( أحسن القصص ) ما المراد بها ؟؟؟

إنضم
24/06/2007
المشاركات
90
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله

إخواني الفضلاء
كنت اقرأ سورة يوسف وفي فهمي القاصر أنها أحسن القصص القرآني على الإطلاق ولكنني قرأت كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله يخالف هذا !!!!!
أرجو من الفضلاء توضيح الأمر المشكل علي
جزاكم الله خيرا

قال شيخ الإسلام ابن تيمة في الجزء السابع عشر :
(( والذين يجعلون قصة يوسف أحسن القصص منهم من يعلم أن ‏[‏القَصَصَ‏]‏ ـ بالفتح ـ هو النبأ والخبر، ويقولون‏:‏ هي أحسن الأخبار والأنباء، وكثير منهم يظن أن المراد‏:‏ أحسن القِصَص ـ بالكسر ـ وهؤلاء جهال بالعربية، وكلا القولين خطأ، وليس المراد بقوله‏:‏ ‏{‏أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 3‏]‏، قصة يوسف وحدها، بل هي مما قصه الله، ومما يدخل في أحسن القصص؛/ولهذا قال تعالى في آخر السورة ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إليهم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأولى الأَلْباب مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 109 ‏:‏111‏]‏ فبين أن العبرة في قصص المرسلين، وأمر بالنظر في عاقبة من كذبهم، وعاقبتهم بالنصر‏.‏

ومن المعلوم أن قصة موسى وما جري له مع فرعون وغيره، أعظم وأشرف من قصة يوسف بكثير كثير؛ ولهذا هي أعظم قصص الأنبياء التي تذكر في القرآن، ثناها الله أكثر من غيرها، وبسطها وطولها أكثر من غيرها، بل قصص سائر الأنبياء ـ كنوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم من المرسلين ـ أعظم من قصة يوسف؛ ولهذا ثني الله تلك القصص في القرآن ولم يثن قصة يوسف؛ وذلك لأن الذين عادوا يوسف لما يعادوه على الدين، بل عادوه عداوة دنيوية، وحسدوه على محبة أبيه له وظلموه، فصبر واتقي الله، وابتلي ـ صلوات الله عليه ـ بمن ظلمه وبمن دعاه إلى الفاحشة، فصبر واتقي الله في هذا وفي هذا، وابتلي أيضًا بالملك، فابتلي بالسراء والضراء فصبر واتقي الله في هذا وهذا، فكانت قصته من أحسن القصص، وهي/أحسن من القصص التي لم تقص في القرآن، فإن الناس قد يظلمون ويحسدون ويدعون إلى الفاحشة ويبتلون بالملك، لكن ليس من لم يذكر في القرآن ممن اتقي الله وصبر مثل يوسف، ولا فيهم من كانت عاقبته أحسن العواقب في الدنيا والآخرة مثل يوسف‏.‏
وهذا كما أن قصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين كل منهما هي في جنسها أحسن من غيرها‏.‏ فقصة ذي القرنين أحسن قصص الملوك، وقصة أهل الكهف أحسن قصص أولياء الله الذين كانوا في زمن الْفِتْرَةِ‏.‏

فقـوله تعالى‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عليكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 3‏]‏ يتناول كل مـا قصـه في كتابه، فهو أحسـن مما لم يقصه، ليس المراد أن قصة يوسف أحسن ما قص في القرآن‏.‏ وأين مـا جـري ليوسف مما جري لموسى ونوح وإبراهيم وغيرهم من الرسل‏؟‏ ‏!‏ وأين ما عـودي أولئك مما عـودي فيـه يوسف‏؟‏ ‏!‏ وأين فضل أولئك عند الله وعلو درجتهم من يوسـف ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ‏؟‏ وأين نصر أولئك من نصر يوسف‏؟‏ فإن يوسف كما قـال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏يوسـف‏:‏ 56‏]‏، وأذل الله الذين ظلموه ثم تـابـوا، فكان فيها مـن العـبرة أن المظلوم المحسـود إذا صبر واتقي الله، كـانت له العاقبة، وأن الظالم الحاسد قـد/ يتوب الله عليه ويعفو عنه، وأن المظلوم ينبغي له العفـو عـن ظالمـه إذا قدر عليه‏.‏

