أزمنة التسبيح في القرآن (أزمنة الليل والمساء)
أزمنة التسبيح في القرآن (أزمنة الليل والمساء)
11- الليل، آناء الليل.
ورد زمن "الليل" في القرآن الكريم اثنين وتسعين مرة. وورد زمنًا للتسبيح في موضعين منها مع "النهار". وفي موضع مع "قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، وأدبار السجود". وفي موضع مع "حين القيام، وإدبار النجوم".
وفي موضع منها بإضافة "آناء" إلى "الليل" مع "قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، وأطراف النهار".
وسائر آيات "الليل" في مقابل "النهار" مثل: البقرة: 164 و274، وآل عمران: 26. وربما جاء مقابل "الصباح" مثل: الأنعام: 96، والصافات: 138. وقد تأتي مقابل "الضحى" مثل: الضحى: 2. وقد تأتي "الليالي" مقابل "الأيام" مثل: مريم: 10. وربما جاء "الليل" بلا مقابل، مثل: الأنعام: 76، ويونس: 27.
واللّيل: ضد النهار، اسم لكل ليلة، ويبدأ وقته من انصراف النهار بغروب الشمس، وفي الصحيحين عن النبي r: « إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». وينتهي بإقبال الصُّبْح، وهو أول النهار، حين طلوع الفجر الصادق، كما جاء في الحديث عن النبي r: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى». وفي التهذيب (نهر): ((قال الفرّاء : وسمعتُ العربَ تُنْشِد :
إنْ تكُ لَيْلِيّاً فإني نَهِر مَتَى أَرَى الصُّبحَ فَلاَ أنتظِر)).
وقد قال الله Y: [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P451]ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][الصافات: ١٣٧ – ١٣٨]، ففرّق بين الليل والصبح، ومثله قول الله Y: [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P265]ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][الحجر: ٦٥ – ٦٦]، قال في العين: ((وقول الله U: [FONT=QCF_BSML]ﭽ [/FONT][FONT=QCF_P266]ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][الحجر: ٨٣] أي بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس)).
وقيل: الليل إلى طلوع الشمس.
وآناء الليل: ساعاته.
12- المساء.
ورد في موضع واحد من القرآن الكريم بصيغة الفعل "تمسون" مع "الصباح، والعشي، والظهر".
ووقت المساء، قيل: من بعد الزوال إلى الغروب. وقيل: إلى نصف الليل. وقيل: بعيد العصر إلى الغروب. وقيل: إذا أقبل الليل بظلامه.
والذي يظهر لي أن المساء يستعمل عند العرب لأول الليل من حين تغرب الشمس أو تدنو من الغروب إلى أن يظلم الليل.
ومما يدل على ذلك:
قول الحارث بن حلزة في نعامة:
آنَسَتْ نَبْأةً وأَفْزَعَها القَنْـــــــ ـنَاصُ عَصْراً وقَدْ دَنَا الإِمْساءُ
والعصر وقت العشي قبل الغروب، وقال أبو بكر الأنباري: ((ويروى: قَصْراً. أراد: حسّت النعامة، وسمعت صوتاً وحركة)). والقَصْر كما سبق: آخر العصر حين يدنو الغروب.
وقول امرئ القيس يصف محبوبته:
تُضِيْءُ الظَّلامَ بالعِشاء كأنَّها مَنَارةُ مُـمْسى رَاهِبٍ مُتَبَتِّلِ
والمنارة: الـمَسرجة، أو الصومعة، أي: كأنها سراج منارة. ومـُمْسى راهب، أي: إمساء راهب. قال الجوهري: ((يريد صومعته حيث يمسي فيها))، وقال الزوزني: ((يريد أن نور وجهها يغلب ظلام الليل كما أن نور مصباح الراهب يغلبه))، فعبر عن الليل بالمساء.
وقول عنترة:
أَلا يا دَهْرُ يَومِي مِثْلُ أَمْسِي وَأَعْظمُ هَيْبةً لـِمَن الْتَقَاني
فقابل اليوم بالمساء، واليوم: النهار كله.
وقول الـمُسَيَّب بن عَلَس:
فِعْلَ السَّريعةِ بَادَرَتْ جُدَّادَهَا قَبْلَ الـمَسَاءِ تَهُمُّ بالإسْرَاعِ
والسريعة: المرأة التي تسرع. والجُدَّاد: الخيوط المعقدة، أو هي التي في خيوطها ألوان فيغمرها الليل بسواده، فتصير على لون واحد، كما قال الأعشى:
أَضَاء مِظلَّتَه بالسِّرا ج والليلُ غامِرُ جُدَّادِها
فتسرع المرأة بشأن جُدادها قبل أن يحل عليها المساء بظلامه.
