عبد الحميد البطاوي
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
الْفَاءُ حرف مهمل : تَرِدُ عَاطِفَةً وَلِلسَّبَبِيَّةِ وَجَزَاءً وَزَائِدَةً
(الفاء في الأصل للتعقيب ) والتعقيب زمانى وذكري وقولى
*-زماني لا علاقة بينهما قَامَ زَيْدٌ فَقعد عَمْرٌو لمن سأل عن قيام زيد وقعود عمرو
كانا معا أو متعاقبين
*-أو ذهنى إذا كان بينهما علاقة بينهما قَامَ زَيْدٌ فَقام عَمْرٌو اكراما له
*-أو قولى: لا أخاف الأمير فالملك فالسلطان أقول لا أخاف الأمير وأقول لا أخاف الملك وأقول لا أخاف السلطان
الفاء الْعَاطِفَةُ مَعْنَاهَا التَّعْقِيبُ(الترتيب)
**والفرق بين الترتيب والتعقيب هو أن الترتيب يكون في زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عن زمن تحقق المعنى في المعطوف عليه،وقد يحتمل فترة زمنية ومهلة في زمن تحقق المعنى بين المعطوف والمعطوف عليه ، والتعقيب لا يحتمل المهلة،ويتحقق المعنى بقصر المدة الزمنية بين المعطوف و المعطوف عليه ،وهو تعقيب كل شيء بحسبه .
الترتيب نوعان 1-معنوى نَحْوَ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو أَيْ أَنَّ قِيَامَهُ بَعْدَهُ بِلَا مُهْلَةٍ إذَا عَقَبَ قِيَامُ عَمْرٍو قِيَامَ زَيْدٍ. وَدَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ إذَا لَمْ تُقِمْ فِي الْبَصْرَةِ. وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ إلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ.
*(وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ فَإِنَّهُ وُجُودُ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا كَانَ مَعَ مُهْلَةٍ)
2-ترتيب ذكرى (الذِّكْرِيِّ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ الْفَاءِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ ذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرَ الْآخَرُ بَلْ الْمُرَادُ إنَّ رُتْبَةَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ تَفْصِيلًا لَهُ مَثَلًا.(أي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ) وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ نَحْوُ: “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عنها فأخرجهما مما كانا فيه” وَهُوَ عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ “إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا” الواقعة “فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً” [النساء: 153] وهذا الترتيب في الغالب تفصيل بعد إجمال، فيكون من عطف المفصل على المجمل .
*-و يَكُونُ الذكرى أيضا فِي مَدْحِ الشَّيْءِ وَذَمِّهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ نَحْوُ “ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ”الزمر:72 وَ “وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ”.الزمر74
*- وَتَجِيءُ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ:“وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زجرا فالتاليات ذكرا” تحتمل الفاء فيه التفاوت رُتْبَةِ الصَّفِّ مِنَ الزَّجْرِ وَرُتْبَةِ الزَّجْرِ مِنَ التِّلَاوَةِ وَيُحْتَمَلُ تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الصَّافِّ مِنْ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَفِّهِمْ وَزَجْرِهِمْ وَرُتْبَةِ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ مِنَ الْجِنْسِ التَّالِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَجْرِهِ وَتِلَاوَتِهِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِلْفَاءِ مَعَ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ترتيب معانيها في الوجود .
الثَّانِي: أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي التَّفَاوُتِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ نَحْوَ قَوْلِكَ خُذِ الْأَكْمَلَ فَالْأَفْضَلَ وَاعْمَلِ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ
الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ مَوْصُوفَاتِهَا فَإِنَّهَا فِي ذَلِكَ نَحْوُ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ
-* مَعْنَى التَّرَاخِي فِيهَا وَإِنْ لَطُفَ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْقِيبِ تَرَاخِي الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُقَارَنًا، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهُ، وَ إذَا عَلِمْت تَفْسِيرَ التَّعْقِيب بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ زَالَ الْإِشْكَالُ. وَقَدْ جَوَّزُوا " دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ "، وَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ تَرَاخٍ وَمُهْلَةٌ، وَقَالَ تَعَالَى: “وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى*فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى” [الأعلى: 5]
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ : الْمَعْنَى الْخَاصُّ بِالْفَاءِ التَّعْقِيبُ فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً إلَّا مُعَقِّبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُعَقِّبَةً غَيْرَ عَاطِفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا” [المؤمنون: 14] وَالْفَاءُ فِي هَذَا وَشَبَهِهِ عَاطِفَةٌ مُعَقِّبَةٌ، وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَأَمَّا الْمُعَقِّبَةُ غَيْرُ الْعَاطِفَةِ كَالْوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا لَا جَوَابًا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: هِيَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِلتَّعْقِيبِ فِي الْعَطْفِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: “لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ” [طه: 61] وَلِأَنَّك تَقُولُ: إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَاشْتَرِ لِي عَبْدًا، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ.وَلِهَذَا اخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا رَابِطَةٌ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا غَيْرُ، وَأَنَّ التَّعْقِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: “فَيُسْحِتَكُمْ” وَقَوْلُهُ “وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ” [البقرة: 283] وَلَيْسَ فِيهَا جَزَاءٌ عَقِبَ شَرْطِهِ.
