د.علي أسعد
New member
- إنضم
- 03/04/2006
- المشاركات
- 7
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
بسم الله الرحمن الرحيم
أدلة المؤيدين للتفسير العلمي
حاول المؤيدون للتفسير العلمي التأصيل لهذا الاتجاه لبيان مشروعيته، فكان تأصيلهم يستند إلى طرق ثلاث، الأولى منها تتمثل في جمع الأدلة التي يمكن أن يستدلوا بها، الثانية: الرجوع إلى العلماء السابقين لبيان أنهم يقولون بهذا الاتجاه ، الثالثة: التطبيقات وذلك بتفسير الآيات على ضوء العلوم الحديثة. وسأقتصر في هذا البحث على بيان أدلتهم(1) ، التي كانت في جلها محاولة للبرهان على الإعجاز العلمي بالدرجة الأولى ، لذا سأنطلق في تعريف التفسير العلمي من تعريف أحمد عمر أبو حجر الذي لم يميز فيه بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي كشأن أكثر المؤيدين(2) ، إذ يقول: هو " التفسير الذي يحاول فيه المفسر فهم عبارات القرآن في ضوء ما أثبته العلم ، والكشف عن سر من أسرار إعجازه ، من حيث أنه تضمن هذه المعلومات العلمية الدقيقة التي لم يكن يعرفها البشر وقت نزول القرآن ، فدل ذلك على أنه ليس من كلام البشر ، ولكنه من عند الله خالق القوى والقدر. " (3)
استدل المؤيدون على مشروعية التفسير العلمي بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والآثار والمعقول.
أولاً - القرآن الكريم :
1-قال تعالى : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) [ الأنعام : 38 ] رجح الرازي أن المراد بالكتاب هو القرآن ، لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد ، انصرف إلى المعهود السابق ، وهو هنا القرآن(4) ، فأخذ مؤيدو التفسير العلمي بهذا الوجه من التفسير ، محتجين بأنه طالما أن أحد أوجه تفسير الكتاب في الآية هو القرآن ، فلا بد أن يكون مراداً لله تعالى ، وفي هذا دلالة على أن القرآن يحوي كل شيء ، حتى العلوم(5) ، يبين هذا ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [ النحل : 89 ] فالكتاب فيه اللام للعهد ، وهو القرآن ، و(كل شيء) يفيد العموم ، وهو عموم " في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع : من إصلاح النفوس ، وإكمال الأخلاق ، وتقويم المجتمع المدني ، وتبيين الحقوق ، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية ، وصدق الرسول ) ، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية ، ووصف أحوال الأمم ، وأسباب فلاحها وخسارها ، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضارتهم وصنائعهم . وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف صالحة لأن تكون بياناً لكل شيء على وجه العموم الحقيقي إنْ سلك في بيانها طريق التفصيل … فيؤول ذلك العموم العرفي بصريحه إلى عموم حقيقي بضمنه ولوازمه ، وهذا من أبدع الإعجاز "(6) .
2-أشار القرآن الكريم إلى الإعجاز العلمي بقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) [ القصص : 49- 50 ] فالله عز وجل تحدى أهل الكتاب " بما يشتمل عليه القرآن من الهدى ببلاغة نظمه ، وهذا دليل على أن ما يشتمل عليه من العلم والحقائق هو من طرق إعجازه ."(7) ، وذلك لأنه جاء به أمي في أمة أميِّة لا علم لها بدقائق العلوم(8) ، فقد كان يخبر أهل الكتاب بعلوم دينهم مع أنه كان أمياً (9) قال تعالى : ( مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) [ هود : 49 ].
3- قال تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ فصلت : 53 ] إن من معاني الآية العلامة و العبرة ، وأيضاً الآية من القرآن الكريم (10) ، وعلى هذين المعنيين يكون معنى قوله تعالى:( سنريهم آياتنا….) أنه يشمل نوعين من الآيات يريهما سبحانه لعباده في الآفاق وفي أنفسهم ، نوع مشهود لم يخبر عنه القرآن ، وإنما جاء توجيه عام بالنظر إليه ، ونوع ثان مشهود أيضاً لكن خصه القرآن بالذكر "فإذا نظر فيه الناس رأوا فيه تصديق ما أخبر به القرآن الكريم" (11).
