جمال الدين عبد العزيز
New member
- إنضم
- 08/02/2009
- المشاركات
- 174
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
من خصائص السور المكية أن بعضها يبدأ بالحروف الهجائية المقطعة ، ولكن هذه الملاحظة ليس على إطلاقها ؛ إذ أن سورة البقرة المدنية قد افتتحت بقوله تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) وكذلك آل عمران التي افتتحت بقوله: (الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
وقد ارتبطت هذه الحروف بالإعجاز ارتباطاً وثيقاً ؛ إذ لاحظ كثير من العلماء أن هذه الحروف المقطّعة يأتي بعدها ذكر القرآن والإشارة إليه ؛ نحو قوله: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) في سورة يونس ويوسف والرعد والحجر والشعراء والقصص ولقمان ، أو : (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) في سورة النمل ، أو (تَنزِيلُ الْكِتَابِ) في سورة السجدة وغافر والجاثية والأحقاف ، أو: (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) في سورة فصلت ، أو: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) في سورة الأعراف ، أو : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) في سورة إبراهيم ، أو : (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) في سورة هود ، أو (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) في سورة الزخرف والدخان ، أو: (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) في سورة يس أو(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) في سورة ق أو(وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) في سورة ص ، أو : (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) في سورة طه ،أو: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) في سورة الشورى ، ويقول ابن كثير: ( ذُكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذُكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ؛ هذا مع أنه مركّب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ؛ وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره والمبرد والمحققون ، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا ووزره الزمحشري في كشافه ونصره أتمّ نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلّامة أبو العباس ابن تيمية) ومعلوم أن هذه الحروف ليست على شاكلة واحدة ولا على طبائع متفقة ؛ بل إن لها من الخصائص والصفات ما يجعلها متباينة الطبائع والمزايا ؛ ولهذا يقول الإمام القرطبي : (إن الحروف المذكورة في أوائل السور هي حروف المعجم التي استُغني بذكر ما ذُكر منها عن بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين … ومجموع هذه الحروف (المذكورة) أربعة عشر حرفاً … يجمعها قولك ( نص حكيم قاطع له سر ) وهي نصف الحروف عدداً ؛ وهذه الحروف الأربعة عشر على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة … ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبدي لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيراً) وإذا دلت هذه الحروف على الإعجاز كما ذهب العلماء فإن هنالك ملاحظة لها أهميتها ؛ وهي أن آيات التحدي والإعجاز قد جاءت في السور المكية متناقصة على الترتيب الآتي:
أولا: التحدي بالقرآن كله ؛ كما في سورة الإسراء ؛ بقوله تعالى : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
ثانيا: التحدي بعشر سور ؛ كما في سورة هود ؛ وهي في قوله: (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
ثالثاً: التحدي بسورة واحدة كما جاء في يونس : (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وإذا كان هذا شأن التحدي والإعجاز بمكة فإن سورة البقرة المدنية والمبدوءة بالحروف المقطعة لم يأت فيها بجديد في مضمار تناقص التحدي ؛ وإنما كرّر الله تعالى فيها ما ذكر آخر مرة بمكة في سورة يونس ، ومن الملاحظ أن الآيتين متقاربتين حتى في ألفاظهما وآية البقرة التي تشير إلى التحدي هي قوله تعالى: (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أما سورة آل عمران التي افتتحت بقوله تعالى (الم) فقد ذكر العلماء أنها مكملة لمقصود سورة البقرة ؛ فسورة البقرة بمثابة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمثابة رد شبهات الخصوم ، فإذا صح ذلك فإن من الملاحظ أن سورة البقرة قد كانت شديدة على أهل الكتاب (اليهود) وسورة آل عمران التي ذكر فيها نصارى نجران قد كانت أخفّ ، وإذا ذكر الله التحدي والإعجاز بصورة واضحة كما في البقرة فقد ذكر في آل عمران أنه نزّل القرآن بالحق مصدقا لما بين يديه من جهة وأشار إلى المحكم والمتشابه في هذا الكلام المعجز وحذر من التحريف بالتأويل الباطل في هذا الكتاب الذي لا ريب فيه. ومن الملاحظ أن مجيء القرآن بعد الحروف المقطعة في هاتين السورتين المدنيتين قد اختلف نوعا ما عن مجيء ذلك في السور المكية ؛ فالإشارة في السور المكية تكون كالآتي (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) أو (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) أما في البقرة فقد كانت الإشارة إلى الكتاب كله لا أجزائه (ذَلِكَ الْكِتَابُ) وكأنما بدأ هذا الكتاب العظيم يتكامل نزولا بالمدينة ، وكذلك الأمر في سورة آل عمران المدنية فقد جاء بالكتاب معرفة : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) مما يدل على الكلية أما في السور المكية فقد جاء بالكتاب نكرة (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) أو (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) مما يدل على التبعيض عند النحاة ، و كأنني ألمح - من هذه الإشارات ومن خلال اختلاف المجتمعين المكي والمدني - انقضاء بيان الأمور الأساسية نحو التوحيد الذي هو الركيزة الأساسية لهذا الدين و إثبات النبوة ، وهذه الأمور الأساسية لا تغفلها السور المدنية لأهميتها ، و لكن لا تركز عليها ذلك التركيز الذي كان في تلك السور المكية .