*- وَتَجِيءُ لِلْمُهْلَةِ كَـ "ثُمَّ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فكسونا العظام لحما” ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَهَا وَسَائِطَ
وَكَقَوْلِهِ: “وَالَّذِي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى” فَإِنَّ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ وَالْغُثَاءِ وَسَائِطَ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مخضرة” وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ تُصْبِحُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَتَيْنَا بِهِ فَطَالَ النَّبْتُ فَتُصْبِحُ وَقِيلَ: بَلْ هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّعْقِيبُ عَلَى مَا بَعُدَ في العادة تعقيبا لا على سبيل المضيافة فَرُبَّ سِنِينَ بَعْدَ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَزْمَانٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ:“ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا”
وَقِيلَ: بَلْ لِلتَّعْقِيبِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى بَابِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِاخْضِرَارِ عِنْدَ زَمَانِهَا
الْمُدَّةِ فَإِذَا تَكَامَلَتْ أَصْبَحَتْ مُخْضَرَّةً بِغَيْرِ مُهْلَةٍ - وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: “ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثم من علقة ثم من مضغة” فعطف الكل بـ "ثم" ولهذا قال لبعضهم ثُمَّ لِمُلَاحَظَةِ أَوَّلِ زَمَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْفَاءُ لِمُلَاحَظَةِ آخِرِهِ وَبِهَذَا يَزُولُ سُؤَالُ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعَ أَحَدِهِمَا بِالْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَفِي الْأُخْرَى بِثُمَّ وَهِيَ لِلْمُهْلَةِ وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ
وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَذَا السُّؤَالَ فِي قَوْلِهِ: “ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فينبئكم بما كنتم تعملون” وفي أخرى، “ثم ينبئكم”وَأَجَابَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَا تُحَاسَبُ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْأُمَمُ بَعْدَهُمْ فَتُحْمَلُ الْفَاءُ عَلَى أَوَّلِ الْمُحَاسَبِينَ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْجَمَاعَةِ إِذَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حق” وَيُحْمَلُ ثُمَّ عَلَى تَمَامِ الْحِسَابِ
فَإِنْ قِيلَ: حِسَابُ الْأَوَّلِينَ مُتَرَاخٍ عَنِ الْبَعْثِ فَكَيْفَ يَحْسُنُ الْفَاءُ؟ فَيَعُودُ السُّؤَالُ
قُلْنَا: نَصَّ الْفَارِسِيُّ فِي الْإِيضَاحِ عَلَى أَنَّ ثُمَّ أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنَ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ لَهَا تَرَاخٍ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ إِلَّا الْمُتَأَخِّرُونَ.قال المرادى: فتشارك ثم في إفادة الترتيب، وتفارقها في أنها الأتصال، وثم تفيد الانفصال.
*- أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: “وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بأسنا بياتا” وَالْبَأْسُ فِي الْوُجُودِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَبِهَا احْتَجَّ الفراء على أن ما بعد الفاء يَكُونُ سَابِقًا فِيهِ أَوْجُهٍ:أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَذَفَ السَّبَبَ وَأَبْقَى الْمُسَبِّبَ أَيْ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا
الثاني: أن الهلاك على نوعين: استئصال وبغير اسْتِئْصَالٍ، وَالْمَعْنَى وَكَمْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بِغَيْرِ اسْتِئْصَالٍ لِلْجَمِيعِ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بِاسْتِئْصَالِ الْجَمِيعِ
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى قَارَبْنَا إِهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
السَّادِسُ: أَنَّ الْهَلَاكَ وَمَجِيءَ الْبَأْسِ لَمَّا تَقَارَبَا فِي الْمَعْنَى جَازَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخر السَابع: أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ
ومن معانى الفاء (الفاء السببِيّة) "وهي التي تفيد أَن ما قبلها سببٌ لما بعدها، وأَن ما بعدها مسببٌ عما قَبلها"، كقوله تعالى “كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوْا فيه فيحلَّ عليكم غضبي” .ينصب الفعل المضارع بعدها بأن مضمرة إذا كان مسبوقا بنفىمحض طلب محض :
مر وادع وانه وسل واعرض لحضهم -- تمن وارج كذاك النفى قد كملا
*-تنبيه لا يخلو المعطوف بالفاء من أن يكون مفرداً، أو جملة، والمفرد: صفة، وغير صفة. فالأقسام ثلاثة. فإن عطفت مفرداً غير صفة لم تدل على السببية. نحو: قام زيد فعمرو. وإن عطفت جملة، أو صفة، دلت على السببية غالباً. نحو " فوكزه موسى، فقضى عليه ".
