقال هو أسلم عن التكلف ـ ـ فعلم منه أن الامتثال بالأمر والنهي معتبر في كون العبادة عبادة معتد بها سواء كان الامتثال المذكور لازما للعبادة أو جزأ من مفهومها كما هو الظاهر ويده ما وقع في الكشف من قوله : العبادة التحقق بالعبودية بارتسام ما أمر السيد أو نهى فإنه صريح في كون الارتسام المذكور قيدا للتحقق فتكون العبادة عبارة عن المجموع
2. قوله (بيان وعده ووعيده ) أي بيان وعده لأهل الطاعة ووعيده للعصاة وهو مفهوم من قوله تعالى {مِنْ قَوْلِهِ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا فيدخل في أنعمت عليهم الإنعام الأخروي والدنيوي وهو شامل لجميع ما وعد عباده من اللذائذ الجسمانية والروحانية { والمغضوب عليهم } يدخل تحته وعيداته فإنها نتائج الغضب ، وهو يشير إلى نوع قصص القرآن
فَهَذِهِ هِيَ أَنْوَاعُ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَغَيْرُهَا تَكْمِلَاتٌ لَهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الْقُرْآنِ إِبْلَاغُ مَقَاصِدِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ صَلَاحُ الدَّارَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَلَمَّا تَوَقَّفَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَأَنَّهُ اللَّهُ الْوَاجِبُ وُجُودُهُ خَالِقُ الْخَلْقِ لَزِمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الصِّفَاتِ، وَلَمَّا تَوَقَّفَ تَمَامُ الِامْتِثَالِ عَلَى الرَّجَاءِ فِي الثَّوَابِ وَالْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ لَزِمَ تَحَقُّقُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَالْفَاتِحَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَاتِهِ الْأَنْوَاعِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمِ الدِّينِ حَمْدٌ وَثَنَاءٌ، وَقَوْلَهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُسْتَقِيمَ مِنْ نَوْعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَوْلَهُ: صِراطَ الَّذِينَ إِلَى آخِرِهَا مِنْ نَوْعِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والضَّالِّينَ يُشِيرُ أَيْضًا إِلَى نَوْعِ قَصَصِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ فِي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الْإِخْلَاص: 1] أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ألفاظها كلهَا أثْنَاء عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
3- الوجه الثالث : (أو على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية فإن معاني القرآن إما علوم تقصد معرفتها وإما أحكام يقصد منها العمل بها) .
قوله (على جملة ) عطف على ( على ما فيه) أي لأنها تشتمل على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية فهو وجه ثالث لتسميتها بأم القرآن والمعنى سميت بأم القرآن لاشتمالها على معاني القرآن جملة والمراد بها أنها مشتملة عليها مجملة من غير تفصيل ثم صارت تلك المعاني مفصلة في سائر السور، فالجملة بمعنى الإجمال لا بمعنى الجميع سميت أم القرآن كما سميت مكة أم القرى
وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزلة ديباجة الخطبة أو الكتاب مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال .
(من الحكم ) بيان لـ(جملة معانيه)
(الحكم ) قال القونوي الحِكَم جمع حكمة وهي ايقان العلم واتقان العمل فمن أتقن العلم ولم يعمل أو أتقن العمل بلا علم فلا يكون حكيما لكن المراد (من الحكم النظرية ) إتقان العلم دون العمل بقرينه وصفها بالنظرية
فـ(الحكمة النظرية) (النظرية) نسبة للنظر يعني الفكر و هي الأمور التي يقصد منها مجرد العلم دون العمل من العقائد الحقة الشاملة كمعرفتنا بالله تعالى وصفاته العلية والنبوة وأمر المعاد و ما يتعلق بالالهيات والاعتقادات وغير ذلك ، وهذا مستفاد من أول السورة إلى يوم الدين
( والحكمة العملية ):هي العلم بالأمور التي يقصد فيها العمل دون العلم إذ العلم ذريعة للعمل ، ومنها العبادات وكل ما ذكر في الفروع ، وهذا مستفاد من { إياك نعبد وإياك نستعين }
وعبر المصنف بـ(الاحكام العملية ) بدلا من (الحكم ) للإشارة الى أن العمل مقصود من العلم
و(التي ) صفة (جملة معانيه) إذ العطف على المضاف أولى مع أن جملة صفة (المعاني ) المبينة بالحكم والأحكام راجع الى ذلك ، وليس صفة لـ(الأحكام العملية) وحدها كما يوهم ذكره عقيبها لعد اختصاص (سلوك الطريق المستقيم ) و(الاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء) بالأحكام العملية ،فقوله (التي هي سلوك ) نعت لـ(جملة معانيه المبينة بالحكم النظرية والأحكام العملية ) : أي أن جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية ) تفيد سلوكَ الطريق المستقيم والاطلاعَ على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء
وقوله (سلوك الطريق المستقيم ) مستفاد من قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وهو كما يكون بالنظر الى الأفعال يكون بالنظر الى الاعتقاد فإن سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ، إنما يتم بالذكر والفكر والعبادة الخالصة له وتفويض الأمر اليه في جميع الأحوال والأهوال ويتضمن جميع ذلك (الحمد لله ) الى قوله (إياك نستعين ) فلا وجه للتخصص بالأفعال بل هذا أحرى بالاعتقاد إذ المطلوب منه دائما السداد وأن اعوجاجه يفسد الأعمال دون العكس في المآل
وكذا (الاطلاع على مراتب السعداء) المشار إليه بقوله تعالى( صراط الذين أنعمت) لا يختص بالحكمة النظرية كما أشار اليه المصنف عند تفسير الآية بقوله (والمراد القسم الأخير وما يكون وصلة الى نيله من القسم الآخر ) فلا وجه للحمل على اللف والنشر لا سيما غير المرتب فإنه شرح لا يرضي قائلَه لما عرفت من العموم.
