أحكام القرآن للقاضي اسماعيل الجهضمي وتفسير الطبري في الغرب الإسلامي

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع موراني
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

موراني

New member
إنضم
10/05/2004
المشاركات
1,236
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
ألمانيا
يُعْـتبر ” الذبّ عن مذهب مالك في غيْر شيء من أصوله وبعض مسائل من فروعه وكشْف ما لبّس بَعْضُ أهْل الخلاف وجهله مِنْ مَحاجّ الأسلاف “ لابن أبي زيد القيرواني المتوفى ٣٨٦ هـ من أقدم المخطوطات الأصلية التي وصلت إلينا من مؤلّفه مباشرا إذْ سمعه تلميذه ” محمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف الأندلسي وكتبه بيده بمدينة القيروان من كتاب الفقيه أبي محمد بن أبي زيد وذلك في صدر شعبان سنة إحدى وسبعيـن وثلاثمائة ” - كما جاء في آخر الجزء الثاني من الكتاب ، أي ١٥ عاما قبل وفاة المؤلف . هذا المخطوط الفريد محفوظ في رصيد مكتبة Chester Beatty وقام بتحقيقه وبدراسة مفصَّلة عليه بـمجلدين د. محمد العلمي عام ٢٠١١ (مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث . الرابطة المحمدية للعلماء . الرباط ، المغرب) . وجدير بالذكر أنّ بيـن الجزء الثاني والثالث في المخطوط إضافات قيمة للمؤلف وبخط تلميذه المذكور ، وهي لم تكن موضوع التحقيق ، بل تم الإحالة إليها في المقدمة عند وصف المخطوط من طريق عرض المصورات الأصلية ( ج ١ ، ص ٢٤٢ - ٢٤٩ ) .

من بيـن هذه الإضافات المدرجة بيـن الجزئـيـن رسالةُ ابن أبي زيد في طَلَب العلْم ووصيته لبعض طلبته قبل خروجهم إلى المشرق والعراق . ونظرا إلى أنني قمت بإخراج هذه الرسالة وبتعليق عليه بمناسبة أخرى عام ١٩٩٧ أكتفي في هذا المكان بذكر ما جاء فيه حول كتب التفسير فحسب .

يقول الفقيه ابن أبي زيد القيرواني :
... وإنْ دخلْتَ العراق فاكْـتُبْ في مسائل الخلاف ما تجد لأهل الوقت من الحجّة والاستدلالات . وإنْ رَغِبْتَ في شيء من التفاسير فتفسيرُ لاسماعيل القاضي إنْ كان يوجد . وأمّا تفسير محمد بن جرير فبلغني أنّه حسنٌ ، ولا أَدري محلّ الرجل عند أهل بلده في التمسّك ، وبعض الناس يتّهمه وأنا لا أحقّق عليه . ولاسماعيل كتاب الشواهد ، فإنْ وُجد لكان حسنا . والـمنهوم في الكتب لا يشبع ...

يقصد ابن أبي زيد بالتفسير لاسماعيل بن إسحاق الجهضمي المالكي (ت ٢٨٢ هـ) كتاب ” أحكام القرآن“ للقاضي إسماعيل الذي كان متداولا بالقيروان في أواخر القرن الثالث الهجري . وفي آخر سورة المؤمنيـن في هذا الكتاب سماع مؤرخ على جمادى الآخرة من سنة اثنتـيـن وثمانــيـن ومائتـيـن (أنظر تحقيق القطع المتفرقة للكتاب المحفوظة بالقيروان والدراسة عليها بقلم د. عامر حسن صبري ، ص ٥٥ ( دار ابن حزم ، بيورت ٢٠٠٥ ) . انتشر هذا الكتاب برواية أعضاء عائلة القاضي اسماعيل في مصر من طريق ابراهيم بن حماد بن اسحاق (ت ٣٢٣ هـ) من ناحية ، ومن طريق ابن هذا الأخير وهو القاضي أبو عثمان أحمد بن ابراهيم بن حماد (ت ٣٢٩ هـ ) من ناحية أخرى . التقى ابنُ أبي زيد به أثناء رحلته في طلب العلم في مصر وحدّث عنه . ولا يُسْتبعد أنّ أحكام القرآن قد رُوي بالقيروان برواية ابن أبي زيد أيضا ، واعتمد على كتب القاضي اسماعيل إذْ له اقتباسات منها في كتبه في الفقه المالكي مثل النوادر والزيادات .

أما التفسير للطبري فلم يكن معروفا لابن أبي زيد ولم يطلع عليه كما يبدو ، بل كان لديه علْم يسير فقط بأحوال الطبري الاجتماعية في المشرق وباختلاف الناس حول منزلته في العلوم . ربما يعود السبب لذلك إلى أنّ الطبري أسس في آخر حياته مذهبه الخاص الذي سماه تلاميذه بالجريرية . إلا أنّ الكتب التي ألّفها في مذهبه ما زالت في حكم المفقود : وَرَدَ بعض عناوينها عند السبكي في طبقاته وعند ابن عساكر في تأريخ مدينة دمشق.

أوّل مَنْ أدخل تفسير الطبري في الغرب الإسلامي هو القنازعي ، عبد الرحمن بن مروان القرطبي ( ت ٤١٣ ؛ أنظر فهرسة ابن خير الإشبيلي ، ص ٥٨ ، سرقسطة ، ١٨٩٣ ؛ المعجم المفهرس لابن حجر العسقلاني ، ص ١٠٨ ، تحقيق أبو محمود المياديني ١٩٩٨) برواية أبي الطيّب أحمد بن سليمان الجريري ( ت ٣٦٧) تلميذ الطبري . وأقدم المخطوطات المؤرخة من ذلك العصر على الرقّ محفوظة في مكتبة القرويّـيـن بفاس ، المغرب ، التي وصفها د. عبد الله بن عبد المحسن التركي في مقدمة إخراج تفسير الطبري في ج ١ ، ص ٦٣-٧٦ (القاهرة ، ٢٠٠١ ) ويذكر في هذه المجموعة تحبيس الجزء الثاني من التفسير بتأريخ ٣ رمضان عام ٣٢٧ هـ (ص ٦٤). وجزء آخر مبتور نُسخ عام ٣٩١ هـ ، غير أنّ المحقّـق لم يذكر هذا التأريخ في وصفه للمخطوطات الكثيرة التابعة للقروييـن (ص ٦٦) .

جالس القنازعي ابنَ أبي زيد بالقيروان بعد عودته من المشرق وسمع كتاب ”الذبّ “ في تلك الحلقة التي نسخها التلميذ الأندلسي (المجهول) فيها هذه النسخة . وجاء ذكر القنازعي في السماع في آخر الجزء الأول في المخطوط . إلا أنّ الأخبار لا تفيدنا بروايته تفسيرَ الطبري بعد رحلته إلى المشرق بالقيروان . وفي نفس العام ، أي ٣٧١ هـ ، رجع القنازعي إلى مدينة قرطبة وكانت له فيها حلقة كبيرة .

أما الشواهد للقاضي اسماعيل فهو شواهد موطأ مالك بن أنس ، وهو ”كتاب غريب كبير عظيم“ حسب قول القاضي عياض اليحصبي (ترتيب المدارك ، ج ٤ ، ص ٢٩٢ ).
 
أشكر الأستاذ موراني على هذا التحقيق ولي عليه تعليقات هامشية أولها أن أقدم مصادرنا عن المؤلفات على (مذهب ابن جرير) هو الفهرست للنديم (أو ابن النديم في قول) فقد أفرد له فصلا خاصا وكان من المؤلفين المكثرين على (مذهب ابن جرير) أو (الجريرية) كما سماه بعضهم هو المعافى بن زكريا وقد سرد لنا النديم مؤلفاته أيضاً. وثاني التعليقات هو ما فهمته من النص الذي أورده الأستاذ موراني لابن أبي زيد فهو يتساءل فيه عن تعديل ابن جرير عند أهل صقعه من حيث الالتزام والاتباع فابن أبي زيد يعني بقوله (في التمسّك) أي الالتزام بالسُنّة والعدالة في الدين وقد بدا أن ابن أبي زيد يشكّ في ما نمى إلى سمعه من طعن في ابن جرير سببه الحنابلة الذين كانوا في ذلك العصر يشبهون متطرفي السلفية في عصرنا فقد نقموا من ابن جرير أنه لم يذكر قول أحمد في كتابه (اختلاف الفقهاء) وقيل إنه أجاب حين سئل أنه ليس معدودا في الفقهاء وأن قوله ليس مما يعبأ به في الخلاف. لقد كان للتعصب المذهبي دور في اختفاء كتب مهمة وما زال القسم الأكبر من كتاب الطبري (اختلاف الفقهاء ) مفقودا. لقد أصيب الحنابلة بالغرور بعد الانقلاب السني على المعتزلة في أيام المتوكل ولم يكن حظ ابن جرير حسنا أن جاء في تلك الفترة حيث حرموه من حقه في إبداء رأيه في عالم من العلماء ووصلت أقوالهم في الطعن فيه إلى الأندلس وشمال إِفريقية في تلك الفترة المبكرة. والذي يريد أن يعرف بداية تشكّل الموقف المتشدد الذي سيستمرّ لفترة تزيد على ألف سنة بين الحنابلة وأهل الحديث فعليه بقراءة مقدمة تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة الدِّينَوَري فقد ألفه في بداية (الانقلاب السني على المعتزلة). وقد تجاوزت النقمة المعتزلة لتطول كل من لم ينخرط في انفعالات الحنابلة في الرفع من شأن أحمد بن حَنْبَل فوق سائر العلماء وكل من لم يسر خلف أقوالهم على عماه. هذا ما يفسّر لنا ما حلّ بابن جرير حتى رميت داره بالحجارة وحتى لم يصلوا عليه.
 
الشكر الجزيل للدكتور الصالح على تعليقاته القيمة
في عام ١٨٩٥ قبل النشر الأول لتأريخ دمشق لابن عساكر ذكر جولدزيهير في دراسة له أن ابن عساكر ذكر عناوين الكتب الطبري لم ترد عند ابن النديم


[تمت المشاركة باستخدام تطبيق ملتقى أهل التفسير]
 
عودة
أعلى