أسباب الزيغ عن الحق..(1)

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..

فإن القلبَ خُلِق يُحب الحق ويريده ويطلبه كذا يقولُ شيخُ الإسلام.

ويقول أيضاً : ((إن الحقَ محبوبٌ في الفطرة)).

ويقول أيضاً: ((في النفس ما يُوجب ترجيح الحق على الباطل في الاعتقادات والإرادات،وهذا كاف في كونها ولدت على الفطرة)).

فإذا كان ذلك كذلك..

وإذا كان الأمر على ما يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه : ((إن على الحق نوراً)).

فلم يحيد الناسُ عن الحق ويخطؤونه ويَضلون عنه؟

في الوحي كتاباً وسنة جواب بلغ من الحسن غايته ملماً بأطراف العوامل المهمة للزيغ عن الحق والضلال عنه.

وفي ممارسات ونصوص السلف فمن تبعهم بسط لهذا الجواب القرآني النبوي وتتميم له بذكر تفاصيله وحواشيه.

وأردتُ بهذا المقال وما سيليه من مقالات أن أعرض لنموذج تفسيري قدمه الفيلسوف الغربي الإنجليزي فرنسيس بيكون (1560-1626مـ). لظاهرة الضلال عن الحق،وصمدتُ إلى بسط النموذج التفسيري الذي قدمه هذا الفيلسوف لأربعة أسباب:

الأول : أن الحكمة ضالة المؤمن، والحق يحُب التعاضد.
الثاني: أن مثل هذه النماذج التفسيرية يكون فيها من بسط القول والأمثلة وفتح آفاق النظر ما يُتمم العلم بهذا الباب المهم.
الثالث: أن هذا الفيلسوف يُعد حلقة محورية في تاريخ انتقال الغرب من اليونانية الأرسطية إلى مناهج البحث العلمي الحديثة.
الرابع: أن الشروح التوضيحية التي قدمتها الكتب الفلسفية لهذا النموذج لا تفي بمقصود توضيحه من وجهة نظري.

فأقول بحول الله وقوته:
أراد فرنسيس بيكون أن يُخلِّص قومه من المنهج الأرسطي في البحث والنظر،وقد كان يرى أنه من أعظم أسباب تخلف أوربا،وقد كان يصف العلماء الأرسطيين بأنهم : ((يحبسون كل نفسهم في أرسطو كما يحبسون أجسامهم في صوامعهم)).
وكان حسياً مبالغاً في دور الحس في تحصيل المعرفة،حاصراً العلم فيما أنتج عملاً مادياً يؤدي لرفاهية الناس؛ولذلك وضع كتابه : ((الأورجانون الجديد)) معارضاً الأورجانون الأرسطي،وجعله قسمين :
الأول : فيما يُطهر العقل من الأوهام والأخطاء التي تحول بينه وبين المعرفة الحقة.
الثاني: في منهج بلوغ هذه المعرفة.
والقسم الأول هو ما يعنينا في هذه المقالات..

يقول بيكون: ((لا يُشبه الذهن البشري الإرادة الموضوعية،وإنما يسمح بلون من الإرادة والأهواء من شأنهما أن يولدا المذهب الخاص بهما وفقاً لهما)).
ثم يقول: ((إن الأوهام والتصورات الخاطئة التي شغلت الذهن البشري وأقامت له جذوراً عميقة فيه.لم تحاصر فحسب عقول الناس حتى سدت عليها كل منفذ؛وإنما أصبحت،حتى حين ينفتح للعقل منفذ،تلاحقنا وتعوقنا عن إصلاح العلوم،مالم يتسلح الإنسان حين يُحَذَّر بكل ما يمكن من احتياط إزاءها)).

فما يُقرره بيكون : أن الذهن ليس موضوعياً يتعامل مع المسائل بذهنية محايدة صارمة الفصل ميكانيكية الأداء،بل تتداخل معه أثناء نظره جملة من الإرادات والأهواء والأوهام والتصورات تؤثر على نظره مما قد يفسد عمله ويُضله عن الحق،وحتى حين يصل إلى الحق ربما تبقى معه تلك الأشياء حتى تردع عنه أو تُغبشه عليه.
ثم يقول : ((هناك أربعة أنواع من الأوهام تحدق بالعقل البشري،وقد أطلقنا عليها أسماء بغية التمييز بينها،فأسمينا النوع الأول : أوهام القبيلة،والثاني: أوهام الكهف،والثالث: أوهام السوق،والرابع: أوهام المسرح..ونظرية الأوهام لها مع تفسير الطبيعة نفس العلاقة القائمة بين المغالطات وبين المنطق العادي)).

قلت: في هذا المقطع المهم يوضح بيكون نموذجه التفسيري للضلال عن الحق حين النظر ،وذلك بالوقوع تحت تأثير أوهام وتصورات وأوثان قائمة تتداخل مع الذهن أثناء عملية التعقل فتفسد عمله وتضله،ثم يوضح أن هذه الأوهام من جنس المغالطات المنطقية التي ذكرها المناطقة السابقون في كونها تفسد النظر من وجه وتكون من وجه آخر : مغالطات في الاستدلال والحجاج تفسده.

وكما قدمتُ فقضية الأوهام أو الأصنام هذه تمثل الجانب السلبي من منهج البحث العلمي عند بيكون،والمقصود بالسلبي هاهنا : أنها تعرض لما يجب أن يخلص البحث والنظر منه ليكون علمياً،أما كيف تصل إلى الحق بعد حذرك وسعيك للتخلص من وطأة هذه الأوثان؛فهذا هو الجانب البنائي الإيجابي من منهج بيكون والذي يُشكل الاستقراء عمدته.
وقد نشر بيكون كتابه : الأورجانون الجديد أو : العلامات الصادقة لتأويل الطبيعة عام 1620 مـ.
وسأوالي بإذن الله-شرح مراده بهذه الأوهام الأربعة مدعوماً بالأمثلة مبيناً العلائق بينها وبين ما قرره الوحي وذكره علماء المسلمين في الباب نفسه.
والحمد لله رب العالمين.
 
{ وسأوالي – بإذن الله - شرح مراده بهذه الأوهام الأربعة مدعوماً بالأمثلة مبيناً العلائق بينها وبين ما قرره الوحي وذكره علماء المسلمين في الباب نفسه }
متشوقون.
واصل ، أعانك الله
 
عودة
أعلى