(والاطلاع) بالرفع عطف على (سلوك) على أن (التي) صفة للحكم والأحكام، و(الاطلاع) بتشديد الطاء افتعال من طلع أي ظهر ، وهو مستفاد من { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم }
التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الاشقياء .
(قال الشهاب ) وعبر في السعداء بالمراتب لإشعاره بالعلو والرفعة لأنه من (رَتُب ) بمعنى انتصب قائما كما في الفائق، وعبر في الأشقاء (المنازل ) لأنه من النزول وهو الانحطاط المقابل به كما قيل :درج الجنة ودرك النار
قوله (وسورةَ الكنزِ والوافيةَ والكافيةَ لذلك ) بنصب الثلاثة عطفا على (أمَ القرآن) وهو الموافق لتصريحهم بأن الوافية والكافية بدون إضافة سورة وسميت بذلك أيضا :
1) لاشتمالها على ما في القرآن من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتعبد وبيان وعده ووعيده
2) أو لاشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية فكانت كأنها لاشتمالها على مقاصد القرآن صارت وافية بأدائها وكافية فيه ومحتوية على المعاني التي هي بمنزلة الكنز أي المال المدفون من حيث نفاستها قال الشهاب : لاشتمالها على مقاصد القرآن أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد والسعادة الأبدية فتفي وتكفي في ذلك ثم إن كونها كنزا استعارة وتمثيل لعِظَم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل الجواهر عنده من الحجارة أو أخس .
فالمكنوز في هذه السورة :
2) إما أصول مقاصد القرآن 2- أو جملةُ معانيه
وهي وافية كافية في بيانها ،
ويوجد قول آخر لتسميتها به وهو هذه الرواية وهي أنه روي عن علي رضي الله عنه قال (نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش )وهناك رواية (فاتحة الكتاب أنزلت من تحت كنز من كنوز العرش ) ،وفي رواية ( إن الله قال ثما من به على رسوله إني أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي )
قال الشهاب :" وفي الحديث (كنز) أو (من كنز) استعارة وتمثيل لعظم قدر ما فيها وهو أنفس الجواهر بل هي عنده من الحجارة أخس وجعل العرش والسموات مهبطة , لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوها وإن تنزه الله سبحانه عن المحل والجهة وقيل إنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وهو أسلم
قال (القونوي ) وليست باستعارة لذكر الطرفين الا أن يجعل من قبيل (قد زر أزراره على القمر ) يقول علي هاني وهو كذلك في الروايتين الأوليين ( أنزلت من تحت العرش ) ( من تحت كنز ) لأن الطرفين لم يذكرا على وجه ينبئ عن التشبيه أما الثالثة (وهي كنز) فهي تشبيه بليغ .
قال القونوي : وجعلها من كنوز العرش فإنه محل ابتداء ظهورها وفيضها ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوه وأنه قبلة حملة العرش ، ولتمثيل عظم ما فيها وتصويره أضيفت إلى العرش وقيل إنه من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه .
الوافية : تقدم ما بيان وجهها عند الإمام البيضاوي
قال الشهاب: " وقيل لأنها لا تنصف في الصلاة كغيرها " ، قال سفيان بن عيبنة لأنها (لاتتنصف ولا تحتمل الاختزال .فلو نصفت الفاتحة في ركعتين لم يجز
الكافية : تقدم ما بيان وجهها عند الإمام البيضاوي
قال الشهاب : "وقيل سميت كافية لأنها تكفي المصلي دون غيرها "، قال يحيى عن أبي كثير :لأنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها .
(وسورةَ الحمد والشكرِ والدعاءِ وتعليمِ المسألة ِ لاشتمالها عليها ) أي على المذكورات من الحمد والشكر والدعاء الخ
(ش ) ونصبها ـ أي الشكر وما بعدها ، على أن العَلَم الشكر وما بعده ـ بعيد أي فالصواب الجر لأن العلم سورة الشكر وسورة الدعاء وسورة تعليم المسألة ، قال (القونوي ) الظاهر أن مجموعه اسم (أي سورة الحمد /سورة الشكر /سورة الدعاء )لا الحمد وحده لعدم ورود إطلاق (الحمد) وحده على هذه السورة وكذا الكلام في (الشكر) و(الدعاء) و(تعليم المسألة) .
قوله لاشتمالها عليها أما اشتمالها على:
1-(الحمد ) فظاهر ، أي لأن فيها ذكر الحمد كما يقال سورة الأعراف والأنفال والتوبة
2- وأما على (الشكر) فلِذكرِ بعض أفراد الشكر اللساني فيها كـ(رب العالمين الرحمن الرحيم ) قال الشهاب لاشتمالها على الشكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك وليس هذا مبنيا على تقدير (قل) كما قيل لأنه سواء قدر قل أو لا فإن كل قارئ منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك
3- والدعاء : لوقوع بالدعاء فيها
4- وأما على تعلم المسألة :-
قال (ش ) والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال والمراد تعليم كيفية السؤال وطريقه ،
وليس محل السؤال لاحتياجه الى التكلف
أ-فلأنه تعالى ذكر فيها قوله (اهدنا الصراط المستقيم ) بعد تقديم الثناء عليه بما هو اهله ,وعَلَّم بذلك كيفيةَ السؤال منه تعالى وطريقه وهي البداءة بالثناء قال الشهاب سميت تعليم المسألة بأن يثنى ويعظم المسؤول ثم يتوجه إليه بصفاته
قال (ش) : ففي هذه السورة وقعت البداءة بالثناء عليه تعالى ,ثم ذكر العبودية ثم ذكر الاستعانة ثم وقع الختم على طلب الهداية فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين
*فالمراد أن تسميتها بالسؤال لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين
قال السيالكوتي : فإن السائل ههنا حمد أولا ثم أثنى عليه ثم ذكر أن عبادتي ليس إلا له ولا استعانة إلا منه ثم سأل فقدم على سؤاله أمورا يحسن تقديمها عليه
قال القونوي: قال الكشاف فإن قلت : فكيف قال اللَّه تبارك وتعالى متبركا باسم اللَّه أقرأ؟ قلت :
هذا مقول على ألسنة العباد ، كما يقول الرجل الشعر على لسان غيره ، وكذلك :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ - إلى آخره ، وكثير من القرآن على هذا المنهاج ، ومعناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه ، وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه اهـ وزاد البيضاوي : ويسأل من فضله اهـ
ومن طرق الدعاء أي لا يخص نفسه بالدعاء بل يسأل مطلوبه في حق المؤمنين كافة كأن يقول (اللهم اغفر لنا وارحمنا ) لا (اغفر لي وارحمني كما قال في هذه السورة (اهدنا ) ولم يقل (اهدني ) فإن الدعاء كلما كان أعم كان الى الإجابة أقرب , فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق الإجابة فإذا أجاب الله تعالى دعاءه ,في حق البعض فهو أكرم من أن يرد ه في حق الباقي
قال الشهاب : وفي تفسير ابن برجان : من آداب الدعاء وحلية السؤال والضراعة إلى الملك ملك الأمر كله أن يقدم العبد بين يدي دعائه التوحيد والتعظيم والإجلال ثم يحمد الله بمحامده التي هو لها أهل يثني عليه ويمجده ويتبرأ إليه من حوله وقوته ثم يسأل الهداية إلى ما يرضيه وحسن العون على ذكره ثم يسأل الله بعد ما يشاء ، لعموم قوله الحق (ولعبدي ما سأل ) ومن قدم أمر الآخرة على أمر الدنيا نظمه الله في نظام الاقتداء بأم القرآن وأن المطلوب الأعظم لفي أم القرآن مجملا ويحق ما قال بعضهم لو قرئت أم القرآن على ميت فحيي ما كان ذلك بعجب لأن الحمد اسم من أسماء الله وكذلك سائر الحروف كلاها فافهم انتهى
(والصلاةِ لوجوب قراءتها واستحبابها فيها )
قوله (والصلاة ) بالجر عطف على (الحمد ) في (سورة ِالحمد )
وقال الشهاب : لفظ الصلاة يجوز جره ونصبه هنا لأنها كما تسمى الصلاة تسمى سورة الصلاة أيضا وهو من تسمية الجزء باسم كله أو تسميةِ أحد المتلازمين باسم الآخر ,والصلاةُ بمعنى العبادة المعروفة
أ-وقوله (لوجوب قراءتها فيها) أي كما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى , (واستحبابها فيها) أي في الصلاة كما هو عند الحنفية لكن في كون قراءة الفاتحة مستحبة عند الأحناف نظر فهم يقولون بوجوبها فهي واجب من واجبات الصلاة وواجبات الصلاة لا تبطل بتركها، ولكن المصلي إن تركها سهواً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن تركها عمداً؛ فإنه يجب عليه إعادة الصلاة فإن لم يعد كانت صلاته صحيحة مع الإثم. ودليل كونها واجبة عندهم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها:
الواجب عند الأحناف قراءة سورة الفاتحة في كل ركعات النفل، وفي الأوليين من الفرض، بخلاف الركعتين الأخيرتين فتستحب فيهما
الفرق بين الواجب والفرض عند الحنفية أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة العدم.