أما قوله : (حتى يتبين لهم أنه الحق ) فإن المقصود به الحق الذي يتبين بآيات الآفاق والأنفس وهو صدق القرآن ، وصدق ما جاء به من عقائد وشرائع ، فالآية السابقة لهذه الآية تدل على ذلك ، وهي قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) [ فصلت : 52 ] فالذي من عند الله هو القرآن الكريم(12) ، والحق الذي يظهر بآيات الآفاق والأنفس ، حق بمعنى عام ، وحق بمعنى خاص ، "فالحق بالمعنى الخاص هو ما سيقت الآية لإثباته من اعتقاد أو حكم شرعي ، فقوله تعالى -مثلاً- : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ) [ الروم : 20 ] يدل على صفة الخلق وهذا حق .أما الحق بالمعنى العام فهو دلالة مجموع آيات الآفاق والأنفس على أن القرآن حق من عند الله ". ومن معاني صيغة الاستقبال في قوله : ( سنريهم ) الإشارة إلى أن الله تعالى سيري آياته لكل جيل حتى ينقضي أجله ، فيري آياته للجيل الذي يأتي بعده (13) .
ثانياً - الأحاديث النبوية :
1-ما أخرجه الترمذي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ( علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ….. }(14) حيث استدلوا بعموم الحديث .إذ وجدوا فيه إشارة إلى شمولية القرآن الكريم ، وفي هذه الشمولية يدخل الإخبار عن العلوم الحديثة .
2-وكذلك عموم(15) قوله صلى الله عليه وسلم :{ إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة } (16).
3- جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قال : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ ـ الأهلية ـ فَقَالَ : { لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ الزلزلة : 7-8 ] }(17) فهذا نص يدل على أن كل ما دخل تحت عموم نص قرآني ، يعتبر قد نص عليه القرآن ، فصدقة الحمر الأهلية لم تذكرها الآية وإنما دلت عليها عن طريق الشمول والعموم (18).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(19) استدل ابن عاشور بهذا الحديث على حجية تعلق ما جاء به القرآن من الإشارات العلمية بالإعجاز ، وعلى دوامه وعمومه ، وذلك بإشارة الحديث إلى مسألتين :
الأولى : أن قوله : ( ما مثله آمن عليه البشر ) يدل على أن كل نبي جاء بمعجزة في أمر خاص ، آمن على شرطها قومه .
الثانية :قوله : ( وإنما كان الذي أوتيت وحياً ) دل على أنه ليست معجزته كمعجزات الرسل السابقين من قبيل الأفعال كقلب العصا ، وانفجار الماء …. ، وإنما معجزته هي القرآن بما فيه من ألفاظ ومعانٍ يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ، وعلى هذا يؤمن به البشر الذين يبتغون إدراك ذلك .ويدل على ذلك تعقيبه بقوله : ( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً ) عطف بالفاء التي تدل على الترتيب ، فالصلة بين كونه أوتي وحياً ، وبين كونه يرجو أن يكون أكثرهم تابعاً ، لا تظهر إلا إذا كانت المعجزة لجميع الأزمان حتى يكون الذين يدخلون الدين لأجلها كثيرون (20) .
ثالثاً - الآثار :
أن امرأة جاءت تحتج لدى عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه فيما بلغها عنه من قوله : ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ ….(21) ) وكانت حجتها أنها قرأت القرآن فلم تجده فقَالَ لها : ( لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ )(22)
فالصحابة كانوا يرون أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه قد نص عليه القرآن بعموم تلك الآية ، رغم السياق الذي وردت فيه ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالمخترعات الإنسانية المستقبلية كانت غيبية في ذلك العصر لذلك لم يكن القرآن يذكر شيئاً منها إلا عن طريق الإشارة الكافية ، أو العبارة العامة (23) .
وكذلك بعموم الآثار التالية :
ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه أنه قال : ( من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين ) (24) ، وقول عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه : (من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن ) ، وقول أبي الدرداء رَضِي اللَّه عَنْه : ( لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوها )(25) .
رابعاً - المعقول :
1_ أمرنا الله عز و جل بآيات صريحة في كتابه بتدبر القرآن ، قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [ محمد : 24 ] وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) [ النساء : 82 ] وحتى يكون التدبر في محله ينبغي أن يكون بحسب محتوى الآية وما يتصل بها من موضوعها(26) ، ففي القرآن ـ مثلاً ـ آيات تتحدث عن الكون ، فلا مانع من أن يذكر المفسر عند تفسير هذه الآيات ما يتعلق بها مما اكتشفه العلم الحديث من أسرار الكون .
