أسامة عبد الرحمن المراكبي
New member
[FONT="]كيف نتدبر القرآن؟[/FONT]
[FONT="]أساليب منهجية في التدبر[/FONT]
[FONT="]ملخص بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي لتدبر القرآن الكريم[/FONT]
[FONT="]فقد انتشرت في السنوات الأخيرة دعوات محمودة لإحياء فريضة تدبر القرآن الكريم ، ولاقت بحمد الله قبولا طيبا لدى الخاصة من أهل القرآن والعامة من المسلمين على سواء ، وفي وقت قصير تحركت الهمم واشتعل الحماس لإعادة التواصل من جديد مع القرآن الكريم ،وبذلت جهود في جانبين مهمين من هذا الموضوع: [/FONT]
[FONT="]الأول:[/FONT][FONT="] تأصيل علم التدبر القرآني.[/FONT]
[FONT="]والثاني:[/FONT][FONT="] تطبيقات التدبر القرآني.[/FONT]
[FONT="]وفي الجانب التطبيقي يمكن للمتابع رصد منهجين أيضا : [/FONT]
[FONT="]أولهما:[/FONT][FONT="] منهج جمع التراث التدبري المتفرق في مصادر التفسير وغيرها من كتب العقائد والتزكية والتراجم..إلخ[/FONT]
[FONT="]ثانيهما:[/FONT][FONT="] منهج انتاج نظرات تدبرية جديدة .[/FONT]
[FONT="]ومع تداخل المنهجين في كثير من الأعمال فقد ظلت الغلبة دائما للمنهج الأول ، أعني منهج جمع ونقل التراث التدبري عن السابقين الأولين من العلماء والربانيين . وهذا أمر طبيعي إذ كان الجهد فيه يسيرا والثمرة عظيمة ففي منهج الجمع لا يحتاج الباحث إلى شيء أكثر من الصبر على القراءة لجرد الكتب مع بعض الذكاء في اختيار المصادر الأغنى بمادة تدبرية ، فما يكاد يخطو خطوات حتى تنثال عليه الدرر من كل جانب . ولكن يبقى هذا العمل عبارة عن عملية استيراد تأخذ من إبداع الآخرين وجهودهم منتجا جاهزا دون أن تحاول بذل الجهد لإبداع منتجها الخاص في التدبر القرآني .[/FONT]
[FONT="]ولما كان الاستيراد دائما أيسر من الإنتاج ، وقطف الثمر أحلى من غرس الشجر ، فقد قل السائرون على الطريق الثانية أعنى طريق الانتاج والإبداع بما يحتاجه من تكاليف ، وساعد على ذلك أسباب منها غياب المنهجية العلمية لعملية التدبر القرآني ، وهو ما ظل يثير هذا السؤال المباشر والمتكرر دائما " كيف نتدبر القرآن ؟ " ، إننا نملك تراثا رائعا من التدبر، وهدفنا ليس مجرد نقل التدبر بل إنتاجه ، هدفنا ليس قطف الثمرة بل غرس شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ،وقديما قيل لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد .[/FONT]
[FONT="]ومن هنا يأتي هذا البحث ليحاول تقديم إجابة محددة لهذا السؤال الكبير " كيف نتدبر القرآن ؟" [/FONT]
[FONT="]ومن العبث في البحث عن كيفية التدبر أن نبدأ من الصفر ، كيف ونحن نمتلك تراثا فريدا تركه لنا العلماء والربانيون عبر خمسة عشر قرنا من الزمان ، لذا كان علينا أن ننظر في هذا التراث لنكتشف الأسلوب والطريقة ، ونعرف المنهج والوسيلة، بما يمكننا من الإضافة إليه والبناء عليه في عملية مستمرة من الإنتاج والإبداع في تدبر القرآن الكريم .[/FONT]
[FONT="]إن الهدف من إبراز هذه الأساليب هو تيسير مهمة التدبر على قارئ القرآن ودارسه ، ومساعدة العامة والخاصة في عملية "تثوير القرآن" لاستخراج علومه وحكمته التي لا تنفد.[/FONT]
[FONT="]إن إعجابنا بروائع الوقفات التدبرية التي نجدها لدى السلف والأئمة ينبغي أن يحرك هممنا لاكتشاف الطريقة التي انتهجوها والأساليب التى استعملوها للخروج بهذه الثمرة الطيبة.[/FONT]
[FONT="]وهذه بعض الأساليب التي أمكن الباحث ملاحظتها مشفوعة بنماذج تطبيقية لها . على أنه لا يحتاج إلى تنبيه أن نقول إن أساليب التدبر ليست محصورة فيما نذكر ، وإن بإمكان الباحث والقارئ استنباط أساليب جديدة أو اكتشافها لدى السابقين من العلماء والربانيين.[/FONT]
[FONT="]من أساليب التدبر :[/FONT]
[FONT="]1- [/FONT][FONT="]التعميم :[/FONT][FONT="]وهو أن يتجاوز القاريء خصوص الآية ليعممها على ما يشابهها من حالات ، .عن سلمان رضي الله عنه قال: إنما الصلاة مكيال فمن أوفى أوفي له، ومن طفف فقد سمعتم ما قال الله في المطففين " (الدر المنثور :8/ 442). وقال ابن القيم رحمه الله: حذار حذار من التهاون بالأمر إذا حضر وقته، فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه ، قال تعالى (إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين). ( بدائع الفوائد:3/ 699)[/FONT]