قال في الموسوعة الفقيهة الكويتية : وَاجِبَاتُ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الزَّائِدِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (2) } وَالزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَجُوزُ لَكِنْ يَجِبُ الْعَمَل بِهَا.
وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ قَالُوا بِوُجُوبِهَا. وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ رُكْنًا لَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا لِجَهْلِهِ بِالأَْحْكَامِ وَحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ.
ثُمَّ إِنَّ كُل آيَةٍ مِنْهَا وَاجِبَةٌ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِهَا. وَهَذَا عَلَى قَوْل الإِْمَامِ الْقَائِل إِنَّهَا وَاجِبَةٌ بِتَمَامِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: فَالْوَاجِبُ أَكْثَرُهَا، فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا لاَ أَقَلِّهَا. قَال الْحَصْكَفِيُّ: وَهُوَ - أَيْ قَوْل الإِْمَامِ - أَوْلَى، وَعَلَيْهِ فَكُل آيَةٍ وَاجِبَةٌ.
قال القونوي : قوله (لوجوب قراءتها ) أي لفرض قراءتها كما هو مذهب الشافعي
وقوله (واستحبابها فيها ) وهو مذهب الحنفية إذ المراد بالاستحباب ما ليس بفرض فيتناول الواجب الاصطلاحي عند الأحناف وهو المراد بقرينة المقابلة ، وعبارة المدارك أحسن من هذه وهي (أنها تكون واجبة أو فريضة ) اه
وقال (الشهاب ) قيل عليه لا قائل بالاستحباب لأنها فرض عند الشافعي وواجبة عند أبي حنيفة وإنما تبع صاحبَ الكشاف في قوله لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها وما ذمر رد عليه أيضا ، وهذا زبدة ما في جميع الحواشي وهو ا لا يسمن ولا يغني من جوع قال الشهاب وأنا أقول كون المذاهب الأربعة متفقة على عدم الاستحباب وأنه لا صلاة بدونها مما اتفق عليه هنا عليه هنا لما رووه في كتب الفقه المشهورة خصوصا كتب الأحناف وليس كذلك فإن البيضاوي شافعي المذهب وهو قد اعتمد على كتب الشافعية في النقل عن الأحناف ولو سلم عدم صحة ما ذكر فالسلف لهم في أكثر الأحكام أقوال شتى ومذاهب مختلفة وإن لم يرخص لنا العمل فيها وقد نقل الامام الجصاص في كتاب أحكام القرآن مذهب بن عباس رضي الله عنه أنه يجزئ في الصلاة قراءة شيء ما من القرآن ولا تتعين الفاتحة وبه فسر قوله تعالى (فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) فإذا ثبت عن بعض الصحابة ومجتهدي السلف أنها غير واجبة في الصلاة مطلقا وأن المراد بقوله في الحديث (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) نفي الكمال لا الصحة ,فمراد المصنف والزمخشري الإشارة إلى مذهب هؤلاء لا الى شيء من المذاهب الأربعة حتى يحتاج الى ما قالوه من التعسف هنا من أن استحبابها إشارة الى مذهب أبي حنيفة رحمه الله بناء على تفسير المستحب بما يشمل الواجب والسنة لا المستحب المتعارف على أن الواجب بمعنى الفرض ، والمستحب ما يقابله
(والشافيةَ والشفاءَ لقوله عليه الصلاة والسلام هي شفاءٌ من كل داء )
قوله (والشافية والشفاء ) منصوبان بالعطف على (أمَّ القرآن) ويجوز جرهما عطفا على (الحمد) من قوله (وسورة الحمد ) اه زاده وشهاب
