إلياس قويسم
New member
أسانيد القراءات المتواترة في تونس
الدكتور فتحي العبيدي
جامعة الزيتونة ـ تونس ـ
المقدّمة
نحمده سبحانه وتعالى أن خصصنا بالإسناد، وهدانا بفضله للملــّة الحنيفيـّة والرشاد، ونصلّي ونسلــّم على سيدنا محمد أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وأصحابه الذين سبقونا بالإيمان، وجاهدوا في الله حقّ الجهاد.
وبعد، فإن الإسناد من الدين في الدرجة العلـيّة، وإنه مما خصّص الله به هذه الأمّة المحمّدية. وقد قـيّض الله تعالى من علماء الأمّة من يبحث في الأسانيد، ويعرّف برجالها الفضلاء، ومن هؤلاء الكرام الأستاذ الشيخ د. إبراهيم عبد الرزّاق أبو علي، الذي وفــّقه الله فجمع سند كلّ قراءة من القراءات العشر المتواترة في كتاب مستقلّ، وذلك من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العصر الحاضر، ووجد أن كلّ هذه الأسانيد عن طريق الإمام محمّد ابن الجزري (ت.833 هـ/1429 م)، وقد بحث عن سند لقراءة أو أكثر من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العصر الحاضر من غير طريق الإمام ابن الجزري ليسجّـل ذلك في الكتاب المشار إليه، وقد أبلغني طلبة الشيخ الفاضل إبراهيم عبد الرزاق، الأخُ الأستاذ د. سعيد الفلاح جازه الله خيرا عن القرآن وأهله، مستظهرا برسالة أرسلها إليه الشيخ إبراهيم عبد الرزاق وذلك منذ سنوات طويلة، فأخذت في البحث عن إسناد القراءات في تونس، وذلك نظرا إلى أنّ مشايخنا في تونس من المعاصرين لا يمدّون الطلاّب بأسانيد القراءات عندما يجيزونهم، ومنهم الشيوخ الذين أخذت عنهم التجويد والقراءات، فهم أيضا لم يمدّوني بإسناد في ذلك، وقد سألتهم عنه فذكروا لي أنهم لم يأخذوه بدورهم عن شيوخهم، وإن كان السند العلمي موجودا وواقعا ومتصلا، وأذكر من هؤلاء الشيوخ شيخنا الفاضل العزيز الأستاذ المقرئ عثمان العيّاري (ت. 1419هـ/1998م).
وقد وفقني الله عزّ وجل إلى العثور على إسناد من غير طريق الإمام ابن الجزري بعد طول بحث، فسررت لذلك وحمدت الله تعالى.
وعلى كل حال، فقد كان الشيخ إبراهيم سببا في هذا البحث، جازاه الله خيرا. وقد بدا لي سبب آخر الآن، وهو إثبات وجود أسانيد القراءات القرآنية المتواترة في تونس لمن يشككون في وجودها أصلا من بعض القراء المشارقة للأسف حسب ما بلغني في المدة الاخيرة ! وكذلك إثبات وجودها لمن يتساءلون عنها أو يدّعون انقطاعها في هذا العصر من بعض المثقفين ببلدنا الطيّب تونس الخضراء.
والملاحظ هنا أن الإسناد المشار إليه، وإن كان من غير طريق الإمام ابن الجزري، إلا أنّ له طريقا آخر يمرّ عبر ابن الجزري، وذلك لأن أحد رجال السند، وهو الشيخ محمد الافراني السوسي المغربي (ت.1081 هـ / 1670 م)، قرأ أيضا على الشيخ سلطان بن أحمد المزاجي (ت. 1075هـ/1664م)، الذي يتّصل إسناده بالإمام ابن الجزري.
وأكون ـ بحمد الله تعالى ـ بذلك جامعا بين الطريقين، جمع الله لنا بين الحسنيين.
والله أسأل أن ينفع بهذا البحث أهل القرآن، وطلبة العلم الشرعي الشريف في هذه الديار وغيرها.
أ ـ تـــمـهيد
1) ـ نبذة في أهمية الأسانيد عموما وأسانيد القراءات خصوصا:
تعريف الإسناد:
لغة: السند يطلق على عدّة أشياء، منها نوع من الثياب، وما قابلك من الجبل، وكل ما يستند إليه ويعتمد عليه من حائط ونحوه (1).
واصطلاحا: السند والإسناد عند المحدثين هم رجال الحديث النبوي الشريف ورواته، الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول (2).
وعند القراء هم رجال القراءات والقراء النقلة لها، وقد نقل القسطلاني (ت.923هـ/1517م) تعريفا للإسناد عن بعض العلماء، وهو:"الطريق المُوصّلة إلى القرآن"(3)، قال الشاطبي(ت.590هـ /1193م):
" جزى اللهُ بالخيرات عنـّا أئمةً لنا نقلوا القرآن عذبا وسلــْسَلاً "(4).
2) ـ أهميّة الإسناد في الدّين وعلومه عموما:
معلوم أن الإسناد خصّيصـَةٌ من خصائص الأمة الإسلامية، ولا توجد هذه الميزة عند الأمم السابقة.
ولا شكّ في أهمية الإسناد في الإسلام، قل الإمام عبد الله بن المبارك (ت. 181هـ /797م):" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"(5).
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن الكريم نُقل إلينا متواترا عن طريق الإسناد، وكذلك الشأن في الحديث النبوي الشريف، فقد نقل بالإسناد وإن كان أكثره غير متواتر، ورجال الأصلين عدول حفاظ ثقاة ضابطون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ابن منظور، لسان العرب: 3/2114 (تحقيق عبد الله علي الكبير وأصحابه، دار المعارف، القاهرة، مصر، د.ت).
2) عجاج خطيب، أصول الحديث: 32 (دار الفكر، ط 3، 1395هـ/1975م).
3) لطائف الإشارات لفنون القراءات: 1/173 ( تحقيق د.عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، مصر، 1392هـ/1972م).
4) حرز الأماني: 5 ( مطبعة الحلبي، مصر، 1347هـ).
5) مسلم، مقدمة الصحيح، باب بيان أن الإسناد من الدين: 1/15 ( تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الدعوة، إسطنبول، 1401هـ/1981م).
وللإسناد فضل في حفظ الدين الإسلامي من التحريف والتغيير، ولا يكاد علم من علوم الشريعة الإسلامية يخلو منه، إلا أن الأسانيد قد تكون في علم أظهر وأبين منها في علم آخر، فالعلوم النقلية كعلوم القرآن وعلوم الحديث والتفسير واللغة لا يمكن أن تستغني عنها، وإن كانت الحاجة إليها في نقل القرآن والحديث أقوى وآكد، لما يترتـّب على صحة السند وضعفه من ثبوت القرآن، وصحّة المقروء به منه، وثبوت الأحكام الشرعية المستنبطة من الأحاديث...(6).
3)- أهمية أسانيد القراءات خصوصا:
كان السماع والمشافهة دعامة النّقل الصحيح في رواية القرآن الكريم بقراءاته المتواترة، ولا يزالان كذلك في كل عصر ومصر.
والإسناد الذي يؤدي القراءات المتواترة مضمّن في إجازات المقرئين لتلاميذهم. ومعلوم أن الإجازة في اصطلاح القراء هي:"إذن الشيخ المقرئ لمن قرأ عليه بأن يروي عنه ما سمعه منه من روايات وقراءات القرآن الكريم بالسند المتـّصل عن مقرئ مقرئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمّ(7). وتعتبر الإجازة شهادة من المقرئ المسند للقارئ المتلقي عنه بأنه أهل لتحمل القرآن حفظا والقراءات دراية ورواية، وأهل أيضا لأدائها، كما يمكن اعتبارها رخصة للتدريس.
