أركون: أراد إثبات بشرية القرآن فأنطقه الله بعكس مراده (2) ... طارق حميدة

إنضم
31/08/2004
المشاركات
112
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
63
الإقامة
فلسطين
الموقع الالكتروني
http
أركون: أراد إثبات بشرية القرآن فأنطقه الله بعكس مراده (2)
طارق حميدة / مركز نون للدراسات القرآنية


ثانياً :دعوى عدم تماسك النص القرآني عموماً وسورة الكهف خاصة

بعد المقدمة التمهيدية يورد أركون في مقالته عنوان( النص) ليقدم عرضاً تعريفيا مختصراً بسورة الكهف، بادئاً كلامه بالقول:" نحن نعلم أنه نادراً ما تشكل السور القرآنية وحدات نصية منسجمة، وإنما تتشكل في الغالب، من نوع من التجاور بين الآيات التي قد تختلف قليلاً أو كثيراً في تواريخها، أو من حيث ظروف الخطاب الذي لُفظت فيه لأول مرة، أو من حيث مضامينها، أو صياغاتها التعبيرية، لكن هذا لا ينفي إمكانية العثور على فكرة مركزية حتى في (وحدة نصية) طويلة جداً كسورة البقرة"[SUP][SUP][1][/SUP][/SUP].
وهو قد جاء بهذا الكلام ليؤكد بعده ب"المثال التطبيقي "!! مزاعمه بأن غالبية السور القرآنية بما فيها سورة الكهف، لا تشكل وحدات نصية منسجمة ولا تشتمل على فكرة مركزية، وأنه لا يجمع آياتها سوى نوع من التجاور بين نصوص مختلفة زماناً ومضموناً وصياغة تعبيرية، وبدأ فقرته بالقول:" نحن نعلم" كأنما ليؤكد أن ما يقوله هو بدهية يوافقه فيها القراء، أو لعله يقصد أن هذا مما لا يختلف عليه أهل العلم من أمثاله.
لكننا على أي حال، قد اقتنصنا منه اعترافاً بأن هناك سوراً، وإن كانت نادرة على حد قوله، تشكل وحدات نصية منسجمة، وأن سورة البقرة بالرغم من كونها أطول سورة، فإنها تتضمن فكرة مركزية.
ثم يقرر بأن أول فحص للسورة يتيح كشف العناصر التكوينية التالية:
1) وحدة نصية مؤلفة من ثماني آيات تستهل بها السورة، ولكن لا يمكن اعتبارها في رأيه " بمثابة مقدمة"[SUP][SUP][2][/SUP][/SUP]، ويذكر سببين لذلك: الأول، لأنها، حسب رأيه، تتحدث عن بواعث مختلفة لطالما تكررت في القرآن في مواضع أخرى متعددة، والثاني أن هذه الآيات تنتمي إلى الفترة المدنية في حين أن مجمل السورة ملحق بنهاية الفترة المكية[SUP][SUP][3][/SUP][/SUP]، ويتضح هنا وفيما بعد، أن أركون يكرر مقالات المستشرقين مثل نولدكة الألماني وبلاشير الفرنسي، بل ويزايد عليهم.
2) ثم ينتقل إلى الآيات من 9-25 التي تشكل الوحدة السردية الأولى، " وهي الحكاية الشهيرة للسبعة النائمين، والمدعوة هنا باسم ( أهل الكهف)". والحكاية بحسب قوله مقتبسة أو منحولة، وكل ما فعله القرآن أن غيّر اسمها فأصبحت مدعوة باسم أهل الكهف!!
ولا ينسى أن يشكك في أهمية ( أداة الانفصال - أم) في قوله تعالى ﴿ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم﴾[SUP][SUP][4][/SUP][/SUP]، ولا يكتفي بذلك بل ينقل كلاماً للمستشرق بلاشير عن " تحويرات" وقعت في نص الحكاية القرآنية، وعن شذوذ لغوي في كلمة ( سنين)!!
3) يذكر أركون بأن الآيات من 27 إلى 59 لا علاقة لها بقصة الكهف السابقة لها ولا بقصة موسى مع الخضر التالية، وفي هذه المجموعة، يكتشف( نواة) حسب تعبيره، من 13 آية تتحدث عن قصة الرجل الذي له جنتان من أعناب، وعُززت القصة بصورة الحياة الدنيا السريعة الزوال كزوال المطر النازل من السماء"[SUP][SUP][5][/SUP][/SUP].
4) وفي الآيات من 60 – 98، توجد حكايتان تستمدان عناصرهما ملحمة جلجامش وقصة الإسكندر المقدوني، ولا رابط بين هذه القصة وبقية السورة، بزعم أركون، سوى السجع المنتهي بحرف الألف وبعض علامات التعبير.
5) ثم تأتي الآيات 99-110، لتختم السورة (بخطاب تبشيري)، حيث يفسره المترجم بأنه الخطاب الذي يبشر بالدعوة ويتحدث باستمرار عن:( المؤمنين، الكافرين، الجنة، النار..إلخ) وغيرها من الموضوعات العامة التي لا يمل القرآن من تكرارها[6]!! حسب تعبيره.
وهكذا ينتهي استعراض أركون للسورة، ليصل بنا إلى أن مقدمتها ليست مقدمة، ولا خاتمتها بخاتمة، وأنه لا يربط أجزاءها رابط حتى وإن وردت بعض أدوات الربط بينها، وأن ما فيها من القصص منحولة مقتبسة وملفقة.


