أزمة أخلاق

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
أزمة أخلاق ( 1 )​
ينسب الصلاح والفساد في الزمان والمكان بأعمال أهل الزمان والمكان ، فيقال : زمان صالح ، لأنن أهله يعملون الصالحات ، ويقال زمان فاسد ، لأن أهله يعملون السيئات ؛ ويقال : بلدة صالحة لأن أهلها صالحين ، ويقال : بلدة فاسدة ؛ لأن أهلها فاسدين .
قال الله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم/41] .
ومنذ القديم فهم الناس ذلك ؛ فقال شاعرهم :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق​
وقال الآخر :
أرى حللا تصان على أناس ... وأخلاق تداس ولا تصان
يقولون الزمان به فساد ... وهم فسدوا وما فسد الزمان
فالزمان هو الليل والنهار يمر بأولئك وهؤلاء ، وبأعمالهم ينسب إليه الصلاح والفساد .
والمتأمل في أحوال الناس اليوم يرى أننا - بحق - نعيش أزمة أخلاق .
 
أزمة أخلاق ( 2 )​
إن ضياع الحقوق بين الناس في مجتمع ما ، دلالة واضحة على أزمة الأخلاق في هذا المجتمع .
فعقوق الأبناء للآباء ، وعقوق الآباء للأبناء ؛ وقطيعة الرحم ، والإساءة إلى الجيران ، وشيوع الكذب ، والتحاسد ، والبغضاء ، وقلة الحياء ، وانتشار الفاحشة ، والإعلان بها ، والتحرش بالنساء ... إلى غير ذلك من سوء الأخلاق ... دلالة ظاهرة على أزمة الأخلاق ، وإني لأعجب عندما أقرأ لجاهلي يقول :
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ... لا أتبع النفس اللجوج هواها
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأوها
ثم لا أرى ممن ينتسب إلى دين الإسلام غض البصر ، وقد قال الله تعالى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون } [النور:30] .
 
أزمة أخلاق ( 3 )
ليس للمسلم أن يقول : أصدق أو أكذب .. أنا حر .
أو يقول : أتحلى بالحياء أو أكون وقحًا .. أنا حر .
أو يقول : أنظر إلى النساء أو أغض بصري .. أنا حر .
أو يقول : أصبر أو أجزع ... أنا حر .
وهكذا .. في جميع الأخلاق ؛ إذ الأخلاق في الإسلام ليست من مواد الترف ، بل هي أصل أصيل من أصول دين الإسلام ؛ فقد قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاقِ" رواه أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) غن أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ" رواه أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها , وقال صلى الله عليه وسلم : " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا.."الحديث رواه أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
 
أزمة أخلاق ( 4 )
روى الإمام أحمد بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ ، قَالَ : فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لِأَلْعَبَ ، فَقَالَتْ أُمِّي : يَا عَبْدَ اللهِ ، تَعَالَ أُعْطِكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ ؟ " ، قَالَتْ : أُعْطِيهِ تَمْرًا ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذْبَةٌ " ؛ والحديث رواه أبو داود وغيره .
فانظر - رحمني الله وإياك - إلى هذه التربية العالية .. إنها رسالة لمن يقسم الكذب إلى أبيض وأسود .. فهذه في عرفهم كذبة بيضاء ، لأنها لا تضر … زعموا .
يكفي في ضررها أنها تربي الأولاد على الكذب ، وعدم الثقة في كلام آبائهم .. أليست هذه مصيبة عظيمة سببها مثل هذه الكذبة ؟!
وأعلى أنواع الكذب : كذب الملوك ، لأنه أمر مستهجن ، فلماذا يكذب ملك أو حاكم ؟ ولذلك فإن جزاءه عظيم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ " .
وبين الكذبة الأولى وكذب الملوك أنواع من الكذب ، وأحسب أننا نعيشها جميعًا في زماننا هذا ، فيكذب الحكام على المحكومين ، ويكذب المحكومين على حكامهم ، ويكذب الآباء على الأبناء ، ويكذب الأبناء على الآباء ، ويكذب الرجال على أزواجهم ، وتكذب النساء على أزواجهن ، ويكذب الموظف على رئيسه ، ويكذب المدراء على موظفيهم ، ويكذب الصغير على الكبير ، ويكذب الكبير على الصغير ... حتى الدول يكذب بعضها على بعض ؛ وتسمع في وسائل الإعلام كذبًا ، وترى كذبًا ، وتقرأ كذبًا ..
حتى تكاد تقول : إنها أزمة صدق .. إلا من رحم الله .. وقليل ما هم .
مع أن الكذب مذموم بكل لسان ، وقد قال الشاعر القديم :
لا يكـذبُ المرءُ إلا مِنْ مَهَانَتِهِ ... أو عادةِ السُوءِ أو مِنْ قَلةِ الأدبِ
ألم أقل : إنها أزمة أخلاق ؟!
 
