أسئلةٌ أصولٌ عن مبنى علم التحريرات

إنضم
07/09/2009
المشاركات
13
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
43
السّلام على أهل هذا الملتقى الكريم بأهله، الأشمّ بأشياخه،
قد مضى منّي سؤال أشياخي بهذا الملتقى عن التحريرات عموما، و عن تحريرات النشر و نظمه خاصة، و ما استشكلته في أصول هذا العلم الجليل، لكنَّ كرمهم المعهود قد جانبي إلا قليلا، لذا أعاود الجلوس هاهنا على أعتاب هذا البيت الكريم، و أعاود الطّرق على أبوابه، فإنّ " من أدمن الطّرق ولج".
أقول ابتداءً أن ما أستشكله، ولست -بفضلٍ من ربّي عليَّ- بالبليد الذي يعييه الفهم، ليس هو التحريرات نفسها، بل إن ما أستشكله، حتى صار شبهةً تتضخّم كلّما اتسعت مداركي في هذا العلم، هي الأسس و الأصول التي ينبني عليها، و مِمّا زاد الشّـبهة تمكُّناً أنّي سألت بعض من يصول و يجول في ساحات هذا العلم الأصيل، مِمّن يحفظ تحريرات العلماء الفحول حفظا، فأعجزه سؤالي و لم يحر جوابا. حينها علمت أنّ سبيل أكثرِ من يُـوصف بالإلمام بهذا الفنّ أن يعمد إلى ما قرّره أئمة أعلام، كالمتولي و الأزميري و من هو من أقرانهم في علم القراءات، فيُقِرَّهُ و يلتزمَهُ حذو القذة بالقذة "من غير تكييف و لا تعطيل". أمّا أن يكون عَـلِمَ الأصولهم و القواعد و القرائن العلميّة التي انتهجوها ليحصِّلوا هذه الثمرة، التي هي التحريرات عينها، فهذا بعيدٌ، و أبعدُ منه أن يكون علِمَ بصحّة أو ضعف الأصولهم و القواعد و القرائن التي بنوا عليها نتاج بحثهم.
فالذي أعتقده أنّ ثمة قنطرة بيننا و بين قبول ما حرَّرَه متأخّروا علماء القراءات، من أمثال العلامة الأزميري فما دونه، و حقيقة هذه القنطرة -و هي عين ما أستشكله و يشبه عليَّ و يُـنَـغِّصُ تلذّذي بهذا العلم- لا تقوم إلا بالإجابة عن أسئلة دقيقة و حاسمة، و هو ما أرجو من مشايخي الكرام أن ينبروا له بيانا و توضيحا. و حتى يكون جوابهم الكريم دقيقا فإنّي أرجو منهم أن يجعلوا كلامهم عن تحريرات النشر و طيبته خاصة دون غيرهما. و ها أنا ذا أشرع في عرض الأسئلة، المشكلِ جوابُها، بين أياديكم الكريمة:
1- أنّى لعلماء التحريرات أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إقرارهم أنفسهم بعدم إدراكهم لكتبٍ أصولٍ قد أسند إليها ابن الجزري تلك الرواية.
2- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تحصُّلهم على جميع الكتب النّشرية الأصول، فأنّى لهم أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إفصاحهم أنفسهم أن النّسخ التي وجدت بين أيديهم ليست مطابقة للنسخ التي قرأ ابن الجزري بمضمّنها و التي أسند إليها تلك الرّواية، بل ربما صرّحوا أنّ نسخهم لكتابٍ ليست تحوي أسانيد قراءة قد أسند ابن الجزري رحمه الله من طريق ذلك الكتاب تلك القراءة.
3- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تطابق نسخ كتبهم رحمهم الله مع نسخ كتب ابن الجزري رحمه الله، فأنّى لهم أن يعلموا أنّ ابن الجزري قد قرأ بجميع ما في هذه الكتب على أشياخه، إذ ربما اقتصر على قراءة بعض الأوجه دون بعض ثم اقتصر في النشر و طيبته على ذكر ما قرأ به دون جميع ما حوته هذه الكتب، إذ أنَّ خلاف ذلك يعدُّ عند القراء من التدليس و الكذب في الرواية.
4- فإن فرض أن ابن الجزري قد قرأ بجميع ما حوته هذه الكتب النشرية، فأنّى لهم أن يُلزموا ابن الجزري بما حوته هذه الكتب، إذ أن عمل ابن الجزري في نشره لم يكن مجرد النقل بل كان عمله التحقيق و التنقيح، فتراه يضعِّف أوجها ثبتَ ذكرها في هذه الكتب، فأنّى لهم تمييز ما تركه ابن الجزري من الأوجه سهوا، فيُلزموه به، و ما تركه إهمالا له و استبعادا و توهينا، فيقصروا عن التحكم برأي ابن الجزري و يكفّوا عن أداء أوجه لم تثبت بالسند إذ كان مدار سند هذه الأوجه على ابن الجزري نفسه.
5- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، أن جميع ما تركه ابن الجزري ممّا ذكر في تلكم الكتب إنما كان عن سهو، فأنّى لهم أن يضبطوا و يحصروا الطرق الأدائية التي قرأ بها ابن الجزري زيادة على ما خُطَّ في هذه الكتب.
هذه خمسة أسئلة أصول أجد أجوبتها حتمٌ معرفتها حتى يزول ما يكتنف علم التحريرات من لبس. فأهيب بكل شيخ كريم و عالم فاضل أن يتولى جوابها عنّا.
و جزاكم الله تعالى عنّي و عمّن هو مثلي الخير كلّه جزاء ما تدفعون عن كتاب الله و عن علم القراءات من شبه و دخن.
 