2_ إن القرآن حمّال وجوه ، لا تحكّم في فهم أسراره (27) ،فالسلف فصلوا في علوم اهتموا بها ، لذلك ليس هناك ما يمنع من أن نسير على آثارهم في علوم أخرى ، ترجع لخدمة المقاصد القرآنية ، أو لبيان سعة العلوم الإسلامية ، أو إيضاحاً لمعنى الآية ، أو استطراداً في العلم لمناسبة التفسير(28) .
3_ إن الله سبحانه استدل في كتابه على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السموات والأرض ، وكيفية أحوال الضياء والظلام والشمس والقمر والنجوم ، وكررت هذه الأمور في كثير من السور ، فلو لم يكن البحث عنها ، والتأمل فيها جائزاً ، لما ملأ الله كتابه منها (29) .
4_ إن القرآن معجزة باقية ومقاصده ترجع إلى عموم الدعوة "فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام " الناس ممن يأتون في عصور انتشار العلم (30) .
5_ "إن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة" (31) .
6_ إن التفسير العلمي هو الذي يخلصنا من بعض الخرافات التي فسرت بها الآيات الكونية(32) ، وهو الذي يقينا من أن نعلل بعض الظواهر الكونية تعليلاً غير علمي (33).
7_ إن القول بالتفسير العلمي يحقق لنا فوائد كثيرة منها :
أ_ استمالة غير المسلمين .
ب_ رد مزاعم القائلين بأن هناك تعارضاً بين الدين والعلم .
ج_ الحث على الانتفاع بقوى الكون (34) .
د_ تمتلئ النفس رهبة وإيماناً بعظمة الله وقدرته ، حينما يرى الإنسان تفسير القرآن على دقائق المخلوقات وخواصها ، حسب ما تصورها علوم الكون(35) .
هـ_ إثبات أن القرآن موحى به من عند الله تعالى ، وذلك بإظهار ترقي العلم للحقيقة القرآنية (36) .
يظهر من خلال هذه الأدلة حرص المؤيدين على تأصيل التفسير العلمي ، وذلك بالبحث عن أدلة تدل على إمكانيته ومشروعيته ،فإلى أي مدى وفقوا في ذلك ؟ حاول المفسرون أولاً التوفيق بين العلم والقرآن ، ومن ثم أخذوا يبحثون عن أدلة تسوغ تطبيقاتهم التوفيقية ، فكانت هذه التطبيقات ذاتها هي الدالة على الدليل ، وليس الدليل هو الذي دل عليها ، فالقرآن هو تفصيل لكل شيء إذا قام المفسر بالإسهاب التفصيلي في أي أمر يذكره القرآن ،والإعجاز العلمي أشار إليه القرآن بتحديه لأهل الكتاب – الذين كانوا أهل علم – بأن يأتوا بأهدى من هذا الكتاب ، لأن النبي الذي تحداهم بذلك أمي لا علم له بمعارفهم ، فلزم عن ذلك عند المفسر العلمي بأن يكون القرآن سبق إلى الإشارة للعلوم الحديثة ، فألزم ما لا يلزم ؛ إذ لا يشترط ذلك . أما الآية الثالثة من أدلة القرآن الكريم فهي متعددة المعاني(37) ،لذلك لا يمكن إنكار المسوغ إلى أحد هذه المعاني دون غيرها .
وكذلك بالنسبة إلى الأحاديث والآثار ، ويضاف إلى ما سبق أن صحيحها غير صريح ، إذ لا تتجاوز الإشارة فيها أموراً عامة لا يشترط أن تكون العلوم الحديثة داخلة ضمنها . أما أدلتهم من المعقول فجلها يشير إلى أهداف يريد المفسر أن يحققها.
والحمد لله رب العالمين د.علي محمد أسعد
********************************************
(1)الهدف من ذلك هو مناقشتها من قبل الباحثين ومعرفة مدى صحة الاستدلال بها.
(2)علما أني أميز بينهما.
(3)التفسير العلمي للقرآن في الميزان ، ص66 .
(4)التفسير الثاني للكتاب هو اللوح المحفوظ ، انظر : التفسير الكبير ، ج12/215 .
(5)انظر : الإسلام في عصر العلم ، ص364-365.
(6)التحرير والتنوير ، ج14/253.
(7)ن.م، ج20/139.
(8)انظر : ن.م ، ج1/127.
