طارق مصطفى حميدة
New member
أركون: أراد إثبات بشرية القرآن فأنطقه الله بعكس مراده (3)
طارق حميدة / مركز نون للدراسات القرآنية
ثالثاً: أركون وتاريخية القرآن
رسالة أركون ومشروعه الفكري يتلخصان في نشر دعوى تاريخية القرآن، وهو ما أكده في محاضرة له في سبعينيات القرن المنصرم حيث يقول:" أريد لقراءتي هذه أن تطرح مشكلة لم تطرح عملياً قط بهذا الشكل من قبل الفكر الإسلامي؛ ألا وهي: تاريخية القرآن، وتاريخية ارتباطه بلحظة زمنية وتاريخية معينة، حيث كان العقل يمارس آليته وعمله بطريقة معينة ومحددة"[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP].
لكن الملاحظ أن أركون ومترجمه ينطقهم الله تعالى بالحقيقة الدامغة المبطلة لمزاعمهما، مرة ومرة ومرات؛ يقول المترجم: " يرى أركون أن إحدى أهم ميزات الخطاب القرآني - بل لعلها الميزة الأساسية فيه – تكمن في تعميم الحالات الخصوصية والأحداث الواقعية التي حصلت في زمن النبي ورفعها إلى مستوى الشمولية والكونية والتعالي عن طريق استخدام المجازات الرائعة وافتنانه في خلقها"[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]. لقد بحثا عما يؤكد تاريخية القرآن ففاجأهما بأنه يعمم الحالات الخاصة والأحداث الواقعية، ولغته تلميحية لا تصريحية ولا تكاد تجد فيه قريشاً ولا مكة ولا المدينة، حيث يعلق المترجم عند المسلمة الثانية قائلاً: " نادراً ما تكون لغة القرآن تصريحية، وإنما هي تلميحية في معظم الأحيان، ولذلك فإنها قابلة للتعميم على حالات عديدة، وليس فقط على حالة قريش ومكة والمدينة...إلخ"[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP].
ويكرر المترجم وهو يشرح بعض كلام أركون :" المقصود بذلك أن كلمة( المغضوب عليهم) أو ( الضالين)، تدل على أشخاص محددين بدقة في مكة، وكانوا معادين للرسالة الجديدة، ولذلك دُعوا بالمغضوب عليهم والضالين، ولكن القرآن لا يحدد أسماءهم وإنما يترك الصياغة عامة شمولية تنطبق على أعداء هذا الدين في كل زمان ومكان، وهنا تكمن إحدى السمات الأساسية للخطاب القرآني فهو يستخدم لغة عمومية ولا ينزل إلى مستوى تسمية هؤلاء الناس بأسمائهم الحقيقية"[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]. ومع أننا لا نوافقه القول بأن المغضوب عليهم والضالين قصد بهما أشخاص محددون في مكة، لكن يستوقفنا اكتشاف أركون ومترجمه براءة النص القرآني من كل ما يمكن أن يشير إلى التاريخية التي يسعى أركون لإكراهه عليها.
والطريف بل المضحك أن يتحدث مترجم أركون بأن القرآن قد ( برع في التغطية على تاريخيته!!)، ذلك أنه بعد أن أثنى أركون على كتاب جاكلين شابي ( رب القبائل - إسلام محمد) التي قامت بقراءة تاريخية منتظمة ودقيقة للخطاب القرآني ذاته!!، علق مترجم أركون في الهامش:" هذا الكتاب يعتبر حدثاً بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ فهو يشكل أكبر عملية أرخنة للنص القرآني حصلت حتى الآن، ونقصد بالأرخنة هنا: الكشف عن تاريخية الخطاب القرآني عن طريق ربطه بالبيئة الجغرافية والطبيعية والبشرية – القبائلية لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. ومعلوم أن الخطاب القرآني قد برع في التغطية على هذه التاريخية عن طريق ربط نفسه باستمرار بالتعالي الذي يتجاوز التاريخ الأرضي كلياً أو يعلو عليه"[SUP][SUP][5][/SUP][/SUP].
لقد احتفى أركون ومترجمه بكتاب "السيدة" شابّي، التي جاءت بما لم يستطعه الأوائلُ، حتى اعتبر كتابها حدثاً بمعنى الكلمة، ولعل السبب أنها استطاعت الإمساك بالقرآن متلبساً بالأرخنة بعدما برع طويلاً في التغطية عليها، علما بأنهما لم يوردا أي نص على ما ذكرا!!، وهل كانت الجهة أو الجهات الأرضية التي ألفت القرآن تعلم أن أركون ومترجمه والسيدة جاكلين شابي سيبحثون بعد أربعة عشر قرناً عن أدلة الأرخنة فتعمدوا إخفاءها؟!
لقد كان أجدر بأركون ومترجمه وعامة الحداثيين إذ لم يجدوا في القرآن أدلة الصياغة البشرية الأرضية أن يقروا بربانية هذا الكتاب ولا يركبوا رؤوسهم ويصروا على خطئهم، وشعارهم: ( عنزة ولو طارت ).
[1] ) أركون، محمد، الفكر الإسلامي، قراءة علمية، ص 212.
[2] ) أركون، محمد، الفكر الإسلامي، قراءة علمية، ص 202، ت: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، ط2، 1996م.
[3] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث، ص 154.