1- أنّى لعلماء التحريرات أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إقرارهم أنفسهم بعدم إدراكهم لكتبٍ أصولٍ قد أسند إليها ابن الجزري تلك الرواية.
العلماء الذين أشار فضيلتكم إليهم لم يمنعوا أوجها أبدا من الكتب التي لم يطلعوا عليها. إن كان لكم مثال على ذلك فنرجو إيراده. وقد كانت لنا جولة وصولة في جواز تغيير هشام للهمز المتطرف على قصر المنفصل. نعى سيدُنا في العلم والأدب والأخلاق، الدكتور، الطبيب، الشيخ/ إيهاب فكري على ساداتنا الإزميري والمتولي والزيات... بانهم يمنعون وجوها اعتمادا على كتب لم يطلعوا عليها، بل من باب الاحتمال فقط، وذكر بأن وجه تغيير هشام للهمز مع قصر المنفصل موجود في الإعلان للصفرواوي. يقول محمد الحسن بوصو: قرأت الجزء الموجود حتى الآن من الإعلان عدة مرات لم أجده جوّز تغيير الهمز مع قصر المنفصل. وعليه يكون الدكتور قد منع الاحتمال بالاحتمال. هذا والشيخ عليم بتنقيح فتح الكريم
2- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تحصُّلهم على جميع الكتب النّشرية الأصول، فأنّى لهم أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إفصاحهم أنفسهم أن النّسخ التي وجدت بين أيديهم ليست مطابقة للنسخ التي قرأ ابن الجزري بمضمّنها و التي أسند إليها تلك الرّواية، بل ربما صرّحوا أنّ نسخهم لكتابٍ ليست تحوي أسانيد قراءة قد أسند ابن الجزري من طريق ذلك الكتاب تلك القراءة.
الصحيح أن المؤلف إنما كتب نسخة واحدة، وهي التي اطلع عليها ابن الجزري وهي التي اطلع عليها الإزميري وغيره. فالفروق الموجودة بينها من عوامل النساخ. لم يكن يوجد ما يسمى الآن بالتحقيق بل المقابلة، وإن تسلسلت المقابلة واتصلت من المؤلف إلى الناسب فهي أقوى أدلة الإثبات، لكن ذلك صعب تحقيقه كما لا يخفى على حضرتكم العلية. أما أن نسخهم لا تحوي الأسانيد التي ذكرها ابن الجزري كما في نسبة مد {لا} لحمزة من المستنير فوهم محض من ابن الجزري رحمه الله ومع ذلك تأدب معه الولي الصالح. لأن الأمر لا يعدو وجهين: إما تتطابق نسخ ابن الجزري مع الموجودة الآن أو تتخالف. فإن تطابقت فالأمر سهل, أما إن تخالفت، وهو قليل جدا، فإما أن نتأدب ونقول إنه وهم هنا، أو نجعله معصوما لا يخطئ فنخطئ النصوص التي بين أيدينا. ونعمل باحتمالين:
أولهما: أن هذه النسخ التي بين أيدينا قد تكون متحرفة بسبب النسخ
ثانيهما: لأن ابن الجزري لا يخطئ، ولا يهِمُ، ولا تتغير نسخ النشر بسبب النساخ، ; وعليه فإن من المحتمل أن يكون ابن الجزري كان يمتلك نسخة تختلف عن التي بين أيدبنا.
3- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تطابق نسخ كتبهم مع نسخ كتب ابن الجزري ، فأنّى لهم أن يعلموا أنّ ابن الجزري قد قرأ بجميع ما في هذه الكتب على أشياخه، إذ ربما اقتصر على قراءة بعض الأوجه دون بعض ثم اقتصر في النشر و طيبته على ذكر ما قرأ به دون جميع ما حوته هذه الكتب، إذ أنَّ خلاف ذلك يعدُّ عند القراء من التدليس و الكذب في الرواية.
الغريب أن السيد الكريم استعمل الاحتمال هنا بقوله
إذ ربما اقتصر على قراءة بعض الأوجه دون بعض ثم اقتصر في النشر و طيبته على ذكر ما قرأ به دون جميع ما حوته هذه الكتب،
وحجر عليهم ذالك بقوله قبلا:
فأنّى لهم أن يعلموا أنّ ابن الجزري قد قرأ بجميع ما في هذه الكتب على أشياخه،
إذا أسند ابن الجزري كتابا - وليس طريقة - فإخراج بعض طرق الكتاب من دون دليل يكون تحكما غير محمود. بل يكون مستحيلا، لأنه لم يعين تلك التي قرأها من التي لم يقرأها. إن "التدليس والكذب في الرواية" - على حد تعبيركم - يكون في إسناده الكتاب بكامله فإذا هو لم يقرأ طرق الكتاب كلها وحاشاه، حاشاه، حاشاه.......... رحمه الله.
4- فإن فرض أن ابن الجزري قد قرأ بجميع ما حوته هذه الكتب النشرية، فأنّى لهم أن يُلزموا ابن الجزري بما حوته هذه الكتب، إذ أن عمل ابن الجزري في نشره لم يكن مجرد النقل بل كان عمله التحقيق و التنقيح، فتراه يضعِّف أوجها ثبتَ ذكرها في هذه الكتب، فأنّى لهم تمييز ما تركه ابن الجزري من الأوجه سهوا، فيُلزموه به، و ما تركه إهمالا له و استبعادا و توهينا، فيقصروا عن التحكم برأي ابن الجزري و يكفّوا عن أداء أوجه لم تثبت بالسند إذ كان مدار سند هذه الأوجه على ابن الجزري نفسه.
إذا ضعّف ابن الجزري وجها أو أوجها من كتاب كان ذلك دليلا لا يفوقه دليل على اعتماده الباقي، وأي وجهٍ من الباقي لم يعرج إليه نقول سها عن هذا الوجه. إن الأمر في غاية البساطة.
5- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، أن جميع ما تركه ابن الجزري ممّا ذكر في تلكم الكتب إنما كان عن سهو، فأنّى لهم أن يضبطوا و يحصروا الطرق الأدائية التي قرأ بها ابن الجزري زيادة على ما خُطَّ في هذه الكتب.
سيدي الكريم أرجو من سعادتكم أن توردوا هنا طريقين أدائيين لم ينص عليهما أحد. يقول محمد الحسن بوصو: الطريق الأدائي الذي لم ينص عليه أحد غير موجود. بل مستحيل وجوده لأن مجرد النص عليه يجعله طريقا نصيا وعدم النص عليه يجعل القول به "كذبا في الرواية" على حد تعبيركم.
التحريرات تعني تحديد طرق ورود القرآن الكريم في حال الرواية فقط. أما في القراءة فلك أن تقرأ السورة الواحدة بكل الروايات على تفصيل لم يختلف عليه ابن الجزري والمنصوري والإزميري.
أما في الرواية فمنع وجه لا يعني منع قراءته في كل الأحوال بل يعني فقط أنه لم يرو أحد من رجال هذا الطريقِ الوجهَ الممنوعَ، وإذا قرات بطريق آخر في رجاله من ذكر الوجه الممنوع في الطريق الأول جاز، بل ربما وجب إذا أجمع عليه رجال الطريق الثاني. وإيجاب وجه يعني أن جميع رجال الطريق أجمعوا على ذكر الموجب، وتجويزهم يعني غير ما مضى.
يبقى هل يجب هذا ؟ هل كلفنا الله بذلك ؟ هل عمل الناس بهذا قبل ابن الجزري ؟ هل شعّب ابن ىالجزري هذه التحريرات إلى ما وصلت إليه ؟ أليس هذا مخالفا لقول الله عز وجل {ولقد يسرنا القرآن للذكر} ؟
يقول محمد الحسن بوصو: نعم هذا واجب كلفنا الله به ! نعم عمل الناس بهذا قبل ابن الجزري! نعم ذهب ابن الجزري إلى أبعد مما ذهب إليه الإزميري ! لا ! ليس هذا مخالفا لقول الله عز وجل {ولقد يسرنا القرآن للذكر}
ولكم مني عظيم الشكر على وضوح إيراداتكم وصراحتها.
 
قبل الدخول في " متاهات " هذا الموضوع آمل من أخي الحبيب الشيخ محمد الحسن بوصو حفظه الله أن يوضح لي بعض النقاط التالية وبشكل " دايركت " وبأسلوب " القراء " لا " الأصوليين والمناطقة " :
1- في حالة اختلاف النسخ عن نسخة ابن الجزري : فهمت من كلامكم أنكم تقدمون ماهو مخالف لنسخة ابن الجزري ، بل تعدونه " ساهياً " أو " واهماً "!! فإن كان فهمي هذا صحيحاً فأقول : ألا يرى فضيلتكم أن الشيخ ابن الجزري عندما أسند وقرأ الكتب التي في " نشره " إنما قرأ بالنسخ التي وصلته فقط ، وأن ما ليس فيها لا يعتبر قراءة له ، حتى وإن كانت قراءة لصاحب الكتاب !!!
2- إذا كانت التحريرات وعملها - وخاصة التي منها الأوجه الممنوعة والتي هي بالعشرات المعشرة - إن صحت العبارة لغة - هي : احتمال في احتمال !! وما هو في النشر صريح في صريح ، فكيف يقدّم ذاك على هذا ؟
3- أما قولكم حفظكم الله :
يقول محمد الحسن بوصو: نعم هذا واجب كلفنا الله به ! نعم عمل الناس بهذا قبل ابن الجزري! نعم ذهب ابن الجزري إلى أبعد مما ذهب إليه الإزميري ! لا ! ليس هذا مخالفا لقول الله عز وجل {ولقد يسرنا القرآن للذكر}
أين الدليل على الوجوب وتكليف الله تعالى لنا بذلك ؟؟؟ إذا كانت القراءات أصلاً لم يكلفنا الله بها ولم يوجب علينا تعلمها أصالة ؟؟ وأين عمل من قبل ابن الجزري بالتحريرات بالشكل الموجود الآن ؟
وأين ذهب ابن الجزري إلى أبعد مما ذهب إليه الإزميري ؟
وتقبلوا كل تحية وتقدير .
 
