الكثير يتكلم عن السلفية والسلفيين بدون معرفة ، يسمع عنهم ولا يسمع منهم ، والأمر يحتاج لفهم وعلم بهم وبحالهم. ---------- فإن من دواعي سرور النفس ما نراه من تنامي التيار السلفي وزيادة المنتسبين إليه علمًا وعملاً، والحمد لله رب العالمين، ولا شك أن هذا مما يثلج صدر كل محب للكتاب والسنة، وكل حريص على تمسك الناس بهما، ولا يكدر على المرء فرحته هذه إلا ما يقع من وقت لآخر ممن يتحاملون على السلفية والسلفيين بجهل أو بسوء قصد؛ ليثير حفيظة العوام ضدهم، ويزرع في القلوب الأحقاد، ببث الشبهات والتهم حول السلفية. لقد ظلمت السلفية -وظلم السلفيون- ظلمًا شديدًا، ولم يمنع ذلك الظلم استمرار السلفيين على نهج من سبقهم من أهل السنة والجماعة، فيقومون بنفس ما قام به سلفهم الصالح من نشر الحق، والرد على شبهات الباطل، ونصر السنة وقمع البدعة، والحرص على وحدة المسلمين على الحق ونبذ التفرق، وكان لابد من مشاركة في دفع الشكوك والتهم، والزود عن المنهج السلفي بالحجة والبرهان. إن السلفية كمنهج ليست حكرًا على فئة من الناس دون غيرهم؛ لأنها هي الإسلام بفهم قرون الخيرية من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ومن سار على نهجهم في كل زمان ومكان؛ لذا فدفاعنا هنا عن السلفية دفاعًا عن منهج قبل أن يكون دفاعًا عن أفراد، هو جهد مقل تعرضتُ فيه لبعض القضايا التي تدور في فلك السلفية بالإيضاح والبيان، ولبعض الشبهات والأباطيل حول السلفيين بالدحض والإبطال. وجعلتها على صورة سؤال وجواب تشويقًا للقراء.وكتبه الدكتور علاء بكر وهو من البارزين في هذا المجال ، (أسئلة وأجوبة حول السلفية) وقد تناولته ببعض التصرف ، وفقه الله وأعانه وتقبل منا ومنه.
1- ما المراد بالسلف والسلفية؟ كلمة السلفية لغة: مصدر صناعي، في آخره ياء وتاء[1]، فأصل الكلمة: "سلف". وكلمة "سَلَفَ" بمعنى: مضى وتقدم. فالسالف: المتقدم. وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون وقرابته الذين هم فوقه في السن والفضل[2]. قال -تعالى-: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) (النساء:22)، وقال -تعالى-: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) (النساء:23). وقال -تعالى-: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) (المائدة:95). وقال -تعالى-: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال:38). أما من الناحية التاريخية فالمراد بالسلف: الصحابة والتابعون، وتابعوهم ومن وافق الكتاب والسنة، فمن خالف برأيه الكتاب والسنة فليس بسلفي وإن عاش بين أظهر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
2- ما هو تعريف السلفية كاصطلاح؟ السلفية اصطلاحًا: ما كان عليه الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة وعُرفَ عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفًا عن سلف، كالأئمة الأربعة وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وابن المبارك، والنخعي، والبخاري، ومسلم، وسائر أصحاب السنن، دون من رمي بالبدعة أو شهر بلقب غير مرضي مثل: الخوارج والروافض[3]، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة[4]. فكل من التزم بعقائد وفقه هؤلاء الأئمة كان منسوبًا إليهم، وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان، وكل من خالفهم فليس منهم وإن عاش بين أظهرهم، وجمع بهم نفس المكان والزمان.