وإذا كانت دلالة هذه الحروف المقطّعة على الإعجاز مستنبطة من إتيان ذكر القرآن بعدها عند الرازي والمبرد والقرطبي والفراء وقطرب والزمحشري وابن تيمية وابن كثير وغيرهم من العلماء ؛ فإن هذه الحروف قد جاءت في بعض المواضع وليس لذكر القرآن دليل واضح بعدها
وذلك نحو قوله: (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) في سورة مريم
وقوله: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) في سورة العنكبوت
وقوله: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) في سورة الروم
وقوله (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) في سورة القلم
. ولكن الملاحظ أن السور التي افتتحت بهذه الحروف تضمنت ذكر القرآن بصورتين : إما مباشرة بعد هذه الحروف كما هو في الغالب ، أو بعدها بفاصل ؛ ويبدو ذلك واضحا في سورة آل عمران في قوله: (الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) أما في سورة مريم فقد قال تعالى بعد هذه الحروف : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) ثم ذكر قصة زكريا حتى إذا فرغ منها قال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) وذكر بعدها قصة مريم ولما فرغ منها قال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ) وذكر بعدها قصة إبراهيم ثم كرر الأمر نفسه مع موسى وإسماعيل وإدريس ،وكل الجمل التي يقول فيه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) معطوفة على قوله : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) . ثم ختم السورة - بعد تناوله لمنكري البعث وبيان أحوالهم يوم القيامة وأحوال المتقين - بقوله : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) أي يسرنا القرآن ، ولذلك فإن معنى : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) هو : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) ، وليس ذلك فحسب ؛ بل تناول العلماء رفع كلمة "ذكر " في قوله (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) وبماذا رفعت؟ ، ويبدو واضحا أنها رفعت بإضمار مبتدإ والمعنى : هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك وبذلك تنتظم سورة مريم في قاعدة أولئك العلماء المحققين . أما سورة العنكبوت فقد جئ فيها بهذه الحروف وذُكرت فيها بعض أنباء الغيب الماضية ؛ نحو قصة إبراهيم ولوط وعاد وثمود وقارون وفرعون وهامان ، والملاحظ أنه عند ذكر كل واحد من هولاء في هذه السورة يأتي باسمه منصوبا كما في قوله : (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) وقوله (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) وهذه الأعلام منصوبة – كما يقول النحاة – بفعل محذوف تقديره (واذكر) وهذا معناه كما في سورة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) والملاحظ أن الأعلام الأخرى قد جاءت كذلك كما في قوله : (وعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم) ؛ يقول القرطبي : (المعنى : وأذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم، وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم) ومثله قوله : (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) ، وليس ذلك فحسب بل ذُكر في هذه السورة القرآن وإعجازه بصورة واضحة في قوله : (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) وقد تناول في هذه الآيات إنزال هذا القرآن المعجز العظيم على أمي ، وكونه لا يتبدل ولا يتغير ؛ وذلك بخلاف الكتب السابقة ؛ فهو محفوظ بالإعجاز ومحفوظ في صدور الأمة لا قراطيسها بحيث (لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) ولا ينمحي ، كما تناول في هذه الآية أيضا كون القرآن دلالة كافية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا تحتاج إلى مزيد فهو يقوم مقام إحياء الموتى وإبراء المرضى وقلب العصا حية وفلق البحر بل ويفوق هذه المعجزات الحسية.