فهمت من كلامكم أنكم تقدمون ماهو مخالف لنسخة ابن الجزري ، بل تعدونه " ساهياً " أو " واهماً "!! فإن كان فهمي هذا صحيحاً فأقول : ألا يرى فضيلتكم أن الشيخ ابن الجزري عندما أسند وقرأ الكتب التي في " نشره " إنما قرأ بالنسخ التي وصلته فقط ، وأن ما ليس فيها لا يعتبر قراءة له ، حتى وإن كانت قراءة لصاحب الكتاب !!!
إنما أردت أن أقول: إن أية مخالفة بين نسبة ابن الجزري ومحتوى النسخ التي وقفنا عليها لا يبرر باحتمال مخالفة النسخ، لا بد من أمارات تفيد احتمال مخالفة النسخ. بالمناسبة من الذي [أثبت] مخالفة نسخ ابن الجزري للنسخ الموجودة الآن غير الاحتمال والفرض ؟ إنني لا أقدم نسخ المتأخرين على نسخ المتقدمين ولا العكس إنما أقول بأن ابن الجزري قرأ وفق النسخ التي كانت لديه وأن تلك، في الغالب الأغلب من الأمر، هي هذه بشحمها ولحمها، ولا مجال للتقديم في جوهر واحد.
أين الدليل على الوجوب وتكليف الله تعالى لنا بذلك ؟؟؟ إذا كانت القراءات أصلاً لم يكلفنا الله بها ولم يوجب علينا تعلمها أصالة ؟؟ وأين عمل من قبل ابن الجزري بالتحريرات بالشكل الموجود الآن ؟
وأين ذهب ابن الجزري إلى أبعد مما ذهب إليه الإزميري ؟
ذهب ابن الجزري إلى أبعد مما ذهب إليه الإزميري بجمعه القراءات الكثيرة والطرق المتعددة المتشابكة وميزها وحررها مع علمه بأنها كلها تؤدي إلى ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، لكنه نظر في الأسانيد وحشر الكتب وحرر الطرق وسمى الرجال واستعان بالدراية على الرواية ونفى الزائف وأثبت ما ينفع الناس مما لم يفعله أحد قبل ابن الجزري رحمه الله، ولا أظن أحدا يقدر عليه بعده.
وددت لو قرأتم بما فيه الكفاية ما كتبته من قبلُ، نحن قلنا بأن التحريرات من باب الرواية فقط، وأداؤها من قبيل التمرين وتأكد الشيخ على قدرة المستجيز من تمييز الرواية ونسبة كل قول إلى صاحبه دون خلط. وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فإن أي تقويل لرجل من رجال القراءات ما لم يقله خطأ إن كان القائل به جاهلا بالحقيقة، وكبيرة من الكبائر إن القائل به عالما، لأنه كذب، والكذب - غير المستثنى - من الكبائر. وتجنب الكذب واجب، ولا يمكن تجنب الكذب هنا إلا بالتزام التحريرات بنسبة كل قول إلى صاحبه.
إذا كانت السلف لم يكونوا يعرفون هذه التحريرات فإن الصحابة الذين هم أصلح السلف لم يكونوا يعرفون هذه الروايات، أنتركها لذلك ؟. الرواية نسبة القول إلى صاحبه كالتحرير تماما وفاقا طباقا.
وددت لو أن القول بعدم تكليف الله لنا بالقراءات لم يصدر من حبيب مثل الدكتور الجكني. لأن الله يقول {فإذا قرأناه فاتبع قرءانه} ونسب كل رجال الطرق علمهم إلى الرواة، ونسب الرواة إلى القراء ونسب هؤلاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأيهم القراءات التي لم يكلفنا الله بها ؟ وأيهم القراءة التي كلفنا الله بها ؟ وأين الدليل الصليل ؟
القول بأن الله لم يكلفنا بالقراءات يعود إلى واحد من الاثنين:
- الله لم يكلفنا بقراءة القرآن
- القراءات ليست قرآنا
الصحيح هو : أن الله لم يكلف كل واحد منا بمعرفة جميع القراءات.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم

أشكر الشيخ أسامى على ما تفضّل به من ملاحظات مع كونها جليّة في الواقع إلاّ أنّ الأطراف لا ترازل تغضّها. ونظراً لضيق الوقت وكثرة الأشغال سأكتقي بالتعليق في كلّ مرّة على فقرة. فأقول بالله التوفيق.


و مِمّا زاد الشّـبهة تمكُّناً أنّي سألت بعض من يصول و يجول في ساحات هذاالعلم الأصيل، مِمّن يحفظ تحريرات العلماء الفحول حفظا، فأعجزه سؤالي و لم يحرجوابا. حينها علمت أنّ سبيل أكثرِ من يُـوصف بالإلمام بهذا الفنّ أن يعمد إلى ماقرّره أئمة أعلام، كالمتولي و الأزميري و من هو من أقرانهم في علم القراءات،فيُقِرَّهُ و يلتزمَهُ حذو القذة بالقذة "من غير تكييف و لا تعطيل". أمّا أن يكونعَـلِمَ الأصولهم و القواعد و القرائن العلميّة التي انتهجوها ليحصِّلوا هذهالثمرة، التي هي التحريرات عينها، فهذا بعيدٌ، و أبعدُ منه أن يكون علِمَ بصحّة أوضعف الأصولهم و القواعد و القرائن التي بنوا عليها نتاج بحثهم.


الجواب : نعم هذه هي الحقيقة بارك الله فيك. ولكن هل تدري ما السبب ؟ الأسباب كثيرة وسأقتصر على أهمّها :

الأوّل : اعتقاد الكثيرين بأنّه علم صعب لا يقدر عليه إلاّ الجهابذة الأفذاذ كأمثال الأزميري والمتوليّ لأنّ الخوض فيه في نظرهم متوقّف على وجود مصادر النشر ودراية بمضمونه ومقتضاه وبأسانيده وغير ذلك وهذا لا يتسنّ إلاّ لأمثال هؤلاء ، وهذا خطأ إذ العلوم مهما كانت صعبة فإنّها ليست حكراً على جماعة أو طائفة ، وأنّما الهمّة والإرادة القويّة والصبر الطويل مع الممارسة المستمرّة وتوفيق الله تعالى يمكن التعرّف على الأصول والقواعد والقرائن العلميّة التي انتهجها هؤلاء الأفذاذ والتي ستُفضي لا شك إلى النقد والتحقيق العلميّ الذي سيُعطي نفساً جديداً له بتأصيلات علميّة جديدة تخرجه من هذا الإخماد والتقليد.