3- من مؤسس المذهب السلفي؟ السلفية ليست من تأسيس بشر، إنما هي الإسلام نفسه، كتابًا وسنة، بالفهم الصحيح علمًا وعملاً، وتمسك بما كان عليه الإسلام في زمن النبوة، وبما كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-*. 4- ما المراد بقولهم: "حتمية المنهج السلفي"؟ المراد بحتمية السلفية: الأخذ بها والعمل بمقتضاها، فلا سبيل للنهوض بالأمة إلا بالعودة إلى الإسلام، والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة، والتطبيق الأمثل والأكمل للكتاب والسنة إنما هو في جيل الصحابة ومن سار على نهجهم، والسلفية عودة بالإسلام إلى منبعه الصافي النقي وبالفهم الأمثل والأكمل. والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أنه ترك لنا ما إن تمسكنا به فلن نضل بعده أبدًا: كتاب الله وسنته، وأمرنا بالتمسك بسنته وسنة أصحابه من بعده، وأن من لزم ذلك كان من الناجين حال اختلاف أمة وافتراقها. ومن أظهر التمسك بما كان عليه السلف وأظهر الانتساب له يجب قبول ذلك منه إذ هم خير قرون الأمة كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-. 5- متى مصطلح السلفية تاريخيًا؟ وما هو سبب ظهوره كمصطلح؟ ظهر مصطلح "السلفية" نسبة إلى "السلف" في العصر العباسي، في مقابلة "الخلف"، حيث زعم الأشاعرة والماتريدية أن طريقة الخلف ومنهجهم أحكم وأعلم من طريقة السلف، وادعوا نصرة مذهب السلف وأهل السنة والجماعة، ولكن بطريقة المتكلمين في تقديم العقل على النقل. ولما كانت طريقة السلف أعلم وأحكم وأحوط وأسلم من طريقة الخلف بتقديم النقل على العقل، فقد صار مصلطح "السلفية" يطلق على المتمسكين بطريقة السلف وعقائدهم الرافضين لمنهج الخلف وطريقتهم في الاستدلال. والأشاعرة والماتريدية رغم جهودهم المبذولة في الرد على الفرق المبتدعة خاصة المعتزلة إلا أن طريقتهم في الاستدلال بالأدلة العقلية أوقعتهم في مخالفات لبعض عقائد السلف في أمور الأسماء والصفات، والقضاء والقدر، والإيمان، وكلام الله -عز وجل-، كما هو معروف عنهم، فهم بذلك مخالفون لأهل السنة والجماعة في مسائل؛ لذا فنسبتهم إلى أهل السنة ليست بصواب وإن كانوا من أخف أهل البدع ابتداعًا، وأقربهم لمذهب أهل السنة. وقد ثبت عن أبي الحسن الأشعري نفسه والذي إليه ينسب المذهب الأشعري رجوعه في مؤلفاته الأخيرة إلى مذهب أهل السنة والجماعة على طريقة السلف عقيدة ومنهاجًا، مثل كتابيه: "الإبانة عن أصول الديانة"، و"مقالات الإسلاميين".
==============
[1]- المصدر الصناعي يكون بإضافة ياء النسب ثم التاء المربوطة في آخر الكلمة. [2] - راجع في ذلك: لسان العرب لابن منظور. ط. دار المعارف ج3، ص 2068- 2070، وانظر محيط المحيط لبطرس البستاني ج 3/983. [3] - الشيعة. [4] - ابن حجر القطري "العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية". * فالمذهب السلفي إذن مذهب قديم قدم الإسلام نفسه، ولم ينشأ ويتطور بعد عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما نشأت الفرق بعد عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وشهدت تطورًا جيلاً بعد جيل، كما أن المذهب السلفي لا يقوم كغيره من مذاهب الفرق الأخرى على نسق من موضع أحد العلماء أو المفكرين.