وقول الخنساء في رثاء أخيها صخر، وذكر شجاعته:
يُؤرّقُني التّذَكّرُ حينَ أُمْسي فأُصْبحُ قد بُليتُ بفرْطِ نُكْسِ
على صَخْرٍ ، وأيُّ فتًى كصَخْرٍ ليَوْمِ كَريهَةٍ وطِعانِ حِلْسِ
ثم قالت في كرمه:
وضَيفٍ طارقٍ أو مُسْتجيرٍ يُرَوَّع قَلْبه مِنْ كُلِّ جَرْسِ
فأَكْرَمَه وآمَنَه فَأَمْسى خَلِيًّا بالُه مِنْ كُلِّ بُؤْسِ
يُذَكّرُني طُلُوعُ الشمسِ صَخراً وأذكرُهُ لكلّ غُروبِ شَمْسِ
فهي تتذكره ويؤرقها التذكر في المساء من حين تغرب الشمس حتى تصبح، كما قالت: حين أمسي فأصبح. فالمساء في كلامها مقصود به حلول الليل، ومما يدل على ذلك تذكرها لأخيها حين تغرب الشمس، بعد أن ذكرت كرمه لضيفه الذي يمسي مكرمًا آمنًا، كما أنها تتذكره حين تطلع الشمس. وتخصيص وقتي الطلوع والغروب؛ لأن حال العرب في ذلك الزمان أنهم يجعلون طلوع الشمس وقتًا للغارات، وغروبها وقت إيقاد النيران لقرى الضيفان.
ومن ذلك قول الحطيئة:
ويَحْلِفُ حَلْفَةً لِبَنِي بَنيه لأمسوا مُعطِشين وهم رواءُ
ويَأْمُر بالجِمال فلا تَعَشَّى إذا أمْسَى وإِنْ قَرُب العَشَاءُ
قال ابن فارس: ((والعَشاء ممدود مهموز بفتح العين، هو: الطعام الذي يؤكل من آخر النهار وأول الليل)).
وقول ذي الرمة:
تَنَصَّبَتْ حَوْلَهُ يَوْماً تُراقِبُهُ صُحْر سَمَاحِيجُ فِي أَحْشَائِهَا قَبَبُ
حتى إذا اصفرَّ قرنُ الشَّمسِ أو كربتْ أمسى وقدْ جدَّ في حوبائهِ القربُ
كما يدل على استعمال المساء من حين تغرب الشمس جملة من الأحاديث، منها:
حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة وفيه قال النبي r: قَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ.
وعن عبد الله بن أبي أوفى t قال: كنا مع رسول الله r في سفر، وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لرجل: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فقال: يا رسول الله، لو أمسيت. قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: إن علينا نهارًا. فنزل فجدح له فشرب، ثم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ».
وعن ابن عباس t قال: بت عند خالتى ميمونة فجاء رسول الله r بعد ما أمسى فقال: «أَصَلَّى الْغُلامُ؟». قالوا : نعم. فاضطجع حتى إذا مضى من الليل ما شاء الله، قام فتوضأ، ثم صلى سبعًا أو خمسًا أوتر بهن، لم يسلم إلا في آخرهن.
وقالت عائشة في وفاة أبيها t: لم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح.
وعن محرش الكعبي t أن النبي r خرج ليلاً من الجعرانة حين أمسى معتمرًا، فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف، حتى جامع الطريق طريق المدينة بسرف.
وعن معاذ بن جبل t قال: خرجنا مع رسول الله r في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يبرد، ويجمع بين الظهر والعصر، فإذا أمسى جمع بين المغرب والعشاء.
وعن خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب t أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، طلعت الشمس. فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا.
وعن عبد الله بن دينار قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر، فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى، قلنا: الصلاة. فسار حتى غاب الشفق، وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعًا، ثم قال: رأيت رسول الله r إذا جد به السير صلى صلاتي هذه، يقول: يجمع بينهما بعد ليل. وفي رواية عن نافع أن ابن عمر استُصرخ على صفية، فسار في تلك الليلة مسيرة ثلاث ليال، سار حتى أمسى، فقلت: الصلاة. فسار، ولم يلتفت، فسار حتى أظلم.
وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: جاء أبو بكر t بضيف له أو بأضياف له. وفيه: فلما أمسى، قالت له أمي: احتبست عن ضيفك أو أضيافك منذ الليلة، قال: أما عشيتهم. قالت: لا...
ويؤكد هذا التحديد قول الله Y: [FONT=QCF_BSML]ﭽ[/FONT][FONT=QCF_P406]ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ[/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT][الروم: ١٧ – ١٨]، فذكر الله U الصبح، وفيه صلاة الفجر، ثم الظهر والعشي، وهما من الزوال إلى الغروب، وفيهما صلاتا الظهر والعصر، وذكر "المساء" يدل على أنه غير وقتهما، ولم يبق من أزمان الصلوات إلا الليل، فهو المساء، وقد ورد عن ابن عباس t وقتادة وابن زيد تفسير التسبيح في المساء بصلاة المغرب، وورد عنه وعن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك التفسير بصلاتي المغرب والعشاء.
وإلى هذا التفسير ذهب الفراء، ومكي بن أبي طالب، وابن أبي زمنين، والبغوي، والعز بن عبدالسلام، وابن عادل الحنبلي.
وذهب إلى هذا التحديد أو قريبًا منه الماوردي في تفسيره، وابن كثير، والبقاعي، وابن عاشور، قال الماوردي: ((المساء: بدو الظلام بعد المغيب))، وقال ابن كثير: ((هو إقبال الليل بظلامه))، وقال البقاعي: ((أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور))، وقال ابن عاشور: ((كلمة المساء تشمل أول الليل)) وقال: ((الإمساء: اقتراب غروب الشمس إلى العشاء)).
13- إدبار النجوم.
ورد التعبير بإدبار النجوم في سورة الطور (49), مقابل "الليل، وحين القيام".
ووقت "إدبار النجوم" وقت السحر قبيل النهار.