الثاني : إنكار طائفة من المعاصرين لهذه التحريرات جملة وتفصيلاً ، وبعضهم يأخذ بها من غير لزوم ولو على السبيل الرواية وللأسف ، وهذا الإنكار والتحفّظ نتج عنه تزهيد فيه. ولمّا كانت الرواية بالعشر الكبرى مأخوذة بالتحريرات عن الشيوخ التزم بها الآخذون عنهم تقليداً بحفظهم للمتون وإعمالهم لها من غير نظر.

وسبب هذا الإنكار والتحفظ هو :

1. اضطراب المحرّرين واختلافهم في الكثير من المسائل ، وقد حمل هذا السبب الكثير من المعاصرين على إنكار هذه التحريرات من غير أن يحاولوا فهم أسباب الخلاف ، فهل اختلاف الفقهاء يقدح في علم الفقه مثلاً ؟ فالعقلاء الأصوليّون عمدوا على فهم سبب الخلاف فوضعوا أصولا وقواعد تقلّل منه وتعالج جوانبه فكان علم أصول الفقه الذي وضعه الإمام الشافعيّ رحمه الله بهذه المثابة ثمّ تطوّر ووصل إلى ما هو عليه اليوم. لذلك يجب على أهل الأداء فَهْمَ سبب الخلاف ووضع بعض القواعد تؤصّل بعض المناهج العامّة وتقلّل من خلاف المحرّرين بطريقة تدريجيّة بدأً بالأهمّ ، وهذا أولى من مجرّد الإنكار والتحفّظ.

2. كونه علم محدث لم يكن عند السلف ، هذا الصحيح لكن هل هذا مسوّغ للإنكار والتحفّظ ؟ فعلم أصول الفقه كما ذكرنا لم يكن كذلك عند السلف ولكنّ الضرورة أدّت إلى إيجاده ، فبدل أن نسلك مسلك الأصوليين اكتفينا بالإنكار والتحفّظ. فكل العلوم التي أُنشئت إلاّ وكان من ورائها حاجة ماسّة ومصلحة ضروريّة. والحاجّة والضرورة في علم التحريرات هو ظهور كتاب النشر بميزاته وخصوصيّاته التي لم تكن في الكتب المتقدّمة عنه ، والذي يحتوي على الكثير من الروايات والطرق المروية بأسانيد مستقلّة من مختلف المصادر ، وهذا يقتضي أن نعرف الطرق وما يتضمّن كلّ منها من أحكام فرشاً وأصولاً كلّ على حدة ، لأنّ الرواية تقتضي ذلك إذ لو أُمر المقرئ أن يُقرئ تلميذه بطريق معيّن وجب أن يعرف ما يتضمّنه ذاك الطريق من أصول وفرش وأوجه سواء من ظاهر النشر أو من مصدره.

3. قولهم : إنّ ابن الجزريّ لم يقرأ ولم يُقرأ بهذه التحريرات ؟ الجواب هذا صحيح إن كان المقصود بتحريرات المزاحي والأزميري والمتولّي وغيرهم لأنّ هؤلاء اجتهدوا في الكثير منها ولم يتّبعوا الأداء المتصل منهم إلى ابن الجزريّ مع اعتقادنا أنّه قرأ وأقرأ ببعض ما فيها وإلاّ لقلنا بتخطئة جميع ما حوته كتب التحريرات وهذا غلوّ وإفراط. وأمّا الأخذ بالتحريرات جملة فلا شكّ عندي أنّ ابن الجزريّ قد قرأ وأقرأ بها لأنّ كتابه النشر نفسه لا يخلو منها فالأوجه الخمسة التي حررها عند اجتماع البدل وذوات الياء للأزرق في مسائله التبرزية لا أشك في أنّه قرأ وأقرأ بها إلاّ إذا ثبت خلافه وهو لم يثبت لحد الآن فيما أعلم. ويجدر التنبيه أنّ هذه الأوجه الخمسة أخذت من مصادر النشر ، وهذا دليل على أخذه بالتحريرات من مصادر النشر.

فهذه بعض الأسباب في نظري التي حملت بعض من يُـوصف بالإلمام بهذا الفنّ أن يعمد إلى ماقرّره أئمة أعلام، كالمتولي و الأزميري و من هو من أقرانهم في علم القراءات،فيُقِرَّهُ و يلتزمَهُ حذو القذة بالقذة "من غير تكييف و لا تعطيل".

أسأل الله تعالى أن يزيدنا علماً وأن يوفقنا لما فيه والصلاح
 
ونسيت أن أذكر السبب الثالث الذي حمل المعاصرين على التقليد ، وهو الخوف من الجرأة المتمثّلة في نقد كبار المحرّرين أمثال الأزميري والمتولّي وغيرهما وكأنّ الاجتهاد قد توقّف بذهاب هؤلاء الأعلام رحمهم الله تعالى. والذي حملني على هذا القول هو وقوفي على بعض المسائل التي اجتهد فيها هؤلاء مخالفين ما هو موجود في بعض المصادر لعدم وقوفهم عليها. ومع ظهور هذه المصادر وظهور التعارض بين ما تضمنّته وبين اجتهاد المحرّرين نجد الاستمرار على التقليد من غير إعادة النظر من تجديد في هذه المسائل.
إن كان هؤلاء الأعلام استدركوا على ابن الجزريّ في بعض المسائل أليس الأولى أن يُستدرك على من هو أقل من ابن الجزريّ علماً ودراية ورواية ؟؟؟

قد يلومني البعض على جرأتي هذه ولست أراها جرأة ، وأعوذ بالله أن أكون جريئاً فيما لا يليق. ومن رأها جرأة فماذا يُقال فيمن أنكر التحريرات أصلا.
أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
إذا كان التحرير هو نسبة كل رواية إلى صاحبها على مستوى الطرق وعلى مستوى الروايات وعلى مستوى القراءات، والخلط هو القراءة كيفما اتفق بغض النظر عن نسبة ذلك إلى رواته، فقول فضيلة الشيخ محمد يحيى شريف الجزائري:
كونه علمـ[ا] محدثـ[ا] لم يكن عند السلف ، هذا الصحيح
يحتاج إلى النظر، لأن السلف الصالح كانوا أحرص الناس على نسبة الأقوال إلى أصحابها. وفعلوا ذلك وماتوا على فعله، وكيف يكون ذلك محدثا ؟ وليس المهم اسم التحرير بل معنى التحرير.
ثم إن المتولي والإزميري وابن الجزري لم يعملوا أكثر من نسبة الروايات إلى أصحابها، وهذه فريضة مستقرة في الدين والعقل والمروءة والصحافة والفن......
قالوا: التحريرات متناقضة؛ هذا يقول هذا ويناقضه آخر، هذا يبني وذاك يهدم، لا تهتدي إلى شيء.
قال محمد الحسن بوصو: قد طلبنا هنا أمثلة للتناقض فما جاءونا إلا بالبدل مع ذوات الياء، وبينّا حينها أنه إضافة وليس تناقضا. ولا نزال نحتاج إلى أمثلة التناقض في التحريرات.
ونسأل معارضي التحريرات: أتعارضونها لأنها غير صحيحة ؟ أو غير ممكنة ؟ أو أن نسبة الأقوال إلى أصحابها غير واجبة ؟ أم أن النسبة واجبة لكنها غير ضرورية ما دام كله صحيحا ؟
قال سيدي ومولاي أبو حسان محمد تميم الزعبي ما معناه: التحرير ليس على كل الناس إنما هو على المؤتمنين على الرواية، فعدم نسبة الروايات إلى أصحابها مع القدرة عليها معيب. ونقل لي - جزاه الله عن تلاميذه خيرا وأقر عينه بذريته المباركة الطيبة ورزقه وإيانا حسن الخاتمة - أقوال صلحاء القراء في ذلك.
هذا وأعتذر عن هذه المشاركة لأني كنت في فترة نقاهة عقب علاجي من مرض الجدل والمحاججة، لكن يبدو...........
 