6- يزعم البعض أن السلفية إنما ظهرت كرد فعل في مواجهة تيار الفكر العقلاني عند المتكلمين من المسلمين بعد حركة ترجمة الكتب اليونانية القديمة في العصر العباسي. فما صحة ذلك؟
هذا زعم خاطئ قطعًا، فليست السلفية رد فعل من عوام الأمة في مواجهة تيار الفكر العقلاني لدى الفلاسفة والمتكلمين الذي ظهر وانتشر في العصر العباسي، فتمسك جمهور أهل السنة بالنصوص الشرعية وتقديم النقل على العقل إنما كان اتباعًا لجيل الصحابة -رضي الله عنهم- وأهل الحديث، وهو أمر سابق على ظهور حركة الترجمة والتأثر بطريقة المتكلمين التي سادت في العصر العباسي لدى الكثيرين من الفرق المخالفة لأهل السنة: كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهما. لأن السلفية بصفتها منهجًا لفهم الإسلام والتزامه، تمثلت في جيل الصحابة بصورتها الأنقى، ولهذا كانت الدعوة إلى السلفية دعوة إلى الرجوع لذلك المنهج، ولأن الدعوة إلى السلفية، أي إلى منهج صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نادى بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، ونادى بها علماء الصحابة أنفسهم وتابعوهم قبل العصر العباسي، فهناك فَرْق بين ظهور المصطلح وبين وجود المنهج السابق على ظهور المصطلح. فائدة: ينبغي التفرقة بين السلفية كعقيدة ومنهج نشأ وتبلور في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وبين مصطلح السلفية الذي ظهر متأخرًا في أيام الدولة العباسية بعد التأثر بحركة الترجمة للفلسفة اليونانية وعلومها. فقبل ظهور مصطلح السلفية نسبة إلى السلف من الصحابة والتابعين كان هناك من يحمل عقيدة السلف ومنهجهم، وهم الذين سموا بأهل الحديث في فترة من الفترات، وسموا بأهل السنة والجماعة في فترة أخرى. لذا فالسلفية كمصطلح هو مرادف لأهل السنة والجماعة ومرادف لأهل الحديث. أما مصطلح السلفية فأطلق في مقابلة مصطلح "الخلف" لما أراد المتأخرون "الخلف" نصرة مذهب أهل السنة في ظنهم على طريقة المتكلمين زاعمين أن هذا المنهج -منهج المتكلمين- أعلم وأحكم فقام المتمسكون بمنهج السلف في الاستدلال بتسمية منهجهم: بالمنهج السلفي. فالسلف في مقابلة الخلف اصطلاحًا.
7- يتردد أحيانًا تعبير: "سلفية ما قبل الخلاف" و"سلفية ما بعد الخلاف" فماذا يعني هذا التعبير؟ وما هي الدلالة الفكرة المرادة بذلك؟
الخلاف المراد هنا الاختلاف الذي ظهر بين المسلمين في أمور العقيدة، وقد بدأ هذا الخلاف في أواخر عهد الصحابة في شكل آراء مبتدعة تخالف ما عليه الصحابة، ولكن هذه الآراء كانت لأفراد قلة منفردين، ثم تبعهم عليها آخرون: كالخوارج، والشيعة، والقدرية، ولكن هذه البدع العقائدية تبلورت في مدارس فكرية عقائدية في أوائل العصر العباسي، وتشعبت وتعددت وصارت لها فرق متعددة: كالمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية، والمرجئة.. الخ. وسلفية ما قبل الخلاف: هي سلفية الإيمان لدى الصحابة وتابعيهم القريبين منهم، الذين كانوا يتلقون الإيمان من كتاب الله وسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأفواه الصحابة دون أن تسبق ذلك إلى فهومهم تصورات محددة يبنون ما تلقوه من النصوص عليها. وسلفية ما بعد الخلاف: فهي المواقف التي اتخذها سلفيون بعد تبلور مدارس الخلاف العقدي، والتي يتمثل موقف الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- من المعتزلة في قضية