أحسن تفسيرا .. أحسن تأويلا

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
73
الإقامة
تارودانت-المغرب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
يقول الله تعالى :
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }[الفرقان:33]
ويقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء:59]
ويقول تعالى : {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[الإسراء:35]
من خلال المقارنة بين التفسير والتأويل في الآيات السابقة يتضح أن :
ـ التفسير عملية داخلية ، فهي خاصية ذاتية للقرآن الكريم .
ـ التأويل عملية خارجية ، يكون برد كل ما اختُلف في شأنه إلى القرآن والسنة
ـ القرآن والسنة هما المعيار الذي نقيس عليه كل الأمور التي نحتاج فيها إلى جواب رباني
ـ عملية التأويل هي رد الأمور إلى القرآن والسنة واستخراج الأحكام منهما .
ـ عملية التأويل تحتاج إلى الفقه والتدبر والاستنباط ، لذلك ارتبطت في الحديث النبوي بالفقه : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
وإذا كان التفسير عملية داخلية ، لأن الله جعل آياته بينات وفسركتابه أحسن تفسير ، فكل عملية تتماشى مع التفسير القرآني في الإبانة والوضوح والكشف ، سواء من حيث اللفظ أو المعنى ، فهي تفسير . لأن لسان القرآن ثابت ، واللغة تتطور . وكل زمان يحتاج فيه إلى من يفسر القرآن لتقريبه للناس ، حتى يتيسر فهمه حسب مستوياتهم المختلفة .
أما التأويل فهو أشمل من التفسير . لأننا لا نستطيع أن نؤول دون أن نفهم القرآن أولاً .
والتأويل عملية قياس ، فكما نزن الأشياء بالقسطاس المستقيم ، فإننا نزن النوازل بالقرآن والسنة . وبهذه العملية يواكب العلماء كل تحركات المجتمع حتى تتوافق مع الشرع الإسلامي .
والله أعلم وأحكم
 
السلام عليكم
ـ التأويل عملية خارجية ، يكون برد كل ما اختُلف في شأنه إلى القرآن والسنة
ـ القرآن والسنة هما المعيار الذي نقيس عليه كل الأمور التي نحتاج فيها إلى جواب رباني
من هذا المعنى يمكن القول أن المقصود بالتأويل فى قوله تعالى " ...فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ...." آل عمران 7 ... هو قياس القرآن نفسه على غيره
 
أخي مصطفى ، عليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
يقول حسين محمد مخلوف (ت:1410هـ) في (صفوة البيان لمعاني القرآن) : " وابتغاء الفتنة : طلب فتنة المؤمنين عن دينهم ، بالتشكيك والتلبيس ، وإثارة الشبه ومناقضة المحكم بالمتشابه . أو فتن أتباعهم الجهال بذلك .
{ وابتغاء تأويله }وطلب تأويل الكتاب وتحريفه ، التأويل الباطل الذي يشتهونه ، والتحريف السقيم الذي يقصدونه ، زاعمين أنه الغاية المرادة منه ، وذلك شأن أهل البدع والأهواء والملاحدة في كل عصر ."

فالتأويل غير التفسير .
هناك عملية تفسير داخلية في القرآن الكريم ، القرآن يفسر بعضه بعضا . وإذا أردنا أن نوضح لتقريب المفردة أو المعنى للمتلقي ، فنحن نقوم بعملية التفسير .
أما بالنسبة للتأويل فهو عملية خارجية ، كل شيء اختلفنا في أمره خارج النص القرآني ، نرده إلى النص القرآني والسنة النبوية ليتبين لنا أمره ، ونحصل على إجابات شرعية معتبرة في ذلك .
والذين في قلوبهم زيغ ، يأتون بأفكار من عندهم مبنية على الآيات المتشابهة ، ويقيسونها بمقياس غير مقياسها ، ابتغاء تأويلها ، فيسقطون في الفتنة .
لأن الميزان الحقيقي لتأويل المتشابه هو رده إلى المحكم ، مع الإيمان بالقرآن كله .
والله أعلم وأحكم
 