وبهـذا اعتـبر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لما قام على باب الكعبة وقد أذل الله له الذين عادوه وحاربوه من الطلقاء ـ فقال‏:‏ ‏(‏ماذا أنتم قائلون‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ نقول‏:‏ أخ كريم، وابن عم كريم‏.‏ فقـال‏:‏ ‏(‏إني قـائل لكم كما قـال يوسف لإخوته‏:‏ ‏{‏لاَ تَثْرَيبَ عليكُمُ اليوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 92‏]‏‏)‏‏.‏ وكذلك عائشة لما ظُلِمَتْ وافْتُري عليها وقيـل لها‏:‏ إن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت في كـلامها‏:‏ أقول كما قال أبو يوسف‏:‏ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 18‏]‏‏.‏ ففي قصة يوسف أنواع من العبرة للمظلوم والمحسود والمبتلي بدواعي الفواحش والذنوب وغير ذلك‏.‏

لكن أين قصة نوح وإبراهيم وموسى والمسيح ونحوهم ممن كانت قصته أنه دعا الخلق إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فكذبوه وآذوه وآذوا من آمن به‏؟‏ ‏!‏ فإن هؤلاء أوذوا اختيارًا منهم لعبادة الله فعودوا، وأوذوا في محبة الله وعبادته باختيارهم، فإنهم لولا إيمانهم ودعوتهم الخلق إلى عبادة الله لما أوذوا، وهذا بخلاف من أوذي بغير اختياره، كما أُخِذ يوسف من أبيه بغير اختياره؛ ولهذا كانت محنة يوسف بالنسوة وامرأة العزيز، واختياره السجن على معصية الله، /أعظم من إيمانه، ودرجته عند الله وأجره من صبره على ظلم إخوته له؛ ولهذا يعظم يوسف بهذا أعظم مما يعظم بذلك؛ ولهذا قال تعالى فيه‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 24‏]‏‏.‏
وهذا كالصبر عن المعاصي مع الصبر على المصائب، فالأول أعظم وهو صبر المتقين أولياء الله‏.‏ قال سهل بن عبد الله التُّسْتَري‏:‏ أفعال البر يفعلها البر والفاجر، ولن يصبر عن المعاصي إلا صِدِّيق، ويوسف ـ صلوات الله عليه ـ كان صديقًا نبيًا‏.‏ وأما من يظلم بغير اختياره ويصبر فهذا كثير، ومن لم يصبر صَبْر الكرام سَلا سَلْوَ البهائم، وكذلك إذا مكن المظلوم وقهر ظالمه فتاب الظالم وخضع له، فعفوه عنه من المحاسن والفضائل، لكن هذا يفعله خلق كثير من أهل الدين وعقلاء الدنيا، فإن حلم الملوك والولاة أجمع لأمرهم وطاعة الناس لهم وتاليفهم لقلوب الناس، وكان معاوية من أحلم الناس، وكان المأمون حليمًا حتى كان يقول‏:‏ لو علم الناس محبتي في العفو تقربوا إلى بالذنوب؛ ولهذا لما قدر على من نازعه في الملك ـ وهو عمه إبراهيم بن المهدي ـ عفا عنه‏.‏
وأما الصبر عن الشهوات والهوى الغالب لله، لا رجاء لمخلوق ولا خوفًا منه، مع كثرة الدواعي إلى فعل الفاحشة‏.‏ واختياره الحبس الطويل على ذلك كما قال يوسف‏:‏ ‏{‏رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إليه‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 33‏]‏، فهذا لا يوجد نظيره إلا في خيار عباد الله الصالحين، وأوليائه/المتقين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 24‏]‏، فهذا من عباد الله المخلصين الذين قال الله تعالى فيهم‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عليهمْ سُلْطَانٌ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 42‏]‏؛ ولهذا لم يصدر من يوسف ـ الصديق ـ ذنب أصلاً، بل الهم الذي هَمَّ به لما تركه لله كتب له به حسنة؛ ولهذا لم يذكر عنه سبحانه توبة واستغفارًا، كما ذكر توبة الأنبياء كآدم وداود ونوح وغيرهم، وإن لم يذكر عن أولئك الأنبياء فاحشة ولله الحمد، وإنما كانت توباتهم من أمور أخر هي حسنات بالنسبة إلى غيرهم؛ ولهذا لا يعرف ليوسف نظير فيما ابتلي به من دواعي الفاحشة وتقواه وصبره في ذلك، وإنما يعرف لغيره ما هو دون ذلك، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله‏:‏ إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل مُعَلَّق قلبه بالمسجد إذا خرج حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال‏:‏ إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه‏)‏‏.‏