أقصد بالتحريرات كعلم مستقل وإلاّ فأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال : فاقرءوا بما علّمتم,
وهذا يكفي دليلاً على التقيّد بالرواية وعزوها كما أخذت عن الشيوخ.

والذي جعلني استغرب كثيراً يا شيخنا الحسن أنّ الدراسات الحديثة الأكادميّة تتبنّى أصلاً مهمّاً وهو الرجوع إلى المصادر للتثبّت من الرواية أو الخبر ، فالمعلومة ينبغي أن تؤخذ من المصدر لا من الناقل. ولو افترضنا أنّ طالباً أستدلّ بحديث وقال رواه النووي في رياض الصالحين لقامت عليه القيامة ولقالوا هذه طريقة مخالفة للطريقة الأكادميّة إذ الحديث ينبغي أن يُخرّج من كتب السنّة التي تُعدّ هي المصادر. وإذا جئنا لعلم التجويد والقراءات وقلنا بوجوب الرجوع إلى المصادر ترى الاعتراضات تتجلّى من هنا وهناك وقالوا عليك أن تكتفي بالأداء المتلقّى عن الشيوخ وأن تترك التحقيق والنظر في المسائل وأن تتقيّد بنظم أو كتاب وتلتزم به لتتفرّغ إلى ما هو مهمّ ليكون لك تفكيراً حضارياً وأسلوباً راقيا. ً فأرادوا هدم هذا العلم من حيث لايشعرون بإزالة الملكة العلميّة التفكيريّة من أذهان الطلبة فحوّلوا اتجّاههم إلى أمور سطحيّة شكليّة ، وبهذا الاتّجاه ظهر من ينكر التحريرات وعلم التجويد وحتّى فيما يتعلّق بالأداء فقال بعضهم لا ينبغي أن نحرج عوام الناس بها إلاّ إذا كانت في مقام الرواية والإقراء.

قال أئمّتنا : العلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية. قاله الداني ومكي وقبلهما العماني وغيره.
أراد البعض أن يكون العكس أي العلم رواية وسماع أحسن منه دراية وفطنة.
والله من وراء القصد.
 
أقصد بالتحريرات كعلم مستقل وإلاّ فأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال : فاقرءوا بما علّمتم,
وهذا يكفي دليلاً على التقيّد بالرواية وعزوها كما أخذت عن الشيوخ.

والذي جعلني استغرب كثيراً يا شيخنا الحسن أنّ الدراسات الحديثة الأكادميّة تتبنّى أصلاً مهمّاً وهو الرجوع إلى المصادر للتثبّت من الرواية أو الخبر ، فالمعلومة ينبغي أن تؤخذ من المصدر لا من الناقل. ولو افترضنا أنّ طالباً أستدلّ بحديث وقال رواه النووي في الرياض الصالحين لقامت عليه القيامة ولقالوا هذه طريقة مخالفة للطريقة الأكادميّة إذ الحديث ينبغي أن يُخرّج من كتب السنّة التي تُعدّ هي المصادر. وإذا جئنا لعلم التجويد والقراءات وقلنا بوجوب الرجوع إلى المصادر ترى الاعتراضات تتجلّى من هنا وهناك وقالوا عليك أن تكتفي بالأداء المتلقّى عن الشيوخ وأن تترك التحقيق والنظر في المسائل وأن تتقيّد بنظم أو كتاب وتلتزم به لتتفرّغ إلى ما هو مهمّ ليكون لك تفكيراً حضارياً وأسلوباً راقيا. ً فأرادوا هدم هذا العلم من حيث لايشعرون بإزالة الملكة العلميّة التفكيريّة من إذهان الطلبة فحوّلوا اتجّاههم إلى أمور سطحيّة شكليّة ، وبهذا الاتّجاه ظهر من ينكر التحريرات وعلم التجويد وحتّى فيما يتعلّق بالأداء فقال بعضهم لا ينبغي أن نحرج عوام الناس بها إلاّ إذا كانت في مقام الرواية والإقراء.

قال أئمّتنا : العلم فطنة ودراية أحسن منه سماعاً ورواية. قاله الداني ومكي وقبلهما العماني وغيره.
أراد البعض أن يكون العكس أي العلم رواية وسماع أحسن منه دراية وفطنة.
والله من وراء القصد.
شكر الله لكم يا شيخ محمد يحيى شريف الجزائري. أقول بما تقولون به هنا.
أما إنكار التحريرات فله أسباب، منها:
الأول: الظن بأن التحريرات علم آخر.التحريرات ليست علما آخر، بل هي مستوى آخر فوق معرفة حروف الهجاء، والقدرة على القراءة، وحفظ القرآن، ومعرفة القراءات والروايات، وفوق معرفة الطرق. إنها القدرة على تمييز الأسانيد حسب المرويات تماما كما تجد في علم الحديث دراية.
الثاني: القول بأنه لا معصوم من البشر في أمتنا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناقضة ذلك بتعصيم غيره وبناء ذلك على افتراضات واحتمالات وتهويلات وألقاب لا يرضى عنها الذين يدافعون عنهم.
الثالث: الكفر بالقراءات. إن بعض الناس يلهج بتواترها لأن من هم أجل منه أفتى بذلك، لكنه لا يؤمن بذلك في خاصة نفسه، ويتشكك في هذه الوجوه الكثيرة، ويتساءل هل فعلا علم الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم هذه الإمالات والاختلاسات ........؟ وهل يحفظ عنه انه أجلس الصحابة أو بعضهم لهذه القراءات ؟ ويتخذ التحريرات جنة للنيل من القراءات. فيصبح شخصين:
الأول: فصيح اللسان والقلم، يتحدث عن رجال القراءات من الخير والإشادة بما لايقدر عليه محمد يحيى شريف الجزائري والشيخ عبد الحكيم عبد الرازق فولي في حقهم.
الثاني: فاسد الاعتقاد، سيئ الظن برجال القراءات في خاصة نفسه.
لكن يمكن فضحه بعلامات لا تكذب .
 