ذكر القرآن الكريم في الآية السابعة من سورة آل عمران نموذجا من الذين يؤولون القرآن بطريقة غير صحيحة .
قال تعالى : {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }[آل عمران:7]
العلماء صنفان : عالم مؤمن وعالم في قلبه زيغ
فالعالم المؤمن يؤمن بالكتاب الحكيم كله ، ويقول : آمنا به كل من عند ربنا . فهو يفسر القرآن ، ليساعد الآخرين على فهمه ، ويؤول النوازل بروح القرآن والسنة .
بينما الآخر ، وقد وسمه الله بالزيغ في قلبه ، فهو يحمل في سريرته عنصرا غريبا لا يتلاءم و الكتاب الحكيم ، وسيكون حائلا بينه وبين التدبر الصحيح ؛ لأنه يُعد من بين الأقفال التي لا تساعد على ذلك :{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24] .
فمن خلال التصوير القرآني لهذا النوع من العلماء الذين يتصفون بنوع من التشاكس الحاصل من قِبَل تشويش داخلي ، يحملونه في قلوبهم ، ويُقبلون وهم على هذه الحالة ، ليؤولوا آيات من القرآن الكريم ، باتباع المتشابه منها ، فتكون النتيجة فتنة وباطل .
فكيف يأتون بالحق والقلوب التي يُعقل بها ، معطوبة بالزيغ ، والموازين التي يُوزن بها غير متوفرة !
إن ما يحمله الإنسان في طياته من سوء نية ومكر ، في قراءته للآيات البينات وفهمها حسب نمط معين لحاجة في نفسه ، لهي عامل في ما يخرج به على الناس ، من الفتن الفكرية والمذهبية التي هي وبال عليه وعلى أمثاله ، سيكون وزرها ثقيلا عليه مما يؤدي به إلى الخسارة النهائية : {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ }[فصلت:23]
والله أعلم وأحكم
 
التأويل في القرآن الكريم نوعان :
النوع الأول : تأويل في عالم الشهادة ، وهو مشروع ومحقق . أهله هم العلماء ، ومقياسهم : القرآن والسنة .
يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء:59]
النوع الثاني : تأويل في عالم الغيب لا يعلمه إلا الله ، يقول تعالى :
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }{الأعراف:53]
والله أعلم وأحكم
 
فما هي مهمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بين التفسير والتأويل ؟

يقول تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[إبراهيم:4]
فلسان القرآن مطابق للسان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو لسان قريش ، وقد قال الشافعي في الرسالة : " لا يحيط باللغة إلا نبي " .
وكانت بعض خطب الرسول للجمعة قرآناً ، جاء في ميزان الاعتدال للذهبي " عن بنتِ حارثةَ بنِ النعمانِ ، قالت : ما حفظتُ سورةَ ق إلا من في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو يخطبُ بها يومَ الجمعةِ " ، وهذا يؤكد أن لسان القرآن لم تكن بينه وبين القوم مسافة تُذكر .
إذن ، فمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي البيان : {... لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ... }[إبراهيم:4]
و مصطلح (البيان) جاء في القرآن مقترنا بأهل الكتاب والمشركين والقوم المرسل إليهم :
فبعد ذكر الكتب السابقة ، يقول تعالى : {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[النحل:44]
وبعد ذكر المشركين من العرب ، يقول تعالى : {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[النحل:64]
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء لبين للعرب القرآن الكريم : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[إبراهيم:4] .
فالبيان هو مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، جاء ليبين للناس ، كل الناس : بما فيهم أهل الكتاب والعرب على اختلاف مشاربهم ، مؤمنين وكفاراً . وقد كانت السنة النبوية بيانا شافيا كافيا ، وكان الرسول الكريم بما بيّن ، القدوة الحسنة في تطبيق القرآن وبيانه أحسن بيان ، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }[الأحزاب:21]
والبيان النبوي يشمل التفسير والتأويل .

والله أعلم وأحكم
 
يقول الشافعي (ت:204هـ) في الرسالة : " قال : فلم أعلم من أهل العلم مخالفاً في أن سُنن النبي من ثلاثة وجوه، فاجتمعوا منها على وجهين.
والوجهان يجْتَمِعان ويتفرَّعان: أحدهما: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فبَيَّنَ رسول الله مثلَ ما نصَّ الكتاب ، والآخر: مما أنزل الله فيه جملةَ كتاب، فبيَّن عن الله معنى ما أراد ؛ وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.
والوجه الثالث: ما سنَّ رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب.
فمنهم من قال: جعل الله له، بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يَسُنَّ فيما ليس فيه نص كتاب.
ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سُنَّته لتبيين عدد الصلاة وعملها، على أصل جملة فرض الصلاة ، وكذلك ما سنَّ من البُيُوع وغيرها من الشرائع، لأن الله قال : " { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29] ، وقال : " {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }[البقرة:275] ، فما أحلَّ وحرَّم فإنما بيَّن فيه عن الله، كما بَيَّن الصلاة.
ومنهم من قال: بل جاءته به رسالةُ الله، فأثبتتْ سنَّتَه.
ومنهم من قال: أُلْقِيَ في رُوعه كلُّ ما سَنَّ، وسنَّتُه الحكمةُ: الذي أُلقي في رُوعه عن الله، فكان ما ألقي في روعه سنتَه. "
جاء في تفسير الطبري عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " ما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُفسِّر شيئًا من القرآنِ إلا آيًا بعددٍ . علَّمَهنَّ إياه جبريلُ "
وجاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَكثُرُ أن يقولَ في رُكوعِه وسُجودِه : ( سُبحانَك اللهم ربَّنا وبحمدِك ، اللهم اغفِرْ لي ) . يتَأوَّلُ القرآنَ . "
 