ورغم تطور التعليم ومناهجه في العصور الحديثة، والتغيّر الذي طرأ على طريقة تقييم مجهودات الطلبة وتحصيلهم العلمي، وعلى إسناد الشهادات العلمية، فإن العمل بالنظام القديم في الإجازات مازال باقيا والحمد لله، سواء في الحديث النبوي الشريف، أم في القراءات القرآنيّة، خاصة في المشرق العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6)- محمد الأمين، الإسناد عند علماء القراءات: 150( بحث بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، العدد 129، السنة: 37-1425هـ).
7)- المسؤول، معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية: 34-35( دار السلام، مصر،ط 1، 1428هـ/2007م)، وانظر تعريفا آخر للإجازة وأيضا أنواعها عند الشيخ محمد نبهان المصري، " موقع علم القراءات " على الشبكة العالمية للمعلومات (الأنترنات).
وقد عدّ الشيخ علي النوري الصفاقسي (ت.1118هـ/1706م) في كتابه " غيث النفع في القراءات السبع " علم الأسانيد أحد العلوم السبعة (8) التي هي وسائل لعلم القراءات، وقال في تعريفه، وبيان منزلته العلمية:"وهو الطرق الموصلة إلى القرآن، وهو من أعظم ما يُحتاج إليه، لأن القرآن سنّة متّبعة ونقل محض، فلا بد من إثباتها وتواترها، ولا طريق إلى ذلك إلا بهذا الفنّ"(9).
وقد أمكن في العصر الحديث بفضل الطباعة والنشر، نشر نماذج من أسانيد القراءات الموجودة ضمن إجازات المقرئين المتأخرين والمعاصرين، ومن ذلك مثلا إجازة الشيخ المقرئ إبراهيم محمد غنيم للشيخ مقبل محمود دياب في التجويد والقراءات العشر من طريق طيّبة النشر للإمام ابن الجزري (ت.833هـ/1429م)، وذلك سنة 1328هـ/1962م، وهي منشورة في آخر كتاب بعنوان "الأصوات في رواية حفص عن عاصم" تأليف: الدكتور أحمد مصطفى أبو الخير(10).
ب- لمحة عن تاريخ أسانيد القراءات المتواترة بتونس:
أشير أولا إلى عناية القراء بأسانيد القراءات المتواترة عموما، فقد كان المؤلفون السابقون في القراءات يعتنون بذكر أسانيدهم في أوائل كتبهم، مثل الإمام ابن مجاهد (ت.324هـ/935م ) - صاحب كتاب "السبعة في القراءات" الذي ذكر أسانيده إلى أئمة القراءات السبع في أول كتابه هذا (11).
ومثل الإمام مكي بن أبي طالب (ت.437هـ/1045م) - صاحب كتاب "التبصرة في القراءات السبع"- الذي ذكر أسانيده أيضا إلى القراء السبعة ومنهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ(12)، ومثل الإمام أبي عمرو الداني (ت.444هـ/1052م) - صاحب كتاب "التيسير في القراءات السبع"- الذي ذكر أسانيده كذلك إلى الأئمة السبعة(13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8)- انظر هذه العلوم في صفحة: 21-22 (ط. دار الفكر، د.ت، مطبوع على هامش سراج القاري المبتدي لابن القاصح).
9)- م.ن، ص21.
10)- من ص 93 إلى ص115 ( نشر الدار الفنيّة، القاهرة، مصر، ط 1، 1409هـ/1989م).
11)- من ص 88 إلى ص 101 ( بتحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، مصر، ط 2، 1980م).
12)- من ص 26 إلى 74 ( بتحقيق: محمد غوث الندوي، الدار السلفية، الهند، 1399هـ/1979م).
13)- من ص 10 إلى 16 ( بتحقيق: أوتوبرتزل، ط 3، دار الكتاب العربي، 1406هـ/1985م).
وأيضا الإمام ابن الجزري - صاحب كتاب "النشر في القراءات العشر"- الذي ذكر أسانيده إلى القراء العشرة من خلال كتب القراءات الأصول التي قرأ القرآن الكريم بمُضَمَّنِها على شيوخه(14)، وأيضا أسانيد القراء العشرة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ(15). هذا الإمام الفذ الذي له باع طويل في معرفة رجال أسانيد القراءات - وهو المقرئ الحافظ - والذي اجتهد في دراستها حسب القواعد المعروفة عند علماء الحديث، ويقول في هذا المعنى:" ومن نظر أسانيد كتب القراءات، وأحاط بتراجم الرواة علما عرف قدر ما سبرنا ونقـّحنا واعتبرنا وصحّحنا، وهذا علم أهمل وباب أغلق، وهو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات، والله تعالى يحفظ ما بقي" (16).
واستمر اعتماد الإسناد في القراءات المتواترة في العصور التالية لهؤلاء الأعلام في كتب القراءات، وفي الإجازات التي يمتدّ بها المقرئون تلاميذهم القراء الذين درسوا عليهم فنّ القراءات.
وفي تونس اعتنى القراء أيضا بأسانيد القراءات المتواترة، وأذكر من هؤلاء مثلا الشيخ أبا عبد الله محمدا بن أحمد الثقاقلي البكري القيرواني، المقرئ، الفقيه، الذي أجاز الشيخ أبا حفص عمر بن محمد بوحديبة الترغودي القيرواني (ت.1217هـ/1802م) في القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية (حرز الأماني ووجه التهاني) في القراءات السبع للإمام الشاطبي (ت.590هـ/1193م)، والدرة المضيئة في القراءات الثلاث المتمّمة للعشر للإمام ابن الجزري، وذلك في 15 رمضان 1175هـ الموافق له 31/03/1762م.
وقد ذكر الشيخ الثقاقلي ضمن هذه الإجازة إسناده المتصل، بدءا بشيخه محمد بن علي الشهير بالسبعي، ومرورا بشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت. 926هـ/1520م)، والمحقق الإمام ابن الجزري، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى التابعين والصحابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14)- ج1 من ص 58 إلى ص 98 ( بتصحيح الشيخ علي محمد الضبّاع، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، د.ت).
15)- ج1 من ص 99 إلى ص 192.
16)- ابن الجزري، النشر: 1/193.
رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمّ(17).
كما نصّ على أنه قرأ عليه القرآن العظيم من أوله إلى آخره ختمتين إفرادا(18)، وجمعا(19) بالقرءات العشر المتواترة، وأنه يجيزه في علم القراءات بأن يقرأ ويقرئ بما قرأه عليه، مشهدا على ذلك عدلين، أثبت اسميهما في آخر الإجازة وإمضاءَيْهما(20).
ولا تزال توجد في تونس إجازات مخطوطة في علم القراءات، وهي متضمّنة لأسانيد أصحابها، وهي تحتاج إلى دراسة وتحقيق ونشر، ومنها مثلا إجازة الشيخ محمد بن محمد الإدريسي الحسني المالكي التونسي، المعروف بحمودة إدريس (ت.1178هـ/1765م) للشيخ أبي حفص عمر بن قاسم المحجوبي التونسي (ت.1222هـ/ 1808م) في القراءات السبع إفرادا وجمعا من طريق الشاطبية، وبمضمّن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للشيخ علي النوري الصفاقسي (ت.1118هـ/1706م)، وذلك سنة 1196هـ/1781م.
وتوجد من هذه الإجازة نسخة خطية ضمن مجموع ( من ص 1ب إلى ص 21 ب ) بدار الكتب الوطنية بتونس رقمه: 13949.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17)- حقق هذه الإجازة وقدّم لها وعلـّق عليها وترجمها إلى اللغة الفرنسية الأستاذ عبد الوهاب بوحديبة حفيد الشيخ عمر بوحديبة، ونشرها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون " بيت الحكمة " تحت عنوان " ثقافة القرآن: حول إجازة الشيخ عمر بوحديبة في القراءات " سنة 2004م، وانظر ص: 13-14 من هذه الإجازة.