وإذا كان الصبر على الأذي لئلا يفعل الفاحشة أعظم من صبره على ظلم إخوته، فكيف بصبر الرسل على أذي المكذبين لئلا يتركوا ما أمروا به من دعوتهم إلى عبادة الله وحده، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن/ المنكر‏؟‏ ‏!‏ فهذا الصبر هو من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ كان الجهاد مقصودًا به‏:‏ أن تكون كلمة الله هي العليا وأن الدين كله لله، فالجهاد والصبر فيه أفضل الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله‏)‏ وهو حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه، وهو من حديث معاذ بن جبل الطويل، وهو أحب الأعمال إلى الله‏.‏ فالصبر على تلك المعصية صبر المهاجر الذي هجر ما نهي عنه، وصبر المجاهد الذي جاهد نفسه في الله وجاهد عدو الله الظاهر والباطن، والمهاجر الصابر على ترك الذنب إنما جاهد نفسه وشيطانه، ثم يجاهد عدو الله الظاهر؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، صبر المظلوم وصبر المصاب‏.‏
لكن المصاب بمصيبة سماوية تصبر نفسه ما لا تصبر نفس من ظلمه الناس، فإن ذاك يستشعر أن الله هو الذي فعل به هذا، فتيأس نفسه من الدفع والمعاقبة وأخذ الثأر، بخلاف المظلوم الذي ظلمه الناس، فإن نفسه تستشعر أن ظالمه يمكن دفعه وعقوبته وأخذ ثأره منه، فالصبر على هذه المصيبة أفضل وأعظـم كصبر يوسف ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ وهذا يكون لأن صاحبه يعلم أن الله قدر ذلك فيصبر على ذلك كالمصائب السماوية، ويكون أيضًا لينال ثواب الكاظمين الغيظ والعافين عن/الناس والله يحب المحسنين، وليسلم قلبه من الغل للناس، وكلا النوعين يشترك في أن صاحبه يستشعر أن ذلك بذنوبه، وهو مما يكفر الله به سيئاته ويستغفر ويتوب، وأيضًا فيري أن ذلك الصبر واجب عليه، وأن الجزع مما يعاقب عليه، وإن ارتقي إلى الرضا، رأي أن الرضا جنة الدنيا، ومستراح العابدين، وباب الله الأعظم، وإن رأي ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ودينه وقربه إلى الله، وتكفير سيئاته وصونه عن ذنوب تدعوه إليها شياطين الإنس والجن شكر الله على هذه النعم‏.‏
فالمصائب السماوية والآدمية تشترك في هذه الأمور، ومعرفة الناس بهذه الأمور وعلمهم بها، هو من فضل الله يمن به على من يشاء من عباده؛ ولهذا كانت أحوال الناس في المصائب وغيرها متباينة تباينًا عظيمًا، ثم إذا شهد العبد القدر وأن هذا أمرًا قدره الله وقضاه وهو الخالق له، فهو مع الصبر يسلم للرب القادر المالك الذي يفعل ما يشاء وهذا حال الصابر، وقد يسلم تسليمه للرب المحسن المدبر له بحسن اختياره الذي‏:‏ ‏(‏لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له‏:‏ إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له‏)‏ كما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا تسليم راض لعلمه بحسن اختيار الله له، وهذا يورث الشكر‏.‏ وقد يسلم تسليمه للرب المحسن إليه المتفضل عليه بنعم عظيمة، وإن لم/ ير هذا نعمة، فيكون تسليمه تسليم راض غير شاكر، وقد يسلم تسليمه لله الذي لا إله إلا هو المستحق لأن يعبد لذاته، وهو محمود على كل ما يفعله، فإنه عليم حكيم رحيم، لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، وهو مستحق لمحبته وعبادته وحمده على كل ما خلقه، فهذا تسليمُ عبدٍ عابدٍ حامدٍ، وهذا من الحمادين الذين هم أول من يُدْعَى إلى الجنة، ومن بينهم صاحب لواء الحمد، وآدم فمن دونه تحت لوائه، وهذا يكون القضاء خيرًا له ونعمة من الله عليه‏.‏