قال صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه . وهذا يؤكد بأن السنة النبوية من الوحي وهي من الذكر الذي تعهد الله بحفظه .

أما قول عائشة رضي الله عنها في الحديث الذي ذكرته سابقا ( يتأول القرآن ) فقد قصدت رضي الله عنها قوله تعالى في سورة النصر: ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فنراه صلى الله عليه وسلم يقول مجيبا لأمر ربه: سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك .وقوله هذا يتوافق مع ما جاء في الآية والله أعلم .
 
الله أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والبيان . وقد بلغ وبيّن .
فالسنة النبوية : القولية والفعلية والتقريرية ، هي البيان لما جاء في القرآن الكريم . وضمن هذا البيان كان التفسير والتأويل .
والله أعلم وأحكم
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ العزيز عبد الكريم عزيز

السلام عليكم

لا يخفى عليك أن درجات الفهم ثلاث مراحل:

أولا : معرفة معنى الكلمات وهو أحد متطلبات التفسير .
ثانيا : التفسير وهو عادة يكون الغاية فإن لم تبلغ به الغاية عمدنا إلى التأويل اجتهادا ، والتفسير أحد متطلبات التأويل .
ثالثا : التأويل الصحيح وهو درجة علمية لا تتأتى إلا لمن اختص الله واجتبى من الخلق ودليل ذلك من كتاب الله في قوله تعالى على لسان صاحب موسى الذي آتاه الله علما من لدنه: ( هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) والدليل الثاني في قوله تعالى على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام الذي قال تعالى في حقه ( وإنه لذو علم لما علمناه ) بعد أن قص عليه ابنه يوسف الرؤيا التي رءآها: ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) ونلاحظ هنا أنه قال ( ويعلمك من ) ومن هنا للتبعيض وهو فيما أعتقد تأويل أحاديث الأحلام والرؤى فقط وهو ما ورد في قصة يوسف عليه السلام ، وقد قال نبي الله يعقوب هذا الكلام لابنه يوسف تأولا مع إن الرؤيا ليس فيها ما يدل على ذلك بمعنى أنه رأى في هذه الرؤيا بأنه لا يرى هذه الرؤيا إنسان وفي هذه السن المبكرة لابنه يوسف إلا وفيها تخصيص واجتباء لابنه يوسف من الله تعالى ، وفي هذين الدليلين تأكيد بأن قوله تعالى: ( وما يعلم تأويله إلا الله ) على أن تأويل القرآن لا يعلمه إلا الله وحده أو من اختص الله من عباده ولا علاقة للراسخين في العلم المذكورين في الآية بعلم تأويله فوجب الوقف حين القراءة على ( وما يعلم تأويله إلا الله ) ؛ ولو نظرنا إلى تسمية العلماء السابقين والمفسرين لكتبهم لرأيت مثلا: هذا تفسير فلان وهذا تفسير علان ولا يقولون هذا تأويل فلان حتى أن ابن سيرين مثلا أسمى كتابه تفسير الأحلام ولم يقل تأويل الاحلام مع أن الكلمة جاءت في القرآن الكريم بتأويل الأحلام فقال تعالى على لسان ملأ الملك الذي رأى الرؤيا ( قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) وهذا يؤكد بأن هؤلاء العلماء والمفسرين يدركون أنهم لم يبلغوا درجة التأويل بعلمهم ولو كان ذلك لمجرد تأويل رؤيا أو حلم من الأحلام ، وما يفعله البعض ونفعله من تأويل بما فيها هذه المشاركة إنما هو اجتهاد ناقص قد يصيب وقد يخطئ والله أعلم .