والملاحظ أن الدكتور منجي الكعبي قام بدراسة نقدية لتحقيق هذه الإجازة سمّاها " إنارة السبيل لدراسة إجازة في قراءة القرآن الكريم " (و نشرها هو نفسه، مطبعة تونس قرطاج – الشرقية – تونس، 1426هـ/2005م)، وقد كشف في هذه الدراسة عدّة أخطاء مطبعية منهجية وعلمية وقع فيها المحقق، واعتبرها كالمستدرك على عمله.
18)- الإفراد عند القراء هو: أن يفرد القارئ كل قراءة بروايتيها أو برواياتها من غير أن يجمعها مع قراءة أخرى ( العبيدي، الجمع بالقراءات المتواترة: 132، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1427هـ 2006م).
19)- الجمع عند القراء هو: أن يجمع القارئ بين روايتين أو قراءتين متواترتين فأكثر في مجلس واحد وضمن ختمة واحدة (العبيدي،م.ن: 131).
20)- إجازة الشيخ عمر بوحديبة: ص 17-18، 26
وقد ذكر الشيخ حمودة إدريس ضمن هذه الإجازة إسناده المتـّصل بدءا بشيخه محمد الحِرْقَافي (ت.1154هـ/1741م) عن الشيخ علي النوري، ومرورا بالإمام ابن الجزري، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ (21).
وأيضا مثل إجازة الشيخ عبد القادر بن محمد التميمي الشريف للشيخ الفقيه محمد الصادق ابن حسن الزَّرْدِي التونسي (ت.1356هـ/1937م) في القراءات السبع، من طريق التيسير لأبي عمرو الداني (ت.444هـ/1052م)، وحرز الأماني للإمام الشاطبي (ت.590هـ/1193م)، وبمضّمن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للشيخ علي النوري الصفاقسي، وذلك في 6 رمضان 1309هـ/1891م.
وقد ذكر الشيخ عبد القادر التميمي ضمن هذه الإجازة إسناده المتصل بدءا بشيخه المقرئ عبد الرحمـان بن عبد الرزاق الشامي عن الشيخ المقرئ أحمد بن محمد الماطري، ومرورا بشيخ الإفقراء بالديار التونسية أبي محمد حمودة بن محمد إدريس الشريف الحسني، والشيخ علي النوري الصفاقسي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت.926هـ/1520م)، والإمام ابن الجزري (ت.833هـ/1429م)، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ.
وهذه الإجازة ممضاة من المجيز الشيخ عبد القادر التميمي(22).
ولا شكّ أن تاريخ أسانيد القراءات القرآنية المتواترة بتونس مازال يحتاج إلى بحث ودراسة، وحسبنا هذه اللمحة السريعة في هذه المناسبة، لأن غرضي يتعلق هنا بإقامة الدليل على وجود أسانيد للقراءات القرآنية المتواترة بتونس، وكذلك التعريف بإسنادي خاصّة، ولعل الله تعالى ييسّر فرصة أخرى لبسط الكلام، ومزيد البحث في أسانيد القراءات بتونس عموما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21)- إجازة الشيخ عمر بن قاسم المحجوب: ص 2ب – 6أ.
22)- هذه الإجازة مخطوطة خاصة عندي، وتقع في صفحة واحدة كبيرة الحجم، آلت إليّ من تركة أستاذي الشيخ الدكتور محمد عز الدين سلاّم، رحمه الله، وطيّب ثراه. وقد حققت نصّها وعلـّقت عليها، وستنشر إن شاء الله لاحقا ضمن بحث موسّع يتعلق بإجازات القراء في تونس.
ج- ذكر الإسناد الذي أدّى إليّ القراءات العشر المتواترة:
حمدا لمن أنزل القرآن على سيد ولد عدنان، هداية وتذكرة، ويسّره على طالبيه، وأظهر فضلهم ونشره، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد بستان الجمال، وروضة الكمال، القائل:"إن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"، وعلى آله وصحبه وتابعيهم، الذين جمعوا القرآن، وألفوا الكتب المبسوطة والمختصرة، في قراءاته ورواياته المحررة، فأبرزوا المعاني إرشادا وتذكرة وتبصرة، وفاح طيب نشرهم بهداية الهادي، فنالوا تيسير الأجور المعسّرة.
وبعد، فيقول راجي رحمة الرحيم، خادم القرآن الكريم: أبو عبد الله فتحي بن الشريف بن مسعود العبيدي الأبيّ التونسي:
"قرأت القرآن العظيم على فضيلة الأستاذ الشيخ المقرئ سيدي أبي عمرو عثمان بن أبي القاسم بن العربي العياري - رحمه الله تعالى - بالقراءات السبع المتواترة من طريق الشاطبية، وبمضّمن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للعلامة الشيخ علي النوري الصفاقسي، وذلك إفرادا وجمعا، رواية ودراية (23). وأجازني في ذلك كتابيا بتاريخ 28 شوال 1405هـ، الموافق له 17/7/1985م. وقرأت عليه أيضا بالقراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة لابن الجزري، وبمضّمن كتاب البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة لعبد الفتاح القاضي، وكتاب اللؤلؤ المنثور في قراءات العشر البدور لعمّار بن صميدة الخيّاطي إفرادا وجمعا. وأخبرني شيخي المذكور أنه أخذ القراءات عن شيخه الفاضل الأستاذ المقرئ المختار المؤدب، وهو عن الشيخ محمد بن يالوشه الشريف (24)، وهو عن الشيخ محمد البشير التّواتي(25)، وهو عن الشيخ محمد بن الرّايس التونسي(26)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
23)- في الرواية قرأت عليه سبعة عشر حزبا من القرآن العظيم جمعا للقراءات السبع من سور متفرقة، وقرأت عليه حزبين من أول سورة البقرة جمعا للقراءات العشر. وفي الدراية قرأت عليه قسم أصول القراءات كله من شرح ابن القاصح (ت.801هـ/1398م) على الشاطبية المسمّى " سراج القاري المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي.
24)- انظر ترجمة الشيخ ابن يالوشه لعبد الواحد المارغي، حيث ذكر معلومة قراءة الشيخ المختار المؤدب على ابن يالوشه في ذيل الفوائد المفهمة لابن يالوشه: ص 71 (المطبعة العصرية، تونس، ط 5، 1377هـ/1957م.)
25)- م.ن.
26)- هذا ما جاء في فهرس الفهارس للكتاني (1/231) (تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1402هـ/1982م) عندما ترجم المؤلف للشيخ البشير التواتي، وذكر نفس الشيء عندما ترجم للشيخ علي النوري الصفاقسي (2/673). وذكر مخلوف في شجرة النور الزكية (ص 415)، (دار الكتاب العربي، بيروت) أن الشيخ البشير التواتي أخذ القراءات عن الشيخ محمد بن إدريس، وليس محمدا بن الرايس =
وهو عن الشيخ محمد المشّاط الأندلسي التونسي(27)، وهو عن الشيخ حمودة إدريس(28)، وهو عن الشيخ محمد الحِرْقاني الصفاقسي(29)، وهو عن الشيخ الإمام علي النوري الصفاقسي(30)، وهو عن الشيخ محمد الأفراني السوسي المغربي(31)، وهو عن الشيخ عبد الرحمن بن القاضي(32) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ونقل محفوظ في تراجم المؤلفين التونسيين (1/252-253) (دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1405هـ/1985م) ماجاء في الشجرة أثناء ترجمته للشيخ التواتي، دون أن يشير إلى الخلاف المذكور، فنحن أمام خلاف في اسم شيخ البشير التواتي، هل هو محمد بن الرايس أم محمد ابن إدريس؟ وهل هما شخصان مختلفان، أم شخص واحد وقع الخطأ في اسم أبيه؟
هذا مع اتفاق المصدرين المذكورين في الاسم، وفيما يلي الجواب عن هذا الإشكال: الثابت أن الشيخ البشير التواتي قرأ على الشيخ محمد بن الرايس التونسي كما جاء في السند أعلاه، وكما جاء في فهرس الفهارس للكتاني كما ذكر، والدليل على ذلك ما ذكره الشيخ عبد الواحد المارغي (ت.1399هـ/1979م) في ذيله على رسالة هاء الكناية لابن يالوشه(ص 137- 138)،(مطبوع على هامش النجوم الطوالع للمارغني، المطبعة التونسية 1354هـ/1935م)، من أن الشيخ محمدا بن الرايس هو شيخ مشايخ جده، وجده هو الشيخ محمد بن يالوشه (انظر: عبد الواحد المارغني ذيل على الفوائد المفهمة لابن يالوشه، ص 70)، ومشايخ جده كثيرون، منهم الشيخ البشير التوتي (م.ن ص70)، وعليه فيكون الشيخ محمد بن الرايس شيخا للبشير التواتي، وقد ذكر الشيخ عبد الواحد المارغني هذا بمناسبة إيراده لنظم الشيخ محمد بن الرايس، موضوعه طرق حرز الأماني للشاطبي (ت.590هـ/1193م) المقروء به عندنا في تونس.