(9)انظر : ن.م، ج1/129.
(10)انظر : لسان العرب مادة : أيا .
(11)دليل الأنفس بين القرآن الكريم والعلم الحديث ،ص55.
(12)انظر : ن.م ، ص57.
(13)انظر : ن.م ،ص56.
(14)أخرجه أحمد في مسنده ، ج1 /197 ، رقم الحديث : 704 . - وأخرجه الترمذي في سننه ، كتاب فضائل القرآن 46 ،باب ما جاء في فضل القرآن 14 ، رقم الحديث : 2906 ، ج5/172.
. وقد قال عنه الترمذي : " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال ."
(15) انظر : التفسير بمكتشفات العلم التجريبي بين المؤيدين والمعارضين ، مجلة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العدد 4، رجب 1411هـ فبراير 1991مـ ، ص38.
(16)الإكليل في استنباط التنزيل ، ص12 . في سند الحديث أبو أمية ابن يعلى وقد ضعفه غير واحد ، انظر : الذهبي ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ج1/254 .
(17)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب تفسير القرآن 68 ، باب ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره 402 ، ج4/1898 ، رقم الحديث 4679 . وانظر في شرح الحديث : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ج8/726 .
(18)الإسلام في عصر العلم ، ص369.
(19)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب فضائل القرآن 69 ، باب كيفية نزول الوحي وأول ما نزل 1 ، ج4/1905 ، رقم الحديث : 4696 .
(20)انظر : التحرير والتنوير ،ج1/128.
(21)الواشمة : من تقوم بعمل الوشم وهو أثر وخز الجلد بالإبر ، المستوشمة : التي تطلب لنفسها الوشم ، المتنمصات : التي تزيل الشعر من الوجه أو الحاجب ،المتفلجات : المفرقات بين الأسنان . انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج3/201 .
(22)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب تفسير القرآن رقم 68 ، باب وما آتاكم الرسول فخذوه رقم 364 ، ج4/1853 ، رقم الحديث 4604/4605 . وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة 37 ، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة رقم 33 ، ج3/1678 ، رقم الحديث : 2125 .
(23)انظر : الإسلام في عصر العلم ، ص369-370.
(24)الإتقان في علوم القرآن ، ج2 /1025 .
(25) البرهان في علوم القرآن ، ، ج2/154 .
(26)انظر : التفسير العلمي للآيات الكونية ، ص 494 .
(27)انظر : التبيان في علوم القرآن ،ص 132 .
(28)انظر : التحرير والتنوير ، ج1 /44 .
(29)انظر : مفاتيح الغيب م7ج14 /122 .
(30)انظر : التحرير والتنوير ، ج1/ 44 _45 .
(31)ن.م ، ج1/45 .
(32)انظر : التفسير العلمي للآيات الكونية ، ص485 .
(33)انظر : الإسلام في عصر العلم ، م.س ، ص 222 .
(34)انظر : اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ، ص 602 .
(35)انظر : مناهل العرفان في علوم القرآن ، ص18-20 .
(36)انظر : تفسير المنار ، ج1 /212 .
(37) ذكر ابن الجوزي أن في قوله تعالى : ( سنريهم آياتنا ) [فصلت:53]خمسة أقوال : "أحدها : في الآفاق : فتح أقطار الأرض ، وفي أنفسهم : فتح مكة قاله الحسن ومجاهد والسدي . والثاني : أنها في الآفاق : وقائع الله في الأمم الخالية ، وفي أنفسهم : يوم بدر ، قاله قتادة ومقاتل . والثالث : أنها في الآفاق : إمساك القطر عن الأرض كلّها ، وفي أنفسهم : البلايا التي تكون في أجسادهم قاله : ابن جريج ، الرابع : أنها في الآفاق : آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم ، وفي أنفسهم حوادث الأرض قاله : ابن زيد … الخامس : أنها في الآفاق : آثار من مضى قبلهم من المكذبين ، وفي أنفسهم كونهم خُلقوا نطفاً ثم عَلَقاً ثم مضغاً ثم عظاماً إلى أن نُقلوا إلى العقل والتمييز ، قاله الزجاج" . زاد المسير في علم التفسير ، ج7/267-268 .