أزمة أخلاق ( 5 )
" الظلم ظلمات يوم القيامة " ، ما أعظمه حديث يبين حال الظالم يوم يجمع الله الأولين والآخرين ؛ والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا .
وقال الله جل جلاله : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [ الشعراء : 227 ] ؛ يا لها من آية عظيمة تحمل تهديدًا شديدًا ووعيدًا أكيدًا للظالمين .
والعجب أننا نرى كثرة المظالم في عصرنا هذا بأنواعها الثلاثة : ظلم الإنسان لنفسه ، وظلمه لأخيه الإنسان ، ثم الظلم العظيم ، وهو الشرك بالله والكفر به .
ولا شك أن من أسباب تفشي المظالم بين الناس سوء الخلق الذي يدفع صاحبه إلى الظلم دون النظر في حق الآخرين ، ودون النظر في العواقب .
والظلم في الدماء أعلى المظالم بعد الشرك بالله ... وقد بلغ في عصرنا مبلغًا خطيرًا ، إلى حدٍّ يمكن أن يقال معه : استحلال الدم الحرام ، وهو – عياذًا بالله – كفر ، بإجماع أهل العلم .
والظلم في الأموال قد انتشر بصورٍ كثيرة ، من غش ، ونصب ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وسرقة ، وغصب ، وتحايل ... إلى غير ذلك من صور الظلم في الأموال .
وأما الظلم في الحقوق فواضح للعيان ، فقلما تجد إنسانًا يحافظ على حق غيره إن كان سيصيبه من وراء ذلك ضرر ما ؛ وترى كل واحد يبحث عن مصلحته هو وفقط ، ولا ينظر بعد ذلك إلى حق الآخر ، ونظرة فاحصة إلى قضايا المحاكم المختلفة في أي دولة من الدول ، يقف الإنسان على خطورة الأمر .
وما يحدث من ظلم للشعوب من حكامها ظاهر لكل ذي عينين ...
لقد ملئت الأرض جورًا ... إنها أزمة أخلاق .
 
أزمة أخلاق ( 6 )
إذا تفحص الأخلاق متأمل وجد أن الحياء أصل لجل هذه الأخلاق إن لم يكن لجميعها، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ " ، بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الحياء والإيمان قرينين ، فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر ؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يرفعه: " الحياء والإيمان قرنا جميعًا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر" ؛ فهما قرينان لا ينفصلان, فإما أن يبقيا جميعًا ، أو يذهبا جميعًا ؛ ذلك لأن الحياء يحث صاحبه على الفضائل ، ويمنعه عن الرذائل، وأنه كما قال صلى الله عليه وسلم : "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ " أَوْ " الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ " ، وفي رواية: " الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إلا بِخَيْرٍ " متفق عليه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه .
هذا ، وإنك – أيها القارئ - إذا أرجعت ما تراه بين الناس من سوء خلق ، وجهر بمعصية ، وترك للطاعات ، وفعل للمنكرات إلى قلة الحياء أو انعدامه ، فما أبعدت .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " رواه البخاري عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه .
وقال بعض البلغاء العلماء: يا عجبًا ! كيف لا تستحي من كثرة مالا تستحي ، وتتقي من طول مالا تتقي ؟!
ورب قبيحة ما حـال بيني ... وبين ركوبـها إلا الـحياء
إذا رزق الفتى وجهًا وقاحًا ... تقلب في الأمـور كما يشاء
وتَخَيُّل حياة لا حياء فيها تخيل لمجتمع بهيمي لا يصلح أن يحيا فيه الإنسان الذي ميزه الله بالعقل والفكر والفهم ، فالحياء لازم لحياة عاقلة مفيدة .. لحياة يسعد فيها أهلها ، فإذا عم الحياء تنعدم القبائح أو تقل ، وتُعرف الحقوق لأهلها ، فيُوقر الكبير ، ويُرحم الصغير ويُعطى كل ذي حق حقه ؛ ومن فقد الحياء ركب القبائح ولم يعرف حقًّا لأحد ، فهام على وجهه كالبهيمة لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا ؛ ومما توارثته الأجيال عبر القرون حتى انتهى إلى أمة الإسلام ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " رواه البخاري عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه .
من أجل ذلك كان الحياءُ خُلقَ الإسلام كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام. إذ هو الخلق العظيم الذي يجمع - عند التأمل - جل الأخلاق أو كلها .
هل بقي من الحياء شيء في دنيا الناس ؟
... إنها أزمة أخلاق .
 
أزمة أخلاق ( 7 )
من أهم الأمور التي يظهر فيها الحياء جليًّا مظهر المرأة ، لأن الحياء أخص صفاتها ؛
وما خرجت النساء متبرجات متعطرات إلا عن جهل أو عن قلة الحياء لهن ولأولياء أمورهن ؛ فكيف تكشف الحيية عن مفاتنها ؟! وكيف يرضى الرجل الحيي أن تخرج امرأته أو أخته أو ابنته كاشفة عن محاسنها ؟ مائلة مميلة تفتن كلَ من يراها ؟
إنه الشرف في أعلى رتبه ، والعفاف في ذروته ، والعزة في غايتها ، عندما تستجيب المرأة لأمر ربها فترتدي اللباس الذي أمرها الله به ، لأنها بهذا تحفظ عليها عفافها وكرامتها وشرفها وعزتها ، فلا يؤذيها أحد ، ولا يطمع فيها نذل أو منافق أو غير ذلك من حثالة البشر .
إن الحياء والخجل من ألزم صفات المرأة وأخص أخلاقها ، فإذا تبرجت المرأة فقد خرجت من حيائها وخجلها ، ومن لا حياء له فلا خير فيه ، وقد قيل : الرجال باللحى والنساء بالاستحا .
فأين الحياء من الله إذا خالفت المرأة أمر ربها ؟! وأين الحياء من الناس إذا كشفت عن محاسنها ومفاتنها ينظر إليها الرجال ؟! وأين الحياء من النفس إذا شعرت المرأة أن هناك أعين خبيثة تنظر إليها ؟!
وإذا فقدت المرأة الحياء من الله ، ومن الناس ، ومن نفسها ، فهل بعد ذلك من خير ؟! وقد قيل : أربعةٌ قبائح ، وهي في أربعة أقبح : البخل في الملوك ، والكذب في القضاة ، والحسد في العلماء ، والوقاحة في النساء .
وما أحسن قول الشاعر :
أبنيتي ليس التبرج ... والسفور هو الفضيلة
هذا ادعاء العابثين ... ليقتلوا الأخلاق غيلة
جاءوا به من عالمٍ ... قد ضل في الدنيا سبيله
لا تخدعنك دعوةٌ ... هي بين أظهرنا دخيلة
إن المرأة حين تخرج من بيتها متبرجة غير مستحيية من الله تعالى ، ولا من الناس ، ولا من نفسها ، لتفقد بذلك احترامها وتوقيرها بين الفضلاء من الناس ، وتعرض نفسها لعاقبة وخيمة , فهي إن وافتها منيتها على حالتها تلك لم ترح رائحة الجنة ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رواه مسلم .
كم معصية وقعت ، وكم من أخلاق سقطت ، وكم من مصيبة حلت ، بتبرج النساء .
ليعلم الجميع أن هناك دعوة خبيثة تريد أن تُغَرِّب المرأة المسلمة ، وللأسف الشديد يحمل لوائها الآن بعض من ينتسبون إلى الإسلام ، ولا مانع عندهم أن يكون ذلك تدريجيا وبطيئا ، فمثلا تقوم حملة مدروسة للطعن في النقاب ، وهم على علم بأنها ستواجه قوة في الرد، لكن سيكون لها أثر ولو ضعيف ، وبعد فترة تعاود الحملة بأفراد آخرين، ثم تنتقل بعد ذلك إلى مرحلة أخرى... وهكذا حتى تتعرى النساء ، ويفسد المجتمع ، وقد حصل - وللأسف الشديد - لتلك الحملات مرادها في بعض مجتمعات المسلمين .
... ألم أقل : إنها أزمة أخلاق ؟... ألم أقل : إنها أزمة أخلاق ؟
 
أزمة أخلاق ( 8 )​
إذا انتهت أزمة الأخلاق إلى القضاء ، فمعنى ذلك ضياع الحق ، وفوات العدل ، وانتشار الظلم ، وعندها ينتظر الناس عقوبة عامة ، لا تصيب الذين ظلموا خاصة .. سلمنا الله وسلم منا .
يروى أنه كان في بني إسرائيل فقير يمتلك فرسا ، وغني يمتلك بقرة ، فولدت فرس الفقير مُهرًا ، ولم تلد بقرة الغني ؛ فادعى الغني أن المهر ابن البقرة ، ورفع الأمر إلى القاضي ، فرشاه الغني ، فحكم بأن المهر ابن البقرة ، وقال في حيثيات حكمه : ألا ترون أنه يمشي على أربع مثلها ، وأن له عينين ولها عينان ، وأن له ذيل ولها ذيل .
واستأنف الفقير الحكم ، وكان قاضي الاستئناف ممن يتقي الله ، فنظر القضية ، ثم اعتذر عن النطق بالحكم لأن الحيض قد نزل عليه ، فقال الغني : أيها القاض ، وهل ينزل الحيض على رجل ؟ فقال له : أيها الأحمق ، وهل تلد البقرة مُهرًا ؟
يا لها من حيثيات تلك التي ذكرها القاضي المرتشي ، وكم من حيثيات لقضاة هي أشبه بتلك الحيثيات .. ضاعت بها حقوق ، وقتل بها أبرياء ، وسجن بها مظلومون ، وترتب على ذلك مصائب وآلام لأسر ستظل تدعو الله تعالى على هؤلاء وأعوانهم ... ألم أقل : إنها أزمة أخلاق .
عَنِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ "، رواه أَبُو دَاوُدَ وغيره .
إذا جار الأمير وكاتباه ... وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل .... لقاضي الأرض من قاضي السماء​
 
عودة
أعلى