أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
صدر حديثا ( أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية ) لأبي عبد الرحمن محمد بن محمود بن إبراهيم عطية ، عن مكتبة السنة بالقاهرة .
وهذا ملخص البحث :
ملخص
أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ؛ أما بعد :
فالحرب شطر العلاقات الخارجية لأي دولة ؛ إذ العلاقة بين الدول إما سلم أو حرب ؛ وتعد الحرب أهم ركني العلاقة ، إذ على إثرها تتغير أحوال الدول سلبًا أو إيجابًا حسب نتيجة الحرب .
وللحرب علاقة بالجهاد في الإسلام ، فالإسلام لا يخوض حربًا إلا في سبيل الله ، والقتال في الإسلام له ضوابط وأخلاق ؛ هي من دين الله كما أن الجهاد هو ذروة سنام هذا الدين .
وأحرى بمن يتناول الحديث عن ( أخلاقيات الحرب ) أن يتحدث أول ما يتحدث عن تلكم الأخلاقيات التي علمها النبي  جيشه الذي خرج ليقاتل في سبيل الله ، فيخوض حروبا ما عرفها التاريخ من قبل ، حروبا على شدتها وضراوتها تحمل أخلاقًا لا تتعداها ، فيفتح المسلمون قلوب أهل البلاد بتلكم الأخلاق ، قبل أن يفتحوا بلادهم بسيوفهم .

ولما كان الكلام في أي مبحث يحتاج إلى بيان لمفرداته لتتضح معالمه وتظهر أبعاده وتكتمل صورته ، كان لابد من تمهيد يتحدث عن المفردات الأربعة ( أخلاقيات – حرب – سيرة – نبي ) .
ثم لما كانت الحرب تشكل شطر العلاقات الخارجية للدول ، كان لابد أن نتحدث عن أصل هذه العلاقة بين الدول في الإسلام ، فكان الحديث في الباب الأول عن ( علاقة دولة الإسلام بغيرها من الدول ) .
ولأن للحرب علاقة بالجهاد في الإسلام ، فقد جعلت الباب الثاني في الحديث عن ( الجهاد في الإسلام ) .
ثم كان الباب الثالث ( أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية ) بعد أن اتضحت الصورة وانجلت أبعادها .

وقد تناولتُ في التمهيد الحديث عن الحرب وأسبابها ، وأنواع الحروب ، وهل لابد من الحرب ؟ ومعنى أخلاقيات ، ومعنى الحرب ، وأخلاقيات الحرب ، ومعنى السيرة ، ومعنى النبي .
ولما كان الباب الأول في الحديث عن العلاقة الدولية بين دولة الإسلام وغيرها من الدول ، كان لابد من الحديث عن عالمية الدعوة ، وأن الله تعالى شاء أن تكون الدعوة الإسلامية التي أنزلها على نبينا محمد  دعوة عالمية ورسالة خاتمة للرسالات السابقة ؛ أراد الله تعالى لها أن تكون دعوة إنسانية موجهة للبشر جميعًا ، لا تخاطب أقوامًا بأعيانهم ولا جنسًا بذاته ، رضيها الله تعالى للناس دينًا ، فكانت هي الدين الكامل الذي أتمَّ الله تعالى به علينا النعمة فقال : { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا } ( المائدة : 3 ) ، وقد تواردت النصوص الشرعية بدلالتها القاطعة على عموم رسالة الإسلام وعالميتها منذ بداية الدعوة ؛ وسيرى القارئ في هذا الفصل بيانا شافيا لهذا الموضوع بإذن الله تعالى .
وكان الفصل الثاني من هذا الباب في بيان أن الأصل في علاقة دولة الإسلام مع غيرها من الدول هو ( الدعوة ) أي عرض الإسلام عليهم عرضًا صحيحًا يقيم الحجة ويقطع العذر ، هذا أصل العلاقة التي ينبني عليه السلم أو الحرب في الإسلام .

فإن كانت العلاقات الدولية الوضعية – في القديم والحديث – تقوم على الأنانية وحب الذات والمصلحة الخاصة ، ولا تقيم وزنا للقيم الأخلاقية ولا المبادئ الإنسانية ولا المعاهدات والمواثيق الدولية .
فإن علاقة دولة الإسلام بغيرها من الدول تقوم في الأصل على الدعوة إلى الله تعالى الذي ينبني عليها علاقة الحرب أو السلم ، فإن هم قبلوا الإسلام وأذعنوا لرب الأرض والسماء كانوا من المسلمين ، وإن أبوا ودفعوا الجزية ولم يحاربوا دين الله ولم يصدوا عن سبيله  ، كانوا أهل ذمة معصومي الدم والمال ، وإن عقدوا عهد هدنة مدةً لا حرب فيها ، كانوا أهل عهد ، وإن أبوا إلا حرب الإسلام ورفضوا الانصياع لأمر الله تعالى وصدوا عن سبيله ، فهم أهل حرب .
فعلى هذا أقام الإسلام قواعد العلاقات الدولية بين الناس على افتراض أنهم إمَّا مؤمنون ، وإما معاهدون ، وإما لا عهد لهم ؛ وإنما اتضحت هذه العلاقات بعد ظهور موقف هؤلاء من الدعوة الإسلامية ؛ فعلاقة المسلمين بغيرهم من الأمم الأخرى - على اختلاف ألوانها ولغاتها وأديانها - ليست في حقيقتها علاقة سلم ولا علاقة حرب ابتداءً ، وليس الأصل هو السلم مطلقًا ، وليس هو الحرب مطلقًا ، وإنما هي علاقة دعوة ؛ وإنما تكون العلاقة بعد ذلك علاقة سلم أو حرب ، ويكون الأصل هو السلم أو الحرب ، بعد تحديد موقف الأمم والدول الأخرى من دعوة الإسلام قبولاً أو رفضًا . ولذلك يقول الدكتور الغنيمي : إن علاقة الدولة الإسلامية بأيٍّ من دول دار المخالفين تتوقف على سياسة تلك الدول من الدعوة الإسلامية ؛ وتلك لعمر الحق بدهية من بدهيات السياسة الدولية .
وفي هذا الفصل عرضٌ فيه بيان لهذه المسألة بفضل الله تعالى .