وأمّا ما جاء في الشجرة لمخلوف فلا يخلو الحال فيه من أمرين، فإما أن يكون الشيخ محمد بن إدريس شيخا آخر للشيخ البشير التواتي، وإما أن يكون صاحب الشجرة أخطأ في اسمه فعوض أن يقول: محمد بن الرايس قال: محمد بن إدريس، وفي كلتا الحالتين يكون الإسناد متصلا قطعا.
27)- الكتاني، فهرس الفهارس: 1/231. مخلوف، الشجرة: 415، محفوظ، تراجم المؤلفين التونسيين: 1/252-253.
28)- م.ن.
29)- م.ن.
30)- م.ن.
31)- الكتاني: فهرس الفهارس: 1/231، علي النوري، غيث النفع: 4( مطبوع على هامش سراج القارئ المبتدي لابن القاصح، ط دار الفكر)، والملاحظ ورود خطأ في هذه الطبعة من الغيث في اسم محمد الأفراني، حيث جاء بالقاف ( الأقراني) و صوابا بالفاء والملاحظ هنا أن الشيخ محمدا الأفراني أيضا على الشيخ سلطان بن أحمد المزّاحي (ت.1075هـ/1664م)، (انظر: الكتاني، فهرس الفهارس: 1/231) الذي يتصل سنده بالإمام ابن الجزري (انظر إسناده ضمن إجازة الشيخ إبراهيم غنيم للشيخ مقبل دياب في القراءات العشر في آخر كتاب "الأصوات في رواية حفص" لأحمد مصطفى أبي الخير (ص 104-114) وعليه فيكون للإسناد طريق آخر يمر عبر الإمام ابن الجزري.
32)- علي النوري،م.ن: 95، أعراب، القراء والقراءات بالمغرب: 109،(دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1410هـ/1990م)
وهو عن الشيخ أحمد العرائشي(33)، وهو عن الشيخ الحسن الدراوي(34)، وهو عن الشيخ أحمد المنجور(35)، وهو الشيخ الإمام محمد بن غازي(36)، وهو عن الشيخ أبي عبد الله الصغير(37)، وهو عن الشيخ أبي الحسن الوهري(38)، وهو عن الشيخ أبي وكيل ميمون الفخار(39)، وهو عن الشيخ أبي عبد الله اللخمي(40)، وهو عن الشيخ أبي الحسن القرطبي، وهو عن الشيخ أبي جعفر بن الزبير وهو عن الشيخ الكمال الضرير أبي الحسن بن شجاع، وهو عن الإمام الشاطبي، وهو عن الشيخ أبي عبد الله محمد النَّفْزي، وهو عن الشيخ ابن غلام الفرس، وهو عن الإمام أبي دواد سليمان بن نجاح، وهو عن الإمام أبي عمرو الداني(41)، بأسانيده المبسوطة في أول كتابه "التيسير في القراءات السبع" ومنها إسناده في قراءة نافع(42)، فقد قرأ من رواية قالون عن أبي الفتح فارس بن أحمد الحمصي، وهو عن أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن المقري، وهو عن إبراهيم بن عمر المقري، وهو عن أبي الحسين أحمد بن عثمان ابن بُويان، وهو عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الأشعث، وهو عن أبي نُشيْط محمد بن هارون المقري، وهو عن قالون أبي موسى عيسى بن مينا المدني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
33)- أعراب، م.ن: 94.
34)- م.ن.
35)- م.ن.
36)- م.ن، والملاحظ أن لابن القاضي أسانيد أخر إلى ابن غازي، غير الإسناد المذكور، انظرها في: م.ن.
37)- م.ن، 70-72، وانظر طريقا آخر للسند عن أبي عبد الله الصغير عند ابن غازي، الفهرس: 36-37 (تحقيق: محمد الزاهي، دار المغرب، الرباط، 1399هـ/1979م)
38)- م،ن :72
39)- م،ن.
40) - انظر طريقا آخر عن أبي عبد الله بن عمر اللخمي عند ابن غازي، الفهرس: 39.
41)- الملاحظ أن لأبي عمرو الداني أسانيد أخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، غير الإسناد المذكور أعلاه، انظرها في مقدمة كتابه التيسير في القراءات السبع:10-16.
42) – انظر طرق القراء الستة الباقين في م، ن. وانظر طرق القراء الثلاثة أبي جعفر (ت.130هـ/ 747م)، ويعقوب (ت. 205هـ/820م)،
وخلف العاشر(ت.229هـ/843م) ضمن إجازة الشيخ إبراهيم غنيم المشار إليها في ص:112- 114 . وفي أوّل كتاب " تحبيرالتيسير
في قراءات الأئمة العشرة لابن الجزري:33-37 (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404هـ - 1983م) وقد اكتفينا بطريق الإمام نافع هنا، ويمكن الرجوع إلى طرق غيره من القراء البدور في المصادر المحال عليها.
الزّرقي، وهو عن أبي رويم نافع بن عبد الرحمان المدني. وقرأ بها من رواية ورش عن أبي القاسم خلف بن إبراهيم ابن خاقان، وهو عن أبي جعفر أحمد بن أسامة التـُجيبي، وهو عن إسماعيل بن عبد الله النحاس، وهو عن أبي يعقوب يوسف بن عمرو الأزرق، وهو عن ورش أبي سعيد عثمان بن سعيد القرشي المصري، وهو عن نافع، وهو عن سبعين من التابعين، منهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وهوعن أبي هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة، عن أُبي بن كعب، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، عن ربّ العزّة جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه.
هذا هوالإسناد الذي أدّى إليّ القراءة عن الأئمة العشرة(43)، من الطرق المرسومة عنهم رواية وتلاوة، ويظهر منه أن عدد رجال السند بيني وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم: ستة وثلاثون(44)، فالحمد لله الذي شرّفني بهذا الفضل، وجعلني من خدام كتابه العزيز، وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
ملاحظة:
أجزت - بحمد الله تعالى - ثلاثة طلبة حافظين لكتاب الله العزيز، في رواية قالون عن نافع، وهم: الشيخ أيوب عوينتي، والشيخ بلال العشي، والشيخة سامية ابن جبارة، وكتبت لهم الإجازات بالسند المذكور المتـّصل إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
43)- إسناد القراءات العشر باعتبار طريق المزّاحي المشار إليه في الهامش رقم (31)،والذي يتصل سنده بابن الجزري، وسيأتي تفصيل ذلك بمشيئة الله وعونه في البحث الموسّع عن أسانيد قراء تونس المشار إليه آنفا.
44)- من رواية ورش. وعدد هؤلاء الرجال من طريق الشيخ سلطان المزّاحي: ثلاثة وثلاثون، وهو إسناد أعلى من الآخر .
