أسباب السعادة ومفاتيح خير الدنيا والآخرة

إنضم
13/05/2025
المشاركات
85
مستوى التفاعل
13
النقاط
8
الإقامة
صنعاء - اليمن
أسباب السعادة ومفاتيح خير الدنيا والآخرة

الإسلام دين الله الذي رضيه لعباده، وفي اتباعِه سعادةُ الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124].

والإسلام جاء بما يُصلِحُ العباد في دينهم ودنياهم، ويَحكُم بينهم، ويَجلبُ لهم المصالح، ويدفع عنهم المفاسد، ويخفف عنهم المصائب، فيكون المسلم راضيًا مطمئنًّا على كل حال، إن أُعطِي شكَر، وإن ابتُلِي صبَر، وإن أذنب استغفر، لا ينسى نصيبَه من الدنيا، ويستعد لآخرته التي هي خيرٌ وأبقى، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وقد بيَّن اللهُ لنا ورسولُه أسبابَ السعادةِ ومفاتيحَ خيرِ الدنيا والآخرة، فأوَّلُها:

الإيمانُ وتقوى الله،
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } [الأعراف: 96]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5].

ومن أسباب السعادة: المحافظةُ على الصلوات الخمس في أوقاتها، فالصلاة نورٌ لك في حياتك، وفي قبرك، وعلى الصراط يوم القيامة، والصلاة سعادة وطمأنينة، وسببٌ لخير الدنيا والآخرة، {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 45، 46]، فيا مَن يرجو لقاء الله حافِظ على الصلوات الخمس في أوقاتها بإخلاص، وأكثِر من نوافِلِ الصلاة، واحرِص على قيام ما تيسر من الليل ولو صلاةَ الوِتر، وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بصلاة الضحى، وصلاة الوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر.

ومن أسبابِ السعادة وتيسيرِ الأمور في الدنيا والآخرة: الإحسانُ إلى الوالدين أحياءً وأمواتًا، فرِضا اللهِ في رضا الوالدين، وسخَطُ الله في سخَطِهما، وقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين أحياءً وأمواتًا، أحسِن إلى والديك في حياتهما بالخِدمة والنفقة والمال والهدية واللطف والقول الطيب، وأحسِن إليهما بعد موتهما بالدعاء والاستغفار والصدقة ونحو ذلك مما يحصل لهما به الأجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ)).

ومن أسباب السعادة: صِلةُ الأرحام، قال الله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: 38]، وقال سبحانه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))، فمَن أحبَّ أن يُوسِّع الله له في رزقه، ويبارِك له في عمره وذريته؛ فليحرص على صلة أرحامه بقدر استطاعته، ولو بالسَّلام.

ومن أسباب السعادة: حُسْنُ الأخلاق، والرحمةُ بالخلق، والتيسيرُ وتركُ التعسير، والتغافُل عن زلَّاتِ الناس وتقصيرِهم، فأكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، والراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمْكم من في السماء، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

ومن أسباب السعادة: الصدقةُ على المحتاجين، والتعاونُ على البر والتقوى مع المسلمين، فرحمة الله قريبٌ من المحسنين، قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7]، وقال عز وجل: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، وقال سبحانه: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38]، وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بالصدقة والنفقة ولو في حال العسر، قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، فمَنْ أحسن إلى الناس بقدر استطاعته أحسن اللهُ إليه، ويسَّر أمره، وجعل له بعد عُسر يسرًا، وقد مدح الله المتقين الذين ينفقون من أموالِهم في حال الرخاء والغنى، وفي حال الشدة والفقر فقال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران: 134]، ووصف الله المتقين في أول المصحف بقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، ((وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ))، ومن تصدَّق فهو يُقرِض الله الكريم، وسيُخلِف الله عليه في الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 16، 17]، وقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وقال عز وجل: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272]، فالصدقةُ خيرٌ للمتصدق، فهي سببٌ عظيمٌ لتيسير الأمور، وحفظ الأموال، وشفاء الأمراض، ((وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ))، وفي الأثر: (حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةَ)، وأحقُّ الناسِ بالإكثار مِنَ الصدقات مَنْ أغناهم الله، ويسَّر أمورهم، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77]، قال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، وقال تبارك وتعالى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، ومن بخِل وقصَّر في الصدقة فسيندم عند موته، كما قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11].

ومن أسباب السعادة: الصِّدقُ والأمانة، فالصادق الأمين محبوبٌ عند الله وعند عباده، ويحب الناس معاملته، ويُيسر اللهُ أموره.

ومن أسباب السعادة: المبادرةُ والمسارعةُ في الخيرات، فسارِع في خير الدنيا والآخرة، والحركةُ بركة، فبادِر بالخير، ولا تعجَز ولا تكسَل ولا تتردد.