أي وتسمى الشافية والشفاء أيضا لقوله عليه الصلاة والسلام (هي أم القرآن وهي شفاء من كل داء ) قال الشهاب حديث صحيح وقال المحقق حديث مرسل وله شواهد
قال القونوي: والشفاء أبلغ من الشافية والحديث الشريف يدل على صحة إطلاق الشفاء عليها والقرآن يدل أيضا فإذا صح إطلاق الشفاء صح إطلاق الشافية بطريق الأولى
وهي شفاء لكل داءٍ حسي إذا قرئ عليه بقلب سليم ولسان صفي وكذا شفاء لكل داء معنوي لاشتمالها ما هو شفاء من الحكمتين
قال الشهاب : والحديث الذي ذكره المصنف صحيح أخرجه البيهقي والدارمي وغيرهما إلا أنه قيل عليه إنه لا يدل على تسميتها بذلك إذ لا يدل قولنا زيد كاتب على غير اتصافه وصدق كاتب عليه وأما تسميتها به فلا وقريب منه ما قيل الحديث إنما يدل على أنها شفاء في نفس الأمر وأنه أطلق عليه الشفاء شرعا وليست التسمية هنا بمعنى الإطلاق إلا أن يقال وضع الاسم ثبت بالنقل عن الثقات ، ولا حاجة لدعوى الاجماع كما قيل ، فالحديث إنما ذكر لبيان سند ما نقل ولا ثبات الباعث على التسمية به
قال السيالكوتي : كما يدل عليه الحديث ووجه الاستدلال حينئذ أنه لما دل الحديث على أن فيها شفاء من كل داء ومعلوم كونها سورة الشفاء أطلق عليها (سورة الشفاء ) أي سورة هي سبب الشفاء كما أطلق عليها الشافية لذلك
(والسبعَ المثانيَ لأنها سبعُ آياتٍ بالاتفاق إلا أن منهم من عدَّ التسمية دون (أنعمت عليهم ) ومنهم من عكس , وتثنى في الصلاة أو الإنزال )
قوله (والسبعَ المثانيَ ) بالنصب عطف على (أمَّ القرآن )
علل تسميتها (بالسبع ) بقوله (لأنها سبع آيات بالاتفاق )
وعلل تسميتها (بالمثاني ) بقوله (وتثنى في الصلاة أو الإنزال )
وقوله (لأنها سبع بالاتفاق ) المراد اتفاق جمهور العلماء ولا يضره ما نقل عن الحسن البصري أنها ثماني آيات وعن حسين الجعفي أنها ست آيات ؛ لأن مخالفة واحد أو اثنين للجمهور يسمى خلافا لا اختلافا فلا يُخْرج الحكمَ عن كونه متفقا عليه .قال القونوي: (بالاتفاق) أي باتفاق الأكثر المعتد بهم فخلاف غيرهم لا يعتد به لخالفة القراء والأئمة الحنفية والشافعية
قال التحرير ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسنَ البصريَّ فقال هي ثمان آيات وإلا الحسين الجعفي فقال :ست آيات .
قوله (إلا أن منهم من عد التسمية دون (أنعمت عليهم ) ومنهم من عكس ):
1) الأحناف عدوا (صراط الذين أنعمت عليهم )آية وقالوا ليست التسمية (أي بسم الله الرحمن الرحيم ) آية من الفاتحة فتكون 1ـ (الحمد لله رب العالمين ) آية 2- و(الرحمن الرحيم ) آية ثانية 3-(مالك يوم الدين ) ثالثة 4- و(إياك نعبد وإياك نستعين ) رابعة و(اهدنا الصراط المستقيم ) خامسة 6- (صراط الذين أنعمت عليهم ) سادسة 7- و(غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) سابعة .
2) الإمام الشافعي رحمه الله: جعلها من الفاتحة ولم يجعل (صراط الذين أنعمت عليهم) آية
فتكون 1- بسم الله الرحمن الرحيم 2- الحمد لله رب العالمين 3- الرحمن الرحيم 4- مالك يوم الدين 5- إياك نعبد وإياك نستعين 6- اهدنا الصراط المستقيم 7- صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين .
ولا يتوهم من قول الصف (أنعمت عليهم ) أن منهم من قال أن (أنعمت عليهم ) وحده آية فهو ليس بآية اتفاقا بل المراد (أنعمت عليهم ) مع ما قبلها وهو (صراط الذين ) إلا أنه اختصر لظهور المراد .قال القونوي: قوله دون (أنعمت عليهم ) أي دون { صراط الذين أنعمت عليهم } لوضوح أن الصلة بدون الموصول والمضاف إليه بدون المضاف لا يكون آية ومع هذا لا يكون مثل هذا الإيجاز مستحسنا (ومنهم من عكس) عد صراط الذين أنعمت عليهم آية دون التسمية
قوله (وتثنى في الصلاة) عطف على قوله (سبع آيات ) و تسميتها السبع المثاني ثبتت بالسنة ففي الصحيح البخاري ) عن أبي سعيد ابن المعلى( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الحمد لله رب العالمين ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) وقول البيضاوي (وتثنى في الصلاة ) علة لتسميتها بالمثاني كما تقدم :
وفيه إشارة الى أن المثاني جمع :
1) (مُثَنَّى) على صيغة المفعول من التثنية وهي التكرير ، يقال (ثَنَّيته تثنية ً ) أي جعلته اثنين و(المتكرر في الصلاة ) : إنما هو الفاتحة وهي سورة واحدة فينبغي أن توصف ب(المثناة ) لا (المثاني) إلا أنها وصفت بالجمع نظرا الى آياتها (فإن تكرر السورة قراءة يستلزم تكرار آياتها وكونها مثاني . قال (ق) أي ولأنها تثنى أي تتكرر في الصلاة وهذا أولى مما في الكشاف من قوله (تثنى في كل ركعة )قيل وهي عبارة مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحاولوا تخريج هذا تخريجات كثيرة وأكثرها متكلف ولهذه التكلفات عدل المصنف عنه أي ماهو صريح في المراد
2) ويجوز أن يكون جمع (مُثْنى) تخفيف (مُثَنَّى)
3) ويجوز أن تكون المثاني جمع (مَثْنَى )كـ(مَرْمى) بفتح الميم على وزن (مَفْعَل ) من الثني مقصور بمعنى التكرير والإعادة وقد جاء في الحديث (لاثنْيَ في الصدقة ) أي لا تؤخذ في السنة مرتين فتسمية الفاتحة (مثاني ) معناها أنها محل التثنية والتكرير والإعادة .
قال السيد الشريف :المثاني جمع مُثَنَّى، على صيغة المفعول من التثنية مردَّدٌ ومكرر، ويجوز أن يكون جمع مثنى مفعل، من التثنية، أو مَثْناة مفعلة من الثَنْي
قال ابن عاشور : وكل ذلك أي على الاشتقاقات الثلاثة مشتق من التثنية :وهم ضم ثان الى أول
التحرير :) وأما وصفها بالمثاني فهو
قوله (وتثنى في الصلاة أو الإنزال ) : إن قيل لا وجه لعطف قوله (أو الإنزال ) على قول (في الصلاة ) لأنه يكون المعنى حينئذ أن الفاتحة تثنى في الإنزال ولا معنى له لأنه لا إنزال بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وسلم الى عالم القدس ؟
1-أجيب بأن (تثنى ) المقدر بمعنى (ثنيت) وعبر عنه لفظ المضارع على حكاية الحال الماضية
2- أو أنه من قبيل حذف المعطوف وإبقاء العاطف كما في قوله : علفتها تبنا وماء باردا والتقدير :وأنها (ثنيت ) في الإنزال .
وأما تضعيف الشهاب لهذه التوجيهات فقد رده القونوي وضعف ما اختاره الشهاب وعبارة القونوي : " وأما كونه من قبيل (علفتها تبنا ----) فلا يخفى برودته وركاكته مع أنهم لم يذكروه الا مع اختلاف الحديثين دون الزمانين وإن كان القياس لا يأباه فتدبر .
قوله (إن صح أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حولت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني}وهو مكي بالنص).