الدكتور فتحي العبيدي
جامعة الزيتونة ـ تونس ـ
المقدّمة
نحمده سبحانه وتعالى أن خصصنا بالإسناد، وهدانا بفضله للملــّة الحنيفيـّة والرشاد، ونصلّي ونسلــّم على سيدنا محمد أفصح من نطق بالضاد، وعلى آله وأصحابه الذين سبقونا بالإيمان، وجاهدوا في الله حقّ الجهاد.
وبعد، فإن الإسناد من الدين في الدرجة العلـيّة، وإنه مما خصّص الله به هذه الأمّة المحمّدية. وقد قـيّض الله تعالى من علماء الأمّة من يبحث في الأسانيد، ويعرّف برجالها الفضلاء، ومن هؤلاء الكرام الأستاذ الشيخ د. إبراهيم عبد الرزّاق أبو علي، الذي وفــّقه الله فجمع سند كلّ قراءة من القراءات العشر المتواترة في كتاب مستقلّ، وذلك من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العصر الحاضر، ووجد أن كلّ هذه الأسانيد عن طريق الإمام محمّد ابن الجزري (ت.833 هـ/1429 م)، وقد بحث عن سند لقراءة أو أكثر من عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العصر الحاضر من غير طريق الإمام ابن الجزري ليسجّـل ذلك في الكتاب المشار إليه، وقد أبلغني طلبة الشيخ الفاضل إبراهيم عبد الرزاق، الأخُ الأستاذ د. سعيد الفلاح جازه الله خيرا عن القرآن وأهله، مستظهرا برسالة أرسلها إليه الشيخ إبراهيم عبد الرزاق وذلك منذ سنوات طويلة، فأخذت في البحث عن إسناد القراءات في تونس، وذلك نظرا إلى أنّ مشايخنا في تونس من المعاصرين لا يمدّون الطلاّب بأسانيد القراءات عندما يجيزونهم، ومنهم الشيوخ الذين أخذت عنهم التجويد والقراءات، فهم أيضا لم يمدّوني بإسناد في ذلك، وقد سألتهم عنه فذكروا لي أنهم لم يأخذوه بدورهم عن شيوخهم، وإن كان السند العلمي موجودا وواقعا ومتصلا، وأذكر من هؤلاء الشيوخ شيخنا الفاضل العزيز الأستاذ المقرئ عثمان العيّاري (ت. 1419هـ/1998م).
وقد وفقني الله عزّ وجل إلى العثور على إسناد من غير طريق الإمام ابن الجزري بعد طول بحث، فسررت لذلك وحمدت الله تعالى.
وعلى كل حال، فقد كان الشيخ إبراهيم سببا في هذا البحث، جازاه الله خيرا. وقد بدا لي سبب آخر الآن، وهو إثبات وجود أسانيد القراءات القرآنية المتواترة في تونس لمن يشككون في وجودها أصلا من بعض القراء المشارقة للأسف حسب ما بلغني في المدة الاخيرة ! وكذلك إثبات وجودها لمن يتساءلون عنها أو يدّعون انقطاعها في هذا العصر من بعض المثقفين ببلدنا الطيّب تونس الخضراء.
والملاحظ هنا أن الإسناد المشار إليه، وإن كان من غير طريق الإمام ابن الجزري، إلا أنّ له طريقا آخر يمرّ عبر ابن الجزري، وذلك لأن أحد رجال السند، وهو الشيخ محمد الافراني السوسي المغربي (ت.1081 هـ / 1670 م)، قرأ أيضا على الشيخ سلطان بن أحمد المزاجي (ت. 1075هـ/1664م)، الذي يتّصل إسناده بالإمام ابن الجزري.
وأكون ـ بحمد الله تعالى ـ بذلك جامعا بين الطريقين، جمع الله لنا بين الحسنيين.
والله أسأل أن ينفع بهذا البحث أهل القرآن، وطلبة العلم الشرعي الشريف في هذه الديار وغيرها.
أ ـ تـــمـهيد
1) ـ نبذة في أهمية الأسانيد عموما وأسانيد القراءات خصوصا:
تعريف الإسناد:
لغة: السند يطلق على عدّة أشياء، منها نوع من الثياب، وما قابلك من الجبل، وكل ما يستند إليه ويعتمد عليه من حائط ونحوه (1).
واصطلاحا: السند والإسناد عند المحدثين هم رجال الحديث النبوي الشريف ورواته، الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول (2).
وعند القراء هم رجال القراءات والقراء النقلة لها، وقد نقل القسطلاني (ت.923هـ/1517م) تعريفا للإسناد عن بعض العلماء، وهو:"الطريق المُوصّلة إلى القرآن"(3)، قال الشاطبي(ت.590هـ /1193م):
" جزى اللهُ بالخيرات عنـّا أئمةً لنا نقلوا القرآن عذبا وسلــْسَلاً "(4).
2) ـ أهميّة الإسناد في الدّين وعلومه عموما:
معلوم أن الإسناد خصّيصـَةٌ من خصائص الأمة الإسلامية، ولا توجد هذه الميزة عند الأمم السابقة.
ولا شكّ في أهمية الإسناد في الإسلام، قل الإمام عبد الله بن المبارك (ت. 181هـ /797م):" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"(5).
ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن القرآن الكريم نُقل إلينا متواترا عن طريق الإسناد، وكذلك الشأن في الحديث النبوي الشريف، فقد نقل بالإسناد وإن كان أكثره غير متواتر، ورجال الأصلين عدول حفاظ ثقاة ضابطون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) ابن منظور، لسان العرب: 3/2114 (تحقيق عبد الله علي الكبير وأصحابه، دار المعارف، القاهرة، مصر، د.ت).
2) عجاج خطيب، أصول الحديث: 32 (دار الفكر، ط 3، 1395هـ/1975م).
3) لطائف الإشارات لفنون القراءات: 1/173 ( تحقيق د.عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، مصر، 1392هـ/1972م).
4) حرز الأماني: 5 ( مطبعة الحلبي، مصر، 1347هـ).
5) مسلم، مقدمة الصحيح، باب بيان أن الإسناد من الدين: 1/15 ( تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الدعوة، إسطنبول، 1401هـ/1981م).
وللإسناد فضل في حفظ الدين الإسلامي من التحريف والتغيير، ولا يكاد علم من علوم الشريعة الإسلامية يخلو منه، إلا أن الأسانيد قد تكون في علم أظهر وأبين منها في علم آخر، فالعلوم النقلية كعلوم القرآن وعلوم الحديث والتفسير واللغة لا يمكن أن تستغني عنها، وإن كانت الحاجة إليها في نقل القرآن والحديث أقوى وآكد، لما يترتـّب على صحة السند وضعفه من ثبوت القرآن، وصحّة المقروء به منه، وثبوت الأحكام الشرعية المستنبطة من الأحاديث...(6).
3)- أهمية أسانيد القراءات خصوصا:
كان السماع والمشافهة دعامة النّقل الصحيح في رواية القرآن الكريم بقراءاته المتواترة، ولا يزالان كذلك في كل عصر ومصر.
والإسناد الذي يؤدي القراءات المتواترة مضمّن في إجازات المقرئين لتلاميذهم. ومعلوم أن الإجازة في اصطلاح القراء هي:"إذن الشيخ المقرئ لمن قرأ عليه بأن يروي عنه ما سمعه منه من روايات وقراءات القرآن الكريم بالسند المتـّصل عن مقرئ مقرئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمّ(7). وتعتبر الإجازة شهادة من المقرئ المسند للقارئ المتلقي عنه بأنه أهل لتحمل القرآن حفظا والقراءات دراية ورواية، وأهل أيضا لأدائها، كما يمكن اعتبارها رخصة للتدريس.
ورغم تطور التعليم ومناهجه في العصور الحديثة، والتغيّر الذي طرأ على طريقة تقييم مجهودات الطلبة وتحصيلهم العلمي، وعلى إسناد الشهادات العلمية، فإن العمل بالنظام القديم في الإجازات مازال باقيا والحمد لله، سواء في الحديث النبوي الشريف، أم في القراءات القرآنيّة، خاصة في المشرق العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6)- محمد الأمين، الإسناد عند علماء القراءات: 150( بحث بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، العدد 129، السنة: 37-1425هـ).