لكن يكون حمده لله ورضاه بقضائه من حيث عرف الله وأحبه وعبده، لاستحقاقه الألوهية وحده لا شريك له، فيكون صبره ورضاه وحمده من عبادته الصادرة عن هذه المعرفة والشهادة، وهذا يشهد بقلبه أنه لا إله إلا الله، والإلـه عنـده هو المستحق للعبادة، بخلاف من لم يشهد إلا مجرد ربوبيته ومشيئته وقدرته، أو مجرد إحسانه ونعمته، فإنهما مشهدان ناقصان قاصران، وإنما يقتصر عليهما من نقص علمه بالله وبدينه الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه؛ كأهل البدع من الجهمية والقدرية الجبرية والقدرية المعتزلة، فإن الأول مشهد أولئك، والثاني مشهد هؤلاء، وشهود ربوبيته وقدرته ومشيئته مع شهود رحمته وإحسانه وفضله مع شهود إلهيته ومحبته ورضاه وحمده والثناء عليه ومجده، هو مشهد أهل العلم والإيمان من أهل السنة والجماعة التابعين بإحسان/ للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار‏.‏ وهذه الأمور لبسطها موضع آخر‏.‏
والمقصود هنا أن هذا يكون للمؤمن في عموم المصائب، وما يكون بأفعال المؤمنين فله فيه كظم الغيظ والعفو عن الناس‏.‏ ويوسف ـ الصديق صلوات الله عليه ـ كان له هذا، وأعلى من ذلك الصبر عن الفاحشة مع قوة الداعي إليها، فهذا الصبر أعظم من ذلك الصبر، بل وأعظم من الصبر على الطاعة؛ ولهذا قال سبحانه في وصف المتقين الذين أعد لهم الجنة‏:‏ ‏{‏وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران 133 ‏:‏136‏]‏‏.‏
فوصفهم بالكرم والحلم وبالإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس، ثم لما جاءت الشهوات المحرمات وصفهم بالتوبة منها فقال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 135‏]‏، فوصفهم بالتوبة منها وترك الإصرار عليها لا بترك ذلك بالكلية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واللسان يزني وزناه المنطق، واليد تزني وزناها البطش، والرِّجْلُ تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه‏)‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون‏)‏‏.‏ فلابد للإنسان من مقدمات الكبيرة، وكثير منهم يقع في الكبيرة فيؤمر بالتوبة، ويؤمرون ألا يصروا على صغيرة، فإنه ‏[‏لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار‏]‏ ‏.‏
ويوسف صلى الله عليه وسلم صبر على الذنب مطلقًا، ولم يوجد منه إلا هَمٌّ تركه لله كتب له به حسنة‏.‏ وقد ذكر طائفة من المفسرين أنه وجد منه بعض المقدمات، مثل حل السراويل والجلوس مجلس الخاتن ونحو ذلك، لكن ليس هذا منقولاً نقلاً يصدق به، فإن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ومثل هذه الإسرائيليات إذا لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف صدقها؛ ولهذا لا يجوز تصديقها ولا تكذيبها إلا بدليل، والله تعالى يقول في القرآن‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 24‏]‏، فدل القرآن على أنه صرف عنه السوء /والفحشاء مطلقًا، ولو كان قد فعل صغيرة لتاب منها‏.‏ والقرآن ليس فيه ذكر توبته‏.‏ ومن وقع منه بعض أنواع السوء والفحشاء لم يكن ذلك قد صرف عنه، بل يكون قد وقع وتاب الله عليه منه، والقرآن يدل على خلاف هذا‏.‏ وقد شهدت النسوة له أنهن ما علمن عليه من سوء، ولو كان قد بدت منه هذه المقدمات، لكانت المرأة قد رأت ذلك، وهي من النسوة اللاتي شهدن وقلن‏:‏ ‏{‏مَا عَلِمْنَا عليه مِن سُوءٍ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 51‏]‏، وقالت مع ذلك‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 32‏]‏، وقالت ‏{‏أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 51‏]‏، وقوله‏:‏ ‏[‏سوء‏]‏ نكرة في سياق النفي، فدل ذلك على أن المرأة لم تر منه سوءًا، فإن الهم في القلب لم تطلع عليه، ولو اطلعت عليه، فإنه إذا تركه لله كان حسنة، ولو تركه مطلقًا لم يكن حسنة ولا سيئة، فإنه لا إثم فيه إلا مع القول أو العمل‏.‏