1- أنّى لعلماء التحريرات أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إقرارهم أنفسهم بعدم إدراكهم لكتبٍ أصولٍ قد أسند إليها ابن الجزري تلك الرواية.
أقول وبالله التوفيق : لو اشترطنا توفّر جميع مصادر النشر للتحرير لما حُرّك ساكناً ولمّا تقدّم أئمّتنا في هذا المجال البتّة. فالأصل أن يكون جميع ما في النشر صحيحٌاً من جهة العزو والتحرير ، وعليه يكون اعتمادنا لتحرير أوجهه ، وقد حُرّرت الكثير من المسائل على ظاهر النشر فكانت بحمد لله موافقة لما في المصادر وما حرّره أهل الصنعة.
فكلّما تحصّل الباحث المحقّق على مصدر فتش فيه فإن وافق ظاهر النشر ازداد يقيناً في صحّة ذاك الوجه وإن لم يوافق انطفأ اليقين فاحتاجت المسألة إلى نظر وتأمّل. وبهذه الكيفيّة تُحقّق المسائل بالتدرّج بحسب ما وجد من المصادر المطبوعة والمخطوطة منها ، وهذا أولى من الانتظار حتّى نقف على جميع المصادر التي قد يكون بعضها مفقوداً ولا يرجى العثور عنها.
وعلى ما سبق فإنّ المحرّرين يعتمدون على المصادر التي بحوزتهم في تحرير أوجه النشر فإن لم يجدوا أخذوا بظاهر النشر أو ببعض القرائن إن سكت في النشر عن تلك المصادر.
ولنأخذ مثالاً : لو أنّ كتاب التذكرة مفقود فيمكن أن نعتمد على جامع البيان للداني لندرك كيف قرأ الداني على أبي الحسن صاحب التذكرة.
ولمعرفة مذهب أبي الطيّب في كتابه الإرشاد في مسألة ما يمكننا الاعتماد مثلاً على كتاب الاستكمال إن كانت المسألة متعلّقة بباب الإمالة أو الراءات أو الاعتماد على المصادر التي يمرّ سندها بأبي الطيّب ككتاب التذكرة لأبي الحسن والتبصرة لمكيّ القيسي لا سيما إن أخبرا أنّهما قرآ بوجه ما على أبي الطيّب وهكذا.
كما أنّه يمكن الاعتماد على أقوال كبار المحرّرين الذين وقفوا على بعض المصادر التي لم نقف عليها نحن لأنّ الحجّة على من علم إن كان ثقة ماهراً في فنّه.

لذلك كان الأحرى على المحرّرين البحث عن القرائن إن تراكمت الشروط التالية :
- سكوت صاحب النشر عن المصدر
- عدم توفّر المصدر
- سكوت المحرّرين المعتبرين عن المسألة التي يراد تحريرها.

فبهذه القرائن يمكننا سدّ ثغرة ريثما تظهر نصوص أو قرائن أخرى. وبهذا ندرك أنّ تحرير أوجه النشر ّينبغي أن يخضع للنظر والتجديد المستمرّ بظهور النصوص والمصادر والقرائن.

أكتفي بهذا القدر والحمد لله ربّ العالمين.
 
ما قاله الشيخ الجليل محمد يحيى شريف الجزائري هو الفهم السليم للقضية، وهو الذي يقتضيه النقل المسنِدُ، والعقل القويم.
الأساس أن كل ما في النشر صحيح حتى يقوم دليل على خطإ جزئية. وعلى الرغم من أن ابن الجزري عليه رحمة الله ورضوانه غير معصوم إلا أن تخطئته أو تسهيته أو توهيمه يحتاج إلى ضوابط لا تتوفر لعامة الناظرين في النشر. وعندما تنتصب الأدلة القاطعة على خطئه أو سهوه أو وهمه بعد إمعان النظر والتدقيق من ذي الكفاءة النظرية أعني صحيح العلم والدين والعقل، فلا مناص من تسهيته أو توهيمه أو تخطئته. وإلاّ تكن فتنة في البحث وفساد كبير.
إني لأعجب ممن يتهم المدرسة الإزميرية بالتحرير وفق مصادر لم يطلعوا عليها. وهذا الروض النضير، نضر الله وجه مؤلفه ونفعنا ببركاتهما مبني على العزو، وهذا تنقيح فتح الكريم، كرم الله ناظمه برؤية وجهه الكريم، مبني على طرح الاحتمالات التي صرّح صاحب الروض بأنها احتمالات لعدم وجود أو وضوح المصدر.
أما الخطوات التي يجب اتباعها للوقوف على ما سكت عنه النشر ذكرا أو عزوا فقد تكفل بذكرها فضيلة الشيخ محمد يحيى شريف الجزائري جزاه الله خيرا.
أكتفي بهذا القدر، كما يقول الشيخ محمد يحيى الجزائري، وأستمر في علاج مرض الجدل والمحاججة الذي يبدو أني أشف منه تماما. وأشكر الشيخ مدثر على عيادته.
 
جزاك الله خيراً شيخنا الحسن.
كلام في الصميم.
أسأل الله تعالى أن يشفيكم وأن يُبعد عنكم كلّ مكروه.
 
-
فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تحصُّلهم على جميع الكتب النّشريةالأصول، فأنّى لهم أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، معإفصاحهم أنفسهم أن النّسخ التي وجدت بين أيديهم ليست مطابقة للنسخ التي قرأ ابنالجزري بمضمّنها و التي أسند إليها تلك الرّواية، بل ربما صرّحوا أنّ نسخهم لكتابٍليست تحوي أسانيد قراءة قد أسند ابن الجزريمن طريقذلك الكتاب تلك القراءة.

إنّ اختلاف النسخ إن وجد فهو على عزّة وندرة ولا ينبغي أن يُعطى هذا الأمر أكثر من قدره وحجمه بدليل أنّكم أشرتم إلي ذلك على سبيل الافتراض. بل بالافتراض المعدوم يقينا. ولكن إن سلمنا جدلاً أن وقعت بين أيدينا مسألة من هذا القبيل فالأمر لا يخلو من شيئين إمّا أن تكون النسختان المتناقضتان بحوزتنا بحيث يمكن التأكّد من وجود تعارض بينهما ، ففي هذه الحالة يُقدّم ما يوافق ظاهر النشر فيكون النشر مؤكّداً لإحدى النسختين لا سيما إن وجدت قرائن تقوّي ذاك الوجه ، كما يمكن الاعتماد على الوجه الموافق لأكثر النسخ إن كانت النسخ كثيرة. وإمّا أن تكون النسخة الوحيدة هي المخالفة لظاهر النشر فينبغي التأكّد من وجود نسخة موافقة لما في النشر بالرجوع إلى أقوال المحرّرين المخبرين باطّلاعهم على هذه النسخة، ففي هذه الحالة يمكن ترجيح ما في النشر لا سيما إن كانت القرائن تؤكّده. وهذه الحالات الجزئيّة القليلة ينبغي أن تدرس على حدة والقول فيها يعود للمجتهد الماهر الذي يمكن أن يُثبت ترجيحة بقوّة القرائن والنصوص التي يستدلّ بها.
أمّا قضيّة الأسانيد فهناك بعض المصادر التي لم يذكر المؤلّف فيها أسانيده أصلاً كابن بليمة في تلخيص العبارات ، ففي هذه الحالة يمكن الاعتماد على أسانيد النشر ومقارنتها بالكتب التي أسندت من هذا الطريق وكذا كتب التراجم وغيرهما.
وهذه حالات نادرة ترجع كما قلت إلى مهارة المجتهد.

فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تطابق نسخ كتبهم مع نسخ كتبابن الجزري، فأنّى لهم أنيعلموا أنّ ابن الجزري قد قرأ بجميع ما في هذه الكتب على أشياخه، إذ ربما اقتصر علىقراءة بعض الأوجه دون بعض ثم اقتصر في النشر و طيبته على ذكر ما قرأ به دون جميع ماحوته هذه الكتب، إذ أنَّ خلاف ذلك يعدُّ عند القراء من التدليس و الكذب فيالرواية.
جزاك الله خيراً على هذه الجزئيّة ، وأنا أوافقكم عليها مائة بالمائة.
أرى أنّه ينبغي الاقتصار على اختيارات ابن الجزريّ من تلك المصادر وعدم تجاوزها شريطة أن تكون صحيحة ثابتة من ذاك المصدر وموافقة لشرط الشهرة الذي التزم به في نشره. فكما ينبغي الالتزام باختيارات الإئمّة العشرة ومن دونهم في الطبقة وكذا اختيارات ابن الجزري لطرقه وأسانيده من المصادر فكذلك ينبغي أن نلتزم باختياراته للأوجه الثابتة من نفس المصدر والطريق ، ولو خالفنا هذا الأصل لجاز إضافة طرق وروايات لم يخترها في نشره.
ولكن للأسف فإنّ بعض المحرّرين الكبار أدرجوا في النشر أوجهاً ما اختارها في النشر ، وسبب ذلك هو ورودها من نفس الطريق والمصدر وهذا خطأ في نظري.
مثاله : إن ثبت وجه عدم السكت لإدريس من مصدر الدرّة ينبغي الالتزام به لأنّ ابن الجزري اقتصر عليه ولم يختر وجه السكت.

والعلم عند الله تعالى.
 
ما كتبه الأخ الكريم أسامة المغربي وفقه الله –وإن سمي (أسئلةٌ أصولٌ عن مبنى علم التحريرات)- إلا أن الأنسب بهذا الموضوع –من وجهة نظري- أن يعنون له بـ(اعتراضات أصولٌ عن مبني علم التحريرات)؛ لأن الأسلوبَ أسلوبُ ترشيح افتراضات، ثم القيام بنفيها، وهذا الأسلوب أقرب إلى الاعتراضات منه إلى الأسئلة، وقد علق الشيوخ الأفاضل بما فتح الله عليهم فجزاهم الله خيراً كبيراً وأجراً عظيماً، وأحببت أن أدلو بدلوي، وأسأل الله التوفيق والسداد.
بل إن ما أستشكله، حتى صار شبهةً تتضخّم كلّما اتسعت مداركي في هذا العلم، هي الأسس و الأصول التي ينبني عليهاQUOTE]
أقول:
ما هو الاستشكال نحو أسس وأصول هذا العلم، وهو مبني على نسبة كل قول إلى قائلة، وتجريد كل طريق عن غيره من الطرق، وعدم خلطه ومزجه بطريق آخر، وإن اكتفى بعض المحررين بذكر الأوجه الممنوعة والجائزة اختصاراً وتسهيلاً عن تسمية كل طريق، والاكتفاء بتمشية أوجه كل طريق مع الطرق المماثلة لها في أوجه الخلاف، وذكر الفروقات الحاصلة بينها لمعرفة ما يجوز وما يمتنع تيسيراً على رواد هذا العلم؛ لأن النتيجة الحاصلة –من الناحية العملية- نتيجة واحدة، سواء سميت الطرق، أو اكتُفي بذكر ما يترتب عليها من دون تسمية، مع أن معرفة اسم كل طريق، ومعرفة مصادره، ومكان وجود كل وجه من أوجه الخلاف في تلك المصادر مرتبة أعلى، ومزية أرفع، إلا أنه يمكن الاستغناء عنها بمعرفة الممنوع والجائز من الأوجه، فهذا ونحوه هي الأسس والأصول التي ينبني عليها هذا العلم، فما هو الاستشكال فيه؟!

و مِمّا زاد الشّـبهة تمكُّناً أنّي سألت بعض من يصول و يجول في ساحات هذا العلم الأصيل، مِمّن يحفظ تحريرات العلماء الفحول حفظا، فأعجزه سؤالي و لم يحر جوابا. حينها علمت أنّ سبيل أكثرِ من يُـوصف بالإلمام بهذا الفنّ أن يعمد إلى ما قرّره أئمة أعلام، كالمتولي و الأزميري و من هو من أقرانهم في علم القراءات، فيُقِرَّهُ و يلتزمَهُ حذو القذة بالقذة "من غير تكييف و لا تعطيل". أمّا أن يكون عَـلِمَ الأصولهم و القواعد و القرائن العلميّة التي انتهجوها ليحصِّلوا هذه الثمرة، التي هي التحريرات عينها، فهذا بعيدٌ، و أبعدُ منه أن يكون علِمَ بصحّة أو ضعف الأصولهم و القواعد و القرائن التي بنوا عليها نتاج بحثهم.
إذا كان هذا هو سبيل أكثر من يوصف بالإلمام بهذا الفن فمعنى ذلك أنه يوجد كثير من الملمِّين به من قد علم الأصول والقواعد والقرائن العلمية، هذا بالنسبة لمن لقيتَهم وسألتهم، ولا شك أنه يوجد كثير ممن لم تلقهم لو تيسر لك اللقاء بهم، وتوجيه إشكالاتك إليهم لما أعجزهم سؤالك، ومن لم يكن لديه المعرفة الكافية، والقدرة على البحث الدقيق فيسعه أن يلتزم بما ذكره المحررون السابقون دون مخالفتهم في شيء، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وليس مقياس نفي الشُّبَه عن هذا العلم أن يتمكن كل من تجدهم من الإجابة عن كل الأسئلة التي توجهها إليهم، فعلم القراءات نفسه يجهله أكثر المشتغلين بالعلوم الشرعية ولا يقول قائل بأن تلك شبهه ليس لها دافع، فالحاصل أنه لا يشترط في نفي الشبهات عن أي علم من العلوم أو فن من الفنون أن يتقنه كل المشتغلين به غاية الإتقان، فضلاً عن غير المشتغلين به.

[1- أنّى لعلماء التحريرات أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إقرارهم أنفسهم بعدم إدراكهم لكتبٍ أصولٍ قد أسند إليها ابن الجزري تلك الرواية.]

أقول:
الأصل صحة ما في النشر من عزو قراءات أو روايات أو طرق إلى مصادرها ما لم يتبين لنا وقوع سهو أو خطأ عن طريق المقارنة بين ما في النشر وبين ما يتيسر وجوده – وهو الأغلب - من المصادر التي هي أصول النشر، فما لم يوجد من أصول النشر يعتمد ما في النشر استصحاباً للأصل المتقدم وهو أن ما في النشر صحيح ما لم يتبين خلاف ذلك، فإذا تقرر ذلك؛ فإن شروع المحررين لتحرير أوجه أي رواية من الروايات النشرية – إذا لم توجد الكتب الأصول - يكون معتمداً على النشر نفسه، وإلا فما فائدة تفصيل ابن الجزري لطرق كل رواية طريقاً طريقاً، وإسناد كل طريق إلى الكتب التي هي فيها؟ فإن المتبادر إلى الذهن – عقلاً واستنباطاً - أن هذا التفصيل للطرق، والعزو لكل طريق إلى مصدرها هو الحرص على التحريرات لئلا يقع تركيب أو خلط بين الأوجه، فكيف وقد صرح ابن الجزري نفسه أن سبب عزوه لكل طريق إلى مصدرها هو تجنب التركيب؟ إذ يقول:
" رافعاً إبهام التركيب بالعزو المحقق إلى كل واحد " (النشر، 1/56).
وقال في موضع آخر بعد تفصيله لطرق الرواة، وذكر الكتب التي تروى منها:
"وفائدة ما عيناه وفصلناه من الطرق، وذكرناه من الكتب، هو عدم التركيب، فإنها إذا ميزت وبينت ارتفع ذلك" (النشر، 1/191).

