أدلة وجوه الإعجاز

إنضم
08/02/2009
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
تحدى الله سبحانه وتعالى البشر أن يأتوا بـ"مثل"القرآن ؛ قال تعالى:" وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ "وقال أيضا " وقُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ "
وقد تدرج الله مع البشر من القرآن كله "بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ " إلى عشر سور "بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ " إلى سورة واحدة " بِسُورَةٍ مِثْلِهِ"
ولا يتضح وجه التحدي بصورة واضحة أي "مثل" القرآن في ماذا؟
لكن العلماء تكلموا في ذلك ، يقول ابن عطية "وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه" ويقول ابن كثير "القرآن معجز من وجوه كثيرة منها فصاحته وبلاغته ونظمه وما تضمّنه من الأخبار الماضية والمستقبلة وما اشتمل عليه من الأحكام المحكمة الجلية" ووجوه الإعجاز عند الإمام البيضاوي تتمثل " في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى" وعند السيوطي " في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب" وتتمثل عند ابن تيمية في اللفظ والنظم والإخبار بالغيب والأوامر والنواهي والوعد والوعيد والجلال والعظمة ونحو ذلك
ورغم اختلاف التعبير وتباين الألفاظ في تحديد وجوه الإعجاز عند العلماء إلا أن هذه العبارات جميعها تحصر الإعجاز في ثلاثة وجوه هي :
(1) صحة المعاني : أي مطابقة هذه المعاني للواقع في الأخبار ، وتحقيقها للمصالح في الإنشاء (أو الأوامر والنواهي) .
(2) حسن اللفظ وحلاوته : أي حلاوة الصوت القرآني في الآذان وبهجته في النفس وقوة أثرهـ فيها.
(3) جودة النظم : أي قوة الارتباط وحسن السبك ودقة التراكيب .
والكلام ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة وكل ما يذكره العلماء من وجوه أخرى زائدة فإنما هي تفريعات لهذه الوجوه الثلاثة أو جمع لبعضها أو توسيعا له .
فهل لما ذكره العلماء من أدلة قرآنية ؟
الإجابة نعم ، وإن كانت الأدلة غير مباشرة
- أولا : دليل إعجاز النظم قوله تعالى "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" وبمفهوم المخالفة – كما يقول الأصوليون - فإنّ الآية تقرَّر أنّ: القرآن لما كان من عند الله فقد وجدوا فيه تناسقاً عجيباً لا يستطيع الفصحاء والبلغاء الإتيان بمثله في النظم والتأليف ؛ إذ أن القرآن نص إلهي متماسك الأجزاء؛ متلائم التراكيب؛ آخذ بعضه بحجز بعض ، وهو على اختلاف ما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمتناسب ، الأمر الذي تجد خلافه في نظوم البشر وتآليفهم.
- ثانيا : دليل إعجاز اللفظ قوله تعالى في سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) والافتراء "أي الكذب" أمر يتعلّق بالمعنى دون الألفاظ كما ذكر الجرجاني في الشافية ، وبذلك يكون معنى الآية : إن كنتم تزعمون أني قد وضعت القرآن وافتريته وجئت به من عند نفسي ثم زعمت أنه وحي من الله - فضعوا انتم عشر سور وافتروا معانيها كما زعمتم أني افتريت معاني القرآن ، أي أن التحدي هنا لم يكن بالمعاني التي زعموا أنها مفتراة"مكذوبة" بل بجمال اللفظ وحسن الكلام .
- ثالثا : دليل إعجاز المعاني قوله تعالى في سورة يونس "وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" وإذا كان الافتراء يقع على المعاني لا الألفاظ ؛ فهذه الآية تشير إلى إعجاز المعاني بصورة واضحة ، والمعنى : هذا القرآن لا يمكن أن يكون افتراء وكذبا إطلاقا فإن زعمتم أنه كذلك فاتوا بمثله في صحة معناه وصدق أخباره وعدل أحكامه ، وقد تحدى الله - في آية سورة يونس هذه - بالمعاني فلما عجزوا تحداهم باللفظ ، وسورة يونس في النزول قبل هود مباشرة .
والله تعالى كما قلل التحدي في العدد من القرآن كله إلى عشر سور إلى سورة كذلك تدرج معهم في نوع هذا الإعجاز.
 
وأضيف إلى ما قلت أثره في نفوس السامعين وأظنه أقواها:
قال تعالى :
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) سورة المائدة (83)
وقوله تعالى :
(قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) سورة الإسراء (109)
وقوله تعالى :
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (58)
وقوله تعالى :
(وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)) سورة القصص
وقوله تعالى :
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) سورة الزمر (23)
وقوله تعالى :
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) سورة فصلت (26)

وفق الله الجميع لما فيه الخير
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
 
السلام عليكم و بعد
كيف يمكن الإستدلال على وجه " الإخبار بالغيب " ؟ خاصة و أنه يمكن أن يعترض معترض - من الكفار طبعا - بأنه يمكن أن يحصل على شيء من أخبار الغيب عن طريق الكتب السابقة أو إتهامه - عليه الصلاة و السلام - بالتكهن و الاستعانة بالجن فى معرفة بعض الغيب - و قد قيل - ... ثم إذا قلنا أن أخبار الغيب وجه من وجوه الإعجاز لحصرنا الإعجاز في الآيات التى تتحدث عن الغيب فحسب ... و من هنا يتبن لنا أن الوجه الذي يسلم من أي انتقاد و يستقيم مع كل آي القرآن هو الوجه البلاغي أي : حسن النظم و جزالة العبارة و قوة البلاغة مع ما يصحبه من تاثير و سلطان على نفوس سامعيه .... و الله أعلم
 
الأخ الفاضل شهاب الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
تعقيباً على كلامك أقول:
إن الاخبار بالمغيبات وجه من وجوه الاعجاز ودليل من أقوى الأدلة على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا واضح جدا.
والاعتراض على عدم صلاحية الاحتجاج بما جاء في القرآن عن أمور وقعت بعد أن أخبر بها القرآن بما ذكرتَ لا يصلح للآتي:
أولا :لأن التكهن لم يكن مصدراً موثوقا حتى عند من يتخذونه طريقاً لمعرفة بعض المغيبات.
ثانياً:وهو تعليل لأولاً، لأنه لم يعهد في شأن الكهانة أن تأتي الأمور كما يخبر بها الكهان لا تتخلف ، كما هو شأن القرآن في كل الأمور الغيبية التي أخبر بوقوعها قبل أن تقع.
ولا يلزم من القول أن من وجوه الإعجاز في القرآن الاخبار بالغيب حصر الاعجاز في هذا الجانب.
وفق الله الجميع لكل خير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
بارك الله فيك أخى المحب جعلني الله و إياك من المحبين للقرآن
إذا الذى فهمت أن الإخبار عن الغيب - سواء الماضى منه أو المستقبل - و جه من وجوه الإعجاز إذا أضيف إلى باقى الوجوه لكن هل صفت الإعجاز لازمة لكل جزء من أجزاء القرآن ؟ إذا كان نعم - و هو الجواب المتعين خلافا للمعتزلة كما هو معلوم عندك - فينبغى - في رأي - حمل الآيات و السور على الوجه الإعجازي الذي يشملها كلها .... و الله أعلم ....
 
أخي محب القرآن ليس تأثير القرآن في عقول ووجدان ونفوس السامعين من أقوى الوجوه فحسب بل هذا التأثير هو غاية الوجوه المذكورة ؛ إذ أن كل وجه من الوجوه مؤثر وما سماه بعض المعاصرين بالإعجاز التأثيري ليس دقيقا ؛ إلا أن يخصص فإعجاز المعاني له تأثيره في عقول الناس والنظمي واللفظي له تأثيره في وجدان الناس ومشاعرهم
وتحت إعجاز المعاني يمكن أن يندرج الإعجاز العلمي والتشريعي
وتحت إعجاز النظم يمكن أن يندرج إعجاز التركيب والبلاغة والتناسب ونحو ذلك
وتحت إعجاز اللفظ يمكن أن يندرج إعجاز الفصاحة وكل ما ينشأ من تأثير التلاوة والصوت القرآني ونحو ذلك
وكل ذلك إعجاز مؤثر
 
أخي شهاب الدين

الإخبار بالغيوب وجه من الإعجاز يندرج تحت صدق المعاني ، وليس هو من "التكهن" في شيء إطلاقا إذا كان ذكره في القرآن صريحا
ولعلك تقصد بالتكهن أن يدعى مدع أنه يعرف الغيب من خلال الحروف المقطعة أو نحو ذلك

أما إعجاز المعاني من خلال التوراة والإنجيل حال صحتها قبل التحريف فهذا ثابت لا خلاف ؛ فيه يقول ابن تيمية: (إذا قدر [أحد] أن التوراة والإنجيل أو الزبور معجز لما فيه من العلوم والإخبار بالغيب والأمر والنهي ونحو ذلك لم ينازع في ذلك ؛ بل هذا دليل على نبوتهم صلواته الله عليهم وعلى نبوة من أخبروا بنبوته ، ومن قال أنها ليست معجزة من جهة اللفظ والنظم كالقرآن - فهذا ممكن) ويقول أيضا :( هذه الكتب معجزة لما فيها من أنباء الغيب التي لا يعلمها إلا نبيّ وكذلك فيها من الأمر والنهي والوعد والوعيد ما لا يأتي به إلا نبيّ)
وهذا الإعجاز المتعلق بالمعاني لا يقتصر على القرآن و التوراة والإنجيل بل الحديث النبوي الشريف داخل في ذلك أيضا
أما الإعجاز البلاغي فينفرد به القرآن ولا تدخل فيه التوراة ولا الإنجيل ولا الحديث النبوي الشريف
فالنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان أفصح العرب إلا أن بلاغته غير معجزة كالفرآن فإعجاز البلاغي قاصر على القرآن وحده
وهذا الإعجاز المتعلق بالمعاني يشمل كل آيات القرآن الكريم ؛ إذ أن المعنى :إما "خبر أو طلب" ولا تخلو آية من ذلك
وهذا الإعجاز يكون في صدق الأخبار وعدل الأحكام
ولهذا قال تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً )
وقد فسّر ابن كثير ذلك بقوله :
(صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأوامر والنواهي)
أو ( صدقاً في الأخبار وعدلاً في الطلب)
ونقل عن قتادة في تفسير هذه الآية أنه قال :
( صدقاً فيما قال وعدلاً فيما حكم)
ويتعلق هذا الإعجاز بكلا هذين النوعين من المعاني على السواء ، إذ أن في القرآن من الأمور المستقبلية والماضية التي يكون وقوعها طبق ما أخبر ، وفيه الأحكام العادلة التي إذا تأملها ذو العقل الصحيح – قطع بأنها منزلة من العالم بالخفيات الرحيم بعباده
 
صدقت يادكتور جمال ويؤيد ذلك قوله تعالى:
"مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ "
وقوله:
"آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا "
وفقك الله ونفع بك
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
عودة
أعلى