[FONT="]2- [/FONT][FONT="]التخصيص:[/FONT][FONT="] ونعني به أن يستشعر القاريء أنه المخصوص بالآية عامة كانت أو خاصة ، يقول الغزالي : وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن؛ فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهيُّ والمأمور، وإن سمع وعدا أو وعيدا فكمثل ذلك .. قال محمد بن كعب القرظي من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله (الإحياء:1/285) عن نافع قال : كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له : لو اشتريت لهم بثمنه طعاما كان أنفع لهم من هذا؟ فيقول : إني أعرف الذي تقولون ؛ولكن سمعت الله يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وابن عمر يحب السكر".[/FONT]
3- [FONT="]الاعتبار:[/FONT][FONT="]وهو أن يَعْبُرَ بالآية عمن نزلت فيه من الكفار والمنافقين إلى غيره ، فإن من فعل فعلهم لا يأمن أن يعاقب عقابهم ، وقد قال بعض المفسرين : كل آية في الكفار تجر ذيلها على عُصاة المؤمنين " (البحر المديد :3/283)، عن جابر قال رأى عمر لحما معلقا في يدي فقال : ما هذا يا جابر ؟ فقلت : اشتهيت لحما فاشتريته ، فقال أو كلما اشتهيتَ [/FONT][FONT="]اشتريتَ يا جابر ؟ أما تخاف هذه الآية : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } (الآداب الشرعية:3/341).[/FONT]
4- [FONT="]ملاحظة الترتيب[/FONT][FONT="]:[/FONT][FONT="]يقول الفخر الرازي: قوله (رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين) الربوبية لبداية حالهم ( ألست بربكم قالوا بلى )، والملك لنهاية حالهم ( لمن الملك لله الواحد القهار)، وبينهما اسمان مطلقان لوسط حالهم "الراحمون يرحمهم الرحمن،ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ". (الفخر 1/232، والنيسابوري:1/126)[/FONT]
5- [FONT="] ملاحظة مفهوم العبارة : يقول ابن تيمية رحمه الله : وقوله(إن رحمة الله قريب من المحسنين) له دلالة بمنطوقه، ودلالة بإيمائه وتعليله، ودلالة بمفهومه : فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان، ودلالته بتعليله وإيمائه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان؛ فهو السبب في قرب الرحمة منهم، ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين؛ فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة" مجموع الفتاوى (15/ 27)[/FONT]
6- [FONT="] ملاحظة العلاقة بين العمل وجزائه:إذا قرأت جزاء فلاحظ العمل قبله ، فإن الجزاء من جنس العمل، يقول الحسن رضي الله عنه :إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثواباً( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) ،وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة ( فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) ، يقول "الغساق": عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى .(الكشاف: 4/102) .[/FONT][FONT="]ويقول ابن الجوزي:ومن عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسف: ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ ) امتدت أكفهم بين يديه بالطلب، يقولون: ( وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ) . (صيد الخاطر:15)[/FONT]
[FONT="]وفي قوله تعالى { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } يقول البيضاوي :في ترتيب السؤال على مجرد الإيمان دليل على أنه كاف في إستحقاق المغفرة" (أنوار التنزيل: 16)[/FONT]
8- [FONT="] ملاحظة الشروط : إذا قرأت وعدا فلاحظ شرطه المقترن به ، فقلما كان الوعد إلا مشروطا. يقول الغزالي : لا يُرَى ذكرُ المغفرة والرحمة إلا مقرونا بشروط يقصر العارف عن نيلها كقوله عز و جل (وإني لغفار )، ثم أتبع ذلك بأربعة شروط:( لمن تاب، وآمن، وعمل صالحا، ثم اهتدى)، وقوله تعالى :(والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، ذكر أربعة شروط . وحيث اقتصر ذكر شرطا جامعا، فقال تعالى :(إن رحمة الله قريب من المحسنين) ، فالإحسان يجمع الكل.( الإحياء :1/285)[/FONT]