أدلة المؤيدين للتفسير العلمي
حاول المؤيدون للتفسير العلمي التأصيل لهذا الاتجاه لبيان مشروعيته، فكان تأصيلهم يستند إلى طرق ثلاث، الأولى منها تتمثل في جمع الأدلة التي يمكن أن يستدلوا بها، الثانية: الرجوع إلى العلماء السابقين لبيان أنهم يقولون بهذا الاتجاه ، الثالثة: التطبيقات وذلك بتفسير الآيات على ضوء العلوم الحديثة. وسأقتصر في هذا البحث على بيان أدلتهم(1) ، التي كانت في جلها محاولة للبرهان على الإعجاز العلمي بالدرجة الأولى ، لذا سأنطلق في تعريف التفسير العلمي من تعريف أحمد عمر أبو حجر الذي لم يميز فيه بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي كشأن أكثر المؤيدين(2) ، إذ يقول: هو " التفسير الذي يحاول فيه المفسر فهم عبارات القرآن في ضوء ما أثبته العلم ، والكشف عن سر من أسرار إعجازه ، من حيث أنه تضمن هذه المعلومات العلمية الدقيقة التي لم يكن يعرفها البشر وقت نزول القرآن ، فدل ذلك على أنه ليس من كلام البشر ، ولكنه من عند الله خالق القوى والقدر. " (3)
استدل المؤيدون على مشروعية التفسير العلمي بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والآثار والمعقول.
أولاً - القرآن الكريم :
1-قال تعالى : (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) [ الأنعام : 38 ] رجح الرازي أن المراد بالكتاب هو القرآن ، لأن الألف واللام إذا دخلا على الاسم المفرد ، انصرف إلى المعهود السابق ، وهو هنا القرآن(4) ، فأخذ مؤيدو التفسير العلمي بهذا الوجه من التفسير ، محتجين بأنه طالما أن أحد أوجه تفسير الكتاب في الآية هو القرآن ، فلا بد أن يكون مراداً لله تعالى ، وفي هذا دلالة على أن القرآن يحوي كل شيء ، حتى العلوم(5) ، يبين هذا ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [ النحل : 89 ] فالكتاب فيه اللام للعهد ، وهو القرآن ، و(كل شيء) يفيد العموم ، وهو عموم " في دائرة ما لمثله تجيء الأديان والشرائع : من إصلاح النفوس ، وإكمال الأخلاق ، وتقويم المجتمع المدني ، وتبيين الحقوق ، وما تتوقف عليه الدعوة من الاستدلال على الوحدانية ، وصدق الرسول ) ، وما يأتي في خلال ذلك من الحقائق العلمية والدقائق الكونية ، ووصف أحوال الأمم ، وأسباب فلاحها وخسارها ، والموعظة بآثارها بشواهد التاريخ ، وما يتخلل ذلك من قوانينهم وحضارتهم وصنائعهم . وفي خلال ذلك كله أسرار ونكت من أصول العلوم والمعارف صالحة لأن تكون بياناً لكل شيء على وجه العموم الحقيقي إنْ سلك في بيانها طريق التفصيل … فيؤول ذلك العموم العرفي بصريحه إلى عموم حقيقي بضمنه ولوازمه ، وهذا من أبدع الإعجاز "(6) .
2-أشار القرآن الكريم إلى الإعجاز العلمي بقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) [ القصص : 49- 50 ] فالله عز وجل تحدى أهل الكتاب " بما يشتمل عليه القرآن من الهدى ببلاغة نظمه ، وهذا دليل على أن ما يشتمل عليه من العلم والحقائق هو من طرق إعجازه ."(7) ، وذلك لأنه جاء به أمي في أمة أميِّة لا علم لها بدقائق العلوم(8) ، فقد كان يخبر أهل الكتاب بعلوم دينهم مع أنه كان أمياً (9) قال تعالى : ( مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) [ هود : 49 ].
3- قال تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ فصلت : 53 ] إن من معاني الآية العلامة و العبرة ، وأيضاً الآية من القرآن الكريم (10) ، وعلى هذين المعنيين يكون معنى قوله تعالى:( سنريهم آياتنا….) أنه يشمل نوعين من الآيات يريهما سبحانه لعباده في الآفاق وفي أنفسهم ، نوع مشهود لم يخبر عنه القرآن ، وإنما جاء توجيه عام بالنظر إليه ، ونوع ثان مشهود أيضاً لكن خصه القرآن بالذكر "فإذا نظر فيه الناس رأوا فيه تصديق ما أخبر به القرآن الكريم" (11).