الرد على مزاعم أركون

1) إن المفسرين القدامى والمعاصرين، قد أفاضوا في الحديث عن التناسب والوحدة الموضوعية في القرآن عموماً وفي سورة الكهف على وجه الخصوص، وقد اكتفينا بالإشارة إلى الرازي وحده لأن أركون زعم أنه سيجعله إضافة إلى تفسير الطبري، موضع قراءته، والغريب أنه في الوقت الذي أنكر فيه أركون وجود التماسك بين أجزاء القرآن الكريم، فإنه قد تجاهل عن عمد الكلام الطويل للرازي ومنذ مطلع السورة عن النظم، وقد كان من مقتضى الأمانة العلمية لأركون، أن يناقشه ليبطل كلامه بالحجج المقنعة، وأن يلفت النظر إلى ظاهرة النظم، أي التناسب والتناسق والتماسك بين أجزاء القرآن بعضها ببعض، التي أفاض الرازي فيها على طول تفسيره، فإما أن يرد على دعاواه ويؤكد أن ليس في القرآن تماسك نصي، وإما أن يوافقه فيها أو في بعضها على الأقل.
2) ابتدأ الرازي ومن الصفحة الأولى الحديث عن الروابط بين سورة الكهف والسورة السابقة لها وهي سورة الإسراء، كما ذكر فيما بعد، موضوعاً مشتركاً ورد في السور الثلاث المتتالية الإسراء والكهف ومريم[SUP][SUP][7][/SUP][/SUP].
3) وقد أفاض في الحديث عن صلة آيات المقطع الأول بعضها ببعض، من خلال الروابط المعنوية واللغوية الواضحة، وأغلبها ظاهرة الاتصال والترابط.
4) وبعد إنهائه المقطع الأول في السورة ذكر وجه النظم في مجيء قصة الكهف بعده. والغريب أن أركون لم يقف إلا عند أداة ( أم ) في قوله تعالى ﴿ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم﴾، التي تربط قصة الكهف في المقطع الثاني بالمقطع الأول، وقد عرضها بطريقة تضعيفية قائلاً:" نلاحظ أن أداة الانفصال: ( أم ) توحي بوجود علاقة مع الجزء السابق من البديل التناوبي المعدوم في الواقع"، حيث إنه يشكك في أهمية هذه الأداة هنا وفي إمكانية وجود دور لها في ربط ما قبلها بما بعدها، ولاحظ عبارته ( توحي) وكأن الواقع يخالف هذا الإيحاء الخادع برأيه، ثم إنه يأتي بدليل علمي عملي! ينفي أي رابط، وهو أن مترجمي القرآن إلى اللغات الأجنبية" قد أهملوا عموما أداة الانفصال هذه ولم يأخذوها بعين الاعتبار"، وما دام السادة المترجمون الأجانب لم يأخذوها بعين الاعتبار في الترجمة؛ فإنه لا أهمية لها في النص وهي مقحمة عليه إقحاماً، ورأى أركون أن الرازي المفسر يقترح " وجود تمفصل مع الآية السابقة، ولكنه يبدو غير واثق تماماً فيضيف قائلاً: والله أعلم"[SUP][SUP][8][/SUP][/SUP].
