أدب المفسرين

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
136
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

أعني بأدب المفسرين ما تجده في كتب التفسير ، وفي تراجم المفسرين من عناية بأدب العرب ، وحسن البصر بفهمه وتذوقه ونقده نقداً أدبياً لا تكاد تقع عليه في كتب النقد الأدبي ، وشروح الشعر . وقد رأيت من عناية بعض المفسرين بالأدب العربي وحفظ عيونه ، والمشاركة في التأليف في الأدب وتاريخه وشرح دواوين الشعر ما جعلني أتتبع مظاهر هذا الأدب في كتب التفسير ، وكيف استفاد هذا المفسر أو ذاك من معرفته وعنايته بالأدب في صياغة كتابه في التفسير، وانتقائه لعباراته ولا سيما في مختصرات التفسير .
وإنني لأؤمل من بث مثل هذه المسائل ونشرها بين طلبة العلم، بواسطة الكتابة والحديث في مجالس العلم أن نعيد لمجالسنا ذاك البريق الأخاذ لأدبنا العربي عندما نستثمره في مدارسة كتاب الله ، والتذوق لبلاغته، وقد تتبعت كثيراً من دواوين الأدب لكبار أدباء العربية كالجاحظ وابن قتيبة وأبي علي القالي في أماليه وما يرويه عن شيخه الراوية اللغوي أبي بكر بن الأنباري ما يدل على عنايتهم بتوظيف الأدب في فهم القرآن كلما سنحت لهم سانحة في مجالسهم وأماليهم ومؤلفاتهم، فقربوا الأدب للناس، وحببوا فهمه للطلبة عندما ربطوه بكتاب الله العظيم .
وقد خطرت لي فكرة ذات يوم حول هذا الموضوع، طرحتها في حلقة ضمن حلقات برنامج (أهل التفسير) تحت عنوان (أدب المفسرين) ، فكان رجع صداها مشجعاً للاستمرار في هذا الموضوع ، وطرح المزيد من الأفكار حوله ، حتى نجعل هذه الأداة البديعة (اللغة العربية) طيعة في يد من يريد فهم القرآن الكريم بلغته التي نزل بها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وما أجمل أن تُطرح في مجلس من المجالس قصيدةٌ مختارة مليئة بشواهد التفسير ، وذات معانٍ عالية حافلة بمكارم الأخلاق، يتذوقها أصحاب الأذواق الرفيعة وهم كثيرون ، وقد جربت هذا مراراً ، فأجد الإصغاء من الجميع ، وبينما أنت تشرح لهم معاني هذه الأبيات ومفرداتها، إذ بك تشير إلى أن هذه اللفظة بهذا المعنى قد وردت في القرآن في قوله تعالى كذا وكذا ، فأجد لها من الأثر على مخايل أهل المجلس ووجوهم ما يدل على استحسانهم وفرحهم بهذه الفائدة أكثر مما لو ابتدأتهم بتفسير تلك الآية .
وقد ذكر أهل التراجم عن الواحدي المفسر أنه أكثر من الاختلاف إلى شيخه أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن مالك السهلّي الأديب أبو الفضل العروضي الصفّار الشافعي الذي أخذ عنه اللغة والأدب ، فقال له شيخه الصفار هذا : حتام أنت تقرأ علي هذه الدواوين ، وتدع هذا العالم الجليل الذي يقصده الطلبة من كل مكان يأخذون عنه التفسير يعني الثعلبي المفسر ؟
فقال الواحدي : إنما أتوسل بها لذاك .
أي إنما أتَّخذُ العلمَ باللغة ، والتعمقَ في دراستها وسيلةً لدراسة التفسير والتميز فيه ، فلما طلب الواحديُّ علم التفسير على الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي كان من أميز طلبته وأنبغهم ، وقد ظهر ذلك في كتابه (البسيط في التفسير) .
وقبل الواحدي كان الإمام محمد بن جرير الطبري من أعلم أهل زمانه باللغة والشعر، وكان يحفظ نوادر دواوين الشعراء كالطرماح بن حكيم الخارجي ويشرحه للطلبة في وقت كان القائمون بذلك قليل في العلماء ، وهو حينها في ريعان شبابه في رحلته الثانية لمصر .
وللطبري في الكتابة أسلوب بديع قل أن تجد له نظيراً ، ولذلك يقول الذهبي في ترجمته :(ولابي جعفر في تآليفه عبارة وبلاغة ، فمما قاله في كتاب (الآداب النفيسة والاخلاق الحميدة) : القول في البيان عن الحال الذي يجب على العبد مراعاة حاله فيما يصدر من عمله لله عن نفسه، قال: (إنه لا حالة من أحوال المؤمن يغفل عدوه الموكل به عن دعائه إلى سبيله، والقعود له رصدا بطرق ربه المستقيمة، صادا له عنها، كما قال لربه عز ذكره إذ جعله من المنظرين: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم) طمعا منه في تصديق ظنه عليه إذ قال لربه: (لئن أخرتني إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا) فحق على كل ذي حجى أن يجهد نفسه في تكذيب ظنه، وتخييبه منه أمله وسعيه فيما أرغمه، ولا شئ من فعل العبد أبلغ في مكروهه من طاعته ربه، وعصيانه أمره، ولا شئ أسر إليه من عصيانه ربه، واتباعه أمره) فكلام أبي جعفر من هذا النمط، وهو كثير مفيد) أ.هـ كلام الذهبي.