وأما قصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ـ صلوات الله عليهم ـ فتلك أعظم، والواقع فيها من الجانبين، فما فعلته الأنبياء من الدعوة إلى توحيد الله وعبادته ودينه وإظهار آياته وأمره ونهيه ووعده ووعيده ومجاهدة المكذبين لهم والصبر على أذاهم هو أعظم عند الله؛ ولهذا كانوا أفضل من يوسف ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وما صبروا عليه وعنه أعظم من الذي صبر يوسف عليه وعنه، وعبادتهم لله/وطاعتهم وتقواهم وصبرهم بما فعلوه، أعظم من طاعة يوسف وعبادته وتقواه، أولئك أولو العزم الذين خصهم الله بالذكر في قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 7‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إليكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏}‏ ‏[‏الشورى:‏ 13‏]‏، وهم يوم القيامة الذين تطلب منهم الأمم الشفاعة، وبهم أمر خاتم الرسل أن يقتدي في الصبر، فقيل له‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 35‏]‏، فقصصهم أحسن من قصة يوسف؛ ولهذا ثناها الله في القرآن، لا سيما قصة موسى‏.‏ قال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى‏.‏....................

والمقصود هنا أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 3‏]‏، المراد‏:‏ الكلام الذي هو أحسن القصص، وهو عام في كل ما قصه اللّه، لم يخص به سورة يوسف؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَـذَا الْقُرْآنَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 3‏]‏، ولم يقل‏:‏ بما أوحينا إليك هذه السورة، والآثار المأثورة في ذلك عن السلف تدل كلها على ذلك، وعلى أنهم كانوا يعتقدون أن القرآن أفضل من سائر الكتب، وهو المراد‏.‏ والمراد من هذا حاصل على كل تقدير، فسواء كان أحسن القصص مصدرًا أو مفعولاً أو جامعًا للأمرين، فهو يدل على أن القرآن وما في القرآن من القصص أحسن من غيره، فإنا قد ذكرنا أنهما متلازمان، فأيهما كان أحسن، كان الآخر أحسن‏.‏ فتبين أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 23‏]‏، والآثار السلفية تدل على ذلك‏.‏
والسلف كانوا مقرين بأن القرآن أحسن الحديث، وأحسن القصص، كما أنه المهيمن على ما بين يديه من كتب السماء، فكيف يقال‏:‏ إن كلام اللّه كله لا فضل لبعضه على بعض‏؟‏ ‏!‏ روي ابن أبي حاتم، عن المسعودي، عن القاسم أن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا‏:‏ حدثنا يارسول اللّه، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏، /ثم ملوا ملة فقالوا‏:‏ حدثنا يارسول اللّه، فنزلت‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 23‏]‏، ثم ملوا ملة فقالوا‏:‏ حدثنا يارسول اللّه، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 16‏]‏‏.‏