أما قوله : (حتى يتبين لهم أنه الحق ) فإن المقصود به الحق الذي يتبين بآيات الآفاق والأنفس وهو صدق القرآن ، وصدق ما جاء به من عقائد وشرائع ، فالآية السابقة لهذه الآية تدل على ذلك ، وهي قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) [ فصلت : 52 ] فالذي من عند الله هو القرآن الكريم(12) ، والحق الذي يظهر بآيات الآفاق والأنفس ، حق بمعنى عام ، وحق بمعنى خاص ، "فالحق بالمعنى الخاص هو ما سيقت الآية لإثباته من اعتقاد أو حكم شرعي ، فقوله تعالى -مثلاً- : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ) [ الروم : 20 ] يدل على صفة الخلق وهذا حق .أما الحق بالمعنى العام فهو دلالة مجموع آيات الآفاق والأنفس على أن القرآن حق من عند الله ". ومن معاني صيغة الاستقبال في قوله : ( سنريهم ) الإشارة إلى أن الله تعالى سيري آياته لكل جيل حتى ينقضي أجله ، فيري آياته للجيل الذي يأتي بعده (13) .
ثانياً - الأحاديث النبوية :
1-ما أخرجه الترمذي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :{أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ( علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ….. }(14) حيث استدلوا بعموم الحديث .إذ وجدوا فيه إشارة إلى شمولية القرآن الكريم ، وفي هذه الشمولية يدخل الإخبار عن العلوم الحديثة .
2-وكذلك عموم(15) قوله صلى الله عليه وسلم :{ إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة } (16).
3- جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قال : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ ـ الأهلية ـ فَقَالَ : { لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [ الزلزلة : 7-8 ] }(17) فهذا نص يدل على أن كل ما دخل تحت عموم نص قرآني ، يعتبر قد نص عليه القرآن ، فصدقة الحمر الأهلية لم تذكرها الآية وإنما دلت عليها عن طريق الشمول والعموم (18).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ }(19) استدل ابن عاشور بهذا الحديث على حجية تعلق ما جاء به القرآن من الإشارات العلمية بالإعجاز ، وعلى دوامه وعمومه ، وذلك بإشارة الحديث إلى مسألتين :
الأولى : أن قوله : ( ما مثله آمن عليه البشر ) يدل على أن كل نبي جاء بمعجزة في أمر خاص ، آمن على شرطها قومه .
الثانية :قوله : ( وإنما كان الذي أوتيت وحياً ) دل على أنه ليست معجزته كمعجزات الرسل السابقين من قبيل الأفعال كقلب العصا ، وانفجار الماء …. ، وإنما معجزته هي القرآن بما فيه من ألفاظ ومعانٍ يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ، وعلى هذا يؤمن به البشر الذين يبتغون إدراك ذلك .ويدل على ذلك تعقيبه بقوله : ( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً ) عطف بالفاء التي تدل على الترتيب ، فالصلة بين كونه أوتي وحياً ، وبين كونه يرجو أن يكون أكثرهم تابعاً ، لا تظهر إلا إذا كانت المعجزة لجميع الأزمان حتى يكون الذين يدخلون الدين لأجلها كثيرون (20) .
ثالثاً - الآثار :
أن امرأة جاءت تحتج لدى عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه فيما بلغها عنه من قوله : ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ ….(21) ) وكانت حجتها أنها قرأت القرآن فلم تجده فقَالَ لها : ( لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ )(22)
فالصحابة كانوا يرون أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى عنه قد نص عليه القرآن بعموم تلك الآية ، رغم السياق الذي وردت فيه ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالمخترعات الإنسانية المستقبلية كانت غيبية في ذلك العصر لذلك لم يكن القرآن يذكر شيئاً منها إلا عن طريق الإشارة الكافية ، أو العبارة العامة (23) .
وكذلك بعموم الآثار التالية :
ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه أنه قال : ( من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين ) (24) ، وقول عبد الله بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه : (من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن ) ، وقول أبي الدرداء رَضِي اللَّه عَنْه : ( لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوها )(25) .
رابعاً - المعقول :
1_ أمرنا الله عز و جل بآيات صريحة في كتابه بتدبر القرآن ، قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [ محمد : 24 ] وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) [ النساء : 82 ] وحتى يكون التدبر في محله ينبغي أن يكون بحسب محتوى الآية وما يتصل بها من موضوعها(26) ، ففي القرآن ـ مثلاً ـ آيات تتحدث عن الكون ، فلا مانع من أن يذكر المفسر عند تفسير هذه الآيات ما يتعلق بها مما اكتشفه العلم الحديث من أسرار الكون .
2_ إن القرآن حمّال وجوه ، لا تحكّم في فهم أسراره (27) ،فالسلف فصلوا في علوم اهتموا بها ، لذلك ليس هناك ما يمنع من أن نسير على آثارهم في علوم أخرى ، ترجع لخدمة المقاصد القرآنية ، أو لبيان سعة العلوم الإسلامية ، أو إيضاحاً لمعنى الآية ، أو استطراداً في العلم لمناسبة التفسير(28) .
3_ إن الله سبحانه استدل في كتابه على العلم والقدرة والحكمة بأحوال السموات والأرض ، وكيفية أحوال الضياء والظلام والشمس والقمر والنجوم ، وكررت هذه الأمور في كثير من السور ، فلو لم يكن البحث عنها ، والتأمل فيها جائزاً ، لما ملأ الله كتابه منها (29) .
4_ إن القرآن معجزة باقية ومقاصده ترجع إلى عموم الدعوة "فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام " الناس ممن يأتون في عصور انتشار العلم (30) .
5_ "إن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة" (31) .
6_ إن التفسير العلمي هو الذي يخلصنا من بعض الخرافات التي فسرت بها الآيات الكونية(32) ، وهو الذي يقينا من أن نعلل بعض الظواهر الكونية تعليلاً غير علمي (33).
7_ إن القول بالتفسير العلمي يحقق لنا فوائد كثيرة منها :
أ_ استمالة غير المسلمين .
ب_ رد مزاعم القائلين بأن هناك تعارضاً بين الدين والعلم .
ج_ الحث على الانتفاع بقوى الكون (34) .
د_ تمتلئ النفس رهبة وإيماناً بعظمة الله وقدرته ، حينما يرى الإنسان تفسير القرآن على دقائق المخلوقات وخواصها ، حسب ما تصورها علوم الكون(35) .
هـ_ إثبات أن القرآن موحى به من عند الله تعالى ، وذلك بإظهار ترقي العلم للحقيقة القرآنية (36) .
يظهر من خلال هذه الأدلة حرص المؤيدين على تأصيل التفسير العلمي ، وذلك بالبحث عن أدلة تدل على إمكانيته ومشروعيته ،فإلى أي مدى وفقوا في ذلك ؟ حاول المفسرون أولاً التوفيق بين العلم والقرآن ، ومن ثم أخذوا يبحثون عن أدلة تسوغ تطبيقاتهم التوفيقية ، فكانت هذه التطبيقات ذاتها هي الدالة على الدليل ، وليس الدليل هو الذي دل عليها ، فالقرآن هو تفصيل لكل شيء إذا قام المفسر بالإسهاب التفصيلي في أي أمر يذكره القرآن ،والإعجاز العلمي أشار إليه القرآن بتحديه لأهل الكتاب – الذين كانوا أهل علم – بأن يأتوا بأهدى من هذا الكتاب ، لأن النبي الذي تحداهم بذلك أمي لا علم له بمعارفهم ، فلزم عن ذلك عند المفسر العلمي بأن يكون القرآن سبق إلى الإشارة للعلوم الحديثة ، فألزم ما لا يلزم ؛ إذ لا يشترط ذلك . أما الآية الثالثة من أدلة القرآن الكريم فهي متعددة المعاني(37) ،لذلك لا يمكن إنكار المسوغ إلى أحد هذه المعاني دون غيرها .
وكذلك بالنسبة إلى الأحاديث والآثار ، ويضاف إلى ما سبق أن صحيحها غير صريح ، إذ لا تتجاوز الإشارة فيها أموراً عامة لا يشترط أن تكون العلوم الحديثة داخلة ضمنها . أما أدلتهم من المعقول فجلها يشير إلى أهداف يريد المفسر أن يحققها.
والحمد لله رب العالمين د.علي محمد أسعد
********************************************
(1)الهدف من ذلك هو مناقشتها من قبل الباحثين ومعرفة مدى صحة الاستدلال بها.
(2)علما أني أميز بينهما.
(3)التفسير العلمي للقرآن في الميزان ، ص66 .
(4)التفسير الثاني للكتاب هو اللوح المحفوظ ، انظر : التفسير الكبير ، ج12/215 .