[4] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث،هامش ص 127.
[5] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، هامش ص 21.
طارق حميدة / مركز نون للدراسات القرآنية
ثالثاً: أركون وتاريخية القرآن
رسالة أركون ومشروعه الفكري يتلخصان في نشر دعوى تاريخية القرآن، وهو ما أكده في محاضرة له في سبعينيات القرن المنصرم حيث يقول:" أريد لقراءتي هذه أن تطرح مشكلة لم تطرح عملياً قط بهذا الشكل من قبل الفكر الإسلامي؛ ألا وهي: تاريخية القرآن، وتاريخية ارتباطه بلحظة زمنية وتاريخية معينة، حيث كان العقل يمارس آليته وعمله بطريقة معينة ومحددة"[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP].
لكن الملاحظ أن أركون ومترجمه ينطقهم الله تعالى بالحقيقة الدامغة المبطلة لمزاعمهما، مرة ومرة ومرات؛ يقول المترجم: " يرى أركون أن إحدى أهم ميزات الخطاب القرآني - بل لعلها الميزة الأساسية فيه – تكمن في تعميم الحالات الخصوصية والأحداث الواقعية التي حصلت في زمن النبي ورفعها إلى مستوى الشمولية والكونية والتعالي عن طريق استخدام المجازات الرائعة وافتنانه في خلقها"[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]. لقد بحثا عما يؤكد تاريخية القرآن ففاجأهما بأنه يعمم الحالات الخاصة والأحداث الواقعية، ولغته تلميحية لا تصريحية ولا تكاد تجد فيه قريشاً ولا مكة ولا المدينة، حيث يعلق المترجم عند المسلمة الثانية قائلاً: " نادراً ما تكون لغة القرآن تصريحية، وإنما هي تلميحية في معظم الأحيان، ولذلك فإنها قابلة للتعميم على حالات عديدة، وليس فقط على حالة قريش ومكة والمدينة...إلخ"[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP].
ويكرر المترجم وهو يشرح بعض كلام أركون :" المقصود بذلك أن كلمة( المغضوب عليهم) أو ( الضالين)، تدل على أشخاص محددين بدقة في مكة، وكانوا معادين للرسالة الجديدة، ولذلك دُعوا بالمغضوب عليهم والضالين، ولكن القرآن لا يحدد أسماءهم وإنما يترك الصياغة عامة شمولية تنطبق على أعداء هذا الدين في كل زمان ومكان، وهنا تكمن إحدى السمات الأساسية للخطاب القرآني فهو يستخدم لغة عمومية ولا ينزل إلى مستوى تسمية هؤلاء الناس بأسمائهم الحقيقية"[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]. ومع أننا لا نوافقه القول بأن المغضوب عليهم والضالين قصد بهما أشخاص محددون في مكة، لكن يستوقفنا اكتشاف أركون ومترجمه براءة النص القرآني من كل ما يمكن أن يشير إلى التاريخية التي يسعى أركون لإكراهه عليها.
والطريف بل المضحك أن يتحدث مترجم أركون بأن القرآن قد ( برع في التغطية على تاريخيته!!)، ذلك أنه بعد أن أثنى أركون على كتاب جاكلين شابي ( رب القبائل - إسلام محمد) التي قامت بقراءة تاريخية منتظمة ودقيقة للخطاب القرآني ذاته!!، علق مترجم أركون في الهامش:" هذا الكتاب يعتبر حدثاً بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ فهو يشكل أكبر عملية أرخنة للنص القرآني حصلت حتى الآن، ونقصد بالأرخنة هنا: الكشف عن تاريخية الخطاب القرآني عن طريق ربطه بالبيئة الجغرافية والطبيعية والبشرية – القبائلية لشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. ومعلوم أن الخطاب القرآني قد برع في التغطية على هذه التاريخية عن طريق ربط نفسه باستمرار بالتعالي الذي يتجاوز التاريخ الأرضي كلياً أو يعلو عليه"[SUP][SUP][5][/SUP][/SUP].
لقد احتفى أركون ومترجمه بكتاب "السيدة" شابّي، التي جاءت بما لم يستطعه الأوائلُ، حتى اعتبر كتابها حدثاً بمعنى الكلمة، ولعل السبب أنها استطاعت الإمساك بالقرآن متلبساً بالأرخنة بعدما برع طويلاً في التغطية عليها، علما بأنهما لم يوردا أي نص على ما ذكرا!!، وهل كانت الجهة أو الجهات الأرضية التي ألفت القرآن تعلم أن أركون ومترجمه والسيدة جاكلين شابي سيبحثون بعد أربعة عشر قرناً عن أدلة الأرخنة فتعمدوا إخفاءها؟!
لقد كان أجدر بأركون ومترجمه وعامة الحداثيين إذ لم يجدوا في القرآن أدلة الصياغة البشرية الأرضية أن يقروا بربانية هذا الكتاب ولا يركبوا رؤوسهم ويصروا على خطئهم، وشعارهم: ( عنزة ولو طارت ).
[1] ) أركون، محمد، الفكر الإسلامي، قراءة علمية، ص 212.
[2] ) أركون، محمد، الفكر الإسلامي، قراءة علمية، ص 202، ت: هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، ط2، 1996م.
[3] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث، ص 154.
[4] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث،هامش ص 127.
[5] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، هامش ص 21.