قوله(إن صح أنها أنزلت بمكة الخ ) إشارة الى أن تكرير نزولها ليس بمجزوم به لضعف دليله ، قال القونوي: (إن صح ـ ) أي إن صحة تكرار نزولها مشكوك فيها إذ لا دليل عليه يفيد اليقين فلا يجزم بكونه وجها للتسمية
{ وقد صح أنها مكية لقوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني وهو مكي بالنص) أشار الى ما هو المختار عند جمهور الصحابة والتابعين وهو كونها مكية فقط واستدل على نزولها بمكة بقوله تعالى في سورة الحجر (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) وهذه الآيات مكي بالنص فإن ما قبله وما بعده الى آخر السورة نازل في حق المشركين
من أهل مكة وظاهر أن الله تعالى لم يمن َّ على النبي صلى الله عليه وسلم بما سيؤتيه في المدينة
قول المؤلف (وهو مكي بالنص ) أي (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن )
مكي بالنص وقد اختلف محشو البيضاوي في قوله بالنص وأرجح الأقوال هو ما رجحه القونوي :- حيث قال
(مكي بالنص ) أي بالأثر على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه فإن للموقوف في أمثاله حكمَ المرفوع كما في الإتقان وقد تأيد ذلك بأنَّ كون الفاتحة مكية مذهب علي وابن عباس وقتادة وأبي بن كعب وعليه جمهور من بعدهم من العلماء ولما ثبت كونها مكية بهذه المؤيدات فلا وجه لما قيل إن هذا معارض بما روي النسائي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السبع المثاني هي السبع الطوال أعني السور من أوائل إلى آخر الأعراف ثم التوبة أما أولا فلأن الموقوف وإن كان في حكم المرفوع لا يقاوم المرفوع وأما ثانيا فلان رواية البخاري أرجح وأما ثالثا فلأن كون المراد به سورة الفاتحة مؤيد بما ذكرنا حتى يكاد أن يجمع عليه فكيف يدعى المعارضة ولذا مرض المصنف في تفسير هذه الآية ما سوى هذا الاحتمال
ثم قال نعم ثبوت كون الفاتحة مكية بهذه المؤيدات لا ينافي نزولها مرة أخرى في المدينة لكن لابد من بيانه بالدليل ولم يثبت عند المصنف ولذا لم يرض به وغرضه بهذا الاستدلال رد قول نزولها بالمدينة فقط لا نزولها مرة ثانية
*وقول المصنف (بالنص ) ساقط من بعض النسخ وعلى تقدير ثبوته فالمراد به الأثر كما مر فما قاله بعض الأفاضل من أن المراد به أن ما قبله وما بعده الى آخر السورة أي سورة الحجر في حق أهل ـ ضعيف :
أما أولا : فلأنه استدلال بالمعقول المستنبط من المنقول ومثل هذا لا يعد نصا
وأما ثانيا: فلأن قوله إن ما قبله وما بعده في حق أهل مكة لو سلم كونه في حق أهل مكة لا يستلزم كون الآية مكية وفهم كلامه على أنه اصطلاح ثالث يؤدي الى تخليط الاصطلاحات في التقريرات والتحريرات
ـــــــ ـ ـــــــــــــ ــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــت
متن أبي السعود :
قال أبو السعود : سورة فاتحة الكتاب سبع آيات
الفاتحة في الأصل : أولُ ما من شأنه أن يُفتح ، كالكتاب والثوب، أُطلقت عليه لكونه واسطةً في فتحِ الكل ، ثم أُطلقت على أول كلِّ شيء فيه تدريجٌ بوجه من الوجوه كالكلام التدريجي حصولاً ، والسطور والأوراق التدريجية قراءةً وعداً والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية ، أو هي مصدر بمعنى الفتح ، أطلقت عليه تسميةً للمفعول باسم المصدر ، إشعاراً بأصالته كأنه نفس الفتح ، فإن تعلقه به بالذات ، وبالباقي بواسطته ، لكن لا على معنى أنه واسطة في تعلقه بالباقي ثانياً حتى يرد أنه لا يتسنى في الخاتمة ، لما أن خَتْم الشيء عبارة عن بلوغ آخره ، وذلك إنما يتحقق بعد انقطاع الملابسة عن أجزائه الأُوَل ، بل على معنى أن الفتح المتعلق بالأول فتح له أولاً وبالذات ، وهو بعينه فتح للمجموع بواسطته ، لكونه جزءاً منه ،وكذا الكلامُ في الخاتمة فإن بلوغَ آخِرِ الشيء يعرِضُ للآخر أولاً وبالذات ، وللكل بواسطته ، على الوجه الذي تحقَّقْتَه .
والمراد بالأول ما يعُم الإضافيَّ فلا حاجة إلى الاعتذار بأن إطلاقَ الفاتحة على السورة الكريمة بتمامها باعتبار جزئها الأول ، والمرادُ بالكتاب هو المجموع الشخصي ، لا القدر المشترك بينه وبين أجزائه ، على ما هو اصطلاحُ أهل الأصول ، ولا ضيرَ في اشتهار السورة الكريمة بهذا الاسم في أوائل عهد النبوة ،قبل تحصيل المجموع بنزول الكل ، لما أن التسمية من جهة الله عزَّ اسمه أو من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإذن ؛ فيكفي فيها تحصُّلُهُ باعتبار تحققه في علمه عزَّ وجل أو في اللوح أو باعتبار أنه أُنزل جُملةً إلى السماء الدنيا ، وأملاه جبريل على السَفَرة ، ثم كان يُنزِله على النبي صلى الله عليه وسلم نُجوماً في ثلاثٍ وعشرين سنةٍ كما هو المشهور ، والإضافة بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى مِنْ كما في خاتم فضة ، لما عرفت أن المضاف جزء من المضاف إليه ، لا جزئي له
ومدار التسمية كونه مبدأً للكتاب على الترتيب المعهود ، لا في القراءة في الصلاة ، ولا في التعليم ولا في النزول كما قيل .