الخلاصة:
التفسير علم ضروري نحتاجه لمعرفة الأحكام ومعاني الآيات والأحاديث وما هو ضروري للإنسان .
أما التأويل فهو علم الخاصة وقد لايمت التأويل أحيانا إلى التفسير بصلة ، كما أوردت في تأويل النبي يعقوب لرؤيا يوسف وكذلك عندما نزلت سورة النصر قال صلى الله عليه وسلم: قد نعيت لي نفسي، وكذلك قال ابن عباس ؛ وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يندرج تحت علم التأويل ولا علاقة له ظاهرة بالتفسير والله أعلم .

ملاحظة لتصحيح ما ورد من حديث كنت قد أخطأت في روايته سابقا: ورد في رواية عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفره وأتوب إليه .
 
أنواع التأويل في القرآن الكريم

أنواع التأويل في القرآن الكريم

التأويل في القرآن أنواع :
1 ـ التأويل الحق لكل ما جاء في القرآن الكريم : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }[الأعراف:53]
وهذا النوع لا يعلمه إلا الله .
2 ـ تأويل سر الأفعال والأشياء التي تقع في حياة الناس : {... وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }[الكهف:82]
وهذا النوع كذلك هو من أمر الله تعالى ، خص به أنبياءه ، وقد انتهى أمر النبوة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا النوع قد ادعاه الدجالون والمشعوذون وكل من خولت له نفسه أن يلبس على المسلمين دينهم ، وينشر في الأرض الفساد التشريعي والعقدي .
3 ـ تفسير الرؤى والأحاديث ، خص الله به نبيه يوسف عليه السلام ، وهو متاح لمن وهبه الله هذا العلم .
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }[يوسف:101]
4 ـ تأويل النوازل في حياة المسلمين : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء:59]
5 ـ تأويل الوزن بالقسطاس المستقيم : {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[الإسراء:35]

والله أعلم وأحكم
 
يقول سيد قطب (ت:1387هـ) في الظلال : " " والله يضع هذا الميزان للبشر ، للأمانة والعدل ، ولسائر القيم ، وسائر الأحكام ، وسائر أوجه النشاط ، في كل حقل من حقول الحياة :
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ؛ وأطيعوا الرسول ، وأولي الأمر . . منكم . . فإن تنازعتم في شيء ، فردوه إلى الله والرسول . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا ) . .
وفي هذا النص القصير يبين الله - سبحانه - شرط الإيمان وحد الإسلام . في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة ؛ وقاعدة الحكم ، ومصدر السلطان . . وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده ؛ والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا ، من جزئيات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال ؛ مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام . . ليكون هنالك الميزان الثابت ، الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام ! "
 
تفسير القرآن الكريم

تفسير القرآن الكريم

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }[الفرقان:33]
القرآن الكريم كتاب مبين ، وآياته بينات ، فهو مفسر أحسن تفسير .
والرسول محمد صلى الله عليه وسلم بيّن القرآن أحسن بيان ، بواسطة السنة النبوية الشريفة : قولية ، وعملية ، وتقريرية .
والعلماء في كل زمان ومكان يفسرون القرآن الكريم الذي جاء بلسان عربي مبين ، ليقربوه لأفهام الناس المختلفة ، عبر لغاتهم المتحركة والمتغيرة ، حتى يستوعبوا كتاب ربهم ويعملوا به كما أمرهم .
وتفسير العلماء للقرآن الكريم ، عملية ضرورية لا يمكن أن يستغني عنها أي جيل من الأجيال حتى تقوم الساعة .

والله أعلم وأحكم​
 
تأويل القرآن الكريم

تأويل القرآن الكريم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء:59]
قاعدة قرآنية ، لترشيد التنازع بين المسلمين أثناء السير الطبيعي للأمة الإسلامية .
فالتنازع يتولد عن الخلاف القائم بين الناس أثناء ظهور النوازل المتعددة . وعلاج هذه الظاهرة يكمن في التأويل .
تأويل النوازل بردها إلى الميزان الإلهي الثابت (القرآن والسنة) .
نوازل متعددة ومتنوعة : فقهية ، اقتصادية ، سياسية ، اجتماعية ...
من بين النوازل الممكنة : النوازل التفسيرية .
إنها المشاكل والاختلافات في التفسير التي تحتاج إلى الحسم .
فهي نوازل قد تكون في اللفظ وقد تكون في المعنى . فكلما تنازع المفسرون في نازلة ، إلا وكان التأويل هو المخرج .
والتأويل الذي أُمرنا بسلوكه ، هو التأويل المبني على رد الاختلاف إلى القرآن والسنة .
وهو الذي وسمه الله بأنه أحسن تأويل .