7)- المسؤول، معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية: 34-35( دار السلام، مصر،ط 1، 1428هـ/2007م)، وانظر تعريفا آخر للإجازة وأيضا أنواعها عند الشيخ محمد نبهان المصري، " موقع علم القراءات " على الشبكة العالمية للمعلومات (الأنترنات).
وقد عدّ الشيخ علي النوري الصفاقسي (ت.1118هـ/1706م) في كتابه " غيث النفع في القراءات السبع " علم الأسانيد أحد العلوم السبعة (8) التي هي وسائل لعلم القراءات، وقال في تعريفه، وبيان منزلته العلمية:"وهو الطرق الموصلة إلى القرآن، وهو من أعظم ما يُحتاج إليه، لأن القرآن سنّة متّبعة ونقل محض، فلا بد من إثباتها وتواترها، ولا طريق إلى ذلك إلا بهذا الفنّ"(9).
وقد أمكن في العصر الحديث بفضل الطباعة والنشر، نشر نماذج من أسانيد القراءات الموجودة ضمن إجازات المقرئين المتأخرين والمعاصرين، ومن ذلك مثلا إجازة الشيخ المقرئ إبراهيم محمد غنيم للشيخ مقبل محمود دياب في التجويد والقراءات العشر من طريق طيّبة النشر للإمام ابن الجزري (ت.833هـ/1429م)، وذلك سنة 1328هـ/1962م، وهي منشورة في آخر كتاب بعنوان "الأصوات في رواية حفص عن عاصم" تأليف: الدكتور أحمد مصطفى أبو الخير(10).
ب- لمحة عن تاريخ أسانيد القراءات المتواترة بتونس:
أشير أولا إلى عناية القراء بأسانيد القراءات المتواترة عموما، فقد كان المؤلفون السابقون في القراءات يعتنون بذكر أسانيدهم في أوائل كتبهم، مثل الإمام ابن مجاهد (ت.324هـ/935م ) - صاحب كتاب "السبعة في القراءات" الذي ذكر أسانيده إلى أئمة القراءات السبع في أول كتابه هذا (11).
ومثل الإمام مكي بن أبي طالب (ت.437هـ/1045م) - صاحب كتاب "التبصرة في القراءات السبع"- الذي ذكر أسانيده أيضا إلى القراء السبعة ومنهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ(12)، ومثل الإمام أبي عمرو الداني (ت.444هـ/1052م) - صاحب كتاب "التيسير في القراءات السبع"- الذي ذكر أسانيده كذلك إلى الأئمة السبعة(13).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8)- انظر هذه العلوم في صفحة: 21-22 (ط. دار الفكر، د.ت، مطبوع على هامش سراج القاري المبتدي لابن القاصح).
9)- م.ن، ص21.
10)- من ص 93 إلى ص115 ( نشر الدار الفنيّة، القاهرة، مصر، ط 1، 1409هـ/1989م).
11)- من ص 88 إلى ص 101 ( بتحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، مصر، ط 2، 1980م).
12)- من ص 26 إلى 74 ( بتحقيق: محمد غوث الندوي، الدار السلفية، الهند، 1399هـ/1979م).
13)- من ص 10 إلى 16 ( بتحقيق: أوتوبرتزل، ط 3، دار الكتاب العربي، 1406هـ/1985م).
وأيضا الإمام ابن الجزري - صاحب كتاب "النشر في القراءات العشر"- الذي ذكر أسانيده إلى القراء العشرة من خلال كتب القراءات الأصول التي قرأ القرآن الكريم بمُضَمَّنِها على شيوخه(14)، وأيضا أسانيد القراء العشرة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ(15). هذا الإمام الفذ الذي له باع طويل في معرفة رجال أسانيد القراءات - وهو المقرئ الحافظ - والذي اجتهد في دراستها حسب القواعد المعروفة عند علماء الحديث، ويقول في هذا المعنى:" ومن نظر أسانيد كتب القراءات، وأحاط بتراجم الرواة علما عرف قدر ما سبرنا ونقـّحنا واعتبرنا وصحّحنا، وهذا علم أهمل وباب أغلق، وهو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات، والله تعالى يحفظ ما بقي" (16).
واستمر اعتماد الإسناد في القراءات المتواترة في العصور التالية لهؤلاء الأعلام في كتب القراءات، وفي الإجازات التي يمتدّ بها المقرئون تلاميذهم القراء الذين درسوا عليهم فنّ القراءات.
وفي تونس اعتنى القراء أيضا بأسانيد القراءات المتواترة، وأذكر من هؤلاء مثلا الشيخ أبا عبد الله محمدا بن أحمد الثقاقلي البكري القيرواني، المقرئ، الفقيه، الذي أجاز الشيخ أبا حفص عمر بن محمد بوحديبة الترغودي القيرواني (ت.1217هـ/1802م) في القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية (حرز الأماني ووجه التهاني) في القراءات السبع للإمام الشاطبي (ت.590هـ/1193م)، والدرة المضيئة في القراءات الثلاث المتمّمة للعشر للإمام ابن الجزري، وذلك في 15 رمضان 1175هـ الموافق له 31/03/1762م.
وقد ذكر الشيخ الثقاقلي ضمن هذه الإجازة إسناده المتصل، بدءا بشيخه محمد بن علي الشهير بالسبعي، ومرورا بشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت. 926هـ/1520م)، والمحقق الإمام ابن الجزري، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى التابعين والصحابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14)- ج1 من ص 58 إلى ص 98 ( بتصحيح الشيخ علي محمد الضبّاع، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، د.ت).
15)- ج1 من ص 99 إلى ص 192.
16)- ابن الجزري، النشر: 1/193.
رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمّ(17).
كما نصّ على أنه قرأ عليه القرآن العظيم من أوله إلى آخره ختمتين إفرادا(18)، وجمعا(19) بالقرءات العشر المتواترة، وأنه يجيزه في علم القراءات بأن يقرأ ويقرئ بما قرأه عليه، مشهدا على ذلك عدلين، أثبت اسميهما في آخر الإجازة وإمضاءَيْهما(20).
ولا تزال توجد في تونس إجازات مخطوطة في علم القراءات، وهي متضمّنة لأسانيد أصحابها، وهي تحتاج إلى دراسة وتحقيق ونشر، ومنها مثلا إجازة الشيخ محمد بن محمد الإدريسي الحسني المالكي التونسي، المعروف بحمودة إدريس (ت.1178هـ/1765م) للشيخ أبي حفص عمر بن قاسم المحجوبي التونسي (ت.1222هـ/ 1808م) في القراءات السبع إفرادا وجمعا من طريق الشاطبية، وبمضمّن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للشيخ علي النوري الصفاقسي (ت.1118هـ/1706م)، وذلك سنة 1196هـ/1781م.
وتوجد من هذه الإجازة نسخة خطية ضمن مجموع ( من ص 1ب إلى ص 21 ب ) بدار الكتب الوطنية بتونس رقمه: 13949.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
17)- حقق هذه الإجازة وقدّم لها وعلـّق عليها وترجمها إلى اللغة الفرنسية الأستاذ عبد الوهاب بوحديبة حفيد الشيخ عمر بوحديبة، ونشرها المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون " بيت الحكمة " تحت عنوان " ثقافة القرآن: حول إجازة الشيخ عمر بوحديبة في القراءات " سنة 2004م، وانظر ص: 13-14 من هذه الإجازة.
