السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
السؤال الأول :
هناك بعض السور التي وردت أسماءها في أحاديث نبوية صحيحة مثل البقرة وآل عمران والكهف وغيرها. ولكنها قليلة.
بالنسبة لباقي السور ،
1- ما هو قول جمهور العلماء في أسماءها ؟ توقيفي من الله عز وجل أم اجتهادي من الصحابة؟
2- ما هو القول الراجح حسب علمكم ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا ما سطره الدكتور مساعد الطيار - وفقه الله وحفظه - في هذي المسألة ؛ من كتابه ( المحرر في علوم القرآن ) :
" يظهر أن تسمية السور كان قديما جدا ، حيث كان مع بدايات النزول ، فالتسمية كانت مكية المنشأ ؛ لأن الصحابة المكيين قد رووا أحاديث كثيرة فيها أسماء للسور ، ومن ذلك حديث جعفر الطيار رضي الله عنه مع النجاشي ملك الحبشة ، حيث قرأ عليه سورة مريم .
والمقصود من التسمية تمييز المسمى عمن يشابهه ، ويمكن تقسيم التسميات - من حيث المسمِّي - إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما ثبت عن النبي صل1 ، وهذا كثير ، ومن أمثلته :
1- ما رواه مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صل1 : ( اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه . اقرؤوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف - تُحَاجَّان عن أصحابهما . اقرؤوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا يستطيعها البطلة ) .
2- وما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل1 : ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ) .
القسم الثاني : ما ثبتت تسميته عن الصحابي ، ومثال ذلك ما رواه البخاري بسنده عن سعيد بن جبير قال : ( قلت لابن عباس رضي الله عنه : سورة الحشر . قال : قل : سورة بني النضير ) .
القسم الثالث : تسمية من دون الصحابي إلى وقتنا هذا ، وغالب تسمياتهم تأتي حكاية لبداية السورة ؛ كقولهم : سورة ( أرأيت ) ، سورة ( لم يكن ) ، وهكذا ؛ حيث إنه لم يرد النهي عن تسمية السور بأسماء تدل عليها ، وعلى هذا مضى السلف والخلف ، حتى صار ما رأيتَ من تسمية السورة بحكاية أولها ، وذلك هو الغالب على الكتاتيب ، ودور تحفيظ القرآن الكريم .
ومما يحسن عِلْمُه في هذا الموضوع ما يأتي :
1- أن بعض السور لها أكثر من اسم ، وهي إما أن تكون مما أُخِذَ عن الصحابة ، أو يكون شيءٌ منها مما ثبت عنهم أو عن النبي صل1 ، ثم اشتهر عند المتأخرين اسم آخر .
2- أن تسميات السور لها علاقة بشيء مذكور في السورة ، وهي على أقسام :
- منها ما يكون موضوعه مذكورا في السورة ؛ كسورة ( التوبة ) ؛ سميت بهذا الاسم لورود موضوع التوبة على النبي صل1 والذين معه والذين خُلِّفوا ، في قوله تعالى ((( لقد تاب الله على النبي والمهجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم * وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ))) [ التوبة : 117-118 ] .
- ومنها ما يكون لفظ الاسم واردا فيها ، وعلى هذا أغلب التسميات ؛ كتسمية سورة ( التوبة ) بسورة ( براءة ) ؛ لأن افتتاحها بهذا اللفظ في قوله تعالى ((( براءة من الله ورسوله إلى الذين عهدتم من المشركين ))) [ التوبة : 1 ] .
- ومنها ما يكون حكاية لمطلع السورة ، وهو على قسمين :
الأول : أن يكون حكاية لألفاظ أول السورة بنصِّها ؛ كقولهم : سورة قل هو الله أحد .
الثاني : أن يُشتق اسم من ألفاظ أول السورة ؛ كقولهم : سورة الزلزلة .
3- أن بعض السور التي تعددت أسماؤها قد يكون بسبب من الأسباب المذكورة في الفقرة السابقة ، وقد تكون واردة عن النبي صل1 ، وقد تكون واردة عن الصحابة ، وقد تكون عمن دونهم .
ومن الواردة عن النبي صل1 ما سبق في تسمية الفاتحة ، حيث قال صل1 : ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم ) ، وهي تسمى بهذه الأسماء الثلاثة .
وهذا التعدد في الأسماء يرجع إلى ذات واحدة ، لكن كل اسم فيها يحمل من الصفة ما لا يحمله الاسم الآخر ، وهذا هو سبب تعداد المسميات للشيء الواحد ، والله أعلم .
ومن الوارد عن الصحابة ، ما رواه مسلم بسنده عن سعيد بن جبير : ( قلت لابن عباس : سورة التوبة ؟ قال : آلتوبة ؟! قال : بل هي ( الفاضحة ) ما زالت تنْزل ( ومنهم ، ومنهم ) حتى ظنوا أن لا يبقى منهم أحد إلا ذُكِرَ فيها . قال : قلت : سورة الأنفال ؟ قال : تلك سورة بدر . قال : قلت : فالحشر ؟ قال : نزلت في بني النضير . ) .
ولا شك أن المتأمل في أسماء السور يجد لطائف من العلم ، وتبرز له استفسارات تدعوه إلى البحث ، فعلى سبيل المثال : لِمَ سُميت سورة النمل بهذا الاسم ، ولم تُسمَّ بسورة سليمان ، وهو نبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل ؟!
ومثل هذا النظر مدعاة للتدبر في أسماء السور ، لكن لا يخفاك أنه قد لا يخلو من تكلف ، والله أعلم . "
ا هـ كلام أ.د مساعد بن سليمان الطيار : المحرر في علوم القرآن ، ص 169 - 172 ، ط2 ، 1429هـ/2008م ، نشر مركز الدراسات بمعهد الإمام الشاطبي .