والله أعلم وأحكم
 
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]لماذا كان الإحتكام إلى الله ورسوله في المنازعات أو إلى القسطاس المستقيم عند البيوع خير وأحسن تأويلا كما قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [/FONT][FONT=&quot]ۖ[/FONT][FONT=&quot] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [/FONT][FONT=&quot]ۚ[/FONT][FONT=&quot] ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [سورة النساء : 59] .[/FONT][FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]وكما قال عز من قائل: ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ [/FONT][FONT=&quot]ۚ[/FONT][FONT=&quot] ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [سورة اﻹسراء : 35].[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]ولكي نُجيب على هذا السؤال والذي يبدوا وكأنه سؤال سطحي سننظر أولا في معاني بعض المفردات ومن ثم سنتطرق للإجابة .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]أولاً : - القسطاس : قال الزجاج هو ميزان العدل . وجاء في القاموس المحيط: هو الميزان ، أو أقومُ الموازين . ومن هذا المعنى نفهم أن القسطاس المستقيم هو الميزان المرجع أو الميزان المعيار الذي تُعاير عليه كل الموازين ؛ وفي وقتنا الحاضر يُصنع هذا الميزان الأم من مواد خاصة لا تقبل الصدأ أو التغيير في أي مكان أو زمان ولا يتأثر بالحرارة أو البرودة والإرتفاع والإنخفاض أو الرطوبة والجفاف ، كما أن هناك المتر العدل أو المعيار المتري وله نفس المواصفات التي ذكرتها وتعاير به الأمتار .[/FONT][FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]والميزان المقصود في الآية هو كل ميزان صحيح متعارف عليه بين عدول الناس بالإضافة إلى إنه رمز لكل حكم عادل صحيح ورأي سديد مجازا .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]ثانياً: - أحسنُ تأويلا : جاء في فتح القدير للشوكاني رحمهُ الله: أي أحسن عاقبة من آل إذا رجع وعليه يكون المعنى: أحسن مرجعٍ ومئآلا.[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]ولكي نفهم كيف ولماذا كان الإحتكام إلى الله ورسوله في المنازعات وإلى القسطاس المستقيم عند البيوع خير وأحسن مرجعٍ سنبدأ من القسطاس المستقيم .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]فالميزان المستقيم آلة صماء ليس لها هوى ولا تُجامل أو تُحابي أحداً ويحتكم إليها الناس عند البيع والشراء لمنع الإختصام أو الإختلاف بينهم وهي تعطي كل ذي حق حقه وهو أي الميزان كالقرعة أو الإستهام من حيث إنها لا تجامل أحدا فيحتكم لها عند التنازع مثل أصحاب المواريث الذين يأخذون بالقرعة عن رضاً واقتناع ومن هنا جاءت الخيرية عند الرجوع إلى الميزان فالمشتري يكون راضياً عندما يشتري شيئاً بالميزان لأن أحداً لم يدلس عليه أو يغشه والبائع يكون راضياً أيضا لأنه قبض الثمن والفائدة فكان الإحتكام إلى الميزان الصحيح أحسن مرجعٍ إذ جعل الطرفين البائع والمشتري راضين بل ومتحابين وقلوبهم صافية تجاه بعض .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]أظن أن المعنى بدأ يقترب من الفهم فبالقياس نُدرك أنّ الله ورسوله هما القسطاس المستقيم إن صح التّشبيه من حيث أن لا هوى يتملكهُما فهم لا يُجاملون أو يُحابون أحداً ولو كان النّزاع بين كفارٍ ومسلمين فقد حكم النّبي صلى الله عليه وسلم لليهودي على المسلم والقصّة معروفة ، ويتمثّل الآن حكم الله ورسوله في القضاة الشرعيين وعندما نحتكم إلى القضاة الشرعيين في أي مسألة متنازع عليها سواء كانت دينية أو دينيوية ويحكم فيها القاضي بشرع الله يكون الكل راضون أو هكذا ينبغي أن يكونوا إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر فالمحكوم عليه يخرج وهو راض بالحكم لأن أحدا لم يدلس عليه أو يغشه ولا يشعر بالنّقص أو الذّل أو إنه مغلوب أمام خصمه لأن الذي حكم عليه هو الله ورسوله ولا ينظر إليه الآخرين بانتقاص ولا يشعر المحكوم له بالفخر والنصر أو الغلبة لأنه حكم له بعكس لو أخذ صاحب الحق حقه عن طريق آخر غير طريق الله ورسوله فسيشعر صاحب الحق بالزهو والنصر وسيشعر من أخذ منه الحق بالذل والهزيمة وسينظر إليه الآخرون بإنتقاص وهذا يُورث الأحقاد والضغائن والفرقة في أوصال المجتمع ومن هنا تتضح الخيريّة في الرجوع إلى حكم الله ورسوله عند التنازع .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]الخلاصة: إن الإحتكام إلى من ليس له هوى يجعل الكل راضين ومعترفين بحكم الله ورسوله وهذا على شرط الإيمان بالله واليوم الآخر لأن الدين هو المعاملة وهو أكثر ما اهتم به الله ورسوله .[/FONT][FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]ولو نظرنا إلى أوامر الله ورسوله ونواهيهما من هذا المنطلق وإنها جاءت ممن ليس له هوى فسنعرف أن في ما أمرا ونهيا خير لنا سواء في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما معا لأنهما ما أمرا ونهيا تعسفا وتبطرا ولكن محبة ومصلحة لنا لأن الله هو من خلقنا وهو أدرى بمصلحة صنعته .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]ويجب أن نعلم بأنه حتى الدّول التي لا [/FONT][FONT=&quot]تُؤمن[/FONT][FONT=&quot] بالله واليوم الآخر تقوم بإنشاء محاكم ونصوص وقوانين يحتكم لها الناس عند الخصومة ويصورون لهم بأن هذه القوانين والنصوص لا تميل مع الهوى وإن الكل فيها متساوون وذلك مراعاة لهذه المشاعر التي تنتاب الناس بعد صدور الأحكام حتى يتعايش الناس بسلام ومحبة .[/FONT][FONT=&quot]