[ 2- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تحصُّلهم على جميع الكتب النّشرية الأصول، فأنّى لهم أن يشرعوا في تحرير أوجهِ روايةٍ نشريةٍ، تجويزا و منعا، مع إفصاحهم أنفسهم أن النّسخ التي وجدت بين أيديهم ليست مطابقة للنسخ التي قرأ ابن الجزري بمضمّنها والتي أسند إليها تلك الرّواية، بل ربما صرّحوا أنّ نسخهم لكتابٍ ليست تحوي أسانيد قراءة قد أسند ابن الجزري من طريق ذلك الكتاب تلك القراءة].

تقدم أن ما لم يوجد من أصول النشر فيُكتفَى بما في النشر من عزو إلى تلك الأصول، وفي حالة الحصول على ما تيسر من الكتب الأصول فليس دائماً ما فيها مخالف لما في النشر، وإنما في حالات قليلة بالنسبة لمواضع الاتفاق، وبعض الأوجه المختلف فيها الاختلاف واقع أيضاً في نسخ النشر مما يحتمل وقوع بعض السهو من النساخ، ثم إن المحررين لا يقدمون ما في الأصول مطلقاً في حالة مخالفتها لما في النشر، لا سيما إذا تعددت النسخ ووقع بينها اختلاف، وإنما في الحالات التي يترجح لديهم وقوع السهو في النشر سواء من المصنف نفسه أو من النساخ، وجميعهم يصيب ويخطئ، واعتقاد بأن كل ما في النشر –دائماً- ملازم للصواب اعتقاد لا شك في مجانبته للصواب، وبالعموم: فمخالفة ما في النشر تجويزاً ومنعاً –على قلته- هو جانب من جوانب التحرير، وليس التحرير كله، والله أعلم.

[3- فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، تطابق نسخ كتبهم مع نسخ كتب ابن الجزري ، فأنّى لهم أن يعلموا أنّ ابن الجزري قد قرأ بجميع ما في هذه الكتب على أشياخه، إذ ربما اقتصر على قراءة بعض الأوجه دون بعض ثم اقتصر في النشر و طيبته على ذكر ما قرأ به دون جميع ما حوته هذه الكتب، إذ أنَّ خلاف ذلك يعدُّ عند القراء من التدليس و الكذب في الرواية.].
هذا البند يختص بما ذكره المحررون من الأوجه ولم يذكره ابن الجزري من الكلمات التي فيها عدة أوجه واقتصر في النشر على وجه منها، أو بعض الأوجه وترك بعضها، ولكن ليس كل ما ذكره المحررون من هذا النوع، بل بعض الكلمات ليس فيها في الأصول والمصادر إلا وجه واحد، والمذكور في النشر خلاف ذلك الوجه، ولا يمكن في هذه الحالة أن يقال بأنه اقتصر على قراءة بعض الأوجه دون بعض، ولا يوجد ما يؤكد بأن كل وجه مذكور في النشر وفي الأصول خلافه بأن المذكور في النشر هو الذي قرأ به ابن الجزري على شيوخه، لا سيما والفترة بين تلقيه للقراءات على شيوخه وبين تأليفه للنشر ليست بالقليلة، فمن المحال أن يكون ذاكراً لكل وجه – لكثرة الأوجه - تلقاه عن شيوخه، وبذلك يتعين بأن جُلّ اعتماده في تأليف النشر على الكتب الأصول لا على مجرد تلقيه عن شيوخه، وطالما والأمر كذلك فما المانع أن يُعتمَد ما في الأصول في حالة اختلافه عما في النشر إذا وجدت القرائن الدالة على وجود السهو في النشر سواء كان من المؤلف نفسه أو من النساخ كما تقدم، والله تعالى أعلم.

4-
فإن فرض أن ابن الجزري قد قرأ بجميع ما حوته هذه الكتب النشرية، فأنّى لهم أن يُلزموا ابن الجزري بما حوته هذه الكتب، إذ أن عمل ابن الجزري في نشره لم يكن مجرد النقل بل كان عمله التحقيق و التنقيح، فتراه يضعِّف أوجها ثبتَ ذكرها في هذه الكتب، فأنّى لهم تمييز ما تركه ابن الجزري من الأوجه سهوا، فيُلزموه به، و ما تركه إهمالا له و استبعادا و توهينا، فيقصروا عن التحكم برأي ابن الجزري و يكفّوا عن أداء أوجه لم تثبت بالسند إذ كان مدار سند هذه الأوجه على ابن الجزري نفسه.
تقدم الكثير مما يصح أن يكون جواباً على هذا التساؤل، وأوضح أكثر فأقول: الأوجه التي هي ثابتة من نفس الطريق المعتمدة عند ابن الجزري وبنفس الإسناد الذي أسند به غيره من الأوجه، إضافة إلى أن نفس الوجه ذلك قد يكون مرويًّا من طرق أخرى مذكورة في النشر مما يدل أنه غير مستبعد ولا ضعيف، ومع ذلك لم يُذكر في النشر من تلك الطرق المعتمدة عنده البتة - مع أن من عادة ابن الجزري إذا لم يرتض وجهاً معيناً يذكره ثم يبين ضعفه - ، فمثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون تركه إلا سهواً، فكيف إذا كان الوجه الموجود في الأصل غير المذكور في النشر، فهل يُعقل أن يترك ابن الجزري ما في الأصل استبعاداً وتوهيناً ويستبدله بوجه آخر غير موجود في الأصل؟!
ولا يستقيم هنا الاحتجاج بالسند؛ إذ إنه من البعيد أن يكون ابن الجزري ذاكراً لكل وجه تلقاه عن شيوخه من جميع الطرق التي تلقاه منها لكثرة الأوجه؛ ولكونه تلقى أكثر ما تضمنته الكتب من القراءات بطرق الجمع التي تتداخل فيها الأوجه، ولا يمكن تمييزها إلا بالرجوع إلى الأصول، مع أن بعض الكتب لم يقرأ بما تضمنته من القراءات بشكل خاص، وإنما دخلت في قراءته على شيوخه بمضمن كتب أخرى كما هو صريح في بداية النشر عند ذكره للأسانيد التي روى أصول النشر من طريقها، فالخلاصة أن قراءته بإحدى طرق الجمع تكون قراءته مشتملة على تلك الأوجه المحرَّرة وبذلك يثبت به السند، والله أعلم.

5-
فإن فرض، و هو فرض معدوم يقينا، أن جميع ما تركه ابن الجزري ممّا ذكر في تلكم الكتب إنما كان عن سهو، فأنّى لهم أن يضبطوا و يحصروا الطرق الأدائية التي قرأ بها ابن الجزري زيادة على ما خُطَّ في هذه الكتب.
تعقيب المحررين – مع مراعاة ما سبق من تفاصيل - على ابن الجزري إنما هو على الطرق النصية المعزوة إلى مصادرها، فإذا كان المعزو في النشر إلى كتاب غاية الاختصار – مثلاً - من الأوجه مختلفاً عن ما هو موجود في غاية الاختصار فينبه عليه المحررون وما يترتب عليه من منع وجواز، وهكذا، وهذا لا علاقة له بالطرق الأدائية، والعلم عند الله تعالى.
 
عودة
أعلى