ثم كان الحديث في الباب الثاني عن الجهاد ومعناه وعلاقته بالحرب ومراتبه وحكمه وحقيقته وأطواره وأنواعه وأهداف القتال في الإسلام ، ثم الحديث عن القتال في التوراة والإنجيل والقرآن ، والرد على شبهات وافتراءات يوردها أعداء الإسلام على فريضة الجهاد ؛ وبيان أن الطعن الدؤوب في الجهاد من أعداء الإسلام أخذ أشكالا عديدة ؛ منها محاولة إبطاله بالكلية ؛ ومنها ادعاء أن الجهاد لم يكن الباعث عليه الدين وإنما كان مصالح اقتصادية ومغانم دنيوية ؛ كما حاول البعض قصر الجهاد على الدفاع فقط ؛ وأخيرًا الفرية المشهورة المتجددة ( الإسلام انتشر بالسيف ) ، وقد حاولت جهدي أن أعرض للشبهة ورد علماء الإسلام عليها ، ونقلت ما أمكن نقله من ردود المنصفين غير المسلمين ؛ لنقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
ثم كان الباب الثالث وهو بيت قصيدنا ولم يكن ما قبله إلا تمهيدًا له وجلاء لأمره وبيانًا لشأنه وهو ( أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية ) الذي هو بيان لجزء من رحمة الإسلام ؛ فحتى في الحرب والتي يعتقد كثير من الناس أنه لا أخلاق لها ولا رحمة فيها ؛ ففي الإسلام لها أخلاق ، وفيها مع شدة وقعها نشر للعدل وإزاحة للطغيان الذي يمنع وصول الحق للناس ؛ وفي ذلك - بلا شك - رحمة ؛ فإن رفع الظلم وإزاحة الظالم رحمة للمظلومين .
والمراد بأخلاقيات الحرب تلك الأخلاقيات التي تشكل مبادئ وقواعد إنسانية في أوقات الحرب ؛ من احترام للعقود والمواثيق ، وحسن معاملة الأسرى ، وعدم قتل النساء والأطفال ومن لا يقاتل أو يشارك في القتال ... إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وليس غريبا على الإسلام أن يكون له أخلاقيات في الحرب وإن لم يعرفها أعداؤه ... إنه دين الله الذي جعل الأخلاق أصلا من أصوله ليست مادة ترف ، يلوكها من يلوكها بلسانه .. إنها منهاج حياة .
فقد انتشر الإسلام في ربوع العالم واعتنقته الشعوب طواعية لا عن إكراه ، شهد بذلك الموافق والمخالف ؛ يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه ( حضارة العرب ) وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده  وفى عصور الفتوحات من بعده : إن القوة لم تكن عاملا في انتشار القرآن ، فقد ترك العربُ المغلوبين أحرارًا في أديانهم ، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلامَ واتخذوا العربية لغة لهم ، فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين ، ولما عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفونها من قبل .
قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند - التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها .. ولم يكن الإسلام أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط ، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليونا في الوقت الحاضر . ويقول في موضع آخر : فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ، ولا دينا سمحا مثل دينهم ؛ ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول : وكان عرب أسبانيا - خلا تسامحهم العظيم - يتصفون بالفروسية المثالية ؛ فيرحمون الضعفاء ، ويرفقون بالمغلوبين ، ويقفون عند شروطهم ، وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرًا .
وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام ، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود - الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها - سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم ، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى ، أوليس هذا منتهى التسامح ؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى ؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهاد اليهود ؛ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا أنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية ، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب : إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة وهم لا يستخدمون معنا أي عنف .ا.هـ .
فهذا هو الإسلام ، وتلك حضارته في واقع التاريخ ، وفي كلام مخالفيه .
شهد الأنام بفضله حتى العدا والفضل ما شهدت به الأعداء

إنَّ القتال في الإسلام - كغيره من التشريعات الإسلامية - يقوم على أسس أخلاقية تربى عليها قادة وجنود جيش المسلمين ؛ أخلاقيات تظهر فيهم أنفسهم ، وفي علاقتهم بعضهم ببعض ، وأخرى تظهر مع من يحاربونهم قبل القتال ، وفي أثناء القتال ، وبعد القتال ؛ وسيرى القارئ في هذا الباب ما يجعله يندهش من أخلاقيات الإسلام حتى في الحروب مع أعدائه .