[FONT="]وفي قوله: { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق } يقول الحسن رضي الله عنه : انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة".(تفسير ابن كثير: (8/ 271).[/FONT]
9- [FONT="]ملاحظة فروق التعبير: [/FONT][FONT="]لما قال الله جل وعز في أهل النار (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) قال ابن عطية : والكلام هنا يقضي أن فتحها إنما يكون بعد مجيئهم، وفي وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم، وهكذا هي حال السجون، ومواضع الثقاف والعذاب بخلاف قوله في أهل الجنة " وفتحت " فالواو مؤذنة بأنهم يجدونها مفتوحة كمنازل الأفراح" (المحرر:4/610)، قال الزمخشري: بدليل قوله تعالى ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الاْبْوَابُ ) (الكشاف :4/150) [/FONT]
[FONT="]10- [/FONT][FONT="]التركيب:[/FONT][FONT="] ونعني به أن الفائدة التدبرية قد تؤخذ من تركيب آيتين أو أكثر معا، يقول النيسابوري :[/FONT][FONT="] قوله (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية.... ذلك لمن خشي ربه) مع قوله ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ظاهر في أن العلماء بالله هم خير البرية، اللهم اجعلنا منهم" . (غرائب القرآن: 6/ 545) [/FONT]
[FONT="]11- [/FONT][FONT="]ملاحظة الإشارة : [/FONT][FONT="]يقول القشيري: قوله جلّ ذكره (فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى المِحْرَابِ[/FONT][FONT="])[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="]لما سأل السؤال، ولازم الباب أَتَتْهُ الإجابةُ[/FONT][FONT="] .[/FONT][FONT="]وفيه إشارة إلى أن من له إلى الملوك حاجة فعليه بملازمة الباب إلى وقت الإجابة .(لطائف الإشارات :1/ 309).[/FONT]
[FONT="]12- [/FONT][FONT="]المقابلة :[/FONT][FONT="] وهو أن يجمع القارئ بين الآية وما يقابلها من آيات فيظهر له من المعاني ما خفي عنه، قال القرطبي: يقال:إن من أعطى الحكمة والقرآن فقد أعطى أفضل مما أعطى من جمع علم الأولين من الصحف وغيرها، لأنه قال لأولئك: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ). وقال عن القرآن (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) . [/FONT][FONT="]، [/FONT][FONT="]وقال بعض الحكماء: من أعطى العلم والقرآن ينبغى أن يعرف نفسه، ولا يتواضع لاهل الدنيا لاجل دنياهم، فإنما أعطى أفضل مما أعطى أصحاب الدنيا، لان الله تعالى سمى الدنيا متاعا قليلا فقال: ( قل متاع الدنيا قليل ) وسمى العلم والقرآن " خيرا كثيرا " فقال (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا). الجامع للقرطبي:[/FONT][FONT="] (3/ 330) بتصرف .[/FONT]
13- [FONT="]مقارنة الآيات بالواقع[/FONT][FONT="]: يقول مطرف بن عبد الله :إني لأستلقي من الليل على فراشي فأتدبر القرآن كله فأعرض نفسي على أعمال أهل الجنة فأرى أعمالهم شديدة ( كانوا قليلا من الليل ما يهجعون...)(تاريخ دمشق: 58/ 298). ويقول بعضهم :ملوك الأرض يقولون لك "ممنوع الاقتراب والتصوير" ، ومالك الملك يقول لك (كلا لا تطعه واسجد واقترب).[/FONT]
14- [FONT="]ملاحظة التنبيه بالأدنى على الأعلى وعكسه[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]في قوله تعالى ([/FONT][FONT="] ليسئل الصادقين عن صدقهم ) قال[/FONT][FONT="] الفضيل: لم تتزين العباد بشي أفضل من الصدق والله عز وجل سائل الصادقين عن صدقهم فكيف بالكذابين المساكين ثم بكى " تاريخ دمشق (48/ 444)،وفي قوله تعالى[/FONT][FONT="](فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ)(الأحزاب:32)يقول ابن جبرين رحمه الله :فإذا كان هذا الطمع في أمهات المؤمنين فلابد أن يكون في غيرهن بطريق الأولى، فإن الله اختار لنبيه أفضل النساء وأعفهن " الفتاوى :120.[/FONT]
[FONT="]تم الملخص والله الموفق..[/FONT][FONT="] د. أسامة عبد الرحمن المراكبي [/FONT]
[FONT="]كلية أصول الدين جامعة الأزهر[/FONT]
[FONT="][email protected][/FONT]