خلق القرآن أبرز نماذج تمثلاتها الأولى. وتتجلى سلفية ما بعد الخلاف في المؤلفات التي بُنيَت مسائلها اختيارًا وترتيبًا ودراسة على ما هو مثار في الساحة الفكرية -لعصر صاحبها- من مسائل خلافية في العقيدة. فسلفية ما قبل الخلاف لدى الصحابة كانت تمثل الإسلام في مقابلة الجاهلية المحضة الموروثة معتقداتها قبل ظهور الإسلام. وسلفية ما بعد الخلاف تمثل الفهم النقي للإسلام في مواجهة المناهج الخارجة عن معتقدات الصحابة المأخوذة من الكتاب والسنة. فسلفية ما قبل الخلاف: تعني العودة إلى الجيل الأول بفهمه للكتاب والسنة، والاستغناء بذلك عن البحث في الآراء في المسائل العقدية لدى الأمة بعد أن تفرقت وكثرت تياراتها الفكرية، بما في ذلك المؤلفات لعلماء السلفية في الرد على المخالفين في أصول العقيدة وبيان انحرافهم وتركهم للحق. وسلفية ما بعد الخلاف تعني: الأخذ بكتابات ومواقف علماء السلفية عبر عصور ما بعد الخلاف، والاستفادة منها في معرفة مدى أخطاء وضلالات الفرق المخالفة والتي قد تكون دقيقة تلتبس على البعض. وبالنظر إلى أن هناك من العلماء والمفكرين من لا ينتبهون إلى فوارق وأخطاء الفرق المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف، أو يهون كثيرًا من شأنها لعدم استيعابهم لحجم هذه الانحرافات وخطورتها، كل ذلك يبين أهمية الوعي بكتابات ومواقف السلفيين فيما بعد الخلاف بردودهم على الفرق المنحرفة ونقدهم لها منهجًا واعتقادًا. إن مقولات الفرق المنحرفة تعدت كتب العقيدة ودخلت في الكثير من العلوم الإسلامية: كالسنة، والتفسير، واللغة، والفقه، بل والرقائق والأدب، مما لا يسلم من التعرض له طلاب العلم في دراساتهم، ومن ثمَّ لزم على طلاب العلم أن يستوعبوا كتابات أئمة المنهج السلفي في القضايا العقائدية، حتى يتمكنوا من التمييز بين الخطأ والصواب، الحق والباطل، السنة والبدعة.
ويؤيد ذلك: 1- أن ما قدمه سلفيو ما قبل الخلاف -رضي الله عنهم- كان في غالبه عرضًا مجملاً في بعض قضايا العقيدة؛ لأنهم في زمانهم لم يكونوا بحاجة إلى التفصيل فيها على النحو الذي استشرى في الأزمان التي تلت زمنهم، مما حدا بسلفي ما بعد الخلاف إلى الخوض في تفاصيل هذه العقيدة حماية لعقيدة المسلمين من الخروج عن عقيدة السلف. 2- إن دعاة الانحراف المخالفين لعقائد الصحابة المستمدة من الكتاب والسنة لا يظهرون مصادمة الكتاب والسنة ومناوئة ما ورد عن السلف الصالح، حتى يسهل على المسلم المقبل على الكتاب والسنة المعظم لهدي السلف الصالح أن يتجنبهم، ولكنهم يتظاهرون بالغيرة على الإسلام، والرغبة في تنزيه صفات الله وأسمائه، والرد على الطاعنين في الدين، ويكثرون من الاستشهادات والتعليلات بصورة تلتبس على من لا يعرف مقالات علماء السلفية جيلاً بعد جيل في بيان هذه الانحرافات وخطورتها. أما العوام من المسلمين من غير الطلاب الدارسين فقد يكون عرض سلفية ما قبل الخلاف عليهم لتقرير عقائد السلف دون مسائل الاختلاف وآراء الفرق المنحرفة بما يكسبهم حصانة تجعلهم ينفرون من الضد المخالف لو عرض عليهم أو تعرضوا له[1].
[1]- "ولعل كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- "التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" يعد تطبيقًا أنموذجيًا لهذا العرض لسلفية ما قبل الخلاف على عموم المسلمين مع كون أشار بسهولة ويسر لبعض المسائل المشهورة لما بعد الخلاف".