استوقفتني الآية العاشرة من سورة الحجرات: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم ، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
فبم تعلقت الرحمة في الآية: بالإصلاح بين الإخوة، أم بالتقوى؟ أم بالاثنين معها؟
- الواضح أنها متعلقة بكليهما فاتقوا لأن أخوتكم في الإيمان وهي أقوى من أخوة النسب واتقوا الله في الإصلاح من حيث الصدق في طلبه والحرص عليه .
وهل لهذا التعلق صلة بالوقف الموجود بعد (أَخَوَيْكُمْ َ)؟
- الوقف يفيد التأمل في الأخوة والإصلاح والاستعداد للتقوى لتحصيل الرحمة .
هل هذا الوقف وارد في جميع القراءات؟
- لا أدري
وهل يجوز وصل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ) إذا أردنا لفت الانتباه إلى تعلق الرحمة بالأمرين معا؟
- لا شك في جواز ذلك فالوقف بالجيم الصغيرة الموجودة فوق السطر يفيد جواز الوقف وليس وجوبه .
هل يمكن فهم (وَاتَّقُوا اللَّهَ) على أنها جملة تفسيرية للإصلاح بين الإخوة، أي: (أصلحوا بين أخويكم إن كنتم تتقون الله حقا)
- نعم وأكثر التفاسير تؤكد ذلك
جزاكم الله خيرا.
- وإياكم .
(لا أدري إن كان الأولى أن أطرح هذا السؤال في قسم التفسير أو قسم القراءات، فمعذرة).
في الحقيقة لم أجد إجابة دقيقة في كتب التفسير عن سؤالكم وقد نقلت بعض النقول التي يمكن أن تفيد في عموم فهم الآية :
وهذه نماذج من كتب التفسير :
من تفسير الآلوسي :
{ واتقوا الله } في كل ما تأتون وما تذرون من الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح ، والظاهر أن هذا عطف على { فَأَصْلِحُواْ } وقال الطيبي : هو تذييل للكلام كأنه قيل : هذا الإصلاح من جملة التقوى فإذا فعلتم التقوى دخل فيه هذا التواصل ، ويجوز أن يكون عطفاً على { فَأَصْلِحُواْ } أي واصلوا بين أخويكم بالصلح واحذروا الله تعالى من أن تتهاونوا فيه { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي لأجل أن ترحموا على تقواكم أو راجين أن ترحموا عليها .
من تفسير الرازي :
المسألة الثانية : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل اتقوا ، وقال ههنا اتقوا مع أن ذلك أهم؟ نقول الفائدة هو أن الاقتتال بين طائفتين يفضي إلى أن تعم المفسدة ويلحق كل مؤمن منها شيء وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه فلم يؤكد بالأمر بالتقوى ، وأما عند تخاصم رجلين لا يخاف الناس ذلك وربما يزيد بعضهم تأكد الخصام بين الخصوم لغرض فاسد فقال : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتقوا الله } أو نقول قوله { فَأَصْلِحُواْ } إشارة إلى الصلح ، وقوله { واتقوا الله } إشارة إلى ما يصونهم عن التشاجر ، لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : « المسلم من سلم الناس من لسانه و ( يده ) » لأن المسلم يكون منقاداً لأمر الله مقبلاً على عباد الله فيشغله عيبه عن عيوب الناس ويمنعه أن يرهب الأخ المؤمن ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم : « المؤمن من يأمن جاره بوائقه » يعني اتق الله فلا تتفرغ لغيره .
من تفسير اللباب لابن عادل ويبدو أنه ينقل حرفياً عن الرازي :
إن قيل : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل : اتَّقُوا وقال هَهُننَا اتَّقوا مع أنَّ ذلك أهم؟
فالجواب : أنّ الاقتتال بين طائفتين يُفضي إلى أنْ تَعُمَّ المفسدة ويلحق كل من مؤمن منها شيء وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه فلم يؤكد بالأمر بالتقوى وأما عند تخاصم رَجُلَيْن لا يخاف الناس ذلك وربما يريد بعضهم تأكيد الخِصَام بين الخصوم ولغرض فاسد ، فقال : { فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله } أو يقال : قوله : وأصْلِحُوا إشارة الإصلاح ، وقوله : « وَاتَّقُوا اللهَ » إشارة ما يصيبهم عن المُشَاجَرَة ، وإيذاء قلب الأخ؛ لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره ، قال عليه الصلاة والسلام : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهٍ »
من تفسير البيضاوي :
{ إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } هذا تقرير لما ألزمه من تولي الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين ، وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق ما إن لم يفضل الإخوة لم ينقص عنها . ثم قد جرت العادة على أنه إذا نشب مثل ذلك بين الأخوين ولاداً لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته بالصلح بينهما فالإخوة في الدين أحق بذلك ، { أخوتكم } يعقوب { واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي واتقوا الله ، فالتقوى تحملكم على التواصل والائتلاف وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم مرجواً ،
من تفسير السعدي :
أمر بالتقوى عمومًا، ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله، الرحمة [ فقال: { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وإذا حصلت الرحمة، حصل خير الدنيا والآخرة، ودل ذلك، على أن عدم القيام بحقوق المؤمنين، من أعظم حواجب الرحمة.
وفي هاتين الآيتين من الفوائد، غير ما تقدم: أن الاقتتال بين المؤمنين مناف للأخوة الإيمانية، ولهذا، كان من أكبر الكبائر، وأن الإيمان، والأخوة الإيمانية، لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار، التي دون الشرك، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى وجوب الإصلاح، بين المؤمنين بالعدل، وعلى وجوب قتال البغاة، حتى يرجعوا إلى أمر الله، وعلى أنهم لو رجعوا، لغير أمر الله، بأن رجعوا على وجه لا يجوز الإقرار عليه والتزامه، أنه لا يجوز ذلك، وأن أموالهم معصومة، لأن الله أباح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة، دون أموالهم.