وسأجتهد في هذه الزاوية بإذن الله في تفصيل مظاهر أدب المفسرين في كتبهم وتراجمهم ، وأختار من نوادر شروحهم للشعر في كتب التفسير وغيرها ما يدل على حذقهم وبيانهم وعلمهم ، عسى أن يُقبل على هذا النمط من العلم من كان في طبعه نفورٌ منه ، ويطرب له من كان محبيه .
ورحم الله ابن جزي الكلبي المفسر الأديب الشاعر ، المتوفى شهيداً في معركة طريف عام 741هـ صاحب كتاب (التسهيل لعلوم التنزيل) القائل :
[poem=font="Traditional Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لكل بني الدنيا مرادٌ ومقصدٌ = وإنَّ مُرادي صحةٌ وفراغُ
لأبلغَ في علم الشريعة مبلغاً = يكون به لي للجنانِ بلاغُ
ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى = وحسبي من الدنيا الغرور بلاغُ
فما العيش إلا في نعيم مؤبدٍ = به العيشُ رغدٌ والشرابُ يُساغُ[/poem]
كما أرجو أن نوفق مع أهل الأدب والعربية في هذا الملتقى العلمي البديع لطرح موضوعات أدبية تعين على الارتقاء بالذوق الأدبي، وتأخذ بقارءها وكاتبها قبل ذلك إلى ظلال أدب لغة القرآن، وأفياء هذه اللغة الشريفة، التي أجد لها من الحب في قلبي كلذع الشوق في قلوب المحبين ، كما قال شاعرهم :
[poem=font="Traditional Arabic,6,blue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةً = حباً لذكركِ فليلمني اللوَّمُ [/poem]

في 23/3/1428هـ
 
[align=center]الشيخ الفاضل عبدالرحمن الشهري ؛ بارك الله في سبقكم الأصيل , وفي كلامكم الجميل ؛

فالطالب للتفسيرِ المُغلَّفِ باللغةِ الحكيمةِ الموشحةِ بكلام العربِ تجده وقد أدَّبته اللغةُ , وأكرمه التفسيرُ , وأصلته الأحكامُ

المستنبطة من ذلك ؛ ليخرج لنا عالماً نعتز بعلمهِ ؛ لتشعب فكرهِ , مما هو أصل في جميع العلوم العربية .


الأمرُ في خاطري فسبقتموني إليه , وأجدتم ؛ فهو منهجٌ يضفي للشرح رونقاً , ويعطي للأدب مكاناً رفيعاً حين خالط

حديثه مجالس القرآنِ والتفسيرِ , منهجٌ نود أن يطبقه العلماء دون إسرافٍ , وأن يتشربه الطلاب باحترافٍ , وأن يوفق كل

من سعى إليه .



نفع الله بعلمكم .
[/align]
 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
سلمت أيادي سطرت هذه الكلمات ، قد كنت في انتظار شديد لمشاركة من أعضاء هذا الملتقى الطيب، فلما رأيته أُميت أحييته بهذه المشاركة
ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى : " وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ."
قوله تعالى: " وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ }"
أي حُبّ العجل. والمعنى: جعلت قلوبهم تُشربه، وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكّن أمر العجل في قلوبهم. وفي الحديث: " تُعْرَضُ الفِتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً فأيّ قَلبٍ أشرِبَها نُكِت فيه نُكتةٌ سوداء " الحديث، خرّجه مسلم. يقال أُشرِب قلبَه حبَّ كذا؛ قال زهير: فصحوتُ عنها بعد حُبٍّ داخلٍ والحبُّ تُشرِبُه فؤادَك داءُ
وإنما عبرّ عن حُبّ العجل بالشُّرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها، والطعام مجاور لها غير متغلغل فيها. وقد زاد على هذا المعنى أحد التابعين فقال في زوجته عَثْمَة، وكان عَتَب عليها في بعض الأمر فطلّقها وكان مُحِباًّ لها:
[align=center]تغلغل حُبُّ عَثْمَة في فؤادي ***** فباديه مع الخافي يسير
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ***** ولا حزن ولم يبلغ سرور
أكاد إذا ذكرتُ العهد منها ***** أطير لَوَ أن إنساناً يطير
[/align]
 
حبذا لو يذكر المنهج الذي من خلاله يرتقي الذوق الأدبي عن طالب التفسير ، وسيكون هذا أهم ثمرة أثمرها طرح مثل هذا الموضوع
نفع الله بكم
 
الحديث ذو شجون يا شيخ عبد الرحمن....أسأل الله تعالى أن ييسّر لي عودة قريبة لموضوعكم الكريم.
 
جزاكم الله خيراً جميعاً على تشجيعكم ، وأرجو أن أواصل طرح حلقات هذا الموضوع تباعاً عن قريب بإذن الله .
 
قال الإمام الثعالبي : " من أحبّ الله تعالى أحب رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، ومن أحبّ الرسول العربيّ
أحبّ العرب ، ومن أحبّ العرب أحبّ العربية التي نزل بها أفضل الكتب ، على أفضل العرب والعجم ، ومن أحب
العربية عني بها ، وثابر عليها وصرف همته إليها " 1

يا ليت مزن الشيخ عبد الرحمن تمرّ على عبارة الإمام الثعالبي ، فتجود بوابل شِهْريّ ، تتفتح له أزهارُ
الفصاحة والبلاغة ...فنشتم أريج البيان .. وشذا أهل القرآن ...وحينها واجبٌ أن ترتفع الأكف داعية
للشيخ بالرحمة والغفران..
ويا ليت ابن الشّجري يكونُ معنا فنفوز فوزا عظيما.

...............................................................

1)فقه اللغة : الثعالبي ، ص 25 (تحقيق د.جمال طلبة)
 
عودة
أعلى