[/FONT]
[FONT=&quot]والله أعلم .[/FONT][FONT=&quot]
[/FONT]
 
أخي علي عبد الصمد ، جزاك الله خيرا وأحسن إليك
نعم ، ونحن نحوم حول التأويل في التفسير ، فالله بين لنا كيف نأول .
فالنوازل التفسيرية كما غيرها من النوازل المختلفة ، والتي يتنازع حولها الناس ، فأحسن تأويل لها هو ردها إلى الله ورسوله .
وهذا أكبر مؤشر للمؤمن حتى لا يخوض في التأويل المعتمد على الهوى ، الذي يُسقط صاحبه في الفتنة التي نهانا الله أن نكون من أصحابها .
إن تأويل النوازل التفسيرية بعيدا عن القسطاس المستقيم ، الذي هو روح القرآن الكريم والمسنة المطهرة ، يؤدي بصاحبه إلى التقول على الله . وذلك عبر شطحات موغلة في البعد عن الحق ، وذلك أسوأ تأويل . ولنا في تاريخ التفسير قديما وحديثا أمثلة على التأويل المذموم .
فطريق الحق بيّن ، وهذا ما يجعلنا نحمد الله على هدايته لنا لطريق أحسن تأويل .
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }[آل عمران:8]

مع فائق التقدير والاحترام
 
السلام عليكم

وبعد:
ما نوع الفتنة المذكورة في قوله تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله . . . )
وشكرا .
 
الفاضل علي عبد الصمد بارك الله فيك
لقد أُشِير إلى ذلك في المشاركة رقم 3 والمشاركة رقم 4
مع فائق التقدير والاحترام
 
يقول تعالى : {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33]
ويقول تعالى : {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[النحل:64]
ويقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59]

ألا تلاحظون :
أن الله تعالى أسند لنفسه التفسير
وكلف رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالبيان
وأمرنا ـ معشر المؤمنين ـ بالتأويل .

إن ذلك قطعا يؤكد أن أصل فهم كتاب الله تعالى هو : كتاب الله وسنه رسوله .
لذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع لابن عباس رضي الله عنه بالتفسير ، بل دعا له بالتأويل : ((اللَّهمَّ فقِّهْهُ في الدِّينِ وعلِّمْه التأويلَ )) .

والله أعلم وأحكم
 
بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اجعلنا في أحسن ما جئتنا به من الحق بإذنك ... آمين .

لماذا كان الإحتكام إلى الله ورسوله في المنازعات أو إلى القسطاس المستقيم عند البيوع خير وأحسن تأويلا كما قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [سورة النساء : 59] .
وكما قال عز من قائل: ( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [سورة اﻹسراء : 35].