(5)انظر : الإسلام في عصر العلم ، ص364-365.
(6)التحرير والتنوير ، ج14/253.
(7)ن.م، ج20/139.
(8)انظر : ن.م ، ج1/127.
(9)انظر : ن.م، ج1/129.
(10)انظر : لسان العرب مادة : أيا .
(11)دليل الأنفس بين القرآن الكريم والعلم الحديث ،ص55.
(12)انظر : ن.م ، ص57.
(13)انظر : ن.م ،ص56.
(14)أخرجه أحمد في مسنده ، ج1 /197 ، رقم الحديث : 704 . - وأخرجه الترمذي في سننه ، كتاب فضائل القرآن 46 ،باب ما جاء في فضل القرآن 14 ، رقم الحديث : 2906 ، ج5/172.
. وقد قال عنه الترمذي : " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال ."
(15) انظر : التفسير بمكتشفات العلم التجريبي بين المؤيدين والمعارضين ، مجلة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العدد 4، رجب 1411هـ فبراير 1991مـ ، ص38.
(16)الإكليل في استنباط التنزيل ، ص12 . في سند الحديث أبو أمية ابن يعلى وقد ضعفه غير واحد ، انظر : الذهبي ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ج1/254 .
(17)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب تفسير القرآن 68 ، باب ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره 402 ، ج4/1898 ، رقم الحديث 4679 . وانظر في شرح الحديث : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، ج8/726 .
(18)الإسلام في عصر العلم ، ص369.
(19)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب فضائل القرآن 69 ، باب كيفية نزول الوحي وأول ما نزل 1 ، ج4/1905 ، رقم الحديث : 4696 .
(20)انظر : التحرير والتنوير ،ج1/128.
(21)الواشمة : من تقوم بعمل الوشم وهو أثر وخز الجلد بالإبر ، المستوشمة : التي تطلب لنفسها الوشم ، المتنمصات : التي تزيل الشعر من الوجه أو الحاجب ،المتفلجات : المفرقات بين الأسنان . انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر ، ج3/201 .
(22)أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب تفسير القرآن رقم 68 ، باب وما آتاكم الرسول فخذوه رقم 364 ، ج4/1853 ، رقم الحديث 4604/4605 . وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة 37 ، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة رقم 33 ، ج3/1678 ، رقم الحديث : 2125 .
(23)انظر : الإسلام في عصر العلم ، ص369-370.
(24)الإتقان في علوم القرآن ، ج2 /1025 .
(25) البرهان في علوم القرآن ، ، ج2/154 .
(26)انظر : التفسير العلمي للآيات الكونية ، ص 494 .
(27)انظر : التبيان في علوم القرآن ،ص 132 .
(28)انظر : التحرير والتنوير ، ج1 /44 .
(29)انظر : مفاتيح الغيب م7ج14 /122 .
(30)انظر : التحرير والتنوير ، ج1/ 44 _45 .
(31)ن.م ، ج1/45 .
(32)انظر : التفسير العلمي للآيات الكونية ، ص485 .
(33)انظر : الإسلام في عصر العلم ، م.س ، ص 222 .
(34)انظر : اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر ، ص 602 .
(35)انظر : مناهل العرفان في علوم القرآن ، ص18-20 .
(36)انظر : تفسير المنار ، ج1 /212 .
(37) ذكر ابن الجوزي أن في قوله تعالى : ( سنريهم آياتنا ) [فصلت:53]خمسة أقوال : "أحدها : في الآفاق : فتح أقطار الأرض ، وفي أنفسهم : فتح مكة قاله الحسن ومجاهد والسدي . والثاني : أنها في الآفاق : وقائع الله في الأمم الخالية ، وفي أنفسهم : يوم بدر ، قاله قتادة ومقاتل . والثالث : أنها في الآفاق : إمساك القطر عن الأرض كلّها ، وفي أنفسهم : البلايا التي تكون في أجسادهم قاله : ابن جريج ، الرابع : أنها في الآفاق : آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم ، وفي أنفسهم حوادث الأرض قاله : ابن زيد … الخامس : أنها في الآفاق : آثار من مضى قبلهم من المكذبين ، وفي أنفسهم كونهم خُلقوا نطفاً ثم عَلَقاً ثم مضغاً ثم عظاماً إلى أن نُقلوا إلى العقل والتمييز ، قاله الزجاج" . زاد المسير في علم التفسير ، ج7/267-268 .