أما الأول فبيِّنٌ ، إذ ليس المرادُ بالكتاب القدرَ المشترك الصادقَ على ما يقرأ في الصلاة حتى تُعتبرَ في التسمية مبدئيتَها له . وأما الأخيران فلأن اعتبار المبدئية من حيث التعليمُ ، أو من حيث النزولُ يستدعي مراعاةَ الترتيب في بقية أجزاء الكتاب من تينك الحيثيتين ، ولا ريب في أن الترتيب التعليمي والنزولي ليسا على نسق الترتيب المعهود .
- وتسمى أمَّ القرآن لكونها أصلاً ومنشأً له ، 1) إما لمبدئيتها له ، 2) وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل ، والتعبُّدِ بأمره ونهيه ، وبيانِ وعدِه ووعيده ، 3) أو على جملةِ معانيه من الحِكَم النظرية ، والأحكام العملية ، التي هي سلوكُ الصراط المستقيم ، والاطلاعُ على معارج السعداء ، ومنازلِ الأشقياء ، والمرادُ بالقرآن هو المراد بالكتاب .
- وتسمى أمَّ الكتاب أيضاً كما يسمَّى بها : 2) اللوحُ المحفوظ ، لكونِهِ أصلاً لكل الكائنات ، 3) والآياتُ الواضحةُ الدالة على معانيها - لكونها بينةً - تُحْمل عليها المتشابهاتُ ، ومناطُ التسمية ما ذُكر في أم القرآن ، لا ما أورده الإمامُ البخاري في صحيحه من أنه يُبدأ بقراءتها في الصلاة ، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه
وتسمى سورةَ الكنز ، لقوله عليه السلام : « إنَّها أُنْزِلَتْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ » أو لِمَا ذُكِرَ في أُمِّ القُرآن ، كما أنه الوجهُ في تسميتها الأساسَ ، والكافية ، والوافية
وتسمى سورةَ الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة ، لاشتمالها عليها
وسورةَ الصلاة لوجوب قراءتها فيها
وسورةَ الشفاء والشافية لقوله عليه السلام : « هي شفاءٌ من كُلِّ داءٍ »
والسبع المثاني لأنها سبعُ آيات تُثَنَّى في الصلاة ، أو لتكرّر نزولِها على ما رُوي أنها نزلت مرة بمكَّة حين فرضت الصلاة وبالمدينة أخرى حين حُوِّلت القبلة ، وقد صح أنها مكيةٌ لقوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني } وهو مكي بالنص .
الكتاب ، الأقمشة المطوية ، والثوب ، والطومار القراءة ، الكتابة ، الخياطة يفتح بتدريج
الفاتحة أولُ ما من شأنه أن يُفتح ، كالكتاب والثوب ثم الفاتحة أُطلقت على أول كلِّ شيء فيه تدريجٌ بوجه من الوجوه كالكلام التدريجي حصولاً ، والسطور والأوراق التدريجية
أُطلقت عليه لكونه واسطةً في فتحِ الكل فالفتح الكشف وإزالة لفه وطيه كالكتاب والثوب بمعنى أنه واسطة في تعلق الفتح بالباقي فالقراءة والكتابة بمعنى النقش والخياطة ونحو ذلك من الأفعال والأقوال أطلقت الفاتحة على أولها لكونها تدريجية لكن لا بمعنى أنه واسطة في تعلق الفتح بالباقي بل بمعنى أن تعلق الفتح بالأول فتح له أولا وبالذات وهو بعينه فتح للمجموع بواسطته لكونه جزأ منه
فنحو الأقمشة المطوية والطوامير وغيرها من الكتب إذا أريد فتحها وإزالة طيها على الترتيب الوضعي فالفتح يتعلق أولا بالجزء الأول ثم يتعلق ثانيا وثالثا ورابعا وهلم جرا إلى آخره فباقي الأجزاء موصوف بالفتح هنا حقيقة إذا كان المفتوح كالطومار فالمفتوح الأول هو الجزء الأول وباقي الأجزاء مفتوح ثانيا بواسطة الأول فإذا أريد فتحه على الترتيب الوضعي فالفتح يتعلق أولا بالجزء ثم يتعلق ثانيا وثالثا ورابعا وهلم جرا بخلاف الصورة الأولى فإن اتصاف باقي الأجزاء بالفتح مجاز