سالم سرور عالي
New member
- إنضم
- 15/04/2006
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أحكام السُّقوط في القليب !
من يُقلِّب صفحات السيرة النبوية لا مناص له من قراءة أحداث وقصص عن موارد المياه ، فقد كانت البئر أو القليب من الأماكن التي يُخيِّم حولها المسافرون بين البلدان للراحة والتزوُّد واطعام الرواحل .
فقد عُرف واشتهر في السيرة النبوية : بئر زمزم وبئر بضاعة وبئر الحوأب وبئر رومة وبئر ذروان ، وبئر ناقة صالح عليه السلام ، وغيرها من البِئار .
ومن عناية الفقهاء بأحكام البئر تحديدهم لحريم البئر ، فقد جعلوا لها خمسين ذراعاً من كل جهة . وهي مرافق البئر التي تكون لصاحب البئر ، فينتفع بها ولا يحق لغيره الانتفاع بها إلا بإذنه .
والفرق بين البئر والجُب والقليب :
أن البئر يكون الماء فيها مرتفعًا ، أما الجُبُّ فالماء يكون فيها منخفضاً ، والقليب هي البئر القديمة المهجورة . وهذا من الأحكام الضمنية التي لا تُعلَّل .
واليوم مع سهولة الحفر بالمكائن الحديثة عند الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة ، تعدَّدت الآبار في المدن والصحاري ، وبات بعضها بعيداً عن الحفظ والصيانة ، وقد يُحفر بعضها بدون علم الجهة المخوَّلة بإذن الحفر ، فكثرت الحوادث والشكاوى التي امتلأت بها المحاكم لينظر فيها القضاة وأهل الإفتاء ، " وكان الله على كُّل شيءٍ مُقيتا " ( النساء : 85 ) .
ومن العجائب أن حوادث السُّقوط في البِئار نادرة في البلاد الفقيرة ، لأنها محفوظة ومحروسة بالاستقاء منها وصيانتها ، بينما تكثر في البلاد الغنية لِقلة من يعتني بها ويحافظ على صيانتها لأبناء السبيل ، لا سِّيما مع توفر الماء في الأسواق وفي محطات الطرق الطويلة ، وكثرة الحاويات للمياه المنقولة . وهذا يُسمِّيه الأُصوليون قياس الدلالة ، لأن عِلله قد دلَّت عليها معانيه .
ومن العلوم الفقهية التي اندثرت مع ما اندثر من مصنفات السلف : علم عقود الأبنية ، وهو علم يبحث الأحكام والمعاني الفقهية للبناء وتحصيناته وكل ما يتعلَّق بضرره واصلاحه ، فهو علم وعمل . ولا حرج أن نُسمِّيه اليوم : الهندسة الفقهية ، لتحبيب الناس للنظر فيه وفهمه .
• وهذه خلاصة مهمة لأهم أحكام البئر الفقهية :
1- إذا حفر إنسان بئراً فلا يخلو : إما أن يكون في موات أو طريق أو ملك.
فإن كان حفر البئر في الموات أو في المفازة فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يضمن ما هلك فيها ؛ لأنه ليس فيه تعدِّ ، وفيه مصلحة للمسلمين ، واشترط بعض الفقهاء أن لا يكون الحفر في الصحراء في طريق المارة بحيث يحفر في وسط الطريق ، فلو حفر وسط الطريق حيث يمر الناس والدواب عليها يضمن ، وبهذا قيد الفقهاء ؛ لأنه قد لا يظهر في الظُّلمة . وإن حفر في مُلكه فالراجح أنه لا يضمن . وقد ثبت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " البئر جبار" متفق عليه .
2- الذي يضمن الدِّية هو من حفر في غير مُلكه، أو في ملكه وأذن في الدخول ولم ينبِّه على الضرر المحتمل .
3- عند حفر البئر إذا اجتمع المباشر والمتسبِّب يضاف الحكم إلى المباشر :
فالمباشر : هو الذي حصل الضرر بفعله بلا واسطة ، أي دون تدخل فعل شخص آخر مختار .
والمتسبِّب : هو الذي يحدث أمراً يؤدِّي إلى تلف شيءٍ آخر حسب العادة ، إلا أن التلف لا يقع فعلاً منه ، وإنما بواسطة أخرى ، وهو فعل فاعل مختار .
والمعنى: أنه إذا ترتب على فعلٍ مؤذٍ ضرر بآخر ، وكان قد اشترك في إحداث الضرر سببٌ بعيد - لا يؤثر بنفسه - وسبب مباشر في إيجاد الضرر ، فإن المباشر هو المسئول عن الضمان ، حتى ولو كان السبب البعيد متعدِّياً.
كمن حفر حفرة - متعدِّيا - ثم جاء آخر فدفع ثالثاً في الحفرة أو ألقى حيواناً فيها ، ضمن الدافع أو الملقي ، لأنه مباشر للتلف بالذات ، أما الحافر فهو متسبِّب فقط .
ومن اللطائف ما يُروى أن قوماً احتفروا بئراً باليمن، فسقط فيها رجلٌ، فتعلَّق بآخر، الثانى بالثالث، والثالث بالرابع، فسقطُوا جميعاً فماتُوا، فارتفع أولياؤُهم إلى عليِّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، فقال:" اجمعُوا من حفر البئر مِن الناسِ، وقضى للأول بُربع الدية، لأنه هلك فوقَه ثلاثة، وللثانى بُثلثها لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث بنصفهما لأنه هلك فوقَه واحد، وللرابع بالدية تامة، فأَتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم العامَ المقبلَ، فقصُّوا عليه القِصَّة، فقال : "هُوَ مَا قضَى بَيْنكُم " . أخرجهُ البزار بإسنادٍ حسن .
4- يلزم الضمان على من حفر البئر فتلف به آدمي حرٌ ،وتكون الدِّية على عاقلة الحافر أو المباشر حيًا أو ميتًا .
5- من حفر بئراً في الطريق الواسعة لمصلحة المسلمين ونفعهم أو في الموات ، فيجب عليه أن يجعل عليها حاجزاً تُعلم به ، لِتُتوقى .
وقد قال الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى : " من لم يسدّ بئره سدَّا يمنع الضرر ، ضمن ما تلف بها " .
6- يضمن الحافر في الطريق الواسع إذا كان الحفر لمصلحة نفسه ولم يأذن له وليُّ الأمر .
7- إذا اشترك جماعةٌ في حفر بئر فوقع فيه آدمي ضمنوا جميعاً بالشروط المتقدِّمة ، ويشهد له قضاء عليِّ رضي الله عنه .
8- ما تقوم به شركات المياه أو الاتصالات أو الزراعة من حفر حفر كبيرة وعميقة مهملة ، ينسحب حكمها على حكم الضمان للسقوط في القليب بشروطه .
9- إذا لم تُعرف هوية حافر البئر الذي سقط فيه آدمي فمات ، فدية المقتول على وليِّ الأمر ، من بيت مال المسلمين .
10- إذا مات إنسانٌ في بئر ولم يتمكن أحدٌ من إخراجه ، فإنه يُنزح من ماء البئر بقدر ما يُمكن منه اخراج رطوبة الميِّت ، ثم يُشرب ويتطهر منها بعدٌ ولا حَرج . ولا يجوز الشرب منها ما دام ماؤها متغيِّراً .
أما إن كانت قليباً مهجورة ولا ماء فيها ولا حولها ، فَتُدفن على من مات فيها، لحفظها من العُميان والغافلين ، وإكراماً لميِّتها .
وختاماً فإن التفريط في حِفظ البئار من الظلم والغش للمسلمين، بل هو من النصر الباطل الذي يظهر ما تُخفيه الأيدي العاملة . وقد قال الله تعالى : " وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب " ( الحديد : 25) ، وفي الحديث : " مثل الذي ينصر قومه بالباطل ، كمثل بعيرٍ تردَّى في بئر فهو يُجَرُّ بذنبه " . أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
( منقول )
من يُقلِّب صفحات السيرة النبوية لا مناص له من قراءة أحداث وقصص عن موارد المياه ، فقد كانت البئر أو القليب من الأماكن التي يُخيِّم حولها المسافرون بين البلدان للراحة والتزوُّد واطعام الرواحل .
فقد عُرف واشتهر في السيرة النبوية : بئر زمزم وبئر بضاعة وبئر الحوأب وبئر رومة وبئر ذروان ، وبئر ناقة صالح عليه السلام ، وغيرها من البِئار .
ومن عناية الفقهاء بأحكام البئر تحديدهم لحريم البئر ، فقد جعلوا لها خمسين ذراعاً من كل جهة . وهي مرافق البئر التي تكون لصاحب البئر ، فينتفع بها ولا يحق لغيره الانتفاع بها إلا بإذنه .
والفرق بين البئر والجُب والقليب :
أن البئر يكون الماء فيها مرتفعًا ، أما الجُبُّ فالماء يكون فيها منخفضاً ، والقليب هي البئر القديمة المهجورة . وهذا من الأحكام الضمنية التي لا تُعلَّل .
واليوم مع سهولة الحفر بالمكائن الحديثة عند الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة ، تعدَّدت الآبار في المدن والصحاري ، وبات بعضها بعيداً عن الحفظ والصيانة ، وقد يُحفر بعضها بدون علم الجهة المخوَّلة بإذن الحفر ، فكثرت الحوادث والشكاوى التي امتلأت بها المحاكم لينظر فيها القضاة وأهل الإفتاء ، " وكان الله على كُّل شيءٍ مُقيتا " ( النساء : 85 ) .
ومن العجائب أن حوادث السُّقوط في البِئار نادرة في البلاد الفقيرة ، لأنها محفوظة ومحروسة بالاستقاء منها وصيانتها ، بينما تكثر في البلاد الغنية لِقلة من يعتني بها ويحافظ على صيانتها لأبناء السبيل ، لا سِّيما مع توفر الماء في الأسواق وفي محطات الطرق الطويلة ، وكثرة الحاويات للمياه المنقولة . وهذا يُسمِّيه الأُصوليون قياس الدلالة ، لأن عِلله قد دلَّت عليها معانيه .
ومن العلوم الفقهية التي اندثرت مع ما اندثر من مصنفات السلف : علم عقود الأبنية ، وهو علم يبحث الأحكام والمعاني الفقهية للبناء وتحصيناته وكل ما يتعلَّق بضرره واصلاحه ، فهو علم وعمل . ولا حرج أن نُسمِّيه اليوم : الهندسة الفقهية ، لتحبيب الناس للنظر فيه وفهمه .
• وهذه خلاصة مهمة لأهم أحكام البئر الفقهية :
1- إذا حفر إنسان بئراً فلا يخلو : إما أن يكون في موات أو طريق أو ملك.
فإن كان حفر البئر في الموات أو في المفازة فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يضمن ما هلك فيها ؛ لأنه ليس فيه تعدِّ ، وفيه مصلحة للمسلمين ، واشترط بعض الفقهاء أن لا يكون الحفر في الصحراء في طريق المارة بحيث يحفر في وسط الطريق ، فلو حفر وسط الطريق حيث يمر الناس والدواب عليها يضمن ، وبهذا قيد الفقهاء ؛ لأنه قد لا يظهر في الظُّلمة . وإن حفر في مُلكه فالراجح أنه لا يضمن . وقد ثبت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " البئر جبار" متفق عليه .
2- الذي يضمن الدِّية هو من حفر في غير مُلكه، أو في ملكه وأذن في الدخول ولم ينبِّه على الضرر المحتمل .
3- عند حفر البئر إذا اجتمع المباشر والمتسبِّب يضاف الحكم إلى المباشر :
فالمباشر : هو الذي حصل الضرر بفعله بلا واسطة ، أي دون تدخل فعل شخص آخر مختار .
والمتسبِّب : هو الذي يحدث أمراً يؤدِّي إلى تلف شيءٍ آخر حسب العادة ، إلا أن التلف لا يقع فعلاً منه ، وإنما بواسطة أخرى ، وهو فعل فاعل مختار .
والمعنى: أنه إذا ترتب على فعلٍ مؤذٍ ضرر بآخر ، وكان قد اشترك في إحداث الضرر سببٌ بعيد - لا يؤثر بنفسه - وسبب مباشر في إيجاد الضرر ، فإن المباشر هو المسئول عن الضمان ، حتى ولو كان السبب البعيد متعدِّياً.
كمن حفر حفرة - متعدِّيا - ثم جاء آخر فدفع ثالثاً في الحفرة أو ألقى حيواناً فيها ، ضمن الدافع أو الملقي ، لأنه مباشر للتلف بالذات ، أما الحافر فهو متسبِّب فقط .
ومن اللطائف ما يُروى أن قوماً احتفروا بئراً باليمن، فسقط فيها رجلٌ، فتعلَّق بآخر، الثانى بالثالث، والثالث بالرابع، فسقطُوا جميعاً فماتُوا، فارتفع أولياؤُهم إلى عليِّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، فقال:" اجمعُوا من حفر البئر مِن الناسِ، وقضى للأول بُربع الدية، لأنه هلك فوقَه ثلاثة، وللثانى بُثلثها لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث بنصفهما لأنه هلك فوقَه واحد، وللرابع بالدية تامة، فأَتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم العامَ المقبلَ، فقصُّوا عليه القِصَّة، فقال : "هُوَ مَا قضَى بَيْنكُم " . أخرجهُ البزار بإسنادٍ حسن .
4- يلزم الضمان على من حفر البئر فتلف به آدمي حرٌ ،وتكون الدِّية على عاقلة الحافر أو المباشر حيًا أو ميتًا .
5- من حفر بئراً في الطريق الواسعة لمصلحة المسلمين ونفعهم أو في الموات ، فيجب عليه أن يجعل عليها حاجزاً تُعلم به ، لِتُتوقى .
وقد قال الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى : " من لم يسدّ بئره سدَّا يمنع الضرر ، ضمن ما تلف بها " .
6- يضمن الحافر في الطريق الواسع إذا كان الحفر لمصلحة نفسه ولم يأذن له وليُّ الأمر .
7- إذا اشترك جماعةٌ في حفر بئر فوقع فيه آدمي ضمنوا جميعاً بالشروط المتقدِّمة ، ويشهد له قضاء عليِّ رضي الله عنه .
8- ما تقوم به شركات المياه أو الاتصالات أو الزراعة من حفر حفر كبيرة وعميقة مهملة ، ينسحب حكمها على حكم الضمان للسقوط في القليب بشروطه .
9- إذا لم تُعرف هوية حافر البئر الذي سقط فيه آدمي فمات ، فدية المقتول على وليِّ الأمر ، من بيت مال المسلمين .
10- إذا مات إنسانٌ في بئر ولم يتمكن أحدٌ من إخراجه ، فإنه يُنزح من ماء البئر بقدر ما يُمكن منه اخراج رطوبة الميِّت ، ثم يُشرب ويتطهر منها بعدٌ ولا حَرج . ولا يجوز الشرب منها ما دام ماؤها متغيِّراً .
أما إن كانت قليباً مهجورة ولا ماء فيها ولا حولها ، فَتُدفن على من مات فيها، لحفظها من العُميان والغافلين ، وإكراماً لميِّتها .
وختاماً فإن التفريط في حِفظ البئار من الظلم والغش للمسلمين، بل هو من النصر الباطل الذي يظهر ما تُخفيه الأيدي العاملة . وقد قال الله تعالى : " وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب " ( الحديد : 25) ، وفي الحديث : " مثل الذي ينصر قومه بالباطل ، كمثل بعيرٍ تردَّى في بئر فهو يُجَرُّ بذنبه " . أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
( منقول )