السَّبَبِيَّةِ ( مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ عَمَّا قَبْلَهَا.
وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ (أَيْ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ)نَحْوُ “فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ” [القصص: 15] “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ” [البقرة: 37] وَاحْتَرَزَ بِالْعَاطِفَةِ عَنْ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ فَقَدْ تَتَرَاخَى عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يُسْلِمْ فُلَانٌ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ” [المائدة: 118]
وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ: “فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ” ، “فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ” ، “فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ”
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ نَحْوَ: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ” وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً فَإِنَّهُ لَا يُعْطَفُ الْخَبَرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ.
وَقَدْ تَأْتِي لَهُمَا(الترتيب والسببية) نَحْوُ: “فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عليه” “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ” “لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم” وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: “فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فكان من الغاوين” ،فَهَذِهِ ثَلَاثُ فَاءَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْفَاءِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ
*- ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا (مصدر مؤول من(أن) وما دخلت عليه) ولا يجوز الفصل بين فاء السببية والمضارع بغير لا النافية إذا اقتضى المعنى وجودها
النهي كقوله تعالى: (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)[طـه: من الآية81]
الاستفهام كقوله تعالى: (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا)[لأعراف:53]
التمني، كقوله تعالى: (لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)[النساء: من الآية73]
*-فاء الجزاء وتوصف بالجوابية ، ومعناها الربط، وهى تدل على أن ما بعدها بمنزلة الجواب لما قبلها ، وتلازمها السببية. قال بعضهم: والترتيب أيضاً، كما ذكر في العاطفة. (معناها هو الدلالة على السببية والجوابية معا، ولما كان ذلك ؛شاع الاكتفاء بتسميتها (الفاء السببية) اختصارا ، مع إفادة أنها تدل على الجواب.كما تدل كذلك على الترتيب والتعقيب ،لأنها فاء عطف،فالترتيب يوجب أن يتأخر ما بعدها عما قبلها في زمن تحققه،إذ المسبب متأخر في الوجود عن المسبب ، والتعقيب يوجب أن يكون زمن التأخر قصيرا لا مهلة فيها ؛ كما هو الشأن في الفاء العاطفة ، فتفيد السببية والجوابية مع الدلالة على الترتيب والتعقيب .
*-قد تقع جملة جواب الشرط طلبية أو اسمية أو فعلية فعلها جامد إذا كانت لا تصلح أن تكون شرطاً فوجب ربط الجواب بالشرط بواسطة الفاء وإلا صار الكلام منفصلاً مبتوراً لأن الجزم الحاصل به الربط مفقود. وخصت الفاء بربط الجواب بالشرط لما فيها من معنى السببية، ولمناسبتها للجزاء معنى *-إذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطاً وجب اقترانه بالفاء، ليعلم ارتباطه بأداة الشرط.
( الْفَاء رابطة للجواب إذا كانت جملة الجواب:
1*-جملَة اسمية نَحْو “وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير” وَنَحْو “إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم”
2- أَن تكون فعلية كالاسمية وَهِي الَّتِي فعلهَا جامد نَحْو “ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ” “وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ” ، “إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ” “وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً” .
3- أَن يكون فعلهَا إنشائيا نَحْو (“قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي”“فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ” وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ:“إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ”
4- أَن يكون فعلهَا مَاضِيا لفظا وَمعنى إِمَّا حَقِيقَة نَحْو “إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ” أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوَ: “مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ” ، “وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ”
وَإِمَّا أَن يكون فعلهَا مَاضِيا مجَازًا نَحْو “وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار” نزل هَذَا الْفِعْل لتحَقّق وُقُوعه منزلَة مَا وَقع
5-أَن تقترن بِحرف اسْتِقْبَال نَحْو “من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ” وَنَحْو “وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه”
*-جاءت الفاء فى الجواب لمجرد ربط جملة الجواب بجملة الشرط وليست هى الجواب.
*-فاء الفصيحة :تفصح عن شرط مقدر أما فاء الجزاء فهى رابطة للجواب بشرط ظاهر.سميت بذلك لأنها أفصحت عن محذوف
قال ابن عاشور: (فانفجرت)وَعِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ لَا تُعَدُّ فَاءً فَصِيحَةً إِلَّا إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ عَطْفُ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا فَإِذَا اسْتَقَامَ فَهِيَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ وَالْحَذْفُ إِيجَازٌ وَتَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ لِبَيَانِ الْمَعْنَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْفِجَارَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ لِظُهُورِ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ مِمَّنْ يُشَكُّ فِي امْتِثَالِهِ بَلْ وَلِظُهُورِ أَنَّ كُلَّ سَائِلٍ أَمْرًا إِذَا قِيلَ لَهُ افْعَلْ كَذَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أُمِرَ بِهِ هُوَ الَّذِي فِيهِ جَوَابُهُ ... وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى الْآتِي: اهْبِطُوا مِصْراً [الْبَقَرَة: 61] وَأَمَّا تَقْدِيرُ الشَّرْطِ هُنَا أَيْ فَإِنْ ضَرَبْتَ فَقَدِ انْفَجَرَتْ إِلَخْ فَغَيْرُ بَيِّنٍ، وَمِنَ الْعَجَبِ ذِكْرُهُ فِي «الْكَشَّافِ» .