والحقيقة أن الرازي قد أورد عبارته في الربط بين القصة والمقطع الأول بعبارات حاسمة، وذلك في قوله:" اعلم أن القوم تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها على سبيل الامتحان فقال تعالى: أم حسبت أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط، فلا تحسبن ذلك، فإن آياتنا كلها عجب؛ فإن من كان قادراً على تخليق السماوات والأرض ثم يزين الأرض بأنواع المعادن والنبات والحيوان ثم يجعلها بعد ذلك صعيداً جرزاً خالية عن الكل، كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنة وأكثر في النوم، هذا هو الوجه في تقرير النظم والله أعلم"[SUP][SUP][9][/SUP][/SUP].
فالرازي هنا بدأ بعبارة "اعلم" الحاسمة الواثقة المقررة المؤكدة، وختمها بما يعزز تلك الثقة وذاك الحسم: " هذا هو الوجه في تقرير النظم"، وكأنه يرد عل أقوال أخرى في تقرير النظم أو في السؤال عنه، وأما قوله:" والله أعلم" في ختام الفقرة فمن باب رد العلم إلى العليم ومن باب التواضع، لا من باب الشك والتردد، والأهم أن كلام الرازي هنا لم يكن عن أداة " أم " وموقعها والجدوى منها كما زعم أركون، بل عن النظم أي التناسب بين المقطعين، ولم نره ذكر المباحث اللغوية والمعاني المتصلة بها، وقد ربط القصة بسبب نزولها[10]، وببعض ما ورد في آيات المقطع الأول كما هو ظاهر.
5) وبعد قصة الكهف وعندما يبلغ الآية 27 يقول الرازي:" اعلم أنه من هذه الآية إلى قصة موسى والخضر كلام واحد في قصة واحدة"[SUP][SUP][11][/SUP][/SUP] ، وهو يعني أن قصة موسى والخضر مشمولة بهذا الكلام الواحد، فإنه عند بدء تفسير آيات القصة يذكر ما يربطها مع الآيات من 27 وحتى قصة موسى والخضر ثم يذكر ما يربطها مع القصتين السابقتين بقوله:" وهذا وإن كان كلاماً مستقلاً في نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود في القصتين السابقتين" [SUP][SUP][12][/SUP][/SUP]لكنه التفت إلى الرابط الخارجي وهو سبب النزول المذكور، واكتفى به عن النظر في الروابط الداخلية من الآيات.
ثم يفصل الرازي الحديث عن الروابط في المقطع الأخير للسورة، لا بل إنه ليربط الآية قبل الأخيرة في السورة بكل ما تقدم ليعزز آخرها أولها حيث يقول:" اعلم أنه تعالى لما ذكر في هذه السورة أنواع الدلائل والبينات وشرح أقاصيص الأولين نبه على كمال حال القرآن، فقال:﴿ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي﴾"، حيث قد تحدث في مطلع السورة عن كمال حال القرآن في ذاته وكونه مكملاً لغيره.
ونكرر هنا كلام أركون ومترجمه عن الانسجام في العمق للرد عليه في مزاعم عدم الانسجام أو التماسك في آيات القرآن الكريم:

ومن أحسن ما كشفته قراءات أركون قوله إنه " قد يبدو من غير المعقول أو المحتمل أن يكون الخطاب القرآني متجانساً ومنسجماً؛ خاصة إذا ما علمنا أنه استمر على مدى عشرين عاماً .... سوف نرى على العكس من ذلك أن تجانسية المدونة النصية القرآنية ترتكز على شبكة معجمية أو لغوية واسعة، وعلى نموذج قصصي أو تمثيلي واحد"، ثم يعلق مترجمه في الهامش:" التجانس الذي يتحدث عنه أركون ليسالتجانس الظاهري السطحي، فمن الواضح أن هناك اختلافات كثيرة بل وكبيرة بين سور القرآن المختلفة، فأحيانا ينتقل القرآن فجأة من موضوع إلى آخر لا علاقة له به على الإطلاق، ولذا يجد الكثيرون صعوبة في قراء القرآن أو فهمه نظراً لوعورته وغرابته وبعده عن مناخنا المعنوي واللغوي الحديث، ولكن في العمق هناك انسجام على على مدار القرآن من أوله إلى آخره، فشبكة الضمائر التوصيلية ( أنا، نحن، أنت، هم)، أو ( الله – محمد – البشر)، تخترق الخطاب القرآني كله، وكذلك الأمر فيما يخص البنية القصصية التي ترمز إلى النبي والأنصار/ والكفار والمنافقين... إلخ، وإذن هناك انسجام على مستوى العمق لا على مستوى السطح"[SUP][SUP][12][/SUP][/SUP].
إن أركون ومترجمه يبالغان في الحديث عن ( الاختلافات الكثيرة والكبيرة) بين الآيات والسور والتي لا يجمع بينها على حد زعمه، سوى التجاور، ولو كانا يريدان الحقيقة لكان هذا دليلاً حاسماً في وحدة مصدر القرآن وأنه لم يخالطه شيء، ذلك أنه لو حصل أي تلفيق أو توافقات لكانت ستُظهر لنا انسجاماً ظاهرياً سطحياً لا يلبث أن يفضحه الاختلاف وعدم الانسجام على مستوى العمق.


[1] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص146.

[2] ) يرفض حديث المستشرق بلاشير عن وجود مقدمة وخاتمة، لأن ذلك يعني إسقاط المعايير البلاغية الأرسطوطاليسية على الخطاب القرآني والذي ليس خطاباً منطقيا أو فلسفياً حتى تطبق عليه تلك المعايير، كما قال!.( هامش ص 147).

[3] ) يستشهد للتسلسل الزمني أو التاريخي بكلام للمستشرق بلاشير، والمستشرقين ج. وانسبرو، وج. بورتون.

[4] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث، ص 148.

[5] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث، ص 149.

[6] السابق، ص 149.

[7] الرازي، التفسير الكبير،7/ 454

[8] ) أركون، القرآن من التفسير الموروث، ص 148.

[9] ) الرازي، التفسير الكبير، 7/428.

[10] وقد ضعف العلماء قصة سبب النزول هذه.

[11] ) الرازي، التفسير الكبير، 7/454.

[12] ) الرازي، سابق، التفسير الكبير 7/477.
 
صدقت أخي عبد الله؛ مركز نون هو المركز الذي مؤسسه ومديره فضيلة الشيخ بسام جرار، وأنا أحد تلاميذه وأحد أعضاء أسرة المركز وهيأته التأسيسية.
 
بارك الله فيكم أخ طارق . هل تفكرون بنشر أبحاثكم باللغة الإنجليزية ؟ كذلك المقاطع المرئية ؟
 
وبكم بارك الله أخي الأحمد ... ماذا لديكم في هذا المجال حتى نعرضه على الشيخ بسام جرار؟
 
عودة
أعلى