والملاحظ أن الدكتور منجي الكعبي قام بدراسة نقدية لتحقيق هذه الإجازة سمّاها " إنارة السبيل لدراسة إجازة في قراءة القرآن الكريم " (و نشرها هو نفسه، مطبعة تونس قرطاج – الشرقية – تونس، 1426هـ/2005م)، وقد كشف في هذه الدراسة عدّة أخطاء مطبعية منهجية وعلمية وقع فيها المحقق، واعتبرها كالمستدرك على عمله.
18)- الإفراد عند القراء هو: أن يفرد القارئ كل قراءة بروايتيها أو برواياتها من غير أن يجمعها مع قراءة أخرى ( العبيدي، الجمع بالقراءات المتواترة: 132، دار ابن حزم، بيروت، ط 1، 1427هـ 2006م).
19)- الجمع عند القراء هو: أن يجمع القارئ بين روايتين أو قراءتين متواترتين فأكثر في مجلس واحد وضمن ختمة واحدة (العبيدي،م.ن: 131).
20)- إجازة الشيخ عمر بوحديبة: ص 17-18، 26
وقد ذكر الشيخ حمودة إدريس ضمن هذه الإجازة إسناده المتـّصل بدءا بشيخه محمد الحِرْقَافي (ت.1154هـ/1741م) عن الشيخ علي النوري، ومرورا بالإمام ابن الجزري، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ (21).
وأيضا مثل إجازة الشيخ عبد القادر بن محمد التميمي الشريف للشيخ الفقيه محمد الصادق ابن حسن الزَّرْدِي التونسي (ت.1356هـ/1937م) في القراءات السبع، من طريق التيسير لأبي عمرو الداني (ت.444هـ/1052م)، وحرز الأماني للإمام الشاطبي (ت.590هـ/1193م)، وبمضّمن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للشيخ علي النوري الصفاقسي، وذلك في 6 رمضان 1309هـ/1891م.
وقد ذكر الشيخ عبد القادر التميمي ضمن هذه الإجازة إسناده المتصل بدءا بشيخه المقرئ عبد الرحمـان بن عبد الرزاق الشامي عن الشيخ المقرئ أحمد بن محمد الماطري، ومرورا بشيخ الإفقراء بالديار التونسية أبي محمد حمودة بن محمد إدريس الشريف الحسني، والشيخ علي النوري الصفاقسي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت.926هـ/1520م)، والإمام ابن الجزري (ت.833هـ/1429م)، والإمام الشاطبي، والإمام أبي عمرو الداني، وانتهاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلمّ.
وهذه الإجازة ممضاة من المجيز الشيخ عبد القادر التميمي(22).
ولا شكّ أن تاريخ أسانيد القراءات القرآنية المتواترة بتونس مازال يحتاج إلى بحث ودراسة، وحسبنا هذه اللمحة السريعة في هذه المناسبة، لأن غرضي يتعلق هنا بإقامة الدليل على وجود أسانيد للقراءات القرآنية المتواترة بتونس، وكذلك التعريف بإسنادي خاصّة، ولعل الله تعالى ييسّر فرصة أخرى لبسط الكلام، ومزيد البحث في أسانيد القراءات بتونس عموما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
21)- إجازة الشيخ عمر بن قاسم المحجوب: ص 2ب – 6أ.
22)- هذه الإجازة مخطوطة خاصة عندي، وتقع في صفحة واحدة كبيرة الحجم، آلت إليّ من تركة أستاذي الشيخ الدكتور محمد عز الدين سلاّم، رحمه الله، وطيّب ثراه. وقد حققت نصّها وعلـّقت عليها، وستنشر إن شاء الله لاحقا ضمن بحث موسّع يتعلق بإجازات القراء في تونس.
ج- ذكر الإسناد الذي أدّى إليّ القراءات العشر المتواترة:
حمدا لمن أنزل القرآن على سيد ولد عدنان، هداية وتذكرة، ويسّره على طالبيه، وأظهر فضلهم ونشره، وصلاة وسلاما على سيدنا محمد بستان الجمال، وروضة الكمال، القائل:"إن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"، وعلى آله وصحبه وتابعيهم، الذين جمعوا القرآن، وألفوا الكتب المبسوطة والمختصرة، في قراءاته ورواياته المحررة، فأبرزوا المعاني إرشادا وتذكرة وتبصرة، وفاح طيب نشرهم بهداية الهادي، فنالوا تيسير الأجور المعسّرة.
وبعد، فيقول راجي رحمة الرحيم، خادم القرآن الكريم: أبو عبد الله فتحي بن الشريف بن مسعود العبيدي الأبيّ التونسي:
"قرأت القرآن العظيم على فضيلة الأستاذ الشيخ المقرئ سيدي أبي عمرو عثمان بن أبي القاسم بن العربي العياري - رحمه الله تعالى - بالقراءات السبع المتواترة من طريق الشاطبية، وبمضّمن كتاب غيث النفع في القراءات السبع للعلامة الشيخ علي النوري الصفاقسي، وذلك إفرادا وجمعا، رواية ودراية (23). وأجازني في ذلك كتابيا بتاريخ 28 شوال 1405هـ، الموافق له 17/7/1985م. وقرأت عليه أيضا بالقراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة لابن الجزري، وبمضّمن كتاب البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة لعبد الفتاح القاضي، وكتاب اللؤلؤ المنثور في قراءات العشر البدور لعمّار بن صميدة الخيّاطي إفرادا وجمعا. وأخبرني شيخي المذكور أنه أخذ القراءات عن شيخه الفاضل الأستاذ المقرئ المختار المؤدب، وهو عن الشيخ محمد بن يالوشه الشريف (24)، وهو عن الشيخ محمد البشير التّواتي(25)، وهو عن الشيخ محمد بن الرّايس التونسي(26)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
23)- في الرواية قرأت عليه سبعة عشر حزبا من القرآن العظيم جمعا للقراءات السبع من سور متفرقة، وقرأت عليه حزبين من أول سورة البقرة جمعا للقراءات العشر. وفي الدراية قرأت عليه قسم أصول القراءات كله من شرح ابن القاصح (ت.801هـ/1398م) على الشاطبية المسمّى " سراج القاري المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي.
24)- انظر ترجمة الشيخ ابن يالوشه لعبد الواحد المارغي، حيث ذكر معلومة قراءة الشيخ المختار المؤدب على ابن يالوشه في ذيل الفوائد المفهمة لابن يالوشه: ص 71 (المطبعة العصرية، تونس، ط 5، 1377هـ/1957م.)
25)- م.ن.
26)- هذا ما جاء في فهرس الفهارس للكتاني (1/231) (تحقيق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1402هـ/1982م) عندما ترجم المؤلف للشيخ البشير التواتي، وذكر نفس الشيء عندما ترجم للشيخ علي النوري الصفاقسي (2/673). وذكر مخلوف في شجرة النور الزكية (ص 415)، (دار الكتاب العربي، بيروت) أن الشيخ البشير التواتي أخذ القراءات عن الشيخ محمد بن إدريس، وليس محمدا بن الرايس =
وهو عن الشيخ محمد المشّاط الأندلسي التونسي(27)، وهو عن الشيخ حمودة إدريس(28)، وهو عن الشيخ محمد الحِرْقاني الصفاقسي(29)، وهو عن الشيخ الإمام علي النوري الصفاقسي(30)، وهو عن الشيخ محمد الأفراني السوسي المغربي(31)، وهو عن الشيخ عبد الرحمن بن القاضي(32) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ونقل محفوظ في تراجم المؤلفين التونسيين (1/252-253) (دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1405هـ/1985م) ماجاء في الشجرة أثناء ترجمته للشيخ التواتي، دون أن يشير إلى الخلاف المذكور، فنحن أمام خلاف في اسم شيخ البشير التواتي، هل هو محمد بن الرايس أم محمد ابن إدريس؟ وهل هما شخصان مختلفان، أم شخص واحد وقع الخطأ في اسم أبيه؟
هذا مع اتفاق المصدرين المذكورين في الاسم، وفيما يلي الجواب عن هذا الإشكال: الثابت أن الشيخ البشير التواتي قرأ على الشيخ محمد بن الرايس التونسي كما جاء في السند أعلاه، وكما جاء في فهرس الفهارس للكتاني كما ذكر، والدليل على ذلك ما ذكره الشيخ عبد الواحد المارغي (ت.1399هـ/1979م) في ذيله على رسالة هاء الكناية لابن يالوشه(ص 137- 138)،(مطبوع على هامش النجوم الطوالع للمارغني، المطبعة التونسية 1354هـ/1935م)، من أن الشيخ محمدا بن الرايس هو شيخ مشايخ جده، وجده هو الشيخ محمد بن يالوشه (انظر: عبد الواحد المارغني ذيل على الفوائد المفهمة لابن يالوشه، ص 70)، ومشايخ جده كثيرون، منهم الشيخ البشير التوتي (م.ن ص70)، وعليه فيكون الشيخ محمد بن الرايس شيخا للبشير التواتي، وقد ذكر الشيخ عبد الواحد المارغني هذا بمناسبة إيراده لنظم الشيخ محمد بن الرايس، موضوعه طرق حرز الأماني للشاطبي (ت.590هـ/1193م) المقروء به عندنا في تونس.