ولكي نجيب على هذا السؤال والذي يبدوا وكأنه سؤال سطحي سننظر أولا في معاني بعض المفردات ومن ثم سنتطرق للإجابة .

أولا : - القسطاس : قال الزجاج هو ميزان العدل . وجاء في القاموس المحيط: هو الميزان ، أو أقوم الموازين . ومن هذا المعنى نفهم أن القسطاس المستقيم هو الميزان المرجع أو الميزان المعيار الذي تعاير عليه كل الموازين ؛ وفي وقتنا الحاضر يصنع هذا الميزان الأم من مواد خاصة لا تقبل الصدأ أو التغيير في أي مكان أو زمان ولا يتأثر بالحرارة أو البرودة والإرتفاع والإنخفاض أو الرطوبة والجفاف ، كما أن هناك المتر العدل أو المعيار المتري وله نفس المواصفات التي ذكرتها وتعاير به الأمتار .
والميزان المقصود في الآية هو كل ميزان صحيح متعارف عليه بين عدول الناس بالإضافة إلى إنه رمز لكل حكم عادل صحيح ورأي سديد مجازا .

ثانيا: - أحسن تأويلا : جاء في فتح القدير للشوكاني رحمه الله: أي أحسن عاقبة من آل إذا رجع وعليه يكون المعنى: أحسن مرجعا ومئآلا.

ولكي نفهم كيف ولماذا كان الإحتكام إلى الله ورسوله في المنازعات وإلى القسطاس المستقيم عند البيوع خير وأحسن مرجع سنبدأ من القسطاس المستقيم .

فالميزان المستقيم آلة صماء ليس لها هوى ولا تجامل أو تحابي أحدا ويحتكم إليها الناس عند البيع والشراء لمنع الإختصام أو الإختلاف بينهم وهي تعطي كل ذي حق حقه وهو أي الميزان كالقرعة أو الإستهام من حيث إنها لا تجامل أحدا فيحتكم لها عند التنازع مثلما يحتكم لها أصحاب المواريث الذين يأخذون بالقرعة عن رضا واقتناع ، ومن هنا جاءت الخيرية عند الرجوع إلى الميزان فالمشتري يكون راضيا عندما يشتري شيئا بالميزان لأن أحدا لم يدلس عليه أو يغشه والبائع يكون راضيا أيضا لأنه قبض الثمن والفائدة فكان الإحتكام إلى الميزان الصحيح أحسن مرجع إذ جعل الطرفين البائع والمشتري راضيين بل ومتحابين وقلوبهم صافية تجاه بعض .

أظن أن المعنى بدأ يقترب من الفهم فبالقياس ندرك أن الله ورسوله هما القسطاس المستقيم إن صح التشبيه من حيث أن لا هوى يتملكهما فهم لا يجاملون أو يحابون أحدا ولو كان النزاع بين كفارا ومسلمين فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي على المسلم والقصة معروفة ، ويتمثل الآن حكم الله ورسوله في القضاة الشرعيين وعندما نحتكم إلى القضاة الشرعيين في أي مسألة متنازع عليها سواء كانت دينية أو دينيوية ويحكم فيها القاضي بشرع الله يكون الكل راضين أو هكذا ينبغي أن يكونوا إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر فالمحكوم عليه يخرج وهو راض بالحكم لأن أحدا لم يدلس عليه أو يغشه ولا يشعر بالنقص أو الذل أو إنه مغلوب أمام خصمه لأن الذي حكم عليه هو الله ورسوله ولا ينظر إليه الآخرين بانتقاص ولا يشعر المحكوم له بالفخر والنصر أو الغلبة لأنه حكم له بعكس لو أخذ صاحب الحق حقه عن طريق آخر غير طريق الله ورسوله فسيشعر صاحب الحق بالزهو والنصر وسيشعر من أخذ منه الحق بالذل والهزيمة وسينظر إليه الآخرون بإنتقاص وهذا يورث الأحقاد والضغائن والفرقة في أوصال المجتمع ومن هنا تتضح الخيرية في الرجوع إلى حكم الله ورسوله عند التنازع .