وقد روى أبو عبيد في ‏[‏فضائل القرآن‏]‏ عن بعض التابعين فقال‏:‏ حدثنا حجاج، عن المسعودي، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة قال‏:‏ مل أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا‏:‏ يارسول اللّه، حدثنا، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ‏}‏ قال‏:‏ ثم نعته فقال‏:‏ ‏{‏كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ إلى آخر الآية ‏[‏الزمر‏:‏ 23‏]‏، قال‏:‏ ثم ملوا ملة أخرى فقالوا‏:‏ يارسول اللّه، حدثنا شيئا فوق الحديث ودون القرآن - يعنون القصص - فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ‏}‏ ـ إلى قوله ـ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 1‏:‏ 3‏]‏، قال‏:‏ فإن أرادوا الحديث دلهم على أحسن الحديث، وإن أرادوا القصص دلهم على أحسن القصص‏.‏ ورواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن مرفوعا عن مصعب بن سعد، عن سعد قال‏:‏ نزل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا‏:‏ يارسول اللّه، لو قصصت علينا‏.‏ فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 1‏:‏ 3‏]‏، /فتلاه عليهم زمانًا‏.‏
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيكم أخي الكريم أحمد على هذا النقل القيم عن ابن تيمية رحمه الله .
وقد اتضح لك الصواب في فهم الآية بما أفاض فيه ابن تيمية في جوابه عن سؤالك ، وهو الذي عليه المفسرون من أن المقصود أحسن القصص من حيث الأسلوب والعرض، وليس المقصود أن سورة يوسف هي أحسن القصص القرآني على الإطلاق كما تبادر إلى فمهك حفظك الله .
علماً أن ورود الآية في مطلع سورة يوسف يوحي بما فهمتم منها ، لولا التدبر في معناها الذي يكشف لك أن المقصود الحديث عن جنس القصص القرآني ، وأنه أحسن القصص من حيث النوعية مطلقاً ، وأنه أحسن مما لم يقصه الله في القرآن .
ولعلك تتكرم بمراجعة كتاب للدكتور أحمد نوفل بعنوان (مناهج البحث و التأليف في القصص القرآني : دراسة تحليلية نقدية) لعلك تجد تفاصيل أوفى حول هذه الفكرة .

وفقك الله ونفع بك .
 
بارك الله فيكم أخي الكريم أحمد على هذا النقل القيم عن ابن تيمية رحمه الله .
وقد اتضح لك الصواب في فهم الآية بما أفاض فيه ابن تيمية في جوابه عن سؤالك ، وهو الذي عليه المفسرون من أن المقصود أحسن القصص من حيث الأسلوب والعرض، وليس المقصود أن سورة يوسف هي أحسن القصص القرآني على الإطلاق كما تبادر إلى فمهك حفظك الله .
علماً أن ورود الآية في مطلع سورة يوسف يوحي بما فهمتم منها ، لولا التدبر في معناها الذي يكشف لك أن المقصود الحديث عن جنس القصص القرآني ، وأنه أحسن القصص من حيث النوعية مطلقاً ، وأنه أحسن مما لم يقصه الله في القرآن .
ولعلك تتكرم بمراجعة كتاب للدكتور أحمد نوفل بعنوان (مناهج البحث و التأليف في القصص القرآني : دراسة تحليلية نقدية) لعلك تجد تفاصيل أوفى حول هذه الفكرة .

وفقك الله ونفع بك .

جزاك ربي خيرا شيخنا الفاضل فقد أفدتنا وأمتعتنا بجوابكم
 
عودة
أعلى