وأمّا ما جاء في الشجرة لمخلوف فلا يخلو الحال فيه من أمرين، فإما أن يكون الشيخ محمد بن إدريس شيخا آخر للشيخ البشير التواتي، وإما أن يكون صاحب الشجرة أخطأ في اسمه فعوض أن يقول: محمد بن الرايس قال: محمد بن إدريس، وفي كلتا الحالتين يكون الإسناد متصلا قطعا.
27)- الكتاني، فهرس الفهارس: 1/231. مخلوف، الشجرة: 415، محفوظ، تراجم المؤلفين التونسيين: 1/252-253.
28)- م.ن.
29)- م.ن.
30)- م.ن.
31)- الكتاني: فهرس الفهارس: 1/231، علي النوري، غيث النفع: 4( مطبوع على هامش سراج القارئ المبتدي لابن القاصح، ط دار الفكر)، والملاحظ ورود خطأ في هذه الطبعة من الغيث في اسم محمد الأفراني، حيث جاء بالقاف ( الأقراني) و صوابا بالفاء والملاحظ هنا أن الشيخ محمدا الأفراني أيضا على الشيخ سلطان بن أحمد المزّاحي (ت.1075هـ/1664م)، (انظر: الكتاني، فهرس الفهارس: 1/231) الذي يتصل سنده بالإمام ابن الجزري (انظر إسناده ضمن إجازة الشيخ إبراهيم غنيم للشيخ مقبل دياب في القراءات العشر في آخر كتاب "الأصوات في رواية حفص" لأحمد مصطفى أبي الخير (ص 104-114) وعليه فيكون للإسناد طريق آخر يمر عبر الإمام ابن الجزري.
32)- علي النوري،م.ن: 95، أعراب، القراء والقراءات بالمغرب: 109،(دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1410هـ/1990م)
وهو عن الشيخ أحمد العرائشي(33)، وهو عن الشيخ الحسن الدراوي(34)، وهو عن الشيخ أحمد المنجور(35)، وهو الشيخ الإمام محمد بن غازي(36)، وهو عن الشيخ أبي عبد الله الصغير(37)، وهو عن الشيخ أبي الحسن الوهري(38)، وهو عن الشيخ أبي وكيل ميمون الفخار(39)، وهو عن الشيخ أبي عبد الله اللخمي(40)، وهو عن الشيخ أبي الحسن القرطبي، وهو عن الشيخ أبي جعفر بن الزبير وهو عن الشيخ الكمال الضرير أبي الحسن بن شجاع، وهو عن الإمام الشاطبي، وهو عن الشيخ أبي عبد الله محمد النَّفْزي، وهو عن الشيخ ابن غلام الفرس، وهو عن الإمام أبي دواد سليمان بن نجاح، وهو عن الإمام أبي عمرو الداني(41)، بأسانيده المبسوطة في أول كتابه "التيسير في القراءات السبع" ومنها إسناده في قراءة نافع(42)، فقد قرأ من رواية قالون عن أبي الفتح فارس بن أحمد الحمصي، وهو عن أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن المقري، وهو عن إبراهيم بن عمر المقري، وهو عن أبي الحسين أحمد بن عثمان ابن بُويان، وهو عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الأشعث، وهو عن أبي نُشيْط محمد بن هارون المقري، وهو عن قالون أبي موسى عيسى بن مينا المدني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
33)- أعراب، م.ن: 94.
34)- م.ن.
35)- م.ن.
36)- م.ن، والملاحظ أن لابن القاضي أسانيد أخر إلى ابن غازي، غير الإسناد المذكور، انظرها في: م.ن.
37)- م.ن، 70-72، وانظر طريقا آخر للسند عن أبي عبد الله الصغير عند ابن غازي، الفهرس: 36-37 (تحقيق: محمد الزاهي، دار المغرب، الرباط، 1399هـ/1979م)
38)- م،ن :72
39)- م،ن.
40) - انظر طريقا آخر عن أبي عبد الله بن عمر اللخمي عند ابن غازي، الفهرس: 39.
41)- الملاحظ أن لأبي عمرو الداني أسانيد أخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، غير الإسناد المذكور أعلاه، انظرها في مقدمة كتابه التيسير في القراءات السبع:10-16.
42) – انظر طرق القراء الستة الباقين في م، ن. وانظر طرق القراء الثلاثة أبي جعفر (ت.130هـ/ 747م)، ويعقوب (ت. 205هـ/820م)،
وخلف العاشر(ت.229هـ/843م) ضمن إجازة الشيخ إبراهيم غنيم المشار إليها في ص:112- 114 . وفي أوّل كتاب " تحبيرالتيسير
في قراءات الأئمة العشرة لابن الجزري:33-37 (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404هـ - 1983م) وقد اكتفينا بطريق الإمام نافع هنا، ويمكن الرجوع إلى طرق غيره من القراء البدور في المصادر المحال عليها.
الزّرقي، وهو عن أبي رويم نافع بن عبد الرحمان المدني. وقرأ بها من رواية ورش عن أبي القاسم خلف بن إبراهيم ابن خاقان، وهو عن أبي جعفر أحمد بن أسامة التـُجيبي، وهو عن إسماعيل بن عبد الله النحاس، وهو عن أبي يعقوب يوسف بن عمرو الأزرق، وهو عن ورش أبي سعيد عثمان بن سعيد القرشي المصري، وهو عن نافع، وهو عن سبعين من التابعين، منهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وهوعن أبي هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة، عن أُبي بن كعب، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، عن ربّ العزّة جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه.
هذا هوالإسناد الذي أدّى إليّ القراءة عن الأئمة العشرة(43)، من الطرق المرسومة عنهم رواية وتلاوة، ويظهر منه أن عدد رجال السند بيني وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم: ستة وثلاثون(44)، فالحمد لله الذي شرّفني بهذا الفضل، وجعلني من خدام كتابه العزيز، وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
ملاحظة:
أجزت - بحمد الله تعالى - ثلاثة طلبة حافظين لكتاب الله العزيز، في رواية قالون عن نافع، وهم: الشيخ أيوب عوينتي، والشيخ بلال العشي، والشيخة سامية ابن جبارة، وكتبت لهم الإجازات بالسند المذكور المتـّصل إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
43)- إسناد القراءات العشر باعتبار طريق المزّاحي المشار إليه في الهامش رقم (31)،والذي يتصل سنده بابن الجزري، وسيأتي تفصيل ذلك بمشيئة الله وعونه في البحث الموسّع عن أسانيد قراء تونس المشار إليه آنفا.
44)- من رواية ورش. وعدد هؤلاء الرجال من طريق الشيخ سلطان المزّاحي: ثلاثة وثلاثون، وهو إسناد أعلى من الآخر .