الخلاصة: إن الإحتكام إلى من ليس له هوى يجعل الكل راضين ومعترفين بحكم الله ورسوله هذا على شرط الإيمان بالله واليوم الآخر لأن الدين هو المعاملة وهو أكثر ما اهتم به الله ورسوله .
ولو نظرنا إلى أوامر الله ورسوله ونواهيهما من هذا المنطلق وإنها جاءت ممن ليس له هوى فسنعرف أن في ما أمرا ونهيا خير لنا سواء في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما معا لأنهما ما أمرا ونهيا تعسفا وتبطرا ولكن محبة ومصلحة لنا لأن الله هو من خلقنا وهو أدرى بمصلحة صنعته .

ويجب أن نعلم بأنه حتى الدول التي لا تؤمن بالله واليوم الآخر تقوم بإنشاء محاكم ونصوص وقوانين يحتكم لها الناس عند الخصومة ويصورون لهم بأن هذه القوانين والنصوص لا تميل مع الهوى وأن الكل فيها متساوون وذلك مراعاة لهذه المشاعر التي تنتاب الناس بعد صدور الأحكام حتى يتعايش الناس بسلام ومحبة بمعنى آخر إنها تحفظ للمحكوم عليه كرامته وماء وجهه أمام الآخرين .

والله أعلم .

علي عبد الصمد الهتاري .
 
التفسير أصل والتأويل فرع

التفسير أصل والتأويل فرع

يقول تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}[آل عمران:7]

مما سبق واعتمادا على هذه الآية يتبين أن الأصل في فهم كتاب الله هو التفسير . فالتفسيرأصل ، والتأويل فرع .
فالقرآن باحتوائه على المحكم والمتشابه ، نجد أن المحكم مفسر بالقرآن ومبين بالسنة ، وغير ذلك يبقى قابلا للنظر فيه عن طريق التأويل المشروع الذي يتماشى مع روح القرآن والسنة في ضوء الآيات المحكمات .

والله أعلم وأحكم
 
التفسير

التفسير

{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33]
يقول عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي (المتوفى:1359ه) :
"و لا يأتيك يا محمد ، هؤلاء المشركون وأمثالهم ، بكلام يحسنونه ويزخرفونه ، يصورون به شبهة باطلة ، أو اعتراضا فاسدا ، إلا جئناك بالكلام الحق الذي يدمغ باطلهم ، و يدحض شبههم ، و ينقض اعتراضهم ، ويكون أحسن بيانا وأكمل تفصيلا .
اهتداء :
القرآن يدافع عن القرآن :
إذا تتبعت آيات القرآن وجدتها قد أتت بالعدد الوافر من شبه الضالين واعتراضاتهم ، ونقضتها بالحق الواضح والبيان الكاشف في أوجز لفظ وأقربه وأبلغه .
وهذا قسم عظيم جليل من علوم القرآن يتحتم على رجال الدعوة والإرشاد أن يكون لهم به فضل عناية ، ومزيد دراية وخبرة .
و لا نحسب شبهة تَرِدُ على الإسلام ، إلا وفي القرآن العظيم ردُّها بهذا الوعد الصادق من هذه الآية الكريمة .
فعلينا عند ورود كل شبهة من كل ذي ضلالة أن نفزع إلى آي القرآن ، ولا أخَالُنا ـ إذا أخلصنا القصد وأحسنا النظر ـ إلا واجديها فيها .
و كيف لا نجدها في آيات ربِّنا هي الحق و أحسن تفسيرا ؟ !
اقتداء :
واجب الدعاة :
لنقتد بالقرآن فيما نأتي به من كلام في مقام الحجاج ، أو مقام الإرشاد . فلنتوخ دائما الحق الثابت بالبرهان أو بالعيان ، ولنفسره أحسن التفسير ولنشرحه أكمل الشرح ، ولنقربه إلى الأذهان غاية التقريب . وهذا يستدعي صحة الإدراك ، وجودة الفهم ومتانة العلم لتصور الحق ومعرفته . ويستدعي حسن البيان ، وعلوم اللسان لتصوير الحق وتجليته والدفاع عنه .
فللاقتداء بالقرآن في الإتيان بالحق وأحسن بيان ، علينا أن نحصل هذه كلها ، ونتدرب فيها ، ونتمرن عليها ، حتى نبلغ إلى ما قدر لنا منها . هذا ما على أهل الدعوة والإرشاد ، وخدمة الإسلام والقرآن .
فأما ما على عموم المسلمين من هذا الاقتداء : فهو دوام القصد إلى الإتيان بالحق ، وبذل الجهد في التعبير بأحسن لفظ وأقربه .
ومن أخلص قصده في شيء وجعله من وكَدِهِ أُعِينَ – بإذن الله تعالى – عليه ."

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى