أزمة أخلاق ( 6 )
إذا تفحص الأخلاق متأمل وجد أن الحياء أصل لجل هذه الأخلاق إن لم يكن لجميعها، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ " ، بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء والإيمان قرينين ، فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر ؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يرفعه: " الحياء والإيمان قرنا جميعًا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" ؛ فهما قرينان لا ينفصلان, فإما أن يبقيا جميعًا ، أو يذهبا جميعًا ؛ ذلك لأن الحياء يحث صاحبه على الفضائل ، ويمنعه عن الرذائل، وأنه كما قال صلى الله عليه وسلم : "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ " أَوْ " الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ " ، وفي رواية: " الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إلا بِخَيْرٍ " متفق عليه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه .
هذا ، وإنك – أيها القارئ - إذا أرجعت ما تراه بين الناس من سوء خلق ، وجهر بمعصية ، وترك للطاعات ، وفعل للمنكرات إلى قلة الحياء أو انعدامه ، فما أبعدت .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " رواه البخاري عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه .
وقال بعض البلغاء العلماء: يا عجبًا ! كيف لا تستحي من كثرة مالا تستحي ، وتتقي من طول مالا تتقي ؟!
ورب قبيحة ما حـال بيني ... وبين ركوبـها إلا الـحياء
إذا رزق الفتى وجهًا وقاحًا ... تقلب في الأمـور كما يشاء
وتَخَيُّل حياة لا حياء فيها تخيل لمجتمع بهيمي لا يصلح أن يحيا فيه الإنسان الذي ميزه الله بالعقل والفكر والفهم ، فالحياء لازم لحياة عاقلة مفيدة .. لحياة يسعد فيها أهلها ، فإذا عم الحياء تنعدم القبائح أو تقل ، وتُعرف الحقوق لأهلها ، فيُوقر الكبير ، ويُرحم الصغير ويُعطى كل ذي حق حقه ؛ ومن فقد الحياء ركب القبائح ولم يعرف حقًّا لأحد ، فهام على وجهه كالبهيمة لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا ؛ ومما توارثته الأجيال عبر القرون حتى انتهى إلى أمة الإسلام ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " رواه البخاري عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه .
من أجل ذلك كان الحياءُ خُلقَ الإسلام كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام. إذ هو الخلق العظيم الذي يجمع - عند التأمل - جل الأخلاق أو كلها .
هل بقي من الحياء شيء في دنيا الناس ؟
... إنها أزمة أخلاق .