فلا يَأْخذ العدو على غرة قبل أن ينبذ إليه على سواء ؛ فلا يغدر بعهدٍ عقده معه ؛  وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ  ( الأنفال : 58 ) . ونهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ ومن لا يقاتل من المدنيين ؛ بل ويرتفع الإسلام بالمسلم إلى ذروة الإنسانية حين يأمره بأن يعمل على توفير الأمن للمشرك الخائف وحمايته وإيصاله إلى بلده ومأمنه :  وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ  ( التوبة : 6 ) .
هذه أحكام الإسلام في القتال وهي أحكام -كما ترون- أخلاقية عادلة ، ولا توجد أية شريعة تضاهيها خلقًا وعدالة ، ومع هذا نجد هناك محاولات من الغرب لتشويه الجهاد الإسلامي بغرض إلغائه وإلغاء حق المقاومة المشروع في دنيا يشيع فيها قانون الغاب ، ويراد للمسلمين فيها أن يظلوا الشياة لمطامع الذئاب .

إن الناظر بعين الإنصاف إلى حروب الإسلام يجد أن للحرب في الإسلام أخلاقيات لم ترق إلى معشارها دساتير العصر الحديث ، ولا اتفاقية جنيف ؛ فقد تقدم الإسلام بخطى واسعة في هذا المجال ولا يمكن أن يدركه قانون أو يقترب منه تشريع .
إن جميع الحروب في الإسلام لم تكن تعشق الدم أو تحب القتل أو تسعى في هدم أو دمار ، فلا اغتصبت امرأة على مدار التاريخ الإسلامي ، ولا أهين رجل بغير وجه حق ، ولا انتهكت حرمة فتاة ولا عبث فيها بذوات الخدور ، لم تُدمر الديار ولم يُرتكب عار أو شنار ، ولم تُزهق النفوس البريئة ، ولا ضرب حجر في غير موضعه فأصاب آلاف الأبرياء ؛ ولم يكن للفاتحين المسلمين سجون يعذب فيها أحد بألوان العذاب .
الله الله في حروب الإسلام ، إن التاريخ ليزهو والزمان ليفتخر أن كان ثمة مسلمون مقاتلون .
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ؛ ثُمَّ قَالَ : " اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا ، وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تَمْثُلُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ؛ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ " ؛ وكان  فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : " انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ؟ " فَجَاءَ فَقَالَ : عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ ؛ فَقَالَ : " مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ " وَكَانَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : " قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا " ، وهكذا فعل خلفاؤه الأشاوس والتابعون وتابعوهم ، وهذا صلاح الدين الأيوبي يوم فتح القدس أمَّن أهلها على دورهم وأرواحهم ، وأمر بالبحث عن طفل ضاع من أمه - فهي تبكي بكاء مرًا - حتى أحضره إليها وطمأن قلبها .
شُرع الجهاد في الإسلام رحمة بالضعفاء ، ونصرة للمظلومين ، وعدالة للمغلوبين ، وهداية للحائرين ؛ وإذا كنا قد سمعنا أو شاهدنا جرائم أعداء الإسلام في حق الشعوب المسلمة قديمًا وحديثًا فإننا نجد في المقابل صورًا رائعة من سمو أخلاق الفاتحين المسلمين حين ملكوا وقادوا :
ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فلا عجبًا هذا التفاوت بيننا ... فكـل إناء بالذي فـيه ينضح​
يكاد يجمع أهل العقول على أن الأزمات والنكسات التي تعرضت وتتعرض لها البشرية من جراء الحروب إنما هي وليدة أزمة أخلاق ، إذ الأخلاق هي النظام الأساس في حفظ حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليهم ، واعتبار آدميتهم حتى إذا نشبت الحرب .
وهذا ما جاء به الإسلام الحنيف للبشرية جميعا ليضع حدًّا لما وصلت إليه المجتمعات الجاهلية من خرق لكافة القيم الإنسانية بالقتل والسلب وإهلاك الحرث والنسل .
لهذا نرى الإسلام قد وضع قواعد وأسس أخلاقية عامة يمكن من خلالها الحد من نشوب الحروب ، وإمكانية التقليل من الخسائر حتى عند اشتعالها .
ألا ما أبأس البشرية في حياتها بعيدة عن منهج السماء .. ألا ما أحوج البشرية اليوم وهي قلقة حائرة ، شاردة في متاهات المادية ، وجحيم الحروب ، وجفاف الأرواح والقلوب إلى أن تتنسم رحمة الإسلام وتعي منهج رسالته .
هذا ملخص يجد القارئ تفصيله في هذه الرسالة التي أسأل الله تعالى أن يتقبلها مني وأن يجعل لها القبول في الأرض ، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها والدال عليها إنه سميع مجيب ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية​
 
عودة
أعلى