*- عِلَّة تَعَاقُبِ الْفِعْلِ وَالْفَاءِ أَنَّ الْجَوَابَ هُوَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ يَجُوزُ اسْتِقْلَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِالشَّرْطِ وَكَوْنِهَا جَوَابًا لَهُ فَإِذَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةً صَالِحَةً لِأَنْ تَكُونَ جَزَاءً اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي جَوَابًا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَصْلُحُ جَوَابًا وَلَمْ يُؤْتَ بِغَيْرِهَا فَلَزِمَ كَوْنُهَا جَوَابًا وَإِذَا تَعَقَّبَتِ الْجَوَابَ امْتَنَعَ دُخُولُ الْفَاءِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ غَيْرَ فِعْلِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلْجَوَابِ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا يَقْتَضِي فِعْلَيْنِ شَرْطًا وَجَزَاءً فَمَا لَيْسَ فِعْلًا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ أَدَاةِ الشَّرْطِ حَتَّى يَدُلَّ اقْتِضَاؤُهَا عَلَى أَنَّهُ الْجَزَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ رَابِطَةٍ فَجَعَلُوا الْفَاءَ رَابِطَةً لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ فَيَدُلُّ تَعْقِيبُهَا الشَّرْطَ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهَا الْجَزَاءُ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَعَاقُبِ الْفِعْلِ وَالْفَاءِ فِي بَابِ الْجَزَاءِ.
*-إذا وقعت الجملة الطلبية جوابا للشرط وجب اقترانه بالفاء (وحيث ما كنتم فولوا )الفاء واقعة في جواب الشرط وتدخل الفاء أيضا على الفعل الجازم ليربط الجواب بالشرط(فمن شرب منه فليس منى) (فإن كرهمتوهن فعسى)
أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ: “هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ” ورد بأن الخبر “حَمِيمٍ” ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ: “بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ” وَغَيْرَهُ: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ” إِلَى قَوْلِهِ: “فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا”
الْفَاء فِي نَحْو “بل الله فاعبد” جَوَاب لأما مقدرَة عِنْد بَعضهم وَفِيه إجحاف وزائدة عِنْد الْفَارِسِي وَفِيه بعد وعاطفة عِنْد غَيره وَالْأَصْل تنبه فاعبد الله ثمَّ حذف تنبه
*-(إن لم تكن الفاء للسببية، بل كانت للعطف على الفعل قبلها، أو كانت للاستئناف لم ينصب الفعل بعدها بأن مضمرة. بل يعرب في الحالة الأولى بإعراب ما عطف عليه، كقوله تعالى “لا يؤذن لهم فيعتذرون” ، أي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم ويرفع في الحالة الأخرى، كقوله سبحانه (فَإِنَّما) الفاء رابطة وإنما كافة (يَقُولُ لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بيقول والجملة لا محل لها (كُنْ) فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث (فَيَكُونُ) الفاء استئنافية (يكون فعل مضارع تام مرفوع أي فهو يحدث وجملة كن مقول القول.
“يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى” [40: 36-37].
في [النشر:2/365]: «واختلفوا في “فأطلع” فروى حفص بنصب العين. وقرأ الباقون برفعها» فأطلع الفاء فاء السببية وأطلع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية جوابا للأمر أي إن تبن لي. أو جوابا للترجي وهو لعلي أبلغ وبالنصب على جواب الأمر، وقرىء بالرفع على أن الفاء عاطفة فهو داخل في حيز الترجي2/114]: «بالرفع عطفًا على “أبلغ”بِالرَّفْعِ تَفْرِيعًا عَلَى أَبْلُغُ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَبْلَغُ ثُمَّ أَطْلَعُ،
الْفَاءُ حرف مهمل : تَرِدُ عَاطِفَةً وَلِلسَّبَبِيَّةِ وَجَزَاءً وَزَائِدَةً
(الفاء في الأصل للتعقيب ) والتعقيب زمانى وذكري وقولى
*-زماني لا علاقة بينهما قَامَ زَيْدٌ فَقعد عَمْرٌو لمن سأل عن قيام زيد وقعود عمرو
كانا معا أو متعاقبين
*-أو ذهنى إذا كان بينهما علاقة بينهما قَامَ زَيْدٌ فَقام عَمْرٌو اكراما له
*-أو قولى: لا أخاف الأمير فالملك فالسلطان أقول لا أخاف الأمير وأقول لا أخاف الملك وأقول لا أخاف السلطان
الفاء الْعَاطِفَةُ مَعْنَاهَا التَّعْقِيبُ(الترتيب)
**والفرق بين الترتيب والتعقيب هو أن الترتيب يكون في زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عن زمن تحقق المعنى في المعطوف عليه،وقد يحتمل فترة زمنية ومهلة في زمن تحقق المعنى بين المعطوف والمعطوف عليه ، والتعقيب لا يحتمل المهلة،ويتحقق المعنى بقصر المدة الزمنية بين المعطوف و المعطوف عليه ،وهو تعقيب كل شيء بحسبه .
الترتيب نوعان 1-معنوى نَحْوَ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو أَيْ أَنَّ قِيَامَهُ بَعْدَهُ بِلَا مُهْلَةٍ إذَا عَقَبَ قِيَامُ عَمْرٍو قِيَامَ زَيْدٍ. وَدَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ إذَا لَمْ تُقِمْ فِي الْبَصْرَةِ. وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ إلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ.
*(وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ فَإِنَّهُ وُجُودُ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَهُوَ أَعَمُّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا كَانَ مَعَ مُهْلَةٍ)
2-ترتيب ذكرى (الذِّكْرِيِّ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ بِدُونِ الْفَاءِ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ ذِكْرِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَيَتَأَخَّرَ الْآخَرُ بَلْ الْمُرَادُ إنَّ رُتْبَةَ ذِكْرِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ تَفْصِيلًا لَهُ مَثَلًا.(أي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ) وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ نَحْوُ: “فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عنها فأخرجهما مما كانا فيه” وَهُوَ عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ “إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا” الواقعة “فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً” [النساء: 153] وهذا الترتيب في الغالب تفصيل بعد إجمال، فيكون من عطف المفصل على المجمل .
*-و يَكُونُ الذكرى أيضا فِي مَدْحِ الشَّيْءِ وَذَمِّهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ نَحْوُ “ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ”الزمر:72 وَ “وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ”.الزمر74
*- وَتَجِيءُ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ:“وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زجرا فالتاليات ذكرا” تحتمل الفاء فيه التفاوت رُتْبَةِ الصَّفِّ مِنَ الزَّجْرِ وَرُتْبَةِ الزَّجْرِ مِنَ التِّلَاوَةِ وَيُحْتَمَلُ تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الصَّافِّ مِنْ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَفِّهِمْ وَزَجْرِهِمْ وَرُتْبَةِ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ مِنَ الْجِنْسِ التَّالِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَجْرِهِ وَتِلَاوَتِهِ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِلْفَاءِ مَعَ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ترتيب معانيها في الوجود .
الثَّانِي: أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي التَّفَاوُتِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ نَحْوَ قَوْلِكَ خُذِ الْأَكْمَلَ فَالْأَفْضَلَ وَاعْمَلِ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ
الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَرْتِيبِ مَوْصُوفَاتِهَا فَإِنَّهَا فِي ذَلِكَ نَحْوُ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ
-* مَعْنَى التَّرَاخِي فِيهَا وَإِنْ لَطُفَ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْقِيبِ تَرَاخِي الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُقَارَنًا، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهُ، وَ إذَا عَلِمْت تَفْسِيرَ التَّعْقِيب بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ زَالَ الْإِشْكَالُ. وَقَدْ جَوَّزُوا " دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ "، وَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ تَرَاخٍ وَمُهْلَةٌ، وَقَالَ تَعَالَى: “وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى*فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى” [الأعلى: 5]
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ : الْمَعْنَى الْخَاصُّ بِالْفَاءِ التَّعْقِيبُ فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً إلَّا مُعَقِّبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُعَقِّبَةً غَيْرَ عَاطِفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا” [المؤمنون: 14] وَالْفَاءُ فِي هَذَا وَشَبَهِهِ عَاطِفَةٌ مُعَقِّبَةٌ، وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَأَمَّا الْمُعَقِّبَةُ غَيْرُ الْعَاطِفَةِ كَالْوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا لَا جَوَابًا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: هِيَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِلتَّعْقِيبِ فِي الْعَطْفِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: “لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ” [طه: 61] وَلِأَنَّك تَقُولُ: إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَاشْتَرِ لِي عَبْدًا، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ.وَلِهَذَا اخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا رَابِطَةٌ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا غَيْرُ، وَأَنَّ التَّعْقِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: “فَيُسْحِتَكُمْ” وَقَوْلُهُ “وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ” [البقرة: 283] وَلَيْسَ فِيهَا جَزَاءٌ عَقِبَ شَرْطِهِ.
*- وَتَجِيءُ لِلْمُهْلَةِ كَـ "ثُمَّ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فكسونا العظام لحما” ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَهَا وَسَائِطَ
وَكَقَوْلِهِ: “وَالَّذِي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى” فَإِنَّ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ وَالْغُثَاءِ وَسَائِطَ وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مخضرة” وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّ تُصْبِحُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَتَيْنَا بِهِ فَطَالَ النَّبْتُ فَتُصْبِحُ وَقِيلَ: بَلْ هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّعْقِيبُ عَلَى مَا بَعُدَ في العادة تعقيبا لا على سبيل المضيافة فَرُبَّ سِنِينَ بَعْدَ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَزْمَانٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ:“ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا”
وَقِيلَ: بَلْ لِلتَّعْقِيبِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى بَابِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ أَسْبَابَ الِاخْضِرَارِ عِنْدَ زَمَانِهَا
الْمُدَّةِ فَإِذَا تَكَامَلَتْ أَصْبَحَتْ مُخْضَرَّةً بِغَيْرِ مُهْلَةٍ - وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: “ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثم من علقة ثم من مضغة” فعطف الكل بـ "ثم" ولهذا قال لبعضهم ثُمَّ لِمُلَاحَظَةِ أَوَّلِ زَمَنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْفَاءُ لِمُلَاحَظَةِ آخِرِهِ وَبِهَذَا يَزُولُ سُؤَالُ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعَ أَحَدِهِمَا بِالْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَفِي الْأُخْرَى بِثُمَّ وَهِيَ لِلْمُهْلَةِ وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ
وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَذَا السُّؤَالَ فِي قَوْلِهِ: “ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فينبئكم بما كنتم تعملون” وفي أخرى، “ثم ينبئكم”وَأَجَابَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَا تُحَاسَبُ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْأُمَمُ بَعْدَهُمْ فَتُحْمَلُ الْفَاءُ عَلَى أَوَّلِ الْمُحَاسَبِينَ وَيَكُونُ مِنْ بَابِ نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْجَمَاعَةِ إِذَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حق” وَيُحْمَلُ ثُمَّ عَلَى تَمَامِ الْحِسَابِ
فَإِنْ قِيلَ: حِسَابُ الْأَوَّلِينَ مُتَرَاخٍ عَنِ الْبَعْثِ فَكَيْفَ يَحْسُنُ الْفَاءُ؟ فَيَعُودُ السُّؤَالُ
قُلْنَا: نَصَّ الْفَارِسِيُّ فِي الْإِيضَاحِ عَلَى أَنَّ ثُمَّ أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنَ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ لَهَا تَرَاخٍ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ إِلَّا الْمُتَأَخِّرُونَ.قال المرادى: فتشارك ثم في إفادة الترتيب، وتفارقها في أنها الأتصال، وثم تفيد الانفصال.
*- أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: “وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بأسنا بياتا” وَالْبَأْسُ فِي الْوُجُودِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَبِهَا احْتَجَّ الفراء على أن ما بعد الفاء يَكُونُ سَابِقًا فِيهِ أَوْجُهٍ:أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَذَفَ السَّبَبَ وَأَبْقَى الْمُسَبِّبَ أَيْ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا
الثاني: أن الهلاك على نوعين: استئصال وبغير اسْتِئْصَالٍ، وَالْمَعْنَى وَكَمْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بِغَيْرِ اسْتِئْصَالٍ لِلْجَمِيعِ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بِاسْتِئْصَالِ الْجَمِيعِ
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى قَارَبْنَا إِهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
السَّادِسُ: أَنَّ الْهَلَاكَ وَمَجِيءَ الْبَأْسِ لَمَّا تَقَارَبَا فِي الْمَعْنَى جَازَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخر السَابع: أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ
ومن معانى الفاء (الفاء السببِيّة) "وهي التي تفيد أَن ما قبلها سببٌ لما بعدها، وأَن ما بعدها مسببٌ عما قَبلها"، كقوله تعالى “كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوْا فيه فيحلَّ عليكم غضبي” .ينصب الفعل المضارع بعدها بأن مضمرة إذا كان مسبوقا بنفىمحض طلب محض :
مر وادع وانه وسل واعرض لحضهم -- تمن وارج كذاك النفى قد كملا
*-تنبيه لا يخلو المعطوف بالفاء من أن يكون مفرداً، أو جملة، والمفرد: صفة، وغير صفة. فالأقسام ثلاثة. فإن عطفت مفرداً غير صفة لم تدل على السببية. نحو: قام زيد فعمرو. وإن عطفت جملة، أو صفة، دلت على السببية غالباً. نحو " فوكزه موسى، فقضى عليه ".
السَّبَبِيَّةِ ( مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ عَمَّا قَبْلَهَا.
وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ (أَيْ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ)نَحْوُ “فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ” [القصص: 15] “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ” [البقرة: 37] وَاحْتَرَزَ بِالْعَاطِفَةِ عَنْ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ فَقَدْ تَتَرَاخَى عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يُسْلِمْ فُلَانٌ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ” [المائدة: 118]
وَقَدْ تَجِيءُ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ، نَحْوَ: “فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ” ، “فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ” ، “فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً فَالتَّالِيَاتِ”
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ نَحْوَ: “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ” وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً فَإِنَّهُ لَا يُعْطَفُ الْخَبَرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ إِذْ لَا يُعْطَفُ الْإِنْشَاءُ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسُهُ.
وَقَدْ تَأْتِي لَهُمَا(الترتيب والسببية) نَحْوُ: “فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عليه” “فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ” “لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم” وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: “فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فكان من الغاوين” ،فَهَذِهِ ثَلَاثُ فَاءَاتٍ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْفَاءِ الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ
*- ينصب بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا (مصدر مؤول من(أن) وما دخلت عليه) ولا يجوز الفصل بين فاء السببية والمضارع بغير لا النافية إذا اقتضى المعنى وجودها
النهي كقوله تعالى: (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)[طـه: من الآية81]
الاستفهام كقوله تعالى: (فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا)[لأعراف:53]
التمني، كقوله تعالى: (لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)[النساء: من الآية73]
*-فاء الجزاء وتوصف بالجوابية ، ومعناها الربط، وهى تدل على أن ما بعدها بمنزلة الجواب لما قبلها ، وتلازمها السببية. قال بعضهم: والترتيب أيضاً، كما ذكر في العاطفة. (معناها هو الدلالة على السببية والجوابية معا، ولما كان ذلك ؛شاع الاكتفاء بتسميتها (الفاء السببية) اختصارا ، مع إفادة أنها تدل على الجواب.كما تدل كذلك على الترتيب والتعقيب ،لأنها فاء عطف،فالترتيب يوجب أن يتأخر ما بعدها عما قبلها في زمن تحققه،إذ المسبب متأخر في الوجود عن المسبب ، والتعقيب يوجب أن يكون زمن التأخر قصيرا لا مهلة فيها ؛ كما هو الشأن في الفاء العاطفة ، فتفيد السببية والجوابية مع الدلالة على الترتيب والتعقيب .
*-قد تقع جملة جواب الشرط طلبية أو اسمية أو فعلية فعلها جامد إذا كانت لا تصلح أن تكون شرطاً فوجب ربط الجواب بالشرط بواسطة الفاء وإلا صار الكلام منفصلاً مبتوراً لأن الجزم الحاصل به الربط مفقود. وخصت الفاء بربط الجواب بالشرط لما فيها من معنى السببية، ولمناسبتها للجزاء معنى *-إذا كان الجواب لا يصلح لأن يجعل شرطاً وجب اقترانه بالفاء، ليعلم ارتباطه بأداة الشرط.
( الْفَاء رابطة للجواب إذا كانت جملة الجواب:
1*-جملَة اسمية نَحْو “وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير” وَنَحْو “إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم”
2- أَن تكون فعلية كالاسمية وَهِي الَّتِي فعلهَا جامد نَحْو “ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ” “وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ” ، “إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ” “وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً” .
3- أَن يكون فعلهَا إنشائيا نَحْو (“قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي”“فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ” وَاجْتَمَعَتِ الِاسْمِيَّةُ وَالْإِنْشَائِيَّةُ فِي قَوْلِهِ:“إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ”
4- أَن يكون فعلهَا مَاضِيا لفظا وَمعنى إِمَّا حَقِيقَة نَحْو “إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ” أَوْ مَقْرُونٌ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوَ: “مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ” ، “وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ”
وَإِمَّا أَن يكون فعلهَا مَاضِيا مجَازًا نَحْو “وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فكبت وُجُوههم فِي النَّار” نزل هَذَا الْفِعْل لتحَقّق وُقُوعه منزلَة مَا وَقع
5-أَن تقترن بِحرف اسْتِقْبَال نَحْو “من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ” وَنَحْو “وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه”
*-جاءت الفاء فى الجواب لمجرد ربط جملة الجواب بجملة الشرط وليست هى الجواب.