أما في سورة الروم فذكر أمرا غيبيا مستقبليا هو "تغلُّب الفرس على الروم وتغلُّب الروم على الفرس " يقول القرطبي : (هذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها رب العالمين، فدلّ على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله لتكون دلالة على صدقه) ومعنى ذلك أن هذه من المعجزات الحسية التي تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الملاحظ في سورة الروم هذه أن آيات الله المذكورة فيها آيات كونية حسية ، وقد نبه في بداية هذه السورة على هذا الجانب الحسي بقوله : (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وعقّب ذلك بالتفكر في النفس والسماء والأرض والسير والنظر ثم ذكر هذه الآيات الكونية الحسية : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) َ، (ومِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ) ومن الملاحظ أنه لم يتعرض لذكر القرآن إلا عند ختام السورة (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) . أما في سورة القلم فالإشارة إلى القرآن واضحة ؛ وذلك للآتي :
- اتهام المشركين له صلى الله عليه وسلم بالجنون كان لأجل نزول القرآن عليه ، وقوله تعالى :(مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) - كما ذكر المفسرون - كان جوابا لقولهم :(وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) والذكر كما هو معلوم : القرآن ، فالأمر ليس جنونا وإنما هي آيات الكتاب وقرآن مبين
- هذا المعنى السابق تعضده الآيات الأخيرة في سورة القلم هذه : (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)
- يعضد هذا المعنى أيضا قوله في أول السورة : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وقد ذكر العلماء أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن ؛ وذلك لشدة التطابق ؛ فعن سعد بن هشام: قال: أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها: أخبريني بخلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. أما تقرأ:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
وبهذا تنتظم كل السور المفتتحة بالحروف في قاعدة أولئك العلماء المحققين .
من خصائص السور المكية أن بعضها يبدأ بالحروف الهجائية المقطعة ، ولكن هذه الملاحظة ليس على إطلاقها ؛ إذ أن سورة البقرة المدنية قد افتتحت بقوله تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) وكذلك آل عمران التي افتتحت بقوله: (الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
وقد ارتبطت هذه الحروف بالإعجاز ارتباطاً وثيقاً ؛ إذ لاحظ كثير من العلماء أن هذه الحروف المقطّعة يأتي بعدها ذكر القرآن والإشارة إليه ؛ نحو قوله: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) في سورة يونس ويوسف والرعد والحجر والشعراء والقصص ولقمان ، أو : (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) في سورة النمل ، أو (تَنزِيلُ الْكِتَابِ) في سورة السجدة وغافر والجاثية والأحقاف ، أو: (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) في سورة فصلت ، أو: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) في سورة الأعراف ، أو : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) في سورة إبراهيم ، أو : (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) في سورة هود ، أو (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) في سورة الزخرف والدخان ، أو: (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) في سورة يس أو(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) في سورة ق أو(وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) في سورة ص ، أو : (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) في سورة طه ،أو: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) في سورة الشورى ، ويقول ابن كثير: ( ذُكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذُكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ؛ هذا مع أنه مركّب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ؛ وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره والمبرد والمحققون ، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا ووزره الزمحشري في كشافه ونصره أتمّ نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلّامة أبو العباس ابن تيمية) ومعلوم أن هذه الحروف ليست على شاكلة واحدة ولا على طبائع متفقة ؛ بل إن لها من الخصائص والصفات ما يجعلها متباينة الطبائع والمزايا ؛ ولهذا يقول الإمام القرطبي : (إن الحروف المذكورة في أوائل السور هي حروف المعجم التي استُغني بذكر ما ذُكر منها عن بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين … ومجموع هذه الحروف (المذكورة) أربعة عشر حرفاً … يجمعها قولك ( نص حكيم قاطع له سر ) وهي نصف الحروف عدداً ؛ وهذه الحروف الأربعة عشر على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة … ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبدي لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيراً) وإذا دلت هذه الحروف على الإعجاز كما ذهب العلماء فإن هنالك ملاحظة لها أهميتها ؛ وهي أن آيات التحدي والإعجاز قد جاءت في السور المكية متناقصة على الترتيب الآتي:
أولا: التحدي بالقرآن كله ؛ كما في سورة الإسراء ؛ بقوله تعالى : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
ثانيا: التحدي بعشر سور ؛ كما في سورة هود ؛ وهي في قوله: (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
ثالثاً: التحدي بسورة واحدة كما جاء في يونس : (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
وإذا كان هذا شأن التحدي والإعجاز بمكة فإن سورة البقرة المدنية والمبدوءة بالحروف المقطعة لم يأت فيها بجديد في مضمار تناقص التحدي ؛ وإنما كرّر الله تعالى فيها ما ذكر آخر مرة بمكة في سورة يونس ، ومن الملاحظ أن الآيتين متقاربتين حتى في ألفاظهما وآية البقرة التي تشير إلى التحدي هي قوله تعالى: (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أما سورة آل عمران التي افتتحت بقوله تعالى (الم) فقد ذكر العلماء أنها مكملة لمقصود سورة البقرة ؛ فسورة البقرة بمثابة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمثابة رد شبهات الخصوم ، فإذا صح ذلك فإن من الملاحظ أن سورة البقرة قد كانت شديدة على أهل الكتاب (اليهود) وسورة آل عمران التي ذكر فيها نصارى نجران قد كانت أخفّ ، وإذا ذكر الله التحدي والإعجاز بصورة واضحة كما في البقرة فقد ذكر في آل عمران أنه نزّل القرآن بالحق مصدقا لما بين يديه من جهة وأشار إلى المحكم والمتشابه في هذا الكلام المعجز وحذر من التحريف بالتأويل الباطل في هذا الكتاب الذي لا ريب فيه. ومن الملاحظ أن مجيء القرآن بعد الحروف المقطعة في هاتين السورتين المدنيتين قد اختلف نوعا ما عن مجيء ذلك في السور المكية ؛ فالإشارة في السور المكية تكون كالآتي (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) أو (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) أما في البقرة فقد كانت الإشارة إلى الكتاب كله لا أجزائه (ذَلِكَ الْكِتَابُ) وكأنما بدأ هذا الكتاب العظيم يتكامل نزولا بالمدينة ، وكذلك الأمر في سورة آل عمران المدنية فقد جاء بالكتاب معرفة : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) مما يدل على الكلية أما في السور المكية فقد جاء بالكتاب نكرة (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) أو (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) مما يدل على التبعيض عند النحاة ، و كأنني ألمح - من هذه الإشارات ومن خلال اختلاف المجتمعين المكي والمدني - انقضاء بيان الأمور الأساسية نحو التوحيد الذي هو الركيزة الأساسية لهذا الدين و إثبات النبوة ، وهذه الأمور الأساسية لا تغفلها السور المدنية لأهميتها ، و لكن لا تركز عليها ذلك التركيز الذي كان في تلك السور المكية .
وإذا كانت دلالة هذه الحروف المقطّعة على الإعجاز مستنبطة من إتيان ذكر القرآن بعدها عند الرازي والمبرد والقرطبي والفراء وقطرب والزمحشري وابن تيمية وابن كثير وغيرهم من العلماء ؛ فإن هذه الحروف قد جاءت في بعض المواضع وليس لذكر القرآن دليل واضح بعدها
وذلك نحو قوله: (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) في سورة مريم
وقوله: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) في سورة العنكبوت
وقوله: (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) في سورة الروم
وقوله (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) في سورة القلم
. ولكن الملاحظ أن السور التي افتتحت بهذه الحروف تضمنت ذكر القرآن بصورتين : إما مباشرة بعد هذه الحروف كما هو في الغالب ، أو بعدها بفاصل ؛ ويبدو ذلك واضحا في سورة آل عمران في قوله: (الم اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) أما في سورة مريم فقد قال تعالى بعد هذه الحروف : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) ثم ذكر قصة زكريا حتى إذا فرغ منها قال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ) وذكر بعدها قصة مريم ولما فرغ منها قال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ) وذكر بعدها قصة إبراهيم ثم كرر الأمر نفسه مع موسى وإسماعيل وإدريس ،وكل الجمل التي يقول فيه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) معطوفة على قوله : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) . ثم ختم السورة - بعد تناوله لمنكري البعث وبيان أحوالهم يوم القيامة وأحوال المتقين - بقوله : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) أي يسرنا القرآن ، ولذلك فإن معنى : (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) هو : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) ، وليس ذلك فحسب ؛ بل تناول العلماء رفع كلمة "ذكر " في قوله (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) وبماذا رفعت؟ ، ويبدو واضحا أنها رفعت بإضمار مبتدإ والمعنى : هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة ربك وبذلك تنتظم سورة مريم في قاعدة أولئك العلماء المحققين . أما سورة العنكبوت فقد جئ فيها بهذه الحروف وذُكرت فيها بعض أنباء الغيب الماضية ؛ نحو قصة إبراهيم ولوط وعاد وثمود وقارون وفرعون وهامان ، والملاحظ أنه عند ذكر كل واحد من هولاء في هذه السورة يأتي باسمه منصوبا كما في قوله : (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) وقوله (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) وهذه الأعلام منصوبة – كما يقول النحاة – بفعل محذوف تقديره (واذكر) وهذا معناه كما في سورة مريم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ) والملاحظ أن الأعلام الأخرى قد جاءت كذلك كما في قوله : (وعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم) ؛ يقول القرطبي : (المعنى : وأذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم، وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم) ومثله قوله : (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ) ، وليس ذلك فحسب بل ذُكر في هذه السورة القرآن وإعجازه بصورة واضحة في قوله : (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) وقد تناول في هذه الآيات إنزال هذا القرآن المعجز العظيم على أمي ، وكونه لا يتبدل ولا يتغير ؛ وذلك بخلاف الكتب السابقة ؛ فهو محفوظ بالإعجاز ومحفوظ في صدور الأمة لا قراطيسها بحيث (لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) ولا ينمحي ، كما تناول في هذه الآية أيضا كون القرآن دلالة كافية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا تحتاج إلى مزيد فهو يقوم مقام إحياء الموتى وإبراء المرضى وقلب العصا حية وفلق البحر بل ويفوق هذه المعجزات الحسية.أما في سورة الروم فذكر أمرا غيبيا مستقبليا هو "تغلُّب الفرس على الروم وتغلُّب الروم على الفرس " يقول القرطبي : (هذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها رب العالمين، فدلّ على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله لتكون دلالة على صدقه) ومعنى ذلك أن هذه من المعجزات الحسية التي تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الملاحظ في سورة الروم هذه أن آيات الله المذكورة فيها آيات كونية حسية ، وقد نبه في بداية هذه السورة على هذا الجانب الحسي بقوله : (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وعقّب ذلك بالتفكر في النفس والسماء والأرض والسير والنظر ثم ذكر هذه الآيات الكونية الحسية : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) َ، (ومِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) ، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ) ومن الملاحظ أنه لم يتعرض لذكر القرآن إلا عند ختام السورة (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) . أما في سورة القلم فالإشارة إلى القرآن واضحة ؛ وذلك للآتي :
- اتهام المشركين له صلى الله عليه وسلم بالجنون كان لأجل نزول القرآن عليه ، وقوله تعالى :(مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) - كما ذكر المفسرون - كان جوابا لقولهم :(وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) والذكر كما هو معلوم : القرآن ، فالأمر ليس جنونا وإنما هي آيات الكتاب وقرآن مبين
- هذا المعنى السابق تعضده الآيات الأخيرة في سورة القلم هذه : (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)
- يعضد هذا المعنى أيضا قوله في أول السورة : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، وقد ذكر العلماء أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن ؛ وذلك لشدة التطابق ؛ فعن سعد بن هشام: قال: أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها: أخبريني بخلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. أما تقرأ:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
وبهذا تنتظم كل السور المفتتحة بالحروف في قاعدة أولئك العلماء المحققين .