إِذا كنت ذَا رأيٍ فَكُن ذَا عزيمةٍ ... فَإِنَّ فَسَادَ الرأيِ أَنْ تترددا​

ومن أسباب السعادة: التوكلُ على الله في أمور الدين والدنيا، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أي: كافيه ما أهمَّه، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، فتوكَّل على الله في جميع أمورك، في دراستك، في طلب رزقك، في طلب الشفاء، في طلب الزواج، في طلب كل خير، وفي دفع كل شر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))، والتوكل هو اعتماد القلب على الله في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والتوكل عبادةٌ عظيمة، وسببٌ لتيسير الأمور، والرضا بالمقادير، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]، وقد أخبرنا الله أنه يحب المتوكلين فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

ومن أسباب السعادة: الصبر والشكر، فكُن صابرًا على البلاء، شاكرًا على النَّعماء، والصبرُ عبادةٌ عظيمة، والله يحب الصابرين، والشكرُ سببٌ للزيادة، { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، فالمؤمن صابرٌ شاكرٌ، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم: 5].

ومن أسباب السعادة: التفكرُ في أمور الدنيا والآخرة، والاعتبارُ والتَّعَقُلُ، فالتفكر عبادةٌ قلبية، وسببٌ عظيم لزيادة الإيمان والاستعداد للقاء الله بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 219، 220]، فتفكَّر في الدنيا الفانية، وفي الآخرة الباقية، وتفكَّر في كل ما تراه وتسمعه وتقرؤه، تفكَّر في مصالح الطاعة، ومفاسد المعصية، تفكَّر في انقضاء عمرك، واقتراب أجلك، وتذكَّر كثرةَ نِعَم اللهِ عليك وعلى جميع عباده، وقدِّم عقلَك على هواك، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].

ومِن أعظمِ أسبابِ السعادة: تلاوةُ ما تيسَّر من القرآن الكريم بترتيلٍ، وتعلمُ تفسيرِه، وتدبرُه، والاعتصامُ به، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]، فالقرآن العظيم كثير الخيرات والبركات، وبه تحصل الهداية والرحمة، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20].

ومن أسبابِ السعادةِ: التمسكُ بالسنة النبوية، وتركُ البِدَع، والإعراضُ عن الفِتَن، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)).

ومن أسباب السعادة: طلبُ العلم النافع، ومجالسةُ العلماء، وسؤالُهم واستشارتُهم، ومصاحبةُ الصالحين، وكل صحبة غير صالحة تكون عداوة يوم القيامة، كما قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال سبحانه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا * وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 27 - 30]، فاحذر يا مسلم مِنْ كلِّ صُحبة تُبعِدك عن طاعة الله، وتُضِلُّك عن اتِّباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وصاحِب الصالحين تكُن مِنهم، فالصاحب ساحب.

فَتَشَبَّهوا إِن لَم تَكونوا مِثلَهُم ... إِنَّ التَشَبُّهَ بِالكِرامِ فلاحُ​

ومن أسباب السعادة وتيسيرِ الأمور وحصولِ المأمول: عبادة الله في المساجد، فاحرص على المكث في المسجد لعبادة الله ولو بين الأذان والإقامة وبعد الصلوات، {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]، فالمسجد بيت الله، وحقٌّ على الله أن يُكرِم من زاره إلى بيته، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 36 - 38]، فمَنْ لازَمَ المساجد لعبادة الله زاده الله من فضله.

ومن أسباب السعادة: الإكثارُ من دعاء الله وحده بأسمائه الحسنى، والاعتناءُ بالأدعية القرآنية والنبوية، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وقال الله حاكيًا عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال: {وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: 48]، وقال زكريا عليه الصلاة والسلام: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكثِر الدعاء جدًّا، وربما دعا اللهَ نحو ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة في الصلاة وفي غير الصلاة، و ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)).

ومن أسباب السعادة: الإكثارُ من ذكر الله على كل حال، قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، فمن ذكَرَ الله ذكره الله بالخير والرحمة، فأكثِر مِنَ التسبيحِ والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفارِ والصلاةِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثِر مِنْ قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنزٌ من كنوز الجنة، وداوِم على أذكار الصباح والمساء وأدبارِ الصلوات، وقد وصف الله المؤمنين بقوله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على محمد وأزواجِه وذريته، وآلِه وأصحابِه وأتباعِه، واغفر لنا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياءِ منهم والأموات، وبارك لنا في القرآن والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم يسِّر لنا أسباب الخير والسعادة، وافتَح لنا أبواب الخيرِ والرحمة، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
عودة
أعلى