*-فاء الفصيحة :تفصح عن شرط مقدر أما فاء الجزاء فهى رابطة للجواب بشرط ظاهر.سميت بذلك لأنها أفصحت عن محذوف
قال ابن عاشور: (فانفجرت)وَعِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ لَا تُعَدُّ فَاءً فَصِيحَةً إِلَّا إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ عَطْفُ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا فَإِذَا اسْتَقَامَ فَهِيَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ وَالْحَذْفُ إِيجَازٌ وَتَقْدِيرُ الْمَحْذُوفِ لِبَيَانِ الْمَعْنَى وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْفِجَارَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ لِظُهُورِ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ مِمَّنْ يُشَكُّ فِي امْتِثَالِهِ بَلْ وَلِظُهُورِ أَنَّ كُلَّ سَائِلٍ أَمْرًا إِذَا قِيلَ لَهُ افْعَلْ كَذَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا أُمِرَ بِهِ هُوَ الَّذِي فِيهِ جَوَابُهُ ... وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى الْآتِي: اهْبِطُوا مِصْراً [الْبَقَرَة: 61] وَأَمَّا تَقْدِيرُ الشَّرْطِ هُنَا أَيْ فَإِنْ ضَرَبْتَ فَقَدِ انْفَجَرَتْ إِلَخْ فَغَيْرُ بَيِّنٍ، وَمِنَ الْعَجَبِ ذِكْرُهُ فِي «الْكَشَّافِ» .
*- عِلَّة تَعَاقُبِ الْفِعْلِ وَالْفَاءِ أَنَّ الْجَوَابَ هُوَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ يَجُوزُ اسْتِقْلَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِالشَّرْطِ وَكَوْنِهَا جَوَابًا لَهُ فَإِذَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةً صَالِحَةً لِأَنْ تَكُونَ جَزَاءً اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى كَوْنِهَا جَوَابًا لِأَنَّ الشَّرْطَ يَقْتَضِي جَوَابًا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَصْلُحُ جَوَابًا وَلَمْ يُؤْتَ بِغَيْرِهَا فَلَزِمَ كَوْنُهَا جَوَابًا وَإِذَا تَعَقَّبَتِ الْجَوَابَ امْتَنَعَ دُخُولُ الْفَاءِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ غَيْرَ فِعْلِيَّةٍ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِلْجَوَابِ بِنَفْسِهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ إِنَّمَا يَقْتَضِي فِعْلَيْنِ شَرْطًا وَجَزَاءً فَمَا لَيْسَ فِعْلًا لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ أَدَاةِ الشَّرْطِ حَتَّى يَدُلَّ اقْتِضَاؤُهَا عَلَى أَنَّهُ الْجَزَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ رَابِطَةٍ فَجَعَلُوا الْفَاءَ رَابِطَةً لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ فَيَدُلُّ تَعْقِيبُهَا الشَّرْطَ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّهَا الْجَزَاءُ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَعَاقُبِ الْفِعْلِ وَالْفَاءِ فِي بَابِ الْجَزَاءِ.
*-إذا وقعت الجملة الطلبية جوابا للشرط وجب اقترانه بالفاء (وحيث ما كنتم فولوا )الفاء واقعة في جواب الشرط وتدخل الفاء أيضا على الفعل الجازم ليربط الجواب بالشرط(فمن شرب منه فليس منى) (فإن كرهمتوهن فعسى)
أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزَّجَّاجُ: “هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ” ورد بأن الخبر “حَمِيمٍ” ، وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ وَخَرَّجَ عَلَيْهِ الْفَارِسِيُّ: “بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ” وَغَيْرَهُ: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ” إِلَى قَوْلِهِ: “فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا”
الْفَاء فِي نَحْو “بل الله فاعبد” جَوَاب لأما مقدرَة عِنْد بَعضهم وَفِيه إجحاف وزائدة عِنْد الْفَارِسِي وَفِيه بعد وعاطفة عِنْد غَيره وَالْأَصْل تنبه فاعبد الله ثمَّ حذف تنبه
*-(إن لم تكن الفاء للسببية، بل كانت للعطف على الفعل قبلها، أو كانت للاستئناف لم ينصب الفعل بعدها بأن مضمرة. بل يعرب في الحالة الأولى بإعراب ما عطف عليه، كقوله تعالى “لا يؤذن لهم فيعتذرون” ، أي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم ويرفع في الحالة الأخرى، كقوله سبحانه (فَإِنَّما) الفاء رابطة وإنما كافة (يَقُولُ لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بيقول والجملة لا محل لها (كُنْ) فعل أمر من كان التامة بمعنى حدث (فَيَكُونُ) الفاء استئنافية (يكون فعل مضارع تام مرفوع أي فهو يحدث وجملة كن مقول القول.
“يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى” [40: 36-37].
في [النشر:2/365]: «واختلفوا في “فأطلع” فروى حفص بنصب العين. وقرأ الباقون برفعها» فأطلع الفاء فاء السببية وأطلع فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية جوابا للأمر أي إن تبن لي. أو جوابا للترجي وهو لعلي أبلغ وبالنصب على جواب الأمر، وقرىء بالرفع على أن الفاء عاطفة فهو داخل في حيز الترجي2/114]: «بالرفع عطفًا على “أبلغ”بِالرَّفْعِ تَفْرِيعًا عَلَى أَبْلُغُ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَبْلَغُ ثُمَّ أَطْلَعُ،