سالم سرور عالي
New member
- إنضم
- 15/04/2006
- المشاركات
- 161
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أحكام التجنيد الإجباري !
صدق من قال: التاريخ يُعيد نفسه ! .
في هذا القيظ والسَّموم الذي تفوح حرارته على الوجوه، تذكرتُ غزوة العُسرة ، حينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار ينحرون البعير ويشربون ما في كرشه من الماء، بسبب الظمأ ولهيب الصيف ! .
كان الإمبراطور الروماني هِرقل يُسلِّح جميع القبائل التابعة له على حدود الشام ، مِثل لخم وجذام وعاملة وغسان ، تسليحًا كاملا ويرزقهم لمدة سنة، وجاءت مُقدِّمتهم إلى البلقاء .
سمع الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فاستنفر الناس ، ولم يأذن لأحدٍ إلا للعاجز .
أُطروحات كثيرة تتم مناقشتها في هذه الأيام عن أحكام النفير العام والتجنيد الإجباري ، أو ما يسمى عند البعض بتحية العَلَم أو الخدمة الوطنية ! .
وليست تلك الأُطروحات بغريبة في ظل الفِتن التي تموج حولنا اليوم كموج البحر ، بل الغريب الاخلاد الى الدعة والراحة والغفلة عن فِقه الفتن ، وإلى الله المشتكى .
فنون القتال عند المسلمين كانت اللهو بالسيوف والرِّماح والرمي بالنِّضال والوثب على ظهور الخيل ، كما ورد في الحديث: "لا سَبق الا في نصلٍ أو خُفِّ أو حافرٍ " أخرجه الترمذي باسناد صحيح .
ظهرت نوادي رياضية في العصر الحديث تُعلِّم الفنون القتالية للدِّفاع عن النفس ، لكن بطريقة حديثة لتقوية البدن وللترفيه الجسماني ، وهي صورة مُصغَّره للفنون القتالية التي يجب على الرجال القادرين الاستعداد لها عند الحاجة .
والتجنيد الاجباري أو الالزامي موضوع بِكر ، فيه مسائل ونكت علمية وفقهية يجب التفتيش عن دلائلها وإيضاح ما يُمكن ايضاحه منها ، استعداداً لواجب الوقت ،وتعبُّداً لله تعالى بالتفقُّه فيها . وقد قرَّر الأصوليون أن الأحكام الشرعية نوعان : ثابتة لا تتغير ولا يجوز الاجتهاد فيها ، وأُخرى مُتغيِّرة خاضعة لاجتهاد الراسخين .
وهذه لمحه يسيره أنفضُ الغبار بها عن تلك المسائل . وبالله التوفيق .
*الأحكام الفقهية للتجنيد الاجباري :
1- مفهوم التجنيد :
يقصد بالتجنيد في الاصطلاح الشرعي والعسكري : حشد الجنود وتأهيلهم تأهيلاً كاملًا لخوض المعارك واتقان مهارات القتال ، والممارسة القوية للأساليب الحربية التي تشحذ الهمم لمنازلة الأعداء في أيِّ ظرف وزمان كان .وفي المرفوع " سَتُجَنَّدون أجناداً مجندة :جُنداً بالشام، وجُنداً بالعراق، وجُنداً باليمن "أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح .
والتجنيد بهذا المفهوم جائز شرعاً بل قد يكون واجبًا . قال الله تعالى:"وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"(الانفال:60) ،وقال سبحانه :" وحَرِّض المؤمنين على القتال "( الأنفال:60 ) . والتحريض القولي والعملي هو الحشد اللساني والبدني، لكن الأحق به من بيده الولاية ثم الأدنى فالأدنى .
وفي الحديث المرفوع :" وإذا استنفرتم فانفروا " متفق عليه .
ولا يكفي للتجنيد لبس البِزة العسكرية ، بل لا بد من التسلح الإيماني والتعلق بالواحد الأحد ، والاقبال على العبادة .
2- مفهوم الإلزام :
يقصد بالالزام : الاجبار على فعلٍ مُعيَّن في وقت معين بصفة معينة . والالزام من المخلوق للمخلوق لا يجوز شرعاً ، لا في التجنيد العسكري ولا في غيره ، لأن الالزام حق لله تعالى اختص به ، ويعبر عنه شرعا : بالحكم والأمر والتسخير، وهي مما يخبر به عن الله تعالى ويوصف ، هذا من حيث العموم ، لكن قد يستثنى منه ما ورد به الدليل .
والأصوليون يُفرِّقون بين الالزام والايجاب ، فالأول يكون في الحق والباطل ، والثاني لا يكون إلا في الحق .
3- حكم إجبار الامام الرعية على التجنيد :
الالزام والاجبار للمسلم بفعل معينٍ لا يرتضيه لا يجوز شرعًا ، لكن يجوز للإمام الذي ثبتت ولايته للمسلمين بالبيعة الشرعية ، أن يلزم الناس بالتجنيد الاجباري ، لأن من واجبات الولاية مراعاة مصالح الناس وتفقد أحوال الرعية وتدبير السياسة ، وحماية بيضة المسلمين ، والاخلال بذلك نقٌص في واجباته ، ولا شك في لحوق الإثم به .
وقد فرق الأصوليون بين ما ينفذ من تصرفات الولاة وبين ما لاينفذ منها ، وأن ذلك يدور على المصالح المعتبرة . وهذه المسألة فرع منها .
والنصوص القطعية دلَّت على أن من ثبتت ولايته شرعا ثبتت طاعته عقلا وديناً ، إلا إذا أمر بمعصيةٍ ظاهرة ، فإنه لا طاعة له .
وإذا جاز للوالي ردُّ اموال الدائنين من المدينين المماطلين بالقوة والقهر، وقتال المانعين لشعيرة الأذان مثلًا ، جاز له إجبار الناس على الواجبات والمصالح المعتبرة شرعاً ، لا سِّيما إذا كانت بلاد المسلمين تحت نظر الأعداء وتربصهم كما هو الحال اليوم ، فيكون التجنيد واجباً بأمره ، إن دلَّ الشرع على صحة اجتهاده .
ولا يجوز لوليِّ الأمر تجنيد المريض والعاجز والصغير ومن في حكمهم ، والقوانين المعاصرة تمنع تجنيد اليتيم ووحيد أهله والمريض الذي لا يُرجى برؤه ، وهي تندرج تحت القاعدة الفقهية : الضرر يُدفع بقدر الإمكان .
4- تنبيهات في التجنيد الإجباري :
أ - إذا كان التجنيد الاجباري يَدفع عن بلاد المسلمين الأخطار المحتملة ويرهب الأعداء ، فإنه يكون سبباً في عموم الخير والعاقبة الحسنة للبلاد والعباد ، وبهذا يكون الامتثال له واجبًا ، ورفضه مُحرَّما ومفسدة راجحة .
والمشقة أحيانا قد تكون سببا في العافية ، وفي المرفوع :" أجرُكِ على قدر نصبكِ " متفق عليه
ب - إذا كان حاكم الدولة لا يَدين بالاسلام أو كان علمانياً وبلده يدين بالاسلام ، فلا تجوز طاعته في التجنيد الاجباري ، لأن في ذلك موافقة له على ضلاله وانحرافه ، وإعانة له على قتل من لا يجوز قتله أو إيذاؤه .
وقد وجد في بعض حِقب التاريخ الحديث من كان يُجنِّد مواطنيه لِخدمة الدُّول الاستعمارية ، ومثله من من يرابط على حدود الدولة الكافرة ليحميها من أذى الدولة المسلمة ! .
وقد ينطبق على أُولئك قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" صِنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سِياط كأذناب البقر يضربون بها الناس .. " أخرجه مسلم في صحيحه .
ج - قبول المسلم في الدولة الكافرة بالتجنيد الاجباري لا يجوز شرعاً ، وهذه من مثالب التجنُّس بجنسيات الدولة الكافرة ، ولا عبرة بالإكراه فيه ، لأنه إكراه غيرُ ملجىء ، فالفِرار بالدِّين في هذه الصورة واجبٌ لا خِلاف فيه ، فيرتفع العذر هنا ولا مَحلَّ له من الشرع . وقد نصَّت القاعدة الأصولية على أن ما يصير به المسلم كافراً إذا جحده ، فإنه يصير الكافر به مسلماً إذا اعتقده .
د - الغرامة المالية التي تفرضها الدولة على الممتنع عن التجنيد الاجباري ، تختلف باختلاف أحوال البلد الذي يُقام فيه ، ويُقدِّرها أهل العلم الراسخين عندهم . أما حُكم الفِرار من التجنيد الاجباري في الدولة المسلمة ، فلا يجوز إن كان التجنيد فيه مصلحة راجحة ، وهذه يُقرِّرها ويفتي بها العلماء في بلد الجانح للفرار .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
(منقول)
صدق من قال: التاريخ يُعيد نفسه ! .
في هذا القيظ والسَّموم الذي تفوح حرارته على الوجوه، تذكرتُ غزوة العُسرة ، حينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار ينحرون البعير ويشربون ما في كرشه من الماء، بسبب الظمأ ولهيب الصيف ! .
كان الإمبراطور الروماني هِرقل يُسلِّح جميع القبائل التابعة له على حدود الشام ، مِثل لخم وجذام وعاملة وغسان ، تسليحًا كاملا ويرزقهم لمدة سنة، وجاءت مُقدِّمتهم إلى البلقاء .
سمع الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فاستنفر الناس ، ولم يأذن لأحدٍ إلا للعاجز .
أُطروحات كثيرة تتم مناقشتها في هذه الأيام عن أحكام النفير العام والتجنيد الإجباري ، أو ما يسمى عند البعض بتحية العَلَم أو الخدمة الوطنية ! .
وليست تلك الأُطروحات بغريبة في ظل الفِتن التي تموج حولنا اليوم كموج البحر ، بل الغريب الاخلاد الى الدعة والراحة والغفلة عن فِقه الفتن ، وإلى الله المشتكى .
فنون القتال عند المسلمين كانت اللهو بالسيوف والرِّماح والرمي بالنِّضال والوثب على ظهور الخيل ، كما ورد في الحديث: "لا سَبق الا في نصلٍ أو خُفِّ أو حافرٍ " أخرجه الترمذي باسناد صحيح .
ظهرت نوادي رياضية في العصر الحديث تُعلِّم الفنون القتالية للدِّفاع عن النفس ، لكن بطريقة حديثة لتقوية البدن وللترفيه الجسماني ، وهي صورة مُصغَّره للفنون القتالية التي يجب على الرجال القادرين الاستعداد لها عند الحاجة .
والتجنيد الاجباري أو الالزامي موضوع بِكر ، فيه مسائل ونكت علمية وفقهية يجب التفتيش عن دلائلها وإيضاح ما يُمكن ايضاحه منها ، استعداداً لواجب الوقت ،وتعبُّداً لله تعالى بالتفقُّه فيها . وقد قرَّر الأصوليون أن الأحكام الشرعية نوعان : ثابتة لا تتغير ولا يجوز الاجتهاد فيها ، وأُخرى مُتغيِّرة خاضعة لاجتهاد الراسخين .
وهذه لمحه يسيره أنفضُ الغبار بها عن تلك المسائل . وبالله التوفيق .
*الأحكام الفقهية للتجنيد الاجباري :
1- مفهوم التجنيد :
يقصد بالتجنيد في الاصطلاح الشرعي والعسكري : حشد الجنود وتأهيلهم تأهيلاً كاملًا لخوض المعارك واتقان مهارات القتال ، والممارسة القوية للأساليب الحربية التي تشحذ الهمم لمنازلة الأعداء في أيِّ ظرف وزمان كان .وفي المرفوع " سَتُجَنَّدون أجناداً مجندة :جُنداً بالشام، وجُنداً بالعراق، وجُنداً باليمن "أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح .
والتجنيد بهذا المفهوم جائز شرعاً بل قد يكون واجبًا . قال الله تعالى:"وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"(الانفال:60) ،وقال سبحانه :" وحَرِّض المؤمنين على القتال "( الأنفال:60 ) . والتحريض القولي والعملي هو الحشد اللساني والبدني، لكن الأحق به من بيده الولاية ثم الأدنى فالأدنى .
وفي الحديث المرفوع :" وإذا استنفرتم فانفروا " متفق عليه .
ولا يكفي للتجنيد لبس البِزة العسكرية ، بل لا بد من التسلح الإيماني والتعلق بالواحد الأحد ، والاقبال على العبادة .
2- مفهوم الإلزام :
يقصد بالالزام : الاجبار على فعلٍ مُعيَّن في وقت معين بصفة معينة . والالزام من المخلوق للمخلوق لا يجوز شرعاً ، لا في التجنيد العسكري ولا في غيره ، لأن الالزام حق لله تعالى اختص به ، ويعبر عنه شرعا : بالحكم والأمر والتسخير، وهي مما يخبر به عن الله تعالى ويوصف ، هذا من حيث العموم ، لكن قد يستثنى منه ما ورد به الدليل .
والأصوليون يُفرِّقون بين الالزام والايجاب ، فالأول يكون في الحق والباطل ، والثاني لا يكون إلا في الحق .
3- حكم إجبار الامام الرعية على التجنيد :
الالزام والاجبار للمسلم بفعل معينٍ لا يرتضيه لا يجوز شرعًا ، لكن يجوز للإمام الذي ثبتت ولايته للمسلمين بالبيعة الشرعية ، أن يلزم الناس بالتجنيد الاجباري ، لأن من واجبات الولاية مراعاة مصالح الناس وتفقد أحوال الرعية وتدبير السياسة ، وحماية بيضة المسلمين ، والاخلال بذلك نقٌص في واجباته ، ولا شك في لحوق الإثم به .
وقد فرق الأصوليون بين ما ينفذ من تصرفات الولاة وبين ما لاينفذ منها ، وأن ذلك يدور على المصالح المعتبرة . وهذه المسألة فرع منها .
والنصوص القطعية دلَّت على أن من ثبتت ولايته شرعا ثبتت طاعته عقلا وديناً ، إلا إذا أمر بمعصيةٍ ظاهرة ، فإنه لا طاعة له .
وإذا جاز للوالي ردُّ اموال الدائنين من المدينين المماطلين بالقوة والقهر، وقتال المانعين لشعيرة الأذان مثلًا ، جاز له إجبار الناس على الواجبات والمصالح المعتبرة شرعاً ، لا سِّيما إذا كانت بلاد المسلمين تحت نظر الأعداء وتربصهم كما هو الحال اليوم ، فيكون التجنيد واجباً بأمره ، إن دلَّ الشرع على صحة اجتهاده .
ولا يجوز لوليِّ الأمر تجنيد المريض والعاجز والصغير ومن في حكمهم ، والقوانين المعاصرة تمنع تجنيد اليتيم ووحيد أهله والمريض الذي لا يُرجى برؤه ، وهي تندرج تحت القاعدة الفقهية : الضرر يُدفع بقدر الإمكان .
4- تنبيهات في التجنيد الإجباري :
أ - إذا كان التجنيد الاجباري يَدفع عن بلاد المسلمين الأخطار المحتملة ويرهب الأعداء ، فإنه يكون سبباً في عموم الخير والعاقبة الحسنة للبلاد والعباد ، وبهذا يكون الامتثال له واجبًا ، ورفضه مُحرَّما ومفسدة راجحة .
والمشقة أحيانا قد تكون سببا في العافية ، وفي المرفوع :" أجرُكِ على قدر نصبكِ " متفق عليه
ب - إذا كان حاكم الدولة لا يَدين بالاسلام أو كان علمانياً وبلده يدين بالاسلام ، فلا تجوز طاعته في التجنيد الاجباري ، لأن في ذلك موافقة له على ضلاله وانحرافه ، وإعانة له على قتل من لا يجوز قتله أو إيذاؤه .
وقد وجد في بعض حِقب التاريخ الحديث من كان يُجنِّد مواطنيه لِخدمة الدُّول الاستعمارية ، ومثله من من يرابط على حدود الدولة الكافرة ليحميها من أذى الدولة المسلمة ! .
وقد ينطبق على أُولئك قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" صِنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سِياط كأذناب البقر يضربون بها الناس .. " أخرجه مسلم في صحيحه .
ج - قبول المسلم في الدولة الكافرة بالتجنيد الاجباري لا يجوز شرعاً ، وهذه من مثالب التجنُّس بجنسيات الدولة الكافرة ، ولا عبرة بالإكراه فيه ، لأنه إكراه غيرُ ملجىء ، فالفِرار بالدِّين في هذه الصورة واجبٌ لا خِلاف فيه ، فيرتفع العذر هنا ولا مَحلَّ له من الشرع . وقد نصَّت القاعدة الأصولية على أن ما يصير به المسلم كافراً إذا جحده ، فإنه يصير الكافر به مسلماً إذا اعتقده .
د - الغرامة المالية التي تفرضها الدولة على الممتنع عن التجنيد الاجباري ، تختلف باختلاف أحوال البلد الذي يُقام فيه ، ويُقدِّرها أهل العلم الراسخين عندهم . أما حُكم الفِرار من التجنيد الاجباري في الدولة المسلمة ، فلا يجوز إن كان التجنيد فيه مصلحة راجحة ، وهذه يُقرِّرها ويفتي بها العلماء في بلد الجانح للفرار .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
(منقول)