سيف بن علي العصري
New member
- إنضم
- 08/04/2006
- المشاركات
- 18
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
أريج النسرين في حكم الأكل باليمين
بقلم/ سيف بن علي العصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً نستجلب به كل نعمة، وندفع به كل نقمة، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير .. أما بعد:
فهذا تحرير لأقوال أهل العلم في مسألة الأكل باليمين، مع بيان الدليل والتعليل والله أرجو أن يكون هذا الجزء نافعاً مفيداً، فأقول:
اتفقت المذاهب الأربعة المتبوعة على أن الأكل باليمين من الآداب وليس من الواجبات، وذهب ابن حزم في آخرين إلى وجوب الأكل باليمين استناداً لظاهر الأخبار.
حكاية أقوال المذاهب الأربعة:
مذهب الحنفية:
قال الإمام ابن نجيم الحنفي (1/30) : المواظبة لا تفيد السنية إلا إذا كانت على سبيل العبادة، وأما إذا كانت على سبيل العادة فتفيد الاستحباب والندب لا السنية، كلبس الثوب والأكل باليمين. ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التيامن كانت من قبيل الثاني – أي العادة - فلا تفيد السنية، كذا في شرح الوقاية، وكذا قال في السراج الوهاج: إن البداءة باليمنى فضيلة على الأصح.اهـ
مذهب المالكية:
قال العلامة النفراوي في الفواكه الدواني: (و) الآداب المقارنة أن (تتناول) المأكول والمشروب (بيمينك) على جهة الندب لخبر: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله}.اهـ
والقول بندب الأكل باليمين هو المنصوص عليه عند المالكية في مختصر خليل، وشروحه، بل في عامة كتب المذهب.
المذهب الشافعي:
قال الإمام الشربيني في مغني المحتاج (4/412) : ويكره نفض يده في القصعة والشرب من فم القربة، والأكل بالشمال والتنفس والنفخ في الإناء...الخ .
وهذا هو المنصوص في كتب المذهب كأسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وتحفة المحتاج للإمام ابن حجر الهيتمي وغيرهم.
مذهب الحنابلة:
قال الإمام ابن قدامة في المغني (7/222) : تستحب التسمية عند الأكل، وأن يأكل بيمينه مما يليه، لما روى عمر بن أبي سلمة قال: { كنت يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك}. متفق عليه.اهـ
وقال الإمام المرداوي في الإنصاف (8/327): وتستحب التسمية عليهما، والأكل باليمين. ويكره ترك التسمية والأكل بشماله إلا من ضرورة، على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وذكره النووي في الشرب إجماعا. وقيل : يجبان.اهـ
القائلون بوجوب الأكل باليمين، وحرمة الأكل بالشمال
ذهب إلى ذلك الظاهرية واختاره الإمام ابن العربي المالكي كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح، واختاره أيضاً الإمام تقي الدين السبكي من الشافعية، حكى عنه ذلك ولده الإمام التاج السبكي، وكلام الإمام العراقي في شرح الترمذي يميل إليه.
واستدل من قال بالوجوب بما في الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل بيمينك. والحديث متفق عليه.
وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال.
وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمة بن الأكوع أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك. قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت. ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه.
وقالوا إن في الأحاديث ثلاث دلالات تفيد الوجوب:
الأولى: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين، والأمر يفيد الوجوب.
الثانية: أن الأكل بالشمال تشبه بالشيطان.
الثالثة: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إذْ لو كان الأكل باليمين سنة لما ناسب الدعاء عليه بسبب تركها.
ورد الجماهير من العلماء على ذلك بما يلي:
أما الأمر: فإن الأصوليين ذكروا من صوارف صيغة الأمر عن الوجوب إلى الندب، أن يكون الأمر واردًا في باب الأدب، كقوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237]، ومثَّل له العلماء أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( كل بيمينك، وكل مما يليك). ولا شك أن الأكل باليمين داخل تحت الأدب.
قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (5/288): وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك أو على ما ليس في ملكك، فما كان منه وارداً على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار، وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم، وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة.
ثم قال: والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين.. فهذا كله وما كان مثله نهي أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان، فمن واقع شيئًا من ذلك لم يحرم عليه فعله. اهـ
وأما التشبيه بالشيطان فلا يفيد الحرمة، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المجلس بين الظل والشمس مجلس الشيطان. رواه أحمد.
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم في أمر القيلولة بقوله: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه بعض المحدثين بتعدد طرقه وإن ضعفه البعض الآخر.
وفي سنن ابن ماجه: وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله. قال المنذري: إسناده صحيح. وصححه المناوي.
ولا أعلم قائلاً بوجوب القيلولة، والجماهير من العلماء على عدم وجوب المناولة باليمين، إلى غير ذلك.
وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من أكل بالشمال، فقيل في الجواب عنه أجوبة من ذلك:
الجواب الأول: أ ن الرجل كان منافقاً، بدليل رده أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرًا واستعلاءً، فالدعاء عليه لنفاقه الباعث له على التكبر على حكم الشرع. جزم بذلك القاضي عياض.
ويتفق أهل العلم و النظر على أن من ترك سنة من سنن الشريعة تكبراً عليها، وازدراء لها أنه قد انحط إلى دركة بعيدة، ولا يكون حاله كحال من ترك سنة من السنن تكاسلاً وتفريطاً.
الجواب الثاني: أن الدعاء عليه لمخالفة الحكم الشرعي عمومًا، جزم بذلك الإمام النووي، ولا يلزم أن يكون الدعاء على ترك الواجبات أو فعل المحرمات.
الجواب الثالث: أن الدعاء عليه لكبره. قال المناوي في فيض القدير: ودعاؤه على الرجل إنما هو لِكِبْرِهِ الحامل له على ترك الامتثال.اهـ كما هو مبين في قول الراوي: (ما منعه إلا الكبر)، ولا يلزم على هذا الجواب أن يكون الرجل منافقاً، إذ الكبر كبيرة لا تخرج صاحبها من الإسلام.
تنبيه: نصُ الشافعي رضي الله عنه على إثمِ من ترك الأكل مما يليه محمولٌ على حالة يتأذى فيها الأكلة بذلك، كما نص على ذلك الإمام جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع.
والله من وراء القصد
حرر بتاريخ 12/ جمادي الأولى/ 1424هـ
12-07-2003
بقلم/ سيف بن علي العصري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً نستجلب به كل نعمة، وندفع به كل نقمة، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير .. أما بعد:
فهذا تحرير لأقوال أهل العلم في مسألة الأكل باليمين، مع بيان الدليل والتعليل والله أرجو أن يكون هذا الجزء نافعاً مفيداً، فأقول:
اتفقت المذاهب الأربعة المتبوعة على أن الأكل باليمين من الآداب وليس من الواجبات، وذهب ابن حزم في آخرين إلى وجوب الأكل باليمين استناداً لظاهر الأخبار.
حكاية أقوال المذاهب الأربعة:
مذهب الحنفية:
قال الإمام ابن نجيم الحنفي (1/30) : المواظبة لا تفيد السنية إلا إذا كانت على سبيل العبادة، وأما إذا كانت على سبيل العادة فتفيد الاستحباب والندب لا السنية، كلبس الثوب والأكل باليمين. ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على التيامن كانت من قبيل الثاني – أي العادة - فلا تفيد السنية، كذا في شرح الوقاية، وكذا قال في السراج الوهاج: إن البداءة باليمنى فضيلة على الأصح.اهـ
مذهب المالكية:
قال العلامة النفراوي في الفواكه الدواني: (و) الآداب المقارنة أن (تتناول) المأكول والمشروب (بيمينك) على جهة الندب لخبر: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله}.اهـ
والقول بندب الأكل باليمين هو المنصوص عليه عند المالكية في مختصر خليل، وشروحه، بل في عامة كتب المذهب.
المذهب الشافعي:
قال الإمام الشربيني في مغني المحتاج (4/412) : ويكره نفض يده في القصعة والشرب من فم القربة، والأكل بالشمال والتنفس والنفخ في الإناء...الخ .
وهذا هو المنصوص في كتب المذهب كأسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وتحفة المحتاج للإمام ابن حجر الهيتمي وغيرهم.
مذهب الحنابلة:
قال الإمام ابن قدامة في المغني (7/222) : تستحب التسمية عند الأكل، وأن يأكل بيمينه مما يليه، لما روى عمر بن أبي سلمة قال: { كنت يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك}. متفق عليه.اهـ
وقال الإمام المرداوي في الإنصاف (8/327): وتستحب التسمية عليهما، والأكل باليمين. ويكره ترك التسمية والأكل بشماله إلا من ضرورة، على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب. وذكره النووي في الشرب إجماعا. وقيل : يجبان.اهـ
القائلون بوجوب الأكل باليمين، وحرمة الأكل بالشمال
ذهب إلى ذلك الظاهرية واختاره الإمام ابن العربي المالكي كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح، واختاره أيضاً الإمام تقي الدين السبكي من الشافعية، حكى عنه ذلك ولده الإمام التاج السبكي، وكلام الإمام العراقي في شرح الترمذي يميل إليه.
واستدل من قال بالوجوب بما في الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل بيمينك. والحديث متفق عليه.
وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال.
وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمة بن الأكوع أن رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك. قال: لا أستطيع. قال: لا استطعت. ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه.
وقالوا إن في الأحاديث ثلاث دلالات تفيد الوجوب:
الأولى: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين، والأمر يفيد الوجوب.
الثانية: أن الأكل بالشمال تشبه بالشيطان.
الثالثة: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه، إذْ لو كان الأكل باليمين سنة لما ناسب الدعاء عليه بسبب تركها.
ورد الجماهير من العلماء على ذلك بما يلي:
أما الأمر: فإن الأصوليين ذكروا من صوارف صيغة الأمر عن الوجوب إلى الندب، أن يكون الأمر واردًا في باب الأدب، كقوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237]، ومثَّل له العلماء أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: ( كل بيمينك، وكل مما يليك). ولا شك أن الأكل باليمين داخل تحت الأدب.
قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (5/288): وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك أو على ما ليس في ملكك، فما كان منه وارداً على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار، وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم، وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة.
ثم قال: والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين.. فهذا كله وما كان مثله نهي أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان، فمن واقع شيئًا من ذلك لم يحرم عليه فعله. اهـ
وأما التشبيه بالشيطان فلا يفيد الحرمة، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن المجلس بين الظل والشمس مجلس الشيطان. رواه أحمد.
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم في أمر القيلولة بقوله: قيلوا فإن الشيطان لا يقيل. رواه الطبراني في الأوسط، وصححه بعض المحدثين بتعدد طرقه وإن ضعفه البعض الآخر.
وفي سنن ابن ماجه: وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله. قال المنذري: إسناده صحيح. وصححه المناوي.
ولا أعلم قائلاً بوجوب القيلولة، والجماهير من العلماء على عدم وجوب المناولة باليمين، إلى غير ذلك.
وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من أكل بالشمال، فقيل في الجواب عنه أجوبة من ذلك:
الجواب الأول: أ ن الرجل كان منافقاً، بدليل رده أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرًا واستعلاءً، فالدعاء عليه لنفاقه الباعث له على التكبر على حكم الشرع. جزم بذلك القاضي عياض.
ويتفق أهل العلم و النظر على أن من ترك سنة من سنن الشريعة تكبراً عليها، وازدراء لها أنه قد انحط إلى دركة بعيدة، ولا يكون حاله كحال من ترك سنة من السنن تكاسلاً وتفريطاً.
الجواب الثاني: أن الدعاء عليه لمخالفة الحكم الشرعي عمومًا، جزم بذلك الإمام النووي، ولا يلزم أن يكون الدعاء على ترك الواجبات أو فعل المحرمات.
الجواب الثالث: أن الدعاء عليه لكبره. قال المناوي في فيض القدير: ودعاؤه على الرجل إنما هو لِكِبْرِهِ الحامل له على ترك الامتثال.اهـ كما هو مبين في قول الراوي: (ما منعه إلا الكبر)، ولا يلزم على هذا الجواب أن يكون الرجل منافقاً، إذ الكبر كبيرة لا تخرج صاحبها من الإسلام.
تنبيه: نصُ الشافعي رضي الله عنه على إثمِ من ترك الأكل مما يليه محمولٌ على حالة يتأذى فيها الأكلة بذلك، كما نص على ذلك الإمام جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع.
والله من وراء القصد
حرر بتاريخ 12/ جمادي